إدلب: هل “الانقاذ” حكومة طبيعية؟

علي عبدالرحمن كده أثناء قبوله التكليف بتشكيل الحكومة/إباء

جسر: رأي:

على الرغم من أن الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة لـ”حكومة الانقاذ”، قبل يومين، لم يُثر اهتماماً كبيراً، لكنه يشير إلى سياسة تراها “هيئة تحرير الشام” مثمرة وقابلة للنجاح على المدى البعيد، ما يجعلها تتمسك بتطبيقها والبحث عن آليات ووسائل إضافية لتطويرها، بغض النظر عن ردود الفعل تجاهها.

علي عبدالرحمن كده أثناء قبوله التكليف بتشكيل الحكومة/إباء

وكانت الحكومة السابقة برئاسة فواز هلال، قد قدمت استقالتها إلى “مجلس الشورى”، الذي كلّف بدوره، علي كده، بتشكيل الحكومة الجديدة. وعلي كده مهندس من قرية حربنوش بريف إدلب، وهو من مواليد 1973، ولديه خمسة أولاد. وتعهد كده في بيانه الوزاري، بـ”الوصول إلى وطن بلا خيمة عبر العمل على حل مشكلة النزوح والمخيمات”.

وفي البحث عن نماذج يمكن القياس عليها في ما يتعلق بالحكومة التابعة لـ”الهيئة” باعتبارها فصيلاً جهادياً، غالباً ما يطل نموذجا “حركة طالبان” الافغانية وتنظيم “الدولة الاسلامية” كمثالين يمكن المقارنة بهما، لفهم طبيعة ومصير التجربة الحالية شمال غربي سوريا. إلا أن المعطيات الخاصة بهذه التجربة، وقبل ذلك الخصوصية التي استطاعت “تحرير الشام” أن تتمتع بها بين قوى التيار السلفي الجهادي تشير إلى اتجهات أخرى. إذ يمكن القول إن تجربتي نظام “الثورة الاسلامية” في إيران، وحكومة “حركة حماس” في غزة، هما الأكثر إلهاماً لعرابي مشروع “حكومة الانقاذ”، الذين يراهنون على نجاح مشروعهم، رغم عدم الرضا الذي يبديه كل من الداخل والخارج عنه.

الهدف المحلي

المؤشرات تقول إن قيادة “هيئة تحرير الشام” تسعى بشكل حثيث إلى كسب رضا السكان المقيمين في مناطق سيطرتها على المدى القصير من جهة، وكسب ثقة العالم الخارجي على المدى الطويل من جهة أخرى، وصولاً إلى تثبيت أمر واقع في النهاية.

التغيير الوزاري الجديد يصب حتماً في سياق السعي لامتصاص نقمة الداخل على الواقع الخدمي والإداري في إدلب ومحيطها، بعدما بلغت مستويات خطيرة في الأشهر الأخيرة الماضية، حيث شهدت الكثير من المدن والبلدات مظاهرات منددة بـ”الهيئة” و”حكومة الانقاذ” السابقة التي قدمت استقالتها.
حل تقليدي طبعاً، لكن قيادة “الهيئة” لا تفكر بحكومتها بما هو غير تقليدي، بل من الواضح أنها ترى في اللجوء إلى الطرق المتبعة في جميع دول العالم السبيل الأفضل لترسيخ صورتها كسلطة متمكنة ينطبق عليها ما ينطبق على الآخرين. ولذلك فإنها تعتبر عملية التغيير الوزاري استجابة عصرية لمطالب الشعب، بغض النظر عن مدى قناعة الشعب بهذه الاستجابة، على الأقل حالياً.

لكن “الهيئة” ترى أن هناك سبلاً أخرى يمكن من خلالها منح جوائز ترضية للسكان المحليين، عبر اختيار وزراء من مناطق مختلفة بما يمكن من القول إن الحكومة تمثل جميع المناطق التي تقع تحت نفوذها، على الرغم من محدودية عدد الحقائب التي لا تزيد هذه المرة عن 10، بالإضافة إلى رئيس الحكومة. وهي الطريقة المعتمدة لديها في اختيار أعضاء “مجلس الشورى العام”.

كما أن التشكيل الجديد حاول اضفاء المزيد من الحداثة والجدية في الوقت ذاته، سعياً لكسب الرأي العام، أو على الأقل من أجل التخفيف من حدة سخطه. وهو أسلوب آخر غير متبع لدى الجماعات الجهادية التي تمكنت من إقامة شكل من أشكال الحوكمة في مناطق سيطرتها بالقوة.

الهدف الخارجي

وإذا كانت هذه الرسائل موجهة بالدرجة الأولى إلى الداخل، فهي مفيدة في الوقت ذاته مع الخارج أيضاً، الذي أصبح تجاهله والتعالي عليه والقطيعة معه جزء من التراث السلفي الجهادي الذي خطت “هيئة تحرير الشام” خطوات واضحة باتجاه التخفف من قيوده.

لكن الرسالة الخارجية الأهم التي تعمل “الهيئة” على إبقائها بارزة، هي التأكيد على قدراتها في الجانب الأمني خاصة في منطقة تعتبر ملعباً مفتوحاً في الوقت الحالي لمختلف القوى والجماعات التي يرى فيها العالم تهديداً له.

والحقيقة أن “تحرير الشام” نجحت إلى حد كبير في إثبات ذاتها على هذا الصعيد. كما أن إدارتها لملف المعابر مع الجارة تركيا يزيد من قناعة قادتها بأن العالم يمكن أن يقتنع بالأمر الواقع الذي فرضته، بما في ذلك روسيا وإيران، اللتين تأمل “الهيئة” بأن تتمكن تركيا من ثنيهما عن شن هجوم على إدلب وريفها، مع ضمانات لن تتردد “الهيئة” في تقديمها في حال حدث مثل هذا الاتفاق.

وبهذا الصدد ترى قيادة “تحرير الشام” في تجربتي حكومة “الثورة الاسلامية” في إيران وحكومة “حركة حماس” في غزة، مثالين مشجعين على المضي قدماً في هذا المشروع. إذ تمكن النظام الإيراني و”حماس” من عبور مأزق الرفض الدولي، وتثبيت الذات لاحقاً كلاعب لا يمكن تجاوزه. وبعد أن كان أقصى طموحات الجولاني وفريقه في السابق هو استنساخ تجربة “حزب الله”، أصبح البحث عن شكل من الحكم طموحاً ممكناً الآن.

الهدف التنظيمي

الطرف الثالث الذي لا يمكن لـ”هيئة تحرير الشام” تجاوزه، ولا بد لها من خلق الشعور بالرضا لديه في ما يتعلق بمشروع الحكومة، هم كوادر “الهيئة” وجمهورها من التيار السلفي الجهادي الذي نظر منذ اللحظة الأولى إلى هذا المشروع بعين غير مطمئنة، واعتبره الكثيرون منهم بدعة.

لدى إطلاق “حكومة الانقاذ”، بذل الجولاني وفريقه جهداً غير قليل في سبيل اقناع هذا الطرف بالمشروع الذي واجه انتقادين اساسيين من قبل هذا الطرف؛ الأول، أنه مشروع يقوم على أساس وطني طالما أنه يحمل اسم “حكومة الانقاذ السورية”. والثاني، أنه مشروع يعتمد وسائل وأدوات غربية في الحكم والإدارة، بالإضافة الى أنه يسلم “ثمرة الجهاد” إلى حكومة وزراؤها من خارج “الهيئة” والتيار الجهادي، ما يعني التقليل من فرص “تطبيق الشريعة”.

في تلك اللحظة كانت قيادة “الهيئة” بحاجة فعلاً لنموذج “حركة طالبان” والمجالس المحلية التي سمح فرع تنظيم “القاعدة” في اليمن لها بالعمل ضمن المناطق التي سيطر عليها بين العامين 2011-2012، خاصة في محافظة المكلا، بالإضافة الى تجارب أخرى أبسط خاضتها بعض الجماعات الجهادية في الحكم والإدارة. وهو أمر نجح في اقناع قسم مهم حافظ على ولائه لقيادة “تحرير الشام”، بينما لم يكن مقنعاً لقسم آخر انشق عن “الهيئة” وأغلبهم من غير السوريين “المهاجرين:، الأمر الذي لم يؤدِ الى عراقيل جدية أمام المشروع في النهاية.

ليست “حكومة الانقاذ” سوى واجهة مدنية لـ”هيئة تحرير الشام”، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان. حتى “الهيئة” ذاتها لم تعد محرجة من هذه الحقيقة. وما هو أهم من كل ذلك أن مشروع “حكومة الإنقاذ” لا يعنى بالقيام بمسؤوليات الحكومة، بقدر ما يعني توزيع جوائز ترضية ورسائل للداخل والخارج، على أمل أن يسهم ذلك في تثبيت سلطة “تحرير الشام”، أو على الأقل فرض نفسها كقوة لا يمكن اقصاؤها في المستقبل.

 

(المدن)

قد يعجبك ايضا