اللجنة الدستورية: بين خديعة الانتقال السياسي وإعادة انتخاب بشار الأسد

منهل باريش

رحب رئيس هيئة التفاوض المعارضة، نصر الحريري، بتشكيل اللجنة الدستورية واعتبره “انتصارا للشعب السوري، وجزءا من القرار 2254 ولا يستطيع أن ينكر أحد ذلك”. وفي تسجيل صوتي لنائب رئيس “هيئة التفاوض” جمال سليمان، حصلت “القدس العربي” على نسخة منه، وصف الممثل السوري إعلان الأمين الأمم المتحدة غوتيرش عن التوصل لتشكيل اللجنة الدستورية أنه “نقلة كبيرة جداً. وثمرة كفاح طويل وعمل دؤوب وصبر بلا حدود” شاكياً مهاجمة المعارضة والناس للهيئة أكثر من هجوم النظام عليها، مشيراً إلى أن “هذا انتصار للثورة السورية وتحول كبير جداً لم تشهده سوريا بتاريخها الحديث” قائلاُ: “المعارضة والنظام سيكتبان دستور لسوريا واللجنة سيدة نفسها” لاغيا دور مجلس الشعب ومشددا على أن “المنتجات لا تحتاج إلى موافقة بشار الأسد. تحتاج إلى موافقة الشعب السوري. باستفتاء حر ومستقل تحت إشراف الأمم المتحدة”.

فيما كان العميد إبراهيم الجباوي أكثر تحمساً لتشكيل اللجنة بسبب “موافقة النظام على كافة شروط الهيئة ومطالبها ورفض بيدرسون كافة الاشتراطات التي وضعها النظام” حسب تعبيره، وأضاف عضو الهيئة العليا للتفاوض وأحد أعضاء اللجنة الدستورية أن النظام “انصاع لكافة اشتراطات الهيئة وهي الرعاية الأممية والاجتماعات في جنيف. وستحظى المخرجات باستفتاء شعبي، فيما ستكون المعارضة نداً للنظام من خلال الرئاسة المشتركة”. ولخص عدم إمكانية النظام بتمرير أي قرار حتى لو ضمن الثلث الثالث كاملاً، في إشارة منه إلى ثلث المجتمع المدني الذي سماه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن.

وختم الجباوي في تسجيل صوتي نشر على غرف تطبيق واتساب التي تنشط المعارضة السورية باستخدامه “توفرت الإرادة- قليلا- لدى المجتمع الدولي  لإحضار النظام إلى طاولة المفاوضات” مشدداُ على حصول الهيئة على “ضمانة من المجتمع الدولي أن اللجنة الدستورية ستكون مفتاحاً للحل وليس الحل، وهي مفتاح لمناقشة باقي السلال وعلى رأسها الانتقال السياسي. لن نضع دستورا للأسد ونرفض مناقشة دستور 2012 ونعمل على صياغة دستور جديد يلبي طموحات الشعب السوري الثائر الذي ينادي بالحرية والكرامة”. وفضلت منصة موسكو التي يرأسها قدري جميل الصمت وعدم التعليق حول إعلان غوتيرش تشيكل اللجنة الدستورية والذي استبق جلسة الجمعية للأمم المتحدة في دورتها الـ 74.

ويُصّر النظام السوري وحليفته روسيا على تسمية اللجنة الدستورية بلجنة “مناقشة الدستور” أي دستور عام 2012 الذي رفض العميد الجباوي مناقشته.

واستغرق مارثون تثبيت أسماء اللجنة الدستورية عامين كاملين، وكلف تغيير المبعوث الأممي السابق استيفان ديمستورا بالمبعوث الجديد غير بيدرسون. وفي النظر إلى استراتيجية المماطلة التي يتبعها النظام، فإن اللجنة لن تتمكن من عقد اجتماعها الأول في موعده المحدد نهاية تشرين الأول (أكتوبر) وإن عقد فإن اجتماعاتها الدورية لن تنطلق قبيل العام المقبل. والواقعية تؤكد أن اللجنة التي احتاج تشكيلها عامين، من دون اجتماع النظام والمعارضة فإن إنتاجها سيستغرق سنوات طوال، وسيضرب كل شهر من شهور عملية الانتقال السياسي بسنة على الأقل، ما يعني أن النظام سيكفل عملية إعادة انتخاب بشار الأسد مرة جديدة في انتخابات عام 2021 بينما المعارضة غارقة في مناقشة الدستور في ملعب النظام، إن لم يضمن الأسد دورة جديدة في انتخابات عام 2028 أيضاً.

وتوضح القواعد الإجرائية، الهوامش التي تركت الباب مشرعا على مصراعيه لتمرير رؤية النظام وترك المجال له للمناورة فيها من خلال طرح “إعداد وصياغة إصلاح دستوري يُطرح لاستفتاء شعبي كإسهام في التسوية السياسية وتطبيق القرار 2254 على أن يقوم الإصلاح الدستوري من بين أمور أخرى بتجسيد المبادئ الاثني عشر السورية – السورية الأساسية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية”. وتنفي القواعد الإجرائية ما تحدث عنه أعضاء هيئة التفاوض فيما يتعلق بكتابة دستور جديد، فهي تحدد ما يتعلق بدستور عام 2012 بالتالي تستطيع اللجنة الدستورية أن تراجع دستور 2012 وسياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وتقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد”. وهو ما يعطي النظام فرصة الضغط على المعارضة من أجل فرض أولوية نقاش دستوره على كتابة دستور جديد.

لجوء بيدرسن إلى التوجه من أجل تشكيل هيئة مصغرة تضم 45 عضوا من أصل 150 وهم الأعضاء الأساسيين، سيعقد المسألة على المعارضة والمجتمع المدني أيضاً وسيدخلان في سجالات تستهلك زمنا طويلا من أجل اختيار ممثلين عنهما للهيئة المصغرة. وتدخل آلية إحالة ما يتم التوافق عليه في “الهيئة المصغرة” إلى الهيئة الموسعة في إطار التعقيد وليس السهولة والرشاقة وهي بيروقراطية وطريق طويل يزيد من خسارة الوقت، وهو ما يشتريه النظام ولا تلتفت له المعارضة المقسمة أساساً.

وتعتبر نسبة التصويت بـ 75 في المئة التي نظر لها رئيس الهيئة العليا للتفاوض ونائبه وآخرون من المعارضة، واحدة من أكبر الطعوم التي ابتلعتها المعارضة على الإطلاق. فالعميد الجباوي قال بصعوبة تمرير أي قرار للنظام حتى لو ضمن الثلث الثالث كله (ثلث المجتمع المدني) وكأنه أساساً قد ضمن ثلث المعارضة التي هو عضو فيها. ناهيك عن انتقاصه من أعضاء المجتمع المدني، فبعضهم من المناضلين المعروفين الذين قدموا تضحيات كبيرة في وجه النظام فيما يرضى بشراكة أعضاء من مخابرات النظام في الهيئة العليا للتفاوض ومنصة موسكو التي تعتبر يد روسيا الطولى داخل الهيئة العليا للتفاوض.

إن الطرح الذي يروجه أعضاء “هيئة التفاوض” حول تماسك كتلة المعارضة هو مدعاة للسخرية بكل تأكيد. فالنظام السوري الذي وضع فيتوات على أسماء محددة لم يسمح بتمريرها وقام بحسابات دقيقة لناتج التصويت تجعله يضمن تمرير ما يريد وفي أسوأ الأحوال فإن نسبة الـ 75 في المئة لحسم القرارات ستوقع المعارضة في حرج في أول اختبار. فهي والمجتمع المدني ان صوتوا جميعا على رفض دستور عام 2012 الذي سيطرح حسب القواعد الإجرائية، فانهم لن يحصلوا على النسبة المطلوبة والتي هي 113 صوتا من أصل 150. وهنا ستقع المعارضة في أول الأفخاخ وسينقسم موقفها تحت ذريعة “دعونا نناقش دستور 2012 ونغير صلاحيات الرئيس” على طريقة الواقعية السياسية التي اتبعتها المعارضة منذ انقلابها على مؤتمر الرياض 1. وستكتسف المعارضة ونصف المجتمع المدني “المحسوب” على الثورة أنهم غير قادرين على تجميع النسبة الكافية لتغيير أي فقرة أو مادة من مواد دستور 2012.

مسار العاجزين هذا، سيدفع أصحاب “الواقعية السياسية” إلى التسليم بمسألة عدم جدوى تغيير الدستور وسياسهم بتمزيق المعارضة الهشة والمنخورة بمعارضين لا يتجرأون على وصف الأسد بالمجرم أو القاتل. فيصبح القفز إلى سلة الانتخابات هو الحل. ولا غرابة في ذلك أبدا، فنائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، الممثل جمال سليمان بدأ بتسويق نفسه للترشح ضد بشار الأسد في انتخابات عام 2021 ظنا منه أن اللجنة الدستورية ستنهي عملها خلال ستة أشهر تسمح له بالترشح بضمانات ورعاية أممية.

إن تجاوز تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بوصفها مرجعية عمل اللجنة الدستورية نفسها، أصبح عمليا تخليا عن عملية “الانتقال السياسي” الحقيقي، وبات مجرد شعار يمارسه المعارضون من أجل تضليل السوريين، خصوصاً وأن المعارضة لم تتمسك بوقف إطلاق النار الشامل، وتخلت عن قضية إطلاق سراح المعتقلين وجلاء مصير المفقودين وعودة المهجرين والنازحين باعتبارها إجراءات “بناء الثقة”.

المصدر: القدس العربي/ ٢٨ أيلول

قد يعجبك ايضا