إلى أين يمضي حزب العدالة والتنمية التركي؟

علي باباجان، عبدالله غول، داود أوغلو

جسر: متابعات:

علي باباجان، عبدالله غول، داوود أوغلو

ما زالت ارتدادات خسارة حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في تركيا انتخابات رئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة تلقي بظلالها على المشهد السياسي التركي، وتطاول الحزب نفسه، حيث تتالت استقالات شخصيات تاريخية ساهمت في تشكيله ونجاحه في الوصول إلى حكم تركيا، طوال السنوات السابقة، إلى جانب انتقادات علنية عديدة، وجهتها شخصيات عديدة، لطريقة عمل الحزب وسلوك قادته، وسوى ذلك كثير.

ولعل قرار اللجنة التنفيذية في “العدالة والتنمية” إحالة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وثلاثة آخرين، إلى لجنة تأديبية، تمهيداً لفصلهم من الحزب، يعكس اكتمال دخول الحزب في أزمة خلافات بنيوية عميقة، بالنظر إلى أن القرار جاء رداً على انتقاداتٍ وجهت إلى الحزب، وعلى الرغم من تاريخ الشخصيات المنتقدة، ودورها التاريخي في الحزب، والذي مكّنها ذلك من تقلّد مناصب حزبية وحكومية مهمة وعديدة. ولعل الأهم من ذلك تقديم علي باباجان وبشير أتالاي استقالتيهما من الحزب، إلى جانب آخرين قدّموا استقالتهم أو يعتزمون تقديمها، مثل سعد الله أرجين، ونهاد أرجين، وهاشم كيليتش، وسواهم. وتولى هؤلاء الشخصيات مهام قيادية في حزب العدالة والتنمية، ومناصب مهمة في الدولة التركية.

غير أن وزير الاقتصاد السابق، علي باباجان، انتقد علناً، في الآونة الأخيرة، أداء الحزب وسياساته، ولم يخف نيّته تأسيس حزب سياسي جديد، ينافس “العدالة والتنمية”، مع مجموعة من أصدقائه، وخصوصاً رئيس الجمهورية السابق، عبد الله غول. كما تردّدت، في الوسط السياسي التركي، تقارير إعلامية وأقاويل عن نية أحمد داود أوغلو تأسيس حزب جديد آخر.

ويبدو أن سؤال إلى أين يمضي حزب العدالة والتنمية الحاكم بات يطرح بقوة، اليوم، في الحياة السياسية التركية، وهو يعد من إرهاصات الانتخابات البلدية التي جرت في مارس/ آذار  الماضي، وأفرزت متغيرات عديدة، إذ قبلها، كان الحديث يطاول الأزمات داخل أحزاب المعارضة التي كانت تضطر إلى خوض جدالات، وعقد مؤتمرات استثنائية بعد كل انتخابات، فيما كان “العدالة والتنمية” يتابع بفرح وسعادة الصراع داخل صفوفها. ولكن الأمر انعكس تماماً بعد خسارة رئاستي بلديتي إسطنبول وأنقرة، وخصوصاً بعد قرار إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، حيث وجهت انتقادات عديدة لحزب العدالة والتنمية، وبات في موضع جدل في الأوساط السياسية والشعبية، ويطرح السؤال حول مستقبله في الحكم ومصيره.

وقد حملت نتائج الانتخابات البلدية متغيرات كثيرة، وطرحت على “العدالة والتنمية” ضرورة مراجعة أدائه وسياساته، فبدأ الحزب بعقد اجتماعات تقييم الأداء، بحثاً عن أسباب الخسارة التي سببت آلام مخاض مؤلمة داخله، غير أن نتائج الاجتماعات التي عقدت لم تتناول الأسباب الداخلية في الحزب نفسه، بل تناول اجتماع الرئيس أردوغان مع هيئة القرار المركزي في الحزب، في 11 يوليو/ تموز، لتقييم نتائج الانتخابات المحلية، ووجود الأجانب في إسطنبول، وصدرت عنه قرارات لتنظيم وجودهم فيها، وأسفر ذلك عن حملة طاولت وجود اللاجئين السوريين فيها، وكان مدخلاً غريباً وبعيداً عن الواقع، ذلك أن خسارة انتخابات بلدية هذه المدينة لا تنحصر في ورقة الوجود السوري وتوظيفاتها السياسية، بل كان الأجدى تناول الأسباب الأشد إلحاحاً وتأثيراً، والتي يجدها بعض الأتراك في أداء قيادات حزب العدالة والتنمية وسلوكها، واستقالة وإبعاد قيادات مؤسسة للحزب كان لها دور في صعود نجمه، واتهامات الفساد التي طاولت قيادات وكوادر فيه، إلى جانب إرهاصات الانتقال إلى النظام الرئاسي، واتساع حملات الملاحقة والاعتقال على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز 2016، فضلاً عن تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد التركي، مع بلوغ التضخّم نسبة 15,7%، وبلوغ الانكماش 2,6%، والبطالة 13%، وذلك في الربع الأول من عام 2019.

ويبدو أن الخطوة التالية في التقييم جاءت لتطاول الشخصيات التي خرجت من حزب العدالة  والتنمية، وتلك التي أبعدت عنه أيضاً، من أجل احتواء انتقاداتٍ وجهوها لأداء الحزب وقياداته، وبالتالي توجيه رسالة إلى من هم ما يزالون داخل الحزب أيضاً، ولديهم نية الخروج منه، بغية الانضمام إلى أحزاب سياسية جديدة، يعتزم علي باباجان وداود أوغلو وسواهما تشكيلها.

كان الأجدى بقادة حزب العدالة والتنمية تقبل خسارة الانتخابات البلدية، والقيام بنقد ذاتي حقيقي، وإجراء مراجعات وإصلاحات داخل الحزب، وأن يتحمّلوا الثمن السياسي للخسارة، بقراءة جوانب تراجع شعبية الحزب وأسبابه، ومعرفة حيثيات التغير في الخريطة السياسية التركية بإمعان، وتفحّص مختلف جوانبها التي يكمن بعضها في عالم السياسة، وبعضها الآخر في دنيا الاقتصاد ومعيشة عامة الأتراك، ذلك أن قيادة “العدالة والتنمية” تغيرت كثيراً خلال السنوات السابقة، بعد أن أبعدت قياداتٍ تاريخية عنه، خصوصاً التي ساهمت في تأسيسه ونجاحاته، وظهور نزعات التّرهل والاطمئنان إلى الإنجازات التي حققها الحزب في المراحل الأولى لوصوله إلى حكم تركيا.

ولعل من الضروري البحث عن سبل تحسين الأوضاع المعيشية التي تدهورت كثيراً، خلال السنوات القليلة الماضية، إثر التراجع الاقتصادي، وتدهور قيمة الليرة التركية، وارتفاع نسبة التضخم وزيادة نسبة البطالة، خصوصاً بين أوساط الشباب. ولذلك، الأجدى بحزب العدالة والتنمية معرفة إلى أين سيتجه، فالطريق ما يزال مفتوحاً أمامه، من أجل تبيان أوجه التقصير، وبذل الجهود الجادّة من أجل تلافيها، وإصلاح مواضع الخلل، كي يستخلصوا الدرس المفيد الذي حملته نتيجة الانتخابات.

العربي الجديد 8 أيلول/سبتمبر 2019

قد يعجبك ايضا