التلفزيون السوري يحتفل بـ”الانتصار الوطني” في الحرب العالمية الثانية

جسر – صحافة

منذ بداية التدخل العسكري الروسي المباشر في البلاد باتت أغنية “كاتيوشا” الروسية الشهيرة وغيرها من الأغاني “العسكرية” التي تمجد حروب موسكو المختلفة، دائمة الحضور في القنوات الرسمية في سوريا، وهذا العام انتقل التلفزيون السوري إلى مستوى آخر من “الإبداع” بإنتاج أغنية تدمج بين اللغتين العربية والروسية تمجيداً للغزو الروسي لأوكرانيا.

ومثل كل عام في عيد النصر على النازية الذي تحتفل به موسكو، كانت الاحتفالات حاضرة في سوريا “الحليفة” حيث تهيمن روسيا سياسياً وعسكرياً بموازاة محاولات للهيمنة ثقافياً أيضاً، وانتشرت كالعادة صور ومقاطع فيديو لمسيرة “الفوج الخالد” في مناطق سورية عديدة، فيما بث التلفزيون السوري أغنية بعنوان “المجد لروسيا” للمغني الشعبي المغمور ريبال الهادي، ظهر فيها برفقة “جنود” روس وهو يردد كلمات بالعربية والروسية مع أنغام شعبية.

وعلى غرار الأغاني التي تمجد رئيس النظام بشار الأسد، أو أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، على سبيل المثال، فإن الأغنية تبدأ بكلمات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتتحدث عن تمجيد القوة الروسية في وجه الغرب “الظالم” لتقول أن هزيمة روسيا في أي حرب ستكون “كارثة للإنسانية”، كما تكرر شعار “قاوم قاوم” مع ترجمة الكلمات العربية للروسية في أسفل الشاشة، بينما يتمايل الجنود بجمود خلف المغني مع دبابات ضخمة وراءهم، على الألحان ليكرروا لازمة الأغنية وكأنهم تلاميذ يجبرون على يرددون الشعارات البعثية في المدرسة.

Video Player

وبعيداً من الكوميديا التي تحملها الأغنية والضحك المحتوم عند رؤية ما يحدث في “كوكب سوريا” المنفصل عن بقية العالم، فإن النظام هذا العام غيّر التاريخ، حرفياً، عندما ألغى تسمية “الحرب العالمية الثانية” في تغطياته للاحتفالات الروسية في يوم النصر على النازية، مستبدلاً إياها بتسمية “الحرب الوطنية العظمى”. ولا يعود ذلك التغيير إلى اعتبار سوريا محافظة صغيرة ضمن الاتحاد الروسي، أو مزيداً من التمجيد بالقومية الروسية بل للقول أن سوريا كدولة هي جزء من تلك الحرب، رغم أن سوريا الحالية لم تكون موجودة كدولة على الإطلاق قبل العام 1946 عند “استقلالها” عن الانتداب الفرنسي بعد نحو عام من نهاية الحرب العالمية الثانية.

وهكذا، يصر الإعلام الرسمي على الاستغباء الذي يصل حدود التهريج، من أجل تصوير الدولة السورية كجزء من محور منتصر عبر التاريخ. ويمكن تلمس ذلك بشكل أوضح ربما في الفيلم الوثائقي القصير الذي أعدته “الإخبارية السورية” عن الموضوع بعنوان “النجم الأحمر” كتحية لـ”النصر العارم” في “الملحمة الكبرى” ضد النازية وهي مهمة بحسب الفيلم مازالت مستمرة في أوكرانيا اليوم ضد “النازية الجديدة”، علماً ان هذه السردية متبعة في الإعلام السوري الرسمي منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي.

وتصبح تسمية الحرب الوطنية الكبرى بالتالي، حرباً سورية لا روسية فقط، عن طريق القول أن الدولة الأسدية والكرملين يقاتلان العدو نفسه عبر التاريخ، مع الخلط المستمر بين النازية والصهيونية من جهة، والقول أن “مشغلي الإرهاب في سوريا والنازيين الجدد في أوكرانيا” تابعون لـ”الولايات المتحدة وأوروبا الغربية” من جهة ثانية. وأمام كل هذا الضخ العبقري لا يمكن سوى التحسر على المواهب الضائعة التي يمتلكها إعلاميو النظام ومحللوه الذين يحرمون العالم من إبداعهم الأدبي عبر تفرغهم للعمل الإعلامي فقط بدلاً من تأليف الروايات والقصص وكتابة المسلسلات لـ”نتفليكس” في دولة لا تتوافر فيها الكهرباء أصلاً كي يتابع الناس تلك الكوميديا الخالصة.

والحال أن السيادة الوطنية التي طالما تبجح بها النظام السوري باتت من أطلال الماضي، ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري مع اعتماد النظام على حلفائه الروس والإيرانيين من أجل البقاء في السلطة، بل على المستوى الإعلام والثقافي، حيث انتقل مقاتلو الجنسيات الأجنبية من الأرض إلى الشاشات المحلية، ولم يعد في الإمكان الاستماع لفيروز وهي تغني للشام وعظمة البلاد، خلال الفواصل بين نشرات الأخبار اليومية منذ العام 2015، كما تلاشت تدريجياً أغاني القومية العربية الكلاسيكية، مقابل تصدر صورة الحسناوات الروسيات الشقروات، وهن يغنين أمام الدبابات وإلى جانب الأسلحة الروسية المشهد التلفزيوني السوري.

وبالطريقة نفسها، لم يعد عرض المسلسلات الروسية التي تمجد فترة انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية على النازية، مجرد محاكاة لذلك النصر القديم، وتمجيداً بعودة روسيا القوية إلى الساحة الدولية، ونوعاً من التملق الفاضح من نظام الأسد المنهار للحليف الروسي، بل باتت تلك النوعية من الدراما نموذجاً لما يجب أن يكون عليه الفن في سوريا الأسد. فطوال الأسابيع الماضية، طالب إعلاميون وعاملون في وزارة الإعلام وأعضاء في البرلمان وفي حزب البعث الحاكم، الدراما السورية بتقديم مضمون بعيد من النقد أياً كان نوعه، وتقديم مسلسلات وقصص تحاكي المسلسلات الروسية التي تتحدث عن عظمة الجيش السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، وهي مسلسلات دائمة الحضور في الشاشات السورية الرسمية، مترجمة أو مدبلجة للعربية.
ورغم القراءات المختلفة لتناقص الدور الروسي في سوريا بسبب التركيز على أوكرانيا، ما أعطى فرصة لطهران من أجل بسط نفوذها أكثر على دمشق، بدليل زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران، فإن ما يقدمه الإعلام الرسمي يقدم قراءة مختلفة تماماً حيث يستمر النظام في لعبة التوازن بين حليفيه الرئيسين من دون أن يملك رفاهية القدرة على اختيار واحد منهما فقط. كما أن تلك القراءات تفترض دائماً وجود شرخ في العلاقة بين موسكو وطهران بسبب تباين أهدافهما في سوريا، وهو افتراض أثبتت السنوات الماضية أنه ليس دقيقاً تمامأً.

ولطالما كان هناك تساؤل في الأوساط السياسية العالمية حول مدى حقيقة التقارب الروسي – الإيراني، لأن البلدين تاريخياً لم يتمتعا بعلاقات وطيدة عموماً، وأتت الحرب السورية لتقربهما مرحلياً فقط من أجل ضمان بقاء الأسد في السلطة وعدم تفكيك بنية الدولة السورية، فيما كانت الخلافات أمراً مؤجلاً لأنها تتعلق بأهداف بعيدة الأمد. على أن الأسد كان يوازن بين الجانبين ليس فقط من ناحية مناطق النفوذ بل في الصفقات الاقتصادية والعقود طويلة الأمد التي منحها لطهران وموسكو للاستثمار في مناطق مختلفة من سوريا.

وأفضى التعاون في سوريا إلى تطوير العلاقات بين الجانبين، وتُوّج ذلك بزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع العام الجاري، في مشهد شكل محاولة “لإظهار جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة”. وعلى طريقة الإعلام السوري تماماً، اعتبر رئيسي حينها أن بلاده “تقاوم الولايات المتحدة منذ 40 عاماً”، وأن الوقت حان للتآزر بين البلدين.

المصدر: موقع المدن (وليد بركسية)


قد يعجبك ايضا