“استراحة محارب” لمحاربين لم يحملوا سلاحاً (صور)

  ريهام منصور

أبو أحمد مع عائلته وأثناء عمله

جسر: تقارير:

تتزاحم أفكار حسان أبو أحمد عندما يريد الحديث عن نفسه، فتارة تعود به الذاكرة إلى منزله الذي أحرقته قوات النظام،  كونه أحد المنشقين عن منظمة الدفاع المدني في حلب، وتارة أخرى يتذكر زملاءه الذين استشهدوا في منظمة الخوذ البيضاء خلال غارات طالتهم، لتستقر ذاكرته على حياته الآن، بعد أن بات وشقيقه معيلين، لـ ١٨ طفلاً يتيماً، وهم أبناء أشقائه الذين رحلوا في ظروف مختلفة.

“حسان أبو أحمد” في الرابعة والأربعين من العمر، متزوج ولديه خمسة أبناء، كان يعمل في منظمة الدفاع المدني قبيل اندلاع الثورة، لينشق، ويقوم مع أصدقائه ومتطوعين آخرين بتشكيل مركز للدفاع المدني في كللي بإدلب، ومنذ أربع سنوات استلم إدارته، وقدم هذا المركز أربعة شهداء ومصابين آخرين.

لا يعتبر “أبو أحمد” أن ضغط العمل بالنسبة له مع “أزمة كورونا” قد تراجع، ولكن ربما طبيعة العمل هي التي تغيرت، إذ بدأ مركز الدفاع المدني منذ شهر تقريباً، بحملات التعقيم في المؤسسات والمساجد والمدارس والمشافي، واستطاع الوصول إلى ١١٠ من المخيمات، وتعقيمها، مع اتباع المراكز لكافة الإجراءات الوقائية من الفيروس.

يغيب بسبب طبيعة عمله معظم الوقت عن أطفاله، الذين بات يراهم الآن بهدوء بعد أن خفت حدة المعارك والضربات، فيقول ” كنت أحرص حتى خلال وقت الذروة أثناء ممارسة عملي أن أكون برفقة عائلتي، ولكن نظراً لكوني رئيس مركز زادت مهامي”.

ومع سنوات الحرب الطويلة فقد الناس اهتماماتهم بأي نشاط، يقول أبو أحمد “لم يعد هناك ما يسمى نشاطات اجتماعية، فهم الناس هو العمل وتأمين لقمة العيش والمنامة، وعدا ذلك رفاهية ليس أكثر، وبالنسبة لي أقضي بعض أوقات الفراع بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي أتصفح الأخبار وما يجري، أما التلفاز فلم نعد نشاهده نظراً لأن المولدات الكهربائية تعمل لمدة ثلاث ساعات يومياً، ليس إلا، نعم الحرب وآثارها انعكست على سلوكياتنا واهتماماتنا”.

لحظات كثيرة أثرت في حياة “أبو أحمد” ولعل أهمها لحظات استشهاد زملائه في العمل، الذي كان برفقتهم منذ سنوات، كما لا ينسى إحدى الضربات الجوية التي وقعت بالقرب من محيط منزله، وأصيبت حينها شقيقته وزوجها وأطفالها وآخرين، فاضطر لأن يسعفهم، وكان يتوجب عليه أن يقوم بتأمين عائلته ومتابعة عمله، يقول “لحظات قاسية لن أنساها”.

استغرق الحديث مع “أبو أحمد” ما يقارب نصف ساعة، ليكشف في نهايته عن مهمة عظيمة آخرى ينهض بها بصمت، إذ أن لديه شقيق توفي قبل الثورة بسنوات، وشقيق آخر توفي متأثراً بمرضه منذ عام، وشقيق ثالث استشهد خلال الثورة، ليترك أشقاؤه ١٨ طفلاً أمانة لدى أبو أحمد، يقوم بإعالتهم بالتعاون مع شقيقه الذي يعمل في الدفاع المدني أيضاً، دون أن يتذمر ولو بكلمة واحدة بل يكتفي بالقول  “الحمدلله، الله يرزقنا ويعطينا، ربما لأنه بعملنا نساعد الناس، فيقف دائماً إلى جانبنا”.

حسان أبو أحمد

أما “حاتم أبو مروان” فاعتبر أن الفترة التي يعيشها حالياً، هي فترة راحة، ولكن ليس من عمله، فضغط العمل مستمر، وإنما من القصف، وسماع أصوات الطيران وانتشال جثث الضحايا.

“حاتم”، في الرابعة والثلاثين من العمر، متزوج ولديه طفلة وحيدة تدعى “جوري”، جامعي يحمل شهادة في الحقوق، ويعمل في الدفاع المدني منذ ست سنوات، ويعتبر من المؤسسين، مدير مركز ٢٣/ ١٠٦ قطاع إدلب الغربي.

حاتم أبو مروان وابنته جوري

يقول أبو مروان “سابقاً كنا على الدوام في حالة طوارئ، التوتر يخيم علينا، إذ يتوجب علينا أن نكون جاهزين تحسباً لأي طارئ، أما حالياً فعملنا منظم، ونخطط للمهام التي سنقوم بها في اليوم التالي، وهذا ما جعلني أكثر قرباً لعائلتي، بعد أن كنت أشعر أنني ضيف في منزلي”.

ويجد أيضاً “أبو مروان” بعض الوقت ليمارس هوايته “لعبة كرة القدم” وبمقارنة الوضع بما كان عليه سابقاً يقول “بدأت أعيش حياة أقرب للطبيعية، كنت سابقاً بالكاد أحضر أغراضاً لمنزلي، وفي حالات الطوارئ كنا نصل الليل بالنهار، الآن أجد وقتاً، لألاعب ابنتي، وأنا مرتاح نفسياً أكثر من ذي قبل”.

ومع أن الوضع أصبح مريحاً مقارنة بالسابق، إلا أن ذاكرة أبي مروان لا تزال تحمل الكثير من الصور والآلام التي يحاول تناسيها فيقول “أحاول كثيراً أن أنسى أو لا أتذكر، ولكن يجب أن أفعل ذلك، لأن الحياة مستمرة يجب أن نعيشها لا مفر”.

يصمت ثم يتابع “هناك أمور تؤلم أكثر من القصف والمجازر، خاصة عندما نجد الأطفال في المخيمات يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة، في ظل البرد والفقر، والضغط الذي تعانيه المخيمات، ورغم أننا نقدم لهم ما نستطيع إلا أنه يبقى دون ما نرجوه”.

ومثل زميله “أبي أحمد” أكثر اللحظات تأثيراً في حياة أبو مروان كانت رؤيته لزملائه وقد أصيبوا، إذ أنهم في النهاية باتوا جزءاً من عائلته يقول “لا يوجد موقف أصعب من أن تسعف زميلك المصاب الذي كان قبل قليل، يسعف آخرين، كما لا أنسى عندما تعرضت بلدة سرمين لضربة الكلور، كنا نحمل الأطفال بأيدينا، ونسعفهم وننفض عنهم الغبار، عدا عن ذكريات كثيرة أخرى مرتبطة بإخلاء المدنيين ومشاهدتهم في النزوح من سراقب ومعرة النعمان وغيرها.. لا يمكن أن أحصي كل شئ”.

ويواصل أبو مروان عمله حالياً، بعد أن أطلقوا حملة في الثاني والعشرين من الشهر الفائت لمكافحة جائحة كورونا، والتوعية من الفيروس، وحملات التعقيم في المخيمات رغم صعوبة الوصول إليها.

وبسؤاله عن حلمه الخاص أجاب “أحلامنا اختلط فيها العام بالخاص، فما أرجوه لي أرجوه لغيري، أتمنى أن نتخلص من هؤلاء المجرمين الذين قتلونا وهجرونا، وأن نحيا الحياة التي نستحقها كغيرنا من البشر، وألا أرى السلاح منتشراً بيننا، بالتأكيد أريد أن يبقى الدفاع المدني موجوداً، ولكن يقوم بأعمال خدمية، تسهم في إسعاد الناس وتأمين راحتهم”.

قد يعجبك ايضا