آمال اعتقلها النظام واغتصبت ونبذها مجتمعها: سأبدأ حياتي من جديد

كلمات عابرة و رسائل الكترونية بسيطة قد تعيدها للحياة مرة أخرى، تستعيد آمال الفتاة الثلاثينة ذات البشرة الحنطية، قوتها حين تعاود  تواصلها مع صديقاتها المقربات منها، وخاصة ممن كن على اطلاع على تفاصيل قصة اعتقالها بعد هروبها من سوريا و مسقط رأسها درعا، رافقه نبذ المجتمع لها وغضه النظر عن دورها في ثورة شعب بأسره، ليركز على كونها اعتقلت وفقدت ما يسمى “شرفها” إثر اعتقالها، فهي شابة لم تكن متزوجة . 

تقول آمال “تتزامن قصتي مع بدايات الثورة حين بدأ العسكريون و الضباط بالانشقاق، حينها كنت مدرسة للغة عربية في إحدى مدارس بلدة بريف درعا، (تحفظت على ذكر اسم بلدتها) شاركت في الثورة وخرجت بمظاهرات وهتفت للحرية، التي كانت أحد أحلامي، وعلى أحد الحواجز تم اعتقالي ولأول مرة من قبل قوات النظام، و بقيت هناك لمدة ثلاثة أشهر، حتى تدخل عمي، وهو ضابط برتبة عميد فخرجت من المعتقل لأكمل حياتي العادية، ورغم ذلك استمر نشاطي السياسي في بلدتي، و كنت اساعد بعض العسكريين على الانشقاق، بسبب قرب الحاجز من بيتي، وتفاجئت للمرة الثانية عند مغادرتي باعتقالي، ولكن هذه المرة بتهمة أكبر او بالأحرى بعدة تهم”.

كانت التهمة الأساسية لآمال هي التعامل مع بعض الأشخاص لمساعدة الضباط على الانشقاق، و من بينهم خالها و هو برتبة عقيد، إلا أن التهمة الأخطر التي وجهت لها هي قتل ضابط، والقيام بالدعس عليه بقدميها، وهو مالم تفعله أو تفكر به. تتابع آمال “تم تغطية عيني على الفور عندما اعتقلت على أحد الحواجز مجدداً، وترافق ذلك بضربي وتوجيه الاهانات لي، في لحظة وصولي إلى الفرع الذي سجنت بداخله، تم التحقيق معي عن التهمة الموجهة لي و هي قتل الضابط، و كانت إجابتي لا أعلم شيئاً عن ذلك، فبدأت عملية تعذيبي ضرباً، واستخدام العصا الكهربائية التي سببت لي حالات إغماء”.

سجنت آمال في غرفة لا يتجاوز طولها مترين وعرضها متراً واحداً، لم تستطع أن تميز بين الليل والنهار، كل ما تشعر به هو حركة فئران حولها، ويصل إلى مسامعها أصوات تعذيب معتقلين. تتابع “بعد ساعات، تم استدعائي ثانية للتحقيق، مكررين سؤالهم عن تورطي بقتل ضابط، لم أغير إجابتي، لكن ما حدث بعد ذلك كان هو الموت في حد ذاته، حيث تم إدخالي إلى غرفة ذات ضوء خافت، ورأيت عدداً من العساكر فيها ومعهم ضابطين، و تم الإيعاز لهم بالإعتداء بشكل مستمر إلى أن اعترف بقتل الضابط، أستطيع اختصار مئات الكلمات وأعداداً من السطور في عبارة واحدة، و هي أني تعرضت للاغتصاب الجماعي عدة مرات ، الذي لطالما سمعت عنه في المعتقلات، ولكن عندما تعرضت له كان ذلك أقسى و أصعب، ولا يحتمل الشرح أو الكلام، الإغتصاب هو أقذر ما تتعرض له الفتاة، فكيف إذا كان جماعياً لفتاة ريفية تشبعت بأخلاق الريف و حياء بناته، وبعد عدة عمليات اغتصاب تم سجني في معتقل يضم عدة معتقلات”.

 لم يبق لآمال أمل في الخروج ،“كل الأبواب باتت مغلقة، و لكن باب الله مفتوح” كانت تردد ذلك بينها وبين نفسها، بعد أن وصلت إلى مرحلة اليأس إلى أن سمعت أحد العساكر يناديها طالباً إياها للتحقيق، لم يتغير جوابها فنقلت إلى فرع آخر، بعد أن وقعت ورقة تنص على عدم مشاركتها في أي نشاط سياسي، وبدخولها ذلك الفرع فوجئت بوجود عمها العميد”شعرت بأني ربما أولد ثانية او عدت الى الحياة، النجاة من الموت تبدو كحلم رائع، و لكن ما بعد ذلك كان الأسوأ”.

 وبذلك خرجت آمال بعد اعتقال دام ستة أشهر. وعن خروجها تقول “العتمة والظلام الذي عشته في المعتقل أصبح فوبيا كبيرة أعيش فيها رغم العلاج النفسي الذي خضعت له، بعد ثلاث سنوات من الحرية تصحى عائلتي على صراخي، فأنا لا أقوى على النوم المتواصل، الظلام يلاحقني ووجوه مظلمة تقترب مني وصرخات لا اعرف متي ستنتهي، وتعلن شفائي”.

خرجت آمال من المعتقل منذ خمس سنوات، وبخروجها عمت الأفراح بيت أهلها فذبح والدها الذبائح ودعا أفراد العشيرة، لكن تلك العشيرة بدأت بالانسحاب تدريجاً فيما بعد، فلم يكن بإمكان ذلك المجتمع الريفي استيعاب أن تعتقل فتاة وتعذب وتغتصب فتقول آمال بلهجتها المحلية “قالوا خربت بيتها شو كان بدها بهالسوالف ضيعت شرفها وضيعت أهلها”.

شاركت آمال بعد ذلك في عدة أنشطة انسانية كالدعم النفسي للأطفال و في دعم و تمكين المرأة، و لكن بعد فرض سيطرة النظام على درعا أخبرها عمها أنها تستطيع دفع مبلغ آربعة آلاف دولار مقابل شطب اسمها من قوائم الإرهابيين دون تسوية وضعها كباقي صديقاتها من الناشطات، ورغم أنها دفعت المبلغ بعد جمعه بشق النفس، تفاجأت بأن اسمها ما زال موجوداً، ليطلب منها عمها مغادرة سورية نهائياً إلى لبنان لضمان سلامتها.

 وبالفعل تركت آمال درعا متوجهة إلى لبنان منذ أشهر، تبحث عن حياة تليق بها كفتاة ثارت على ظلم نظام بأسره، ولكنها تقول “رغم كل الآلام النفسية التي أعانيها، لم أعد أحتمل نظرة المجتمع لي، فرغم وقوف أهلي بجانبي بعد تجربة الاعتقال، إلا أن نظرات الجيران والمحيط لم تعد ترحمني، لقد خرجت إلى مجتمع لا يعرفني ولا يعلم ما جرى معي، وعسى أن أبدأ حياتي من جديد”.

قد يعجبك ايضا