بوتين وبشار في انتظار غودو

علي سفر

جسر:مقالات:

أفضل ما يحيلنا إليه اللقاء التلفزيوني الذي جرى بين بشار الأسد وبين فلاديمير بوتين قبل أيام هو الحوار العجيب الذي وضعه صاموئيل بيكيت بين شخصيتين فريدتين، إحداهما تحمل اسم فلاديمير أيضاً بينما حملت الثانية اسم استرجون، في مسرحية “في انتظار غودو” الشهيرة!

كثير من كتاب مقالات الرأي ومن المنتمين لجهتي الصراع، أي من المعارضة ومن النظام، استخدما الإحالة إلى هذه القطعة الأدبية العبثية، ولا سيما فكرة الانتظار المديد، لشخصية غير محددة الملامح، اسمها غودو! ولكن تتعدد كشخصية بحسب ما يريد القارئ أو الكاتب لتحمل أسماء كثيرة، وأيضاً تتجلى بمعاني كثيرة، ليصبح الانتظار أشبه بتأمل لعبث الحياة الإنسانية!

ولكننا وعلى خلاف هؤلاء، لا نقدر وبعد مشاهدة الحوار بين الأفّاق الروسي الذي لا يبدو عليه أنه مصاب بالزهايمر كما تقول الإشاعات، وبين تابعه وشريكه المحلي في سوريا، على المضي عميقاً في الفكرة، لنظن ومعنا قارئ ما أنه حوار يقوم على فكرة الانتظار الشهيرة!

ربما يكون حواراً جرى الإعداد له نكاية بالقوى الإقليمية التي تعارض توجههما، أو للقوى الدولية التي يبدو أنها وفي زحمة انشغالها بهمومها مع وباء كورونا، لم تعد مهتمة بالوضع السوري، ولا بالوجود الروسي الذي طال أكثر مما قدر له بوتين نفسه، وبات بحاجة لأن يصل إلى النهاية، والتي يعرف الجميع أنها عملية إعادة الإعمار!

وربما يكون محاولة لإظهار عدم الاهتمام بما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأميركية، التي سيفرز قدوم جو بايدن إلى البيت الأبيض سياسة مختلفة، ستؤثر تفاصيلها عليهما هما الإثنين، وستمس خياراتهما حتى وإن أعلنا أنهما مستقلان، خاصة أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي أراد التركيز على الشؤون الأميركية الداخلية، وأعلن ذات مرة أنه سيسحب جنوده من سوريا، عاد عن كلامه، بعد أن وجد في قراره خطورة على توجهات استراتيجية تتعلق بأمن بلاده القومي! فكيف سيكون الحال مع رئيس بنى جزءاً من حملته الانتخابية على ضرورة إعادة الاحترام للولايات المتحدة، وتكريس هيبتها من جديد!؟

من الممكن لنا في حال تعاطينا بجدية مع قصة المؤتمر الخاص بعودة اللاجئين، الافتراض أن الرجلين ينتظران اللاجئين السوريين، ليكون هذا الجحفل البشري هو غودو! لكن أي عبارة من مجمل العبارات التي وردت في سياق حوارهما توحي بأنهما يحترمان من ينتظرانه؟

لقد كانت شخصيات بيكيت وعلى ما تكتنزه من قدرات تسخر في عمقها من القيم المهيمنة والمكرسة، تمارس بشكل أو بآخر احتراماً هائلاً لما تنتقدانه، فوجوده المنقود، هو أساس الفعل، والتصديق الضمني بأن ثمة ما سيأتي هو ما يدفعهما لأن يستمرا على الخشبة!

بينما يمارس بوتين ومعه الأسد ههنا الصفاقة وقلة الأدب علناً! بأنهما يدعيان الجدية والصدق أمام كاميرات الإعلام الذي يصورهما، بينما هما في عمقهما الشخصي، وفيما بينهما أيضاً يدركان أنهما يمثلان، وأن ما يكذبه كل واحد منهما، لن يمر على الآخر! لكنهما منسجمان، ويجسدان دوريهما بإتقان!

ولكن، هل ثمة من يتابع هذه النسخة المحلية من لعبة الانتظار بطبيعتها الباهتة وتفاصيلها المملة؟

طبعاً، لم يهتم أي من اللاجئين السوريين في مشرق الأرض ومغربها بقصة مؤتمر يعقد من أجل دعوتهم للعودة، فبعد عقد من الموت اليومي في سوريا، وبإشراف من كلا المجرمين، صارت الحياة في البلاد المفزعة التي يصليانها النار والدمار ليل نهار جزءاً من ماض، لا يرغب السوريون في تذكره أو استعادته، بل إنهم يريدون مستقبلاً لهذه البلاد من دونهما، وحينذاك، ستصبح الذكريات كلها بعضٌ من ماضٍ انتهى وزال!

ومن ملامح الكوميديا السوداء التي تصنعها سياسة الموت القادم عبر طائرات بوتين، وسياسة الإذلال الأسدية، أنه لو أتيح للسوريين الذين يعيشون تحت سيطرتهما أن يرحلوا، لوجدت الجميع يغادر سوريا هرباً من القمع والفاقة والقهر والجوع!

لهذا نعرف كما غيرنا أن الغاية التي يعمل من أجلها هذان الممثلان الفاشلان معاً، هي أن يُظهر هذا الفيديو للعالم أنهما ينتظران، وأنهما لن يملا من الانتظار، حتى تصبح إحدى القوى الدولية جاهزة للحوار معهما!

فالرسالة تقول ما تخرص به رأس النظام، ورددته وزارة خارجيته من كلام موجه إلى المجتمع الدولي يطالبه فيها بالتوقف عن “عرقلة عودة هؤلاء المهجرين وتسييس وضعهم الإنساني.”

وبينما قال نائب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز: “إن المؤتمر لن ينظم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ولا الدول التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين، وحث الدول على مقاطعته.”

لم يتأخر جواب الدول الأوروبية على الدعوة للمشاركة في مهزلة مؤتمر دمشق، حينما أعلن وزير خارجية اتحادها جوزيب بوريل رفض المشاركة في المؤتمر بسبب كون “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.

هنا، وبعد هذين الردين، سنلتفت إلى ما وراء حديث فلاديمير وبشار، وأبعد قليلاً من الجدار الرابع الذي ظنا أنه يغلف نواياهما، وبما يخدع الجمهور ويوهمه، وفي العتمة سنرى أن الصالة التي يهذيان فيها فارغة، وأن أحداً لن يكلف نفسه ليحضر فصلاً آخر من مسرحية خالية من الفن، مليئة بالكذب والخداع!

ورغم ذلك سنسمع فلاديمير يقول: كأنما نحن في عرض.

فيرد عليه استرجون: في سيرك.

فيقول فلاديمير: في حفلة موسيقية.

ليكرر استرجون: في سيرك. (…)

وليتساءل فلاديمير مدعياً عدم المعرفة: من أين تأتي كل هذه الجثث؟

المصدر:موقع تلفزيون سوريا

قد يعجبك ايضا