خواتم فضة بدل المال.. إيران تواجه صعوبات متزايدة للسيطرة على الفصائل العراقية

رصيف22*

بعد تصفية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، استلم اسماعيل قآني سريعاً المنصب، في رسالة صاحَبَها آنذاك مديح لقدرات الأخير “التي لا تختلف عن تلك التي حظي بها سلفه”. وقتها، طلب المرشد من الجميع التعاون التام مع القائد الجديد.

المهندس وسليماني/انترنت

جسر: صحافة:

المهندس وسليماني/انترنت

خلال الأشهر القليلة الماضية، خرجت تقارير عدة أشارت إلى الصعوبات التي يواجهها قآني في العراق، صعوبات ساهمت فيها التغيرات التي شهدتها ساحات الأخير، لكن رُبطت كذلك بشخصية القائد الجديد وبافتقاره للكاريزما والتميّز اللذين استغلهما سلفه لتعزيز العلاقات مع المجموعات المسلحة التي تنسّق في العراق مع إيران.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، برزت مؤشرات عدة حول محاولات العراق المتعددة للحد من النفوذ الإيراني، وسط خلافات ولائية وسياسية واقتصادية عبّر عنها سياسيون كما ظهرت في الشارع بين المتظاهرين.

أحدث التقارير حول التحدي الإيراني الجديد في التعامل مع المجموعات المسلحة في العراق، ذاك الذي نشرته وكالة “أسوشيتد برس”، الخميس في 11 حزيران/ يونيو.

خواتم الفضة

يبدأ تقرير الوكالة الأمريكية بالحديث عن زيارة قآني الأولى للعراق في نيسان/ أبريل الماضي. حينها، والكلام لكاتبَيْ التقرير قاسم عبد الزهرة وسامية كُلّاب، كانت المجموعات الموالية لإيران تتوقع توزيع مبالغ مالية كما هو معتاد في زيارات مماثلة، لكن قآني “خيّب آمالها” وحمل معه فقط “خواتم فضية” كهدايا لقادتها.

في حادثة أخرى، يُدلّل من خلالها التقرير على تخبط العلاقات بين الطرفين وعلى سعي العراق للحد من قدرة إيران على التنقل الحر في البلاد، كان على قآني التقدم للحصول على تأشيرة لزيارة العراق، وهو “أمر لم يُسمع به خلال تولي سليماني القيادة”.

يعتمد كاتبا التقرير في روايتهما على ما نقله مسؤولون عراقيون عن صراع إيران للحفاط على نفوذها على الجماعات المسلحة الموالية لها بعد ستة أشهر على مقتل سليماني، في وقت تواجه فيه صعوبات متزايدة بسبب العقوبات الأمريكية من جهة وتداعيات فيروس كورونا من جهة أخرى.

يعود التقرير إلى التأثير الذي كان لدى كل من سليماني وأبو مهدي المهندس الذي قُتل برفقته على توحيد الجماعات المسلحة المتباينة، ومع غيابهما عادت الخلافات لتظهر وسط قوات الحشد الشعبي، المظلة الأساسية للمجموعات المسلحة الموالية لإيران.

بموازاة ذلك، حسب التقرير، أدى مقتلهما لتوقف مسار مأسسة هذه المجموعات، والذي كان المهندس قد بدأ بالعمل الجاد عليه بمباركة من سليماني.

“مع رحيل المهندس، غابت الركيزة التي تدور حولها سياسات (الحشد الشعبي)”، يقول الباحث العراقي فنار حداد لـ”أسوشيتد برس”.

ينقل تقرير “أسوشيتد برس” عن مسؤولين عراقيين قولهم إن سليماني كان يحظى بمكانة شبه أسطورية بين الفصائل الشيعية، بفضل شخصيته الكاريزمية وإتقانه اللغة العربية، حيث بنى مع المسؤولين العراقيين علاقة أكثر من ممتازة… بعد وفاته دبّت الخلافات بين الفصائل

عند تولي قآني القيادة بديلاً لسليماني، طُرحت تساؤلات عديدة حول قدرته على ملء الفراغ، وقتها حُكي عن مسيرته العسكرية اللافتة إذ كان من قدامى المحاربين ضد العراق كقائد لـ”الفرقة 21 الإمام الرضا” و”فرقة 5 نصر”. كما تدرّج في الحرس الثوري، فخدم في منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة لاستخباراته، قبل توليه منصب نائب قائد “فيلق القدس”، وشارك كذلك في الحرب السورية كمستشار عسكري، ويُعرف عنه تنظيره الكبير لسياسة التشكيلات الشعبية في بلدان المنطقة. مع ذلك، كان هناك شبه إجماع على افتقار قآني للكاريزما وللمقبوليّة لدى من يعملون تحت أمرته.

في هذا السياق، ينقل تقرير “أسوشيتد برس” عن مسؤولين عراقيين قولهم إن سليماني كان يحظى بمكانة شبه أسطورية بين الفصائل الشيعية والمجموعات العراقية المسلحة، بفضل شخصيته الكاريزمية وإتقانه اللغة العربية، وهكذا بنى مع المسؤولين العراقيين علاقة أكثر من ممتازة. كان يدخل إلى العراق ويخرج منه بانتظام، مشاركاً في التخطيط ولعب دور الوساطة وتقديم المساعدة النقدية. وقال المسؤولون إن زيارة مفاجئة منه كانت كافية لعقد اتفاق ما بين الفصائل المتنافسة.

بعد وفاته، دبّت الخلافات مجدداً بين الفصائل الشيعية، ومن الأمثلة على ذلك النزاع حول شخصية رئيس الوزراء مرتين قبل الاستقرار على تكليف مصطفى الكاظمي.

بحسب كلام المسؤولين للوكالة، فإن قآني أقل دراية بالمجموعات العراقية كما يتحدث إلى المسؤولين عنها من خلال مترجم. بموازاة ذلك، يشير التقرير إلى أن الاجتماعات العراقية كانت تُدار بشكل أساسي من السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي، وهو نفسه كان عضواً سابقاً في “فيلق القدس”.

ووفقاً لثلاثة مسؤولين، فإن هدية قآني من “الخواتم الفضية” – ذات الأهمية الرمزية – استلمها قادة عدة فصائل (بدل الأموال) خلال اجتماعهم معه في نيسان/ أبريل الماضي. المسؤولون تكلموا شرط إبقاء إخفاء هويتهم لأنه غير مصرّح لهم بالتحدث إلى الصحافة.

وفقاً للمسؤولين، أخبر قآني قادة المجموعات أن عليهم في المرحلة الحالية الاعتماد على تمويل الدولة العراقية، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية الإيرانية.

وبحسب الميزانية العراقية لعام 2019، حصلت مجموعات الحشد الشعبي على ملياري دولار من الحكومة، لكنها لم توزع بالتساوي في ما بينها. ونقل التقرير عن مسؤولين عراقيين مقربين من المجموعات الأصغر حجماً المدعومة من إيران قولهما إن هذه المجموعات تعتمد على وسائل أخرى غير رسمية للدخل وتتلقى إضافات أخرى من إيران، وتقدر بنحو ثلاثة إلى تسعة ملايين دولار.

شقاق متزايد

خلال تواجد المهندس – المؤيد بقوة لإيران – كان الحشد أكثر تأثراً بطهران. وكانت الخلافات بين المجموعات قد ظهرت قبل مقتل المهندس، لكنه في عام 2018، على سبيل المثال، اعتقل عدداً من قادة المليشيات التابعة للسيستاني إثر انتقادهم إيران، كما أصدر قراراً بفك ارتباط هذه المليشيات بالمرجعية الدينية في النجف بغية تقريبها من معسكر إيران.

غياب المهندس فتح الباب مجدداً أمام الفصائل المعارضة للنفوذ الإيراني (خاصة تلك المرتبطة بالسيستاني)، للانفصال عن الحشد الشعبي. تشكو هذه الفصائل من معاملة إيران التفضيلية للجماعات الصديقة لها.

غياب المهندس فتح الباب مجدداً أمام الفصائل المعارضة للنفوذ الإيراني، للانفصال عن الحشد الشعبي. وهي تشكو من معاملة إيران التفضيلية للجماعات الصديقة لها… ومؤخراً، أعلنت أربع مجموعات مرتبطة بالسيستاني أن الأوامر ستأخذها مباشرة من رئيس الوزراء العراقي

وكمثال على المعارضة المتزايدة، واجه عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) الذي يُنظر إليه كخليفة محتمل للمهندس، معارضة من بعض الفصائل التي اعتبرته الخيار المدعوم من إيران، بينما والكلام للمسؤولين لم يعترف به رئيس الوزراء رسمياً رغم توليه بعض المهام الإدارية.

من جانبها، أعلنت أربع مجموعات مرتبطة بالسيستاني مؤخراً أن الأوامر ستأخذها مباشرة من رئيس الوزراء العراقي، في رسالة واضحة على تجاوزها لقيادة الحشد الشعبي.

ونقل التقرير عن مسؤول بارز في “كتائب حزب الله” قوله إن هذه الخطوة أضعفت قوات الحشد الشعبي وشرعيتها بين الناس. في المقابل، أوضح المسؤول أنه بالنسبة للعديد من العراقيين تبقى مصداقية الحشد مستمدة من فتوى السيستاني.

وبحسب كاتبَيْ التقرير، بدا الشقاق واضحاً عندما زار الكاظمي مقر قيادة الحشد، بعد أسابيع من توليه منصبه، إذ انقسمت قيادة المجموعات إلى طرفين، فإلى يمينه جلست شخصيات مقربة من طهران، وجلس إلى يساره المنتسبون للسيستاني.

مستقبل غامض

يلوح في الأفق سؤال عن مستقبل الحشد الشعبي، فقد كان المهندس يدير خططاً لتحويل المجموعات إلى قوة أكثر احترافية، وكشف ثلاثة من قادتها– خلال زيارة إلى الموصل مؤخراً – إن هذه الخطط لم تكتمل.

ومن الأمثلة على جهود المهندس أن مجموعات الحشد الشعبي بدأت في تسمية وحداتها باللواء بدلاً من الفصائل، واتخذت خطوات نحو منح رتب عسكرية، وتشكيل محاكم تأديبية، وأشرفت المجموعات على إنشاء وحدات هندسية تقدم خدمات مثل أعمال الطرق، وكان لذلك تأثير هائل عليها وعلى أنصارها.

يلوح في الأفق سؤال عن مستقبل الحشد الشعبي، فقد كان المهندس يدير خططاً لتحويل المجموعات إلى قوة أكثر احترافية، وكشف ثلاثة من قادتها– خلال زيارة إلى الموصل مؤخراً – إن هذه الخطط لم تكتمل.

وعندما هاجم متظاهرون السفارة الأميركية في بغداد في 31 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، رداً على الضربات الأميركية على أهداف لـ”كتائب حزب الله”، تم الطلب من المهندس وليس من قوات الأمن العراقية سحب المحتجين، وفقاً لمسؤولين عراقيين.

ونقل التقرير عن القيادي في الحشد الشعبي محمد موسوي قوله: “الحاج أبو مهدي جعلنا منظمة رسمية، هذا أهم شيء فعله. لقد خطط لسنوات قادمة لتدريب أكبر للمقاتلين، وإنشاء أكاديميات لتحسين الإدارة”.

وختم التقرير بأن ما يبدو أنه تراجع للنفوذ الإيراني في العراق، يقول خبراء إنه قد يكون قصير الأمد، فـ”إيران أظهرت أنها تتعلم من أخطائها وتطوّر تكتيكاتها، والآن هي في مرحلة التعليم”، كما ذكرت مديرة برنامج حل النزاعات في “معهد الشرق الأوسط”.

بموازاة تقرير “أسوشيتد برس”، قال قائد القيادة المركزية الأمريكية كينيث ماكنزي، الخميس في 11 حزيران/ يونيو، إنه يعتقد أن قتل سليماني ساهم في ردع إيران، مشيراً إلى “أنه كان على الإيرانيين أن يعيدوا حساباتهم. لأنهم لم يعتقدوا أننا سنتخذ هذا الإجراء بالفعل”، حسب ما نقلت شبكة “سي أن أن”.

وأضاف “هدف إيران الطموح هو إخراج الولايات المتحدة من العراق، وأعتقد أن ما نراه اليوم هو نتيجة لما حدث في كانون الثاني/ يناير ولأنشطة أخرى، وسنبدأ يوم غد عملياً بحوار استراتيجي مع حكومة العراق على المستوى الوزاري، وهي مفاوضات مهمة للمضي قدماً في إقامة علاقة طويلة الأمد مع الحكومة العراقية”.

وخلال الشهر الماضي، كانت تقارير عدة أشارت إلى وجود مؤشرات اعتبرها مراقبون دليلاً على تراجع النفوذ الإيراني في العراق، ومنها الخلاف الولائي الشيعي بين المرجعية الدينية في النجف وولاية الفقيه للمرشد الأعلى في طهران آية الله خامنئي.

وقال مراقبون إن المرجعية الدينية في النجف بقيادة السيستاني تعمل على فك الارتباط مع إيران، وتتخذ موقفاً متشدداً من تدخل طهران في العراق.

ومن المؤشرات كذلك ما ظهر لدى ترشيح محافظ النجف السابق عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية على الرغم من اعتراض الموالين لطهران على ترشيحه، خصوصاً “كتلة الفتح” و”عصائب أهل الحق” التي اتهمته بالموالاة لأمريكا.

وأقرّ محللون أن تراجع النفوذ الإيراني في بغداد يعود في الأساس إلى المشاعر العدائية التي ظهرت لدى عشرات الآلاف من العراقيين الذين تظاهروا في ساحة التحرير في بغداد ضد السياسة الإيرانية ودورها في العراق.

خلال الاحتجاجات، نادى ناشطون عراقيون بمقاطعة البضائع الإيرانية بسبب اتهام المتظاهرين طهران بالوقوف خلف عمليات الاغتيال التي تعرض لها عدد من السياسيين الرافضين للسياسة الإيرانية.

_____________________________________________________________________________________

* تقرير مترجم عن “أسوشيتد برس” الخميس 11 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا