تركيا ستدخل في مواجهة إما مع الأسد أو هيئة تحرير الشام

دايفيد ليبسكا*

حوار يجريه ليبسكا، الكاتب والصحفي المختص بالشأن التركي، مع الباحث في معهد هدسون بليز ميزتال، المدير التنفيذي لفرقة العمل المعنية بالتطرف في الدول الهشة. وقبل ذلك، كان ميزتال مديرا لبرنامج الأمن القومي بمركز السياسات الحزبية، حيث أدار فريقا مسؤولا عن البحث وتطوير توصيات السياسة المتعلقة بمجموعة متنوعة من قضايا الأمن القومي، تركز على إيران وبرنامجها النووي، والعلاقات الأمريكية التركية، والأمن السيبراني، ومكافحة التطرف وهشاشة الدولة.

رويترز

جسر: متابعات:

يعتقد الباحث بليز ميزتال من معهد هدسون، في حوار له مع موقع “أحوال تركية”، أنه يجب على أنقرة تحييد الجهاديين في إدلب بطريقة أو بأخرى، وأنه يجب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد شراكة مع الولايات المتحدة ضد إيران، و أن أنقرة يجب ألا تتحايل بشأن تفعيل نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع إس 400.

رويترز

سؤال: نتحدث يوم 8 مايو، بعد مرور 60 يومًا تقريبًا من إعلان تركيا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا. عبر العديد من المراقبين عن مخاوفهم من تفشي كارثي في محافظة إدلب السورية المجاورة، حيث يتم حشر حوالي 3 ملايين نازح سوري بين القوات التركية وقوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران. هل تتوقع استمرار وقف إطلاق النار في إدلب، أم تتوقع أن تستأنف قوات الأسد هجومها في الأسابيع المقبلة؟

جواب: لنكن واضحين، لم ينتهك وقف إطلاق النار لكنه لم ينفذ بالكامل. كان أحد البنود الرئيسية في وقف إطلاق النار هو أنه ستكون هناك منطقة أمنية جديدة تم إنشاؤها على طول الطريق السريع “إم 4” والتي سيتم تسييرها بشكل مشترك من قبل القوات التركية والروسية. أعتقد أنه حتى الآن، كانت هناك خمس أو ست محاولات للقيام بهذه الدوريات المشتركة، ولكن لم تنجح أي من تلك المحاولات. ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن آخر المتظاهرين الذين يمثلون هيئة تحرير الشام، المجموعة الجهادية التي تسيطر على جزء كبير من إدلب، أغلقوا الطريق السريع وعرقلوا قدرة القوات التركية على القيام بدوريات هناك، مما أدى إلى إثارة المواجهة والأعمال العدائية.

لذلك أعتقد أننا يجب استبعاد قول إن وقف إطلاق النار يتم تنفيذه بالفعل. ولكن نستطيع أن نقول أن هناك عملية وضع استراتيجية جديدة، لا سيما بعد أن ردت تركيا على مقتل قواتها في فبراير وأطلقت عملية درع الربيع التي لم تكن متوقعة من قبل القوات الروسية والسورية والإيرانية. لكن كل شيء وصل إلى مرحلة من الجمود بسبب جائحة كورونا التي أثرت على القوات والحسابات بأكملها.

سؤال: قال المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، إن الوضع الإنساني في إدلب تجاوز الحدود بالفعل وأن جائحة كورونا ستزيد الأمر سوءاً. وقال أيضا إن الولايات المتحدة تدعم بقوة العمل العسكري التركي في إدلب. هل يجب أن تدعم الولايات المتحدة العمل العسكري التركي في سوريا وإدلب، وهل تبقي تركيا بالفعل هيئة تحرير الشام تحت السيطرة؟

جواب: بالتأكيد، وأعتقد أنه من المهم جدًا عدم التفكير في صراع إدلب على أنه مجرد صراع واحد أو مجموعة واحدة من الشركاء والحلفاء ضد مجموعة أخرى من الشركاء والحلفاء. الأمر معقد وهناك العديد من التداخلات والخلافات، ليس أقلها علاقة تركيا بهيئة تحرير الشام.

أعتقد من جهة أن الولايات المتحدة، مثلها مثل روسيا وإيران والأسد، تفضل أن ترى تركيا تسيطر على إدلب وتسيطر على هيئة تحرير الشام، الجماعة المنبثقة من تنظيم القاعدة. بالتأكيد لا نود أن نراهم يسيطرون على إدلب ويديرونها وفقاً لحكمهم الخاص.

لذا لا أعتقد أن سيطرة تركيا على جماعة هيئة تحرير الشام أمراً سيئاً. وأعتقد كذلك أنه سيكون بالأمر السهل نظراً لتعاون تركيا والجماعة من قبل من أجل تحقيق هدف واحد وهو منع الأسد من استعادة السيطرة على إدلب.

لكن هيئة تحرير الشام لا تريد أن تحكمها تركيا؛ فهم لديهم هدفهم الخاص في إقامة إمارة إسلامية، مثلما فعل داعش في الشرق. قد يرون العمل مع تركيا كوسيلة للبقاء في الوقت الحالي أمراً مواتياً، لكنهم لا يرون أنفسهم كشركاء أو وكلاء لتركيا.

وعاجلاً أم آجلاً، ستقوم كل من روسيا وإيران بمطالبة تركيا بتسريح مقاتلي هيئة تحرير الشام، وسيكون أمام تركيا خيار إما عدم القيام بذلك والدخول في مواجهة مع الأسد أو الدخول في مواجهة مع هيئة تحرير الشام. ولكن حتى الآن، لم تنجح استراتيجية منتصف العصا المفضلة لتركيا المتمثلة في إيجاد طرق للإشراف المعتاد على هيئة تحرير الشام، ولا أتوقع نجاحها في أي وقت قريب.

سؤال: بالنظر إلى دور تركيا في السنوات الأولى من الحرب، وتوغلاتها الأخيرة، ما رأيك في تأكيد الأسبوع الماضي للمتحدث باسم الرئيس أردوغان إبراهيم كالين، الذي قال: “لقد عانى الشعب السوري أكثر من أي دولة أخرى في الآونة الأخيرة؟ فهل يجب علينا الآن أن نضع خلافاتنا الصغيرة ومصالحنا ومكاسبنا الجيوسياسية جانباً وأن نعطي الأولوية للشعب السوري؟”

جواب: من المؤكد أن تركيا فعلت الكثير لمساعدة الشعب السوري، حيث استضافت ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري داخل تركيا وتلقوا الدعم التركي على مدى عقد من الزمان.

ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة على أن ما تفعله تركيا داخل سوريا هو لصالح أي شخص آخر غير تركيا نفسها. فهي تتابع أجندتها الجيوسياسية، وقد ساهمت أفعالها في معاناة وتشريد المدنيين السوريين، ليس أقلها استئناف الصراعات في المناطق التي تم تهدئتها، مثل شمال شرق سوريا، حيث دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع القوات الديمقراطية السورية لطرد داعش وبدء استقرار هذه المنطقة.

ثم في أكتوبر الماضي، شنت تركيا غزوًا، وبدأت جولة جديدة من الصراع أدت إلى نزوح المزيد من الأشخاص الذين أعيد توطينهم للتو وبدأوا في الاستمتاع بثمار السلام. يجب أن نعترف بإنجازات تركيا في مساعدة المدنيين السوريين، ولكن يجب أن نكون مدركين تمامًا للضرر الذي أحدثوه بأنفسهم.

سؤال: دعا كالين الأسبوع الماضي أيضًا إلى عقد تعاون أكبر بين الولايات المتحدة وتركيا، وهو اقتراح يتطابق بشكل جيد مع مقال كتبته لموقع “وور أون ذا روكس” هذا الأسبوع يدرس رد أميركي محتمل على زيادة العدوان الإيراني في المنطقة – من خلال عقد الشراكة مع تركيا لدفع مشترك ضد إيران ووكلائها. يرجى التحدث قليلاً عن ذلك وإعطائنا الخطوط العريضة عن كيفية رؤية مؤيدي مثل هذه الشراكة بين الولايات المتحدة وتركيا.

جواب: المشكلة الأساسية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي عدوانية وتوسعية إيران، لاسيما بعد هزيمة داعش والجماعات السنية المتطرفة. إذن ما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله لصد إيران واحتواء نفوذها الإقليمي؟ هدف مواجهة إيران مشترك في الإدارة، وبالتأكيد يتحدث الرئيس الأميركي بشدة ضد إيران.

لكن الإدارة لا ترغب في إشراك نفسها في المزيد من الاشتباكات العسكرية في الشرق الأوسط، مما يجعلها تبحث عن شريك للقيام بهذا الدور. هذا الشريك هو تركيا، الذي يوافق عليه العديد من الأفراد داخل الإدارة الأميركية لمجموعة متنوعة من الأسباب، منها الفكرة القائلة بأن تركيا باعتبارها الدولة القومية الحديثة ذات المظهر الغربي، حليف الناتو الذي لديه سجل تاريخي من العداء مع إيران وغير مهتم بالتوسع الإيراني على طول حدوده الجنوبية.

تم إثبات وجهة النظر هذه في فبراير-مارس، حين أخرجت تركيا العديد من أعضاء حزب الله والمليشيات الأخرى المدعومة من إيران من إدلب. ومن هنا أثير احتمال أن تكون تركيا هي الشريك المحتمل للولايات المتحدة في حربها ضد إيران. وكذلك بسبب انسحاب الولايات المتحدة أو إعادة تموضعها في شمال شرق سوريا حيث كانت الشراكة الأميركية مع الأكراد السوريين العقبة الرئيسية أمام تحسين العلاقات الأميركية التركية.

سؤال: أنت تكتب أنه في ظل أردوغان، تطور التعاون بين تركيا وإيران وموسكو بشأن سوريا، وكان آخره عملية أستانا. لكن كل هذا تغير مع الغارة الجوية في أواخر فبراير في إدلب التي قتلت أكثر من 30 جنديًا تركيًا. وعلى الرغم من أن معظم المحللين يعتقدون أن روسيا كانت وراء هذه الضربة، كتبْت أن أردوغان يعتقد أن إيران هي المسؤولة. من فضلك أخبرنا قليلاً عن ذلك، ولماذا تعتقد أن ذلك لم يكن علامة على أن تركيا ستكون أكثر استعدادًا لمهاجمة إيران والوكلاء الإيرانيين في المستقبل؟

جواب: هل استعداد تركيا لمهاجمة إيران هو نفس استعدادها للعمل مع الولايات المتحدة لاحتواء إيران في المنطقة؟ أعتقد أن الأمرين يختلفان تماماً عن بعضهما البعض خارج إدلب. وبشكل عام، لا ترغب تركيا في عقد شراكة مع القوات الإيرانية في أي مكان آخر في المنطقة. ولكن في أماكن أخرى والتي قد ترغب الولايات المتحدة في مواجهة إيران بها، كما هو الحال في العراق، رأينا في الواقع تركيا وإيران تقفان على نفس الجبهة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمطاردة الأكراد العراقيين.

نفذت تركيا الضربات ضد إيران في إدلب لهدفين، أحدهما انتقامي والآخر لحفظ ماء الوجه. كانت تركيا بحاجة إلى الرد لتظهر أنها لن تتحمل مقتل 34 من جنودها. لكنها لم تستطع أن تقاوم الفاعل الفعلي لتلك الهجمات، التي كانت روسيا، لذلك كان عليها توجيه نيرانها في مكان آخر. لذا وعلى الرغم من أننا رأينا هجومًا على إيران، إلا أنه لم يكن هجومًا ضد إيران في حد ذاته. ومهما كان التوافق بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن إيران في الوقت الحالي، فهو محدود للغاية وربما مؤقتًا أيضًا.

سؤال: هل تقول إن العائق الرئيسي أمام عقد شراكة أميركية تركية ضد إيران هو روسيا؟ لأنه في مقالتك تكتب أن روسيا “من غير المرجح أن تعطي ضوءًا أخضراً للهجوم التركي غير المحدود ضد القوات نفسها التي تبقي عميل موسكو في السلطة في دمشق”.

جواب: العائق الرئيسي هو عدم وجود رغبة تركية في أن تكون شريكًا للولايات المتحدة على الإطلاق، على الأقل في ظل الحكومة الحالية. لا أرى الرئيس أردوغان يعتقد أن مستقبل تركيا يكمن في الولايات المتحدة أو الغرب. أعتقد أنه يتبع استراتيجية لمحاولة تنمية مكانة تركيا في العالم. أعتقد أنه وقع على إيديولوجية مشابهة لما تمثلت به حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة.

وكما قال أردوغان، “إن العالم أكبر من خمسة” – في إشارة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – مما يعني أنه إذا كان هناك عالم جديد نسكنه، فإنه يتطلب ظهور قوى جديدة. أعتقد أنه يبحث عن طريقة لتنمية القوة التركية، لتوجيه تركيا بعيدًا عن الغرب وإثبات نفسها كلاعب مستقل في الشرق الأوسط، وفي جنوب أوروبا، وفي القوقاز، وفي الشراكة مع روسيا في الوقت الحالي طريقة ملائمة للقيام بذلك، لكنها مجرد وسيلة لتحقيق هذه الغاية، وليست غاية في حد ذاتها. طالما يسعى أردوغان إلى تحقيق هذه الأهداف، فلن يفكر بجدية أبدًا في شراكة مع الولايات المتحدة.

مشاكل العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا ليس لها علاقة بالشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية أو تصورات الدعم الأميركي لحركة غولن أو أي شيء آخر – هذه أعذار سهلة لتركيا، ولكن العقبات الحقيقية هي قضايا أيديولوجية أعمق تتعلق الأمر برؤية أردوغان للعالم.

سؤال: في أواخر أبريل، أعلنت تركيا قرارها بتأجيل تفعيل نظام دفاعها الجوي الروسي الصنع “إس 400″، على الرغم من الاحتجاجات الأميركية والناتو المتكررة. لماذا تؤخر تركيا تفعيل النظام الدفاعي، وكيف تتوقع حدوث ذلك؟

جواب: هناك عدد من الأسباب التي قد تجعل تركيا تفعل ذلك من أجل السعي وراء الميزة الاستراتيجية التي لا علاقة لها بالرغبة في وضع نظام “إس 400” فعلياً والاستسلام لمطالب الولايات المتحدة. تنبع هذه الأسباب من الرغبة في التعامل مع الوضع الاقتصادي المتراجع الذي تجد تركيا نفسها فيه، فهي تتفاوض حاليًا لعقد صفقة مبادلة عملات مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسماح لها بالوصول إلى المزيد من الموارد المالية، لذلك من الأنسب لها أن تضع في الاعتبار أن تأخذ مخاوف الولايات المتحدة على محمل الجد في نفس الوقت التي تتشاور فيه للحصول على تلك المساعدة المالية.

قد تحاول أيضًا العثور على حل تفاوضي يمنع الولايات المتحدة من عدم معاقبة تركيا بينما يمكنها بعد ذلك المضي قدمًا في تفعيل النظام الدفاعي “إس 400”. قد تسعى أيضًا إلى الحصول على بعض النفوذ ضد روسيا. كان الوضع الذي وجدت تركيا نفسها فيه فيما يتعلق بإدلب بعد هجوم فبراير على قواتها هو الموقف الذي كانت تعتمد فيه بشكل كبير على روسيا للمساعدة في استعادة نوع من الهدوء. رأينا أردوغان يطير بسرعة للقاء بوتين وأتخيل أن أردوغان لا يحب الشعور بأن يكون مدينًا لبوتين أو أن يكون تحت رحمته عندما يتعلق الأمر بمستقبل إدلب أو سلامة القوات التركية هناك، لذلك قد تكون هذه فرصة التفاوض له للسيطرة على الروس.

يمكن أيضًا ربط هذا بقضايا تتعلق بفيروس كورونا وهذا ليس الوقت المناسب لجلب الفنيين الروس لمساعدة الأتراك في إعداد نظام الدفاع الصاروخي إس 400. لذلك أعتقد أن هناك عدداً من الأسباب تدفع تركيا لهذا التأخير الذي لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى تغيير في رغبة تركيا بحد ذاتها.

سؤال: عندما تعهد المسؤولون الأتراك، حتى منذ إعلان التأخير في أبريل، بتفعيل النظام الدفاعي، ألا تشك في مصداقيتهم؟ ألا تعتقد أن هذا نوع من الخدعة؟

جواب: لا على الاطلاق. أعتقد أن تركيا تبحث دائمًا عن أفضل صفقة ممكنة، لذلك إذا عُرضت صفقة مربحة في يوم ما، فإنها ستكون على استعداد للنظر فيها. لكني لا أرى أي صفقة مربحة يمكن للولايات المتحدة عرضها تجعل تركيا تغير رأيها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في أحوال تركية الخميس 14 أيار/مايو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا، للقراءة باللغة اﻻنكليزية هنا

قد يعجبك ايضا