درعا.. نساء خرجن من مجتمع محافظ قائلات: نحن موجودات

درعا/ خاص

لم تتخيل ان تعمل يوماً في حياتها أو  أن تقف على “بسطة” حالها حال الرجال، فظروف الحياة غالباً ما تجبر المرء على تغيير مسار حياته.

“أم محمد” أرملة أربعينية استشهد زوجها تاركاً إياها وأطفالها الأربعة يواجهون مصيراً مجهولاً، فما كان منها إلا أن بدأت تبحث عن فكرة لمشروع تعيل به عائلتها إلى أن عرضت عليها إحدى صديقاتها فكرة مشروع “بسطة” في السوق لبيع الملابس والاكسسوارات ومستحضرات التجميل، بدأت مشروعها في المنزل لكن المردود كان ضعيفاً فما كان منها إلا أن قامت بحمل بضاعتها إلى اسواق محافظة درعا، ففي كل بلدة يوجد يوم في الأسبوع يقام فيه سوق شعبي وإلى هناك كانت تتوجه.

لم يمنعها جسدها النحيل من حمل بضاعتها بين يديها وعلى راسها، تقول أم محمد “اذهب باكراً دائماً لأحجز مكانا جيداً يتيح لي عرض بضاعتي كما يحلو لي لتظهر أمام الناس بشكل مغري و جميل، العمل ليس عيباً” وتبدأ بوضع بضاعتها على مفرش بلاستيكي، ألبسة الأطفال على حدى، ثم تعلق على الحائط المجاور لها بعض الألبسة النسائية التقليدية.

تقول مبتسمة “لطالما احببت أن ألبس جديداً من بضاعتي لكن لا … فابنائي احق مني” ثم تناولت الجوارب المختلفة ووضعتها على زاوية المفرش، وفي الجانب المقابل وضعت شالات نسائية واشاربات ومناديل، ووضعت في المنتصف مستحضرات التجميل والامشاط وبعض الاكسسوارات وقامت بتغطية مستحضرات التجميل بغطاء ناعم “كي لا يسيح بحرارة الشمس”.

تقول “هذه إمكانياتي، أعرف أن بضاعتي ليست من النوعية الفخمة لكنها من النوع المتداول ببن الجميع، وهذا ما يسهل عملي، ويساعد بتصريف البضاعة خاصة  أني اقوم ببيعها بسعر مناسب كوني اشتريها بسعر جملة، وربما هذا يحقق لي واردات ربح اكثر”.
وكعادة السوريين يميلون إلى المجادلة و “المفاصلة”، رغم أن أسعار “أم محمد” مقبولة إلا أن لا تسلم من ذلك، فتضطر للبيع بسعر الجملة، لتخرج دون أرباح إلا أنها تعتبر ذلك طبيعياً، فقبل أن تمتهن هذه المهنة كانت تفاصل هي الأخرى، كما أن لكل عمل صعوباته.

تتحمل “أم محمد” العوامل الجوية فتقول “اعتدنا على حر الصيف حيث نقف ساعات طويلة تحت اشعة الشمس فلا أعود إلى منزلي قبل الثانية ظهراً، والحال نفسه في الشتاء نقف تحت البرد والمطر، وأحياناُ تتضرر بضاعتي جراء المطر”.

ولكن تلك العوامل الجوية تبقى شيئاً لا يذكر أمام ما يتعرض له الباعة الجوالون عندما يقوم عناصر البلدية بإزالة البسطات ومصادرة البضاعة، وهذا ما حصل معها مرتين، إلا أنها تبتسم قائلة “ليس بالشئ الذي يذكر المهم أن أولادي بخير، واقدم لهم ما يكفيهم ذل السؤال وذل الحاجة، واحفظ لهم ماء وجههم، واحميهم من نظرة الشفقة وابعدهم من التسول”.

تعود “أم محمد” إلى منزلها بعد الظهر لتكمل واجباتها كأم فتقوم بتدريس أطفالها، وتحضير الطعام لهم ورعاية شؤونهم ،تقول “استمد القوة منهم” من أجل أن استمر بالعمل”.

“صباح” سائقة سيارة
رغم أنها وصلت للخمسين من العمر، لم يقف ذلك حائلاً دون العمل كسائقة، تقول صباح “عندما يصبح العمل مطلباً معنوياً بعيداً عن المادة، لا بد أن اتحدى التقاليد وثقافة العيب المتوارثة، فبدأت بممارسة مهنة يندر أن نجد امرأة تمتهنها، نعم أنا سائقة أقوم بنقل الناس ضمن حدود البلدة أو إلى البلدات المجاورة”.

تجهز صباح كل يوم سيارتها وتقل ركاباً من كافة الأجناس، وعند وجود الأطفال تقدم له بعض قطع “البسكويت” كنوع من الألفة، ولا يخل ذلك من وجود موسيقى داخل السيارة، وعندما تتوفر لديها الرغبة بالغناء تطلق بعض الأهازيج”الحورانية الشعبية”.

صباح سيدة مطلقة، بات عليها تحمل مسؤولية أطفالها والمحافظة على نفسها في مجتمع يغرقها بالمسؤوليات دون مراعاة مشاعرها، فكان لا بد أن تجد لنفسها طريقاً سوياً لتقوم بمسؤولياتها، لذا امتهنت مهنة الرجال.

سخر منها أقاربها في البداية، عندما اتخذت قراراً بالعمل قائلين “ما١ذا تعملين؟ هل ستصبحين وزيرة؟”، لكن ذلك لم يثن عزيمتها فبدأت بالعمل، بتشجيع وحيد من صديقة لها، فبدأت مشروعها بالعمل داخل حدود البلدة والبلدات المجاورة، ولكن بتردي الأوضاع الأمنية أصبحت تقل طلاب المدارس والجامعات إلى دمشق.

تقول “بدؤوا الآن يعترفون بي، ويقولون (قد حالها)، تجاوزت كل شئ لأحيا بكرامة أنا وأطفالي، في مجتمع لن يقف بجانبي، إن لم أواجهه بقوة”.

 

قد يعجبك ايضا