حرب أوكرانيا..هل من مكاسب اقتصادية لسوريا؟

جسر – صحافة

خلال الأيام السبعين الفائتة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، كُتب الكثير عن الآثار الاقتصادية لهذه الحرب، على الوضع بسوريا. وبهذا الصدد، قد يكون من المفيد مناقشة بعض الاحتمالات التي طرحتها دراسة تحليلية صدرت عن مركز جسور للدراسات، خلال شهر نيسان/أبريل الفائت.

الدراسة التي حملت عنوان “أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على النظام السوري”، والتي أعدها فريق من الباحثين، تناولت مختلف الجوانب، العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. لكن أكثر ما أثار اهتمامنا في الدراسة، تلك الآثار الاقتصادية “الإيجابية” التي طرحها الباحثون، بوصفها محتملة على المدى المتوسط والبعيد.

 إلا أننا سنبدأ باستعراض أبرز الآثار السلبية، بدايةً. فارتفاع فاتورة الغذاء على حساب السوريين، نتيجةٌ مفروغ منها للغزو. وهي نتيجة عمّت مختلف أصقاع الأرض، لكنها في الحالة السورية، لها خصوصيتها، في “دولة” تعاني من حالة أشبه بالإفلاس، وتراهن على القروض والخطوط الائتمانية من “الأصدقاء”، للاستمرار في تأمين الحد الأدنى من حاجة السوريين من رغيف الخبز.

وفي حين يتوقع معدّو الدراسة، أن تستثني روسيا نظام الأسد، من حظر تصدير الحبوب، الذي قررته قبل أسابيع، إلا أنهم يستبعدون تماماً حصول أي مراعاة من جانب موسكو في تحصيل ثمن الحبوب المصدّرة للنظام، والذي سيكون وفق الأسعار العالمية المُستجدة. ونتفق دون شك، مع هذا التحليل، إذ من غير الوارد أن تقدم موسكو امتيازات مضاعفة حتى لأقرب حلفائها، في هذا التوقيت بالذات، حيث يشكل تحصين اقتصادها ومعيشة شعبها من آثار العقوبات الغربية، الهمّ الرئيس لها.

أما ثاني أبرز أثر اقتصادي سلبي، فهو أن حبل القروض الائتمانية الروسية المقدّمة للنظام، سينقطع تماماً، على الأرجح. فروسيا التي جُمدت أصولها من القطع الأجنبي في الدول الغربية، ستكون حريصة للغاية على ما تبقى لديها من هذا القطع. وقد يكون آخر قرض روسي، قُدّم للأسد نهاية العام الفائت، بغرض شراء مواد غذائية، هو آخر خطوط الائتمان الروسية المقدّمة للنظام، لفترة طويلة قادمة.

لكن، هل من مكاسب “إيجابية” على الاقتصاد السوري؟ وفق الدراسة، فإن بعض الاستثمارات الروسية قد تنتقل إلى سوريا، بعد أن فقدت مواطن الجذب في الغرب. فمع تقلص إمكانية استثمار المال الروسي في عدد كبير من دول العالم، جراء العقوبات الغربية، فإن ذاك المال سيتجه للداخل الروسي، وللدول الحليفة. ومنها سوريا.

تبدو الاحتمالية المفصّلة أعلاه، واردة نظرياً. لكن من الناحية العملية، لم تنعدم خيارات تغيير اتجاه الاستثمارات الروسية. ووفق تقارير وسائل إعلام عالمية، فإن أموالاً روسية “ساخنة” تتحرك سريعاً إلى وجهات بديلة، أبرزها، الإمارات وتركيا وإسرائيل. ولم يُسجَّل حتى ساعة كتابة هذه السطور، أي تحرك استثماري روسي باتجاه سوريا. وحتى على المدى المتوسط والبعيد، فإن الاستثمار في بلدٍ مُعاقب، تنخفض القدرة الشرائية لمواطنيه بصورة كبيرة جداً، يبدو أشبه بمغامرة يائسة. وقد يكون في تسرب رأس المال الإيراني بكثافة إلى دبي، خلال سنوات ما قبل الاتفاق النووي عام 2015 -حينما كانت إيران ترزح تحت ضغط عقوبات دولية-، أبرز مثال يدفعنا للتريث في توقع “يأس” رأس المال الروسي من كل الوجهات البديلة، إلى درجة الرهان على بلدٍ يفرّ منه رأس المال المحلي.

وانطلاقاً من النقطة الأخيرة، نشير إلى توقع الدراسة أن يجد رأس المال السوري، موطئ قدمٍ أكثر جاذبية في الداخل الروسي. فموسكو ستكون حريصة في الفترة القادمة، على جذب الاستثمارات إلى أراضيها، للتعويض عن الاستثمارات الغربية المنسحبة. وتتوقع الدراسة أن تمنح موسكو مزايا إضافية لرأس المال المُستثمر لديها، ومع توقع حصول انخفاض مستقبلي لسعر صرف الروبل، فسيتمتع الاستثمار “الصغير” بجدوى أكبر في روسيا، مما سيجذب مستثمرين سوريين. وهو توقع محتمل بالفعل، نظراً لأن رأس المال السوريّ أظهر خلال نهاية صيف العام 2021، حراكاً ملحوظاً للخروج من البلاد، بأي طريقة. فالظروف الاستثمارية هناك، باتت منفّرة إلى أقصى الحدود. لكن لا نعرف كيف يمكن توصيف ذلك بأنه “أثر اقتصادي إيجابي”! فانسحاب المزيد من رأس المال المحلي من الداخل السوري، ينعكس سلباً على معيشة السوريين، وعلى اقتصاد البلاد.

الدراسة توقعت أيضاً، زيادة التبادل التجاري بين نظام الأسد وبين الدول “المجهرية” التي تحميها روسيا، كـ شبه جزيرة القرم، ودونتيسك ولوغانسك، وكذلك، أبخازيا وأوسيتيا. وهو توقع وارد فعلاً، لكنه ليس بالشيء الجديد، فهذا المسعى بدأ قبل الغزو. ولا يمكن اعتباره، أثراً “إيجابياً”، بل على العكس. فأن تضيق خيارات التبادل التجاري لـ “سوريا الأسد”، كي تصبح لصالح تلك الدول “المجهرية”، يعني تراجعاً اقتصادياً، وليس تحسناً. ناهيك، عن أن ذلك لن ينعكس إيجاباً على فاتورة الغذاء مثلاً، إذ ستبقى “دول” كـ “جزيرة القرم”، تطالب الأسد بدفع أثمان الحبوب، بالسعر العالمي الجديد، بحيث يصبح خيار الحبوب “الهندي”، أكثر جدوى للنظام، وفق إقرار مسؤوليه.

وفي الختام، قد تكون أبرز خلاصة قدمتها الدراسة، والتي نتفق معها بشكل كبير، أن هناك معادلة ستحكم العلاقة الروسية – السورية، في الفترة القادمة. أنه كلما زاد التورط الروسي في أوكرانيا، كلما تراجعت سوريا في قائمة الاهتمامات الروسية، مما سيتيح الفرصة لإيران، لتوسيع نفوذها، وملء أي فراغ قد تتركه روسيا مضطرةً.

من جانبنا، قد نقدم ترجمة اقتصادية لهذه المعادلة. إن لم يحصل اتفاق نووي إيراني – غربي، واستمرت حالة التوتر في الإقليم جراء ذلك، ومع التوسع المحتمل للنفوذ الإيراني بسوريا، فإن خيار دول عربية بالانفتاح الاقتصادي على نظام الأسد، سيصبح أكثر صعوبة، وأقل جدوى. ناهيك عن أن خيارات الغرب قد تتجه نحو تشديد العقوبات على نظام الأسد، للجم النفوذ الإيراني، ولممارسة مزيد من الضغط ضد روسيا، في معرض الصراع الدائر بين هذه الأطراف.

المصدر: موقع المدن (إياد الجعفري)

 

قد يعجبك ايضا