تركيا تحيل عقدة “تحرير الشام” إلى فصائل المعارضة العاجزة

 

منهل باريش

اختلف معارضون عسكريون وسياسيون حول تفسير الطرح التركي خلال اجتماع مسؤولي الملف السوري بقادة الفصائل العسكرية في العاصمة أنقرة، الثلاثاء الماضي. وتباينت قراءة الرؤية التركية نفسها للوضع في إدلب واتفاق سوتشي وهو ما يشير إلى أن كلام المسؤولين الأتراك كان في العموميات وفي الإطار العام وهذا مرده إلى أن القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية ولجانها التقنية الموازية لم تتوصل إلى اتفاق نهائي يخص منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها، أو أن تركيا لا تريد إخبار قادة الفصائل بتفاهماتها الجديدة.

وحذر المسؤولون الأتراك من انهيار اتفاق سوتشي في حال لم يطبق بشكل جدي وتحديدا سحب السلاح الثقيل وخروج الفصائل “الراديكالية” و”المتطرفة” من المنطقة منزوعة السلاح الثقيل.

ونبهوا إلى أن “هيئة تحرير الشام” هي عقدة يجب حلها وعلى الفصائل إيجاد مخرج لها، وهو ما يشير إلى بداية تحول في الموقف التركي وزيادة الضغط السياسي على الهيئة. وهذا يذكّر بموقف تركيا الحازم عندما رفضت “تحرير الشام” نشر نقاط المراقبة التركية، حيث هددت أنقرة بعملية عسكرية ونشرت جيشها على حدود ولاية هاتاي وبدأت بتفكيك الجدار الأمني بين البلدين، ما أجبر قيادة “تحرير الشام” على التراجع وقبول دخول القوات التركية مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2017.

خلافاً لما تم تداوله، فإن أنقرة لم تطرح فكرة التعامل العسكري المباشر مع الرافضين لتطبيق الاتفاق نهائياً. واكتفت بتحميل الفصائل الحرج الذي وضعتها فيه مع موسكو كونها لم تنجح بتطبيق الاتفاق بسبب بقاء المجموعات المتطرفة في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل أو ما يعرف بمنطقة الـ20 كم. وحذر المسؤولون من استمرار روسيا في عملية القضم التدريجي إذا لم تلتزم الفصائل بتطبيق الاتفاق وتفتح الطرق الدولية أمام حركة الترانزيت.

وتشترط روسيا وجود قواتها على الطرق الدولية وتسيير دوريات مشتركة مع القوات التركية في المنطقة منزوعة السلاح، بهدف التأكد من إخراج فصائل المعارضة المعتدلة لسلاحها الثقيل من دبابات ومدافع وراجمات الصواريخ، وكذلك استطلاع تبعية المقرات العسكرية والتثبت من أنها تضم مقاتلين يتبعون لـ”الجبهة الوطنية للتحرير” وليس للفصائل “المتطرفة”. ويتطلب هذا الشرط إنضاج آلية معقد ة للغاية تحتاج إلى حصول موسكو على كامل بيانات الفصائل وأسماء مقاتليها، وهذا لن يتم إلا إذا قامت أنقرة بمشاركة قوائم فصائل الجبهة الوطنية التي تدعمها. بذلك فقط تستطيع الشرطة العسكرية الروسية تمييز المقاتلين وانتمائهم، فمسألة تغير الأشكال وإنزال الرايات السوداء للفصائل المصنفة على لوائح الإرهاب أو تغيير لباسها وحلق ذقون مقاتليها لن يجدي نفعاً مع صعوبة المطالب الروسية.

وسيشكل قبول فصائل الجبهة الوطنية تسيير الدوريات المشتركة في المنطقة منزوعة السلاح وعلى الطريقين الدوليين، بداية التطبيع الحقيقي مع القوات الروسية في المرحلة الأولى وقوات النظام في المرحلة الثانية. فتسيير الدوريات وحمايتها سيتم كما جرت العادة مع أمنية فيلق الشام أو فصائل الجبهة الوطنية حسب توزع القطاعات.

ويضاف إلى ذلك، إخطار قادة فصائل “الجبهة الوطنية” إصرار روسيا على تعديل عمق المنطقة منزوعة السلاح الثقيل لتصبح 20 كم طبقا للمتغيرات العسكرية الأخيرة بعد قضم ريف حماة الشمالي وخان شيخون، أي اعتبارا من خط الجبهة الجديد وليس خط ما قبل 5 أيار (مايو ) 2019 قبل بدء العملية العسكرية المشتركة للنظام وحلفائه.  وهو ما يتفق إلى حد كبير مع الشرط الروسي بتوسيع عمق المنطقة الآمنة مطلع الشهر الجاري إلى 30 كم اعتبارا من خط الجبهة الجديد.

بطبيعة الحال، سواء تم التوافق بين الضامنين التركي والروسي على أن تكون المنطقة المعنية 20 كم أو 30 كم، فهذا يعني إعطاء روسيا الحق بتفتيش أكثر ما تبقى من سهل الغاب وريف حماة وريف إدلب الشرقي وريف معرة النعمان وكل الأراضي شرق طريق حلب – دمشق الدولي (M5). هذا فضلا عن جبل التركمان والأكراد وريف حلب الغربي والجيب الصغير الذي يضم عندان وحريتان في ريف حلب الشمالي، وضمان طرد الفصائل المتشددة منها بشكل نهائي، وحصر الفصائل التي لا تقبل بالاتفاق في جيب حدودي صغير شمال مدينة إدلب يشمل سرمدا وحارم وسلقين وكفر تخاريم وجوارهما ومنطقة جبل السماق ذات الغالبية السكانية الدرزية.

على صعيد الحكم المحلي، نقل بعض المعارضين قبول روسيا إدارة منطقة إدلب من قبل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض. في حين أن النظام يصر على عودة مؤسسات “الدولة السورية” إلى كامل منطقة خفض التصعيد، ويشترط كذلك دخول الشرطة المدنية بصفتها السيادية مقابل التخلي المرحلي عن نشر قوات الجيش والمخابرات.  وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد أن الحديث عن دخول الحكومة المؤقتة هو مجرد أوهام في رأس بعض المعارضين السوريين، الذين مازالوا يعيشون حالة نكران الهزيمة الحاصلة والواقع الجديد. فنقطة المراقبة التركية في مورك أصبحت محاطة بقوات النظام وطريق إمدادها يمر بين جنود برعاية روسية، وسيكون ذلك حال النقاط الأربع شرق طريق حلب – دمشق. ويغيب عن ذهن الناطقين بهذا الادعاء أن تركيا هي الطرف الضعيف في ذلك الاتفاق، وأنها غير قادرة على تنفيذه حسب ما خبر الجميع منذ توقيعه حتى اليوم.

من الواضح أن ملف إدلب أصبح معلقاً ببقاء هيئة “تحرير الشام” بشكل كامل. لكن تلك الأخيرة تدرك عدم مقدرتها مواجهة الهجوم المدعوم من روسيا، وأن المواجهة هي معركة استنزاف ضدها بشكل رئيسي، فحاولت الزج بالفصائل القاعدية الأخرى كما فعلت في محور سكيك والتمانعة شرق خان شيخون عندما أوكلت مهمة الدفاع عنه لفصيلي حراس الدين وأنصار التوحيد بهدف استنزاف قوتهما هناك، وهو ما حصل بالفعل. وتحاول تحرير الشام تخفيف خسائرها في هذه المرحلة، ويرجح أنها لن تقاتل فيما لو استكمل النظام وروسيا حربهما للسيطرة على ريف إدلب الشرقي ومدينتي سراقب ومعرة النعمان وكامل طريق حلب – دمشق، وهو ما بدأته بسحب مواردها من شرقي الطريق مع وصول النظام إلى خان شيخون.

لقد أصبحت معادلة إدلب بمجاهيل كثيرة، إن لم تصبح مستحيلة الحل. فالصمود في وجه روسيا غير ممكن، والتطبيع معها مرفوض وتطبيق الاتفاق متعلق بخروج تحرير الشام وأخواتها، وفي حال رفضها فإنها لن تستطيع الصمود. كل ذلك سيؤدي إلى استعادة النظام لإدلب، لكن بعد تدميرها وتهجير غالبية سكانها.

القدس العربي: ٢١ أيلول ٢٠١٩

قد يعجبك ايضا