الضربة الروسية على فيلق الشام إنذار بهجوم على إدلب أم على قسد؟

جسر:مقالات:

رغم تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “بأن الحرب في سوريا انتهت” فقد نفذت الطائرات الروسية يوم الإثنين الماضي 26 أكتوبر 2020 غارة جوية على مركز تدريب لفصيل فيلق الشام هي الأعنف منذ سريان وقف إطلاق النار في آذار المنصرم.

كان من المتوقع أن تخلق هذه الضربة وضعاً جديداً بين تركيا وروسيا يتطلب المعالجة السريعة أو ربما قمة جديدة بين رئيسي البلدين على غرار قمة الخامس من آذار الفائت التي أعقبت الهجوم العسكري الذي شنه النظام أواخر العام الماضي بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين وسيطر من خلاله على مدن وبلدات استراتيجية واقعة على الطريق الدولي M5 كما حاصر نقاط مراقبة تركية وشن هجوماً على نقطة في قرية بليون راح ضحيته 33 جندياً تركياً، ما جعل الرئيس رجب أردوغان يستشيط غضباً ويهدد بشن عملية واسعة لإعادة النظام إلى حدود اتفاق سوتشي 2018.

انتهت التطورات وقتها باتفاق الزعيمين التركي والروسي على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طول الطريق الدولي M4 من بلدة الترنبة غرب سراقب وصولاً إلى بلدة عين حور الواقعة في ريف اللاذقية وإنشاء ممر آمن بعمق 6 كم جنوب وشمال طريق M4 ظن الكثيرون أنه سيكون مستداماً قبل الضربة الأخيرة ضد معسكر فيلق الشام.

رد فعل أنقرة جاء على لسان الرئيس أردوغان أمام البرلمان التركي يوم الأربعاء الفائت حين أكد “أن استهداف روسيا مركزاً لتأهيل الجيش الوطني في إدلب مؤشر على عدم دعمها للسلام الدائم والاستقرار في المنطقة” لكن اللافت أنه كرر حق تركيا بإخراج “الإرهابيين “والمقصود بهم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها حزب pyd الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب من الخطوط التي تم تحديدها في وقت سابق، في إشارة لهجوم قد تشنه تركيا وقوات الجيش الوطني استكمالاً لعملية “نبع السلام” والتي تزايد الحديث عنها في الآونة الأخيرة.

أيضا ردة فعل الفصائل لم ترق لمستوى الحدث، فإطلاق عشرات صواريخ الغراد وقذائف المدفعية لم يكن لها أي تأثير عسكري رغم البيانات عن أعداد من القتلى والجرحى في صفوف النظام إذ لا يوجد أي تأكيدات على صحتها.

لكن بغض النظر عن هذا المستوى من التفاعل، فإن الواضح لجميع المراقبين أن هذه الضربة سيكون لها تداعيات على العلاقات بين أنقرة وموسكو المتوترة أصلا في ملفات ومسارات أخرى معقدة ومتشابكة. فروسيا قد تجاوزت التفاهمات بين الدولتين والهجوم عبارة عن رسائل بالنار والدم موجهة للجانب التركي أكثر منها للفيلق، عبر خدمة التوصيل السريع(السوخوي)، فالموقع المستهدف عبارة عن مركز تدريبي بعيد عن جبهات القتال ولا يشكل أي خطر عسكري على الروس أو النظام ناهيك عن كونه استهدافاً لفصيل غير مدرج على قوائم الإرهاب صنفته وزارة الدفاع الروسية قبل سنوات بأنه فصيل معتدل وكان شريكا أساسيا في كل جولات أستانا وداعماً قوياً لها وممثلاً في الائتلاف وهيئة التفاوض السورية.

ولمحاولة فك شيفرات هذه الرسالة يجب أن نتذكر كيف اعتاد الروس والنظام عند كل حراك سياسي حول سوريا على التصعيد العسكري بهدف الضغط وخلق واقع جديد، ومن المنطقي هنا ربط الضربة بزيارة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال الأخيرة إلى موسكو لمناقشة الملف السوري والملفات العالقة الأخرى، كالملف الليبي وملف ناغورني قره باغ، واللذين لا يمكن فصلهما عن الملف السوري، وأيضاً كانت هناك زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون لدمشق من أجل تنشيط العملية السياسية من بوابة اللجنة الدستورية.

وأراد أيضاً اللاعب الروسي من خلال الضربة توجيه رسائل إقليمية ودولية مستغلاً انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية والفراغ الرئاسي الذي يمكن أن يحصل في حال فوز المرشح الديمقراطي لتسوية هذه الملفات على الطريقة البوتينية

أما بالنسبة للملفات الأخرى، فروسيا بحاجة للضغط على تركيا من أجل تهدئة الجبهات في إقليم ناغورني غره باغ وتبديد مخاوف الروس من زعزعة الاستقرار في خاصرتها جنوب القوقاز، وبالتالي فربما كانت تريد القول إنها مستعدة لعمليات عسكرية واسعة في كل مكان ما لم يتوقف الدعم التركي لأذربيجان، وعليه لا يمكن فصل عملية سحب النقاط التركية من مورك وشير مغار عن هذه التطورات خشية أن تصبح رهينة بيد الروس والنظام في حال حدث هجوم جديد بالفعل، وأخيراً لا يجب إهمال أن موسكو تقول بوضوح من خلال هذه الضربة إن إرسال مقاتلين سوريين إلى أذربيجان والاقتراب من القوقاز خط أحمر.

يبقى الافتراض الأخير الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند قراءة هذه التطورات هو وجود اتفاق روسي تركي جديد حول إدلب وملفات أخرى ربما من المبكر أن تظهر نتائجه إلى العلن، فرد فعل أنقرة لم يعبر عن مستوى الضربة، وتصريح الرئيس التركي كان الأبرز فيه التهديد بش هجوم جديد على “قسد” وهذا الذي لا يمكن أن يتم بدون توافقات وتفاهمات مع الجانب الروسي والأمريكي.

وما يعزز ذلك أكثر تصريحات وزير خارجيته جاويش أوغلو بعد الضربة بأنهم يتواصلون مع الروس لحل كل الخلافات العالقة، ما يؤكد قناعة الطرفين بتجنب الوصول إلى المواجهة المباشرة، فالعلاقة أصلا صعبة ومعقدة وشائكة وتركيا رغم عدم ثقتها بالشريك الروسي ولكنها لا يمكن أن تضحي بهذه العلاقة.

بكل الأحوال وأياً كانت السيناريوهات فإن هذه الضربة الموجعة يجب أن تكون جرس إنذار بالنسبة للفصائل العسكرية من أجل أخذ كافة التدابير والاستعدادات لصد هجوم النظام وحلفائه المحتمل في أي لحظة، خاصة وأن الروس والأتراك لم ينجحا إلى الآن بالوصول إلى نتائج توافقية وتفاهمات جديدة أو نهائية حول نقاط المراقبة والطريق الدولي M4 وبقية تفاصيل ملف إدلب.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

قد يعجبك ايضا