بعد سنوات طويلة من السجن.. الفنانة “صباح السالم” تكشف دور ضابط في سجنها

جسر: متابعات:

خرجت الفنانة السورية صباح السالم (مواليد حمص- 1957) من مقصورة النساء بسجن دمشق المركزي، منذ قرابة الشهرين، بعد رحلة سنوات من العذاب قضتها في سجون النظام بتهمة لا علاقة بها.

إلى جانب عملها في المجال الفني، حيث سطع نجمها في ثمانينات القرن الماضي، حرصت السالم على العمل في مجال تخصصها، إذ أنها خريجة كلية الصيدلة بجامعة دمشق عام 1973، فحصلت على وظيفة مخبرية في معمل شركة سورية للأدوية، واستطاعت مع رفاق لها الاستغناء عن خدمات الخبير السويسري المنتدب للإشراف على  المعمل، منادية بالاعتماد على الخبرات الوطنية، فطوّرت أنواعاً من حليب الأطفال مستغنية عن تراخيص شركة “نسلة”.

وكشفت صباح عقوداً وهمية في الشركة المذكورة، أماطت عبرها اللثام عن صفقات مشبوهة وفاسدة في مجلس إدارة الشركة، التي تعتبر من كبريات شركات الأدوية السورية، ولم يتأخر العقاب هذه المرة. تسرد السالم فتقول “اصطدمت مراراً مع شخصيات نافذة في الشركة، وفُتِحت ملفات عن الفساد في جريدة “الثورة” السورية آنذاك، مما أجج الحقد عليّ، ودفع أحد المديرين إلى وضع الهيروئين لي في فناجين القهوة عبر عملاء له، وهذه المادة لا طعم ولا رائحة لها، ويمكن أن توضع في أي شراب ولا يكتشفها المرء. ومع الأيام ساءت حالتي، ولم أعد أشعر بالراحة إلا بتناول المزيد من هذا المخدر”.

وتضيف “هنا ظهر من يقايضني بتوفير الهيروئين لي مقابل المال أو السكوت عما يجري في المعمل، ورويداً رويداً صرتُ أستسيغ ذلك الخدر وهذا المفعول السحري المميت لهذه المادة، كنتُ آنذاك تحت تأثير تجربة حبٍ عنيفةٍ جمعتني مع فنان شاب طموح كان يطاردني من مكان إلى مكان بعد تعرّفه إليّ في ردهات المسرح القومي، أردتُ أن أهرب من شبحه الذي ظل يتعقبني، أحاول نسيانه وتجاهله، وأتجاهل قدرته على الكذب الذي كنتُ أصدّقه وأنا أعرف بأنه يكذب ببراعة. في البداية كنت أحاول الهرب من ذاكرتي معه، ومن كل من حاولوا التقرب مني لتصفية حسابهم معه عبري، لكنني لم أسمح لأحد بأذيته، لذلك آثرتُ الوحدة على تناول صحن الانتقام بارداً، ومع أنني كرهته في البداية إلا أنه بعدها نجح في استدراجي إلى الحب”.

 

عاشت السالم تجربة لا تحسد عليها في الإدمان على المخدرات، جعلتها تتراجع صحياً عاماً بعد عام، لتوضع بعد ذلك في لعبة رهان مرعبة، حين طالبها أحد ضباط مكافحة المخدرات بأن يقيم معها علاقة حميمة مقابل عدم إلقاء القبض عليها، فتقول السالم” كان الضابط (أ.ف) مُصرّاً على سلبي كرامتي، وعندما لم أُذعن له، ولم أمتثل لرغباته الشهوانية الدنيئة، لجأ إلى تلفيق تهم عديدة لي، منها تصنيع المخدرات والاتجار بها، ومع أنني لم أكن أقوم بذلك إلا لتأمين الكمية الشخصية لي، إلا أن هذه التُهم كانت كفيلة بوضعي في السجن لأكثر من اثني عشراً عاماً امتدت على ثلاث فترات، وآخرها كان الحكم عليّ بالإعدام، والذي تم تخفيفه بعد ذلك بمرسوم رئاسي، لتصبح عقوبة السجن مدة خمسة عشر عاماً، وتخفيفها بعد ذلك بالسجن مدة ثماني سنوات”.

قضت الشابة الحمصية  سنواتها الطويلة في السجن، من دون أن تتلقى دعماً يذكر من نقابة الفنانين أو الصيادلة، أو حتى من زملائها الممثلين الذين ظن الكثير منهم بأنها ماتت منذ زمن بعيد، باستثناء الفنان محسن غازي، الذي عمد إلى العمل على مساندتها في الدوائر الرسمية وفي النيابة العامة والقضاء لاستخلاص أمر بإخلاء سبيلها مقابل كفالة، وتكفّل رجل الأعمال ماهر العطار صاحب ومدير شركة العطار للإنتاج الفني بالنفقات المادية، وزيارتها في السجن أكثر من مرة مع مجموعة من معجبيها القدامى.

وتقيم صباح السالم الآن عند أقرباء لها في مدينة حمص، فيما تتابع سفرها إلى العاصمة لاستصدار حكم بالبراءة بعد قرار بالطعن تقدمت به النيابة العامة في دمشق ضدها. الأمر الذي جعلها تقع مرةً أُخرى في دوامة استدعاءات القضاء والشرطة.

تعيش السالم اليوم أصعب فترات حياتها، بعد تدهور وضعها الصحي، وفصلها من نقابة الفنانين لعدم دفعها الاشتراك السنوي منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك كما بات معروفاً بسبب المدة التي قضتها في السجن، لكنها تأمل في أن تجد لها عملاً في الفن بعد هذا الانقطاع الاضطراري فتقول “إن حصلتُ على دورٍ جيد وأعجبني فسوف أشتغله، لكن لا يظننّ أحد أن حالتي سوف تدفعني لتقديم تنازلات، لا في المستوى الفني ولا في الأجر. فالفن لديّ لا يزال عملاً مقدساً، ولم ـ ولن ـ أدخل يوماً في حسابات الربح والخسارة، فأنا من هؤلاء الناس الذين لا يندمون على شيء، ولا تعنيهم أجراس البورصة، وما زلت أتمنى أن أعمل في السينما أو التلفزيون فقط لأستمتع، كي أقدم عملاً له قيمة يحترمه الجمهور ويعجب به”.

وشاركت السالم منذ نشأتها في أنشطة النادي السينمائي الجامعي، كأحد ألمع أعضائه اللذين أسهموا في الحركة الطالبية السورية في سبعينيات القرن الفائت.

وكانت عضواً ناشطاً من أعضاء النادي السينمائي الذي كان يديره كل من الناقد بندر عبد الحميد والمخرج محمد شاهين، ولفتت الصبية ذات الشخصية القوية نظر هذا الأخير الذي دعاها لتكون بطلة فيلمه “مأساة فتاة شرقية”. تقول السالم عن تلك الأيام: “طلبت السيناريو من شاهين وقرأته، لكنه لم يعجبني، ولم أجد فيه سحر تلك الأفلام التي كنتُ أشاهدها، فاعتذرتُ منه، متذرعةً بأنني مشغولة بتقديم امتحاناتي في الجامعة”.

وتخرجت السالم من جامعة دمشق بمعدل جيد جداً، من دون أن تترك التردّد بانتظام على نادي السينما، حيث تلقت دعوةً جديدة من أحد المخرجين، الذي دعاها لإجراء تيست (تجربة أداء) في أستوديو المؤسسة العامة للسينما: “ذهبتُ عن طيب خاطر إلى المقابلة، وشرع المخرج بالتقاط الصور لي في أستوديو يقع في قبو بناء المؤسسة العامة للسينما، وبدأ مع كل صورة يلتقطها لي، ومع كل حركة كاميرا يطلب مني وضعيات معينة لم ترقني، ولم تجعلني مرتاحةً له، إلى أن قام بالتحرش بي، فما كان مني إلا أن صفعته وهربت مسرعةً ودموعي تكرج على خدي. كانت تجربة قاسية، جعلتني أبتعد عن السينما التي أحببتها في أفلام الأجانب وبغضتها في بلادي، لقد شعرتُ أن بعضاً من مخرجينا مزيّفون، ويسعون إلى جسد المرأة باسم الفن، ما جعلني أختنق من دون أن أخبر أحداً بما حدث لي في ذلك القبو السينمائي الوطني”.

شاركت في أول عمل تلفزيوني وهو مسلسل “تجارب عائلية”- 1981، مع المخرج  علاء الدين كوكش، وكما شاركت في مسلسل “شجرة النارنج”- 1989 و”الطبيبة”- 1988 مع فردوس أتاسي.

كما شاركت في العديد من الأفلام التي جمعتها بفنانين مصريين كالراحل نور الشريف، كما شاركت في فيلم الحدود.

المصدر : اندبندنت عربية

قد يعجبك ايضا