حقول الزيتون ملاذ الهاربين من جحيم النظام وروسيا

تفترش فاطمة المصري منذ تسعة أيام الأرض، تنام في العراء بين أشجار الزيتون قرب الحدود التركية، بعدما فرت من القصف العنيف الذي تشنه قوات النظام وحليفتها روسيا ضد مناطق في إدلب ومحيطها.
وتقول المصري (66 عاما)، وهي تجلس على حصيرة زرقاء اللون تحت شجرة زيتون وحولها يلهو أحفادها، “أتينا هربا من الموت … نزحنا من تحت القصف والبراميل” التي طالت بلدتها كفرنبودة في ريف حماة الشمالي.


وتضيف السيدة السمراء التي ارتدت عباءة مخملية غامقة اللون “الطائرات في الجو، وبعد رمي البراميل، تطلق رشاشاتها لكيلا تترك شجرا ولا بشرا ولا حتى غنما”.
ونزح أكثر من 150 ألف شخص في غضون أسبوع فقط من مناطق عدة في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، وفق ما أحصت الأمم المتحدة.
وسبق هؤلاء عشرات آلاف الأشخاص ممن فروا أيضاً جراء التصعيد المستمر منذ شباط/فبراير. إلا أنه منذ أسبوع بلغت وتيرة القصف، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، حدا غير مسبوق منذ التوصل في أيلول/سبتمبر إلى اتفاق روسي تركي نص على اقامة منطقة “منزوعة السلاح” في أجزاء من إدلب والمحافظات الثلاث المحاذية لها، حماة (وسط) وحلب (شمال) واللاذقية (غرب).
لم تجد فاطمة وعشرات العائلات الأخرى مفرا من القصف سوى حقول الزيتون قرب الحدود التركية، حيث يعيشون معتمدين على حاجات بسيطة تمكنوا من نقلها معهم، مثل حصر بلاستيكية وبطانيات للنوم، وبعض القدور وأسطوانات غاز للطبخ.

أسر نازحة تفترش حقول الزيتون

وعمد بعضهم إلى تعليق الأغطية على الشجر ليجعلن منها خيما ينامون تحتها، حتى أن إحدى العائلات أحضرت معها لوحا شمسيا لاستخدامه في إنتاج الكهرباء.
وتقول فاطمة “نحن هنا 35 عائلة، إلى أين نذهب؟ الناس تريد الخيم، لا تريد الأكل، تريد فقط الخيم”.
لا خيم ولا مساعدات
ووثق المرصد السوري مقتل 84 مدنيا في الغارات خلال ثمانية أيام فقط، مشيرا أيضا إلى تقدم ميداني لقوات النظام في ريف حماة الشمالي وتمكنها الأربعاء من السيطرة على بلدة كفرنبودة، التي فر منها أيضا عصام درويش مع زوجتيه وأطفاله.
في الحقل الواسع، يستلقي درويش (35 عاما) على حصير تحت الشمس، بعدما خاب ظنه إذ كان يتوقع أن يجد بسهولة خيمة تقيه وعائلته ومساعدات يقتاتون منها.
ويقول الرجل الملتحي المرتدي عباءة بنية اللون “رحلنا من كفرنبودة بعدما بات القصف همجيا وتقدم الجيش النظامي في المنطقة، أخذنا عائلاتنا وأتينا بهم إلى هنا”.
ويضيف “أتينا إلى أطمة على اعتبار أنها منطقة آمنة، ويعيش فيها بالأصل لاجئون يأتون لهم بالخيم والمساعدات … إلا أنه لا يوجد لا مساعدات ولا خيم، نجلس فقط تحت الزيتون، لا نتذوق سوى المطر والبرد”.
على بعد عشرات الأمتار، يعيش نازحون فروا على مدى سنوات من مناطق سورية عدة في مخيمات واسعة كبرت شيئا فشيئا مع تصاعد العنف في البلاد.


ويقول نازحون فروا مؤخرا أنهم لم يجدوا مكانا لهم في تلك المخيمات المكتظة، وقد عرض عليهم استقبالهم في مركز إيواء على أن تنقسم العائلات، النساء والأطفال في مكان والرجال في مكان آخر، وهذا أمر رفضوه مفضلين أن يبقوا سوية، ولم يكن أمامهم سوى حقول الزيتون ليلجؤوا إليها.
وتشكل محافظة إدلب ومحيطها المعقل الأخير لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل متشددة أخرى متحالفة معها، وتحاذيها من جهة الشمال منطقة في شمال حلب تسيطر عليها فصائل سورية موالية لتركيا.
ولطالما أكدت دمشق عزمها استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها عن طريق “المصالحات”، وهي تسويات تبرمها مع الفصائل بعد هجمات عسكرية، أو عبر الحل العسكري.
وتقول جميلة خلوف (50 عاما)، التي فرت من قرية في جنوب إدلب، “كنا جالسين في منازلنا وسقطت علينا القذائف … وها نحن اليوم في حقول أطمة لا نملك شيئا”.
ونظرا إلى سوء الوضع المعيشي حاليا، تضيف خلوف “ذهب أولادي تحت القصف ليأتوا لنا ببعض الحاجيات. سيحضرونها ويعودون”.

المصدر-الحرة

قد يعجبك ايضا