حلب تباد أم تؤدب؟

جسر: رأيكم:

قرأت في الأمس منشوراً لإحدى السيدات الحلبيات تقول فيه بالحرف الواحد: حلب تباد. انتهى المنشور هكذا دون توضيح كيف وأين ومتى؟

هذا الخبر (المنشور) استرعى انتباهي ودهشتي واستغراب غيري، فمن المعروف أن حلب أُبيدت في نهاية عام ٢٠١٦ بشكل جنوني، وبالتحديد أُبيد نصفها الشرقي الفقير وقلب تاريخها الغني، كان ذلك ضرورياً لمحاربة “الإرهاب” الذي بقي واقفاً على الباب، يمطر المدينة من الغرب، في تخوم حي الزهراء الحديث ببعض القذائف الهوجاء كل حين، ولا يخفى على أحد أن من استطاع دحر الإرهاب عشرات الكيلومترات، لا يُعجزه دحره ثلاث كيلومترات إضافيات ليأمن شر قذائفه، ومن لا يحافظ على مسافة الأمان في قيادة السيارة على الطريق، يكون عرضة لحوادث الاصطدام، والقائد الذي لا يحقق مسافة أمان لشعبه تحميه من شذرات إرهاب الجوار، يتعمد تأديبه بكل وضوح لا يختلف عليه المبصرون والعميان.

حلب كُتب لها أن تدور في فلك الحاكم ونعيم أمانه الزائف، وكتب لها أن يحكمها الفجار والأشرار، فإذا ما خدمها أحدهم بقلبه وروحه وضميره حي، فقأوا عينيه بالمال الحرام والغيد الحسان، أو لطخوا سمعته بتلفيق تهم الفساد (و عصام الزعيم مثال على ذلك). وما هذا الفساد والترهيب والتشبيح والتعفيش الذي يتغلغل في مفاصلها وبعض النفوس إلا تذكير للبقية فيها بنعم الولاء للحاكم سيد الوطن، حلب تقصف عمداً بين الحين والحين لتسكت عن قصف الكرز “الوشنه” الريحاوي، الذي يعدونه لطبخة فريدة جمعت الأضداد في قِدر واحد تُدعى “لحمة بكرز” تضم الحلو والحامض والمالح بآن واحد..

هذا اللون الغريب من الطعام الحلبي يدلل على تنوع الفسيفساء في مجتمع حلب، فمنذ القديم وحتى اليوم جمعت حلب كل الأطياف والأعراق والأديان في ودٍ وانسجام، وهذه القذائف ومظاهر الفساد تأتي كذر الملح الزائد على لذيذ الطعام لننفر منه ونكرهه.

و رغم أن الفستق الحلبي الذي يميز حلويات حلب يأتي معظمه من مورك وطيبة الإمام في ريف حماة، وصولاً إلى خان شيخون في ريف إدلب، فقد تم قصفه لقبول فستق إيران الرخيص، وفستق عنتاب هدية الأتراك المشبوهة..

أنا أتألم وأدين قصف حلب، مات لي فيها أحبّة ببراميل الحقد، ومات بعضهم بقذائف حقد طائش، ولا يفهمنّ أحدكم أني أدعو لقصف المزيد من أرضي وشعبي، كل الناس في سوريا أهلي، وكل التراب السوري أرضي، وأتألم وأدين قصف الكرز الريحاوي والفستق الحلبي والزيتون الكردي، تشردت في بقاع الأرض بسبب الحرب، وتذوقت وجربت الكثير من خيرات الأغراب والعجم، لكن لا شيء يعدل كرز أريحا، ولا زيت وزيتون عفرين، ولا الفستق الحلبي السوري من أي أرض في سوريا.

٭محام وكاتب مستقل

قد يعجبك ايضا