دروز السويداء: عودة النظام المشروطة بالصراعات الإقليمية والمحلية

 

 ملخّص تنفيذي

يعيش دروز السويداء منذ العام ٢٠١١ حالة من الفوضى والقلق، وتراجع لدور الطبقة الوسطى والزعامات التقليدية والسياسية، وسط انكشاف خطير على التدخل الإقليمي.

تكوين الدروز التاريخي كإثنية تحمل سمتي العشيرة والطائفة، بدأ يتغير لصالح تعاظم الدور الطائفي لديهم على حساب الجزء العشائري. في الآونة الأخيرة، تبدو الزعامة الأكثر تماسكاً للدروز، على مشاكلها وتناقضاتها الداخلية وضعفها، هي المشيخة الروحية، في حين يكاد يختفي أثر الزعامة السياسية الزمنية.

يبدو دروز السويداء اليوم كجماعة بلا رأس سياسي، نتيجة تغيّر علاقات الإنتاج وسط حالة فريدة من تراجع مصادر الدخل المحلية وزيادة التدخلات الإقليمية. الجماعة تعثّرت في إنتاج قيادات سياسية لها خلال السنوات الماضية، رغم تاريخها الطويل الحافل بها.

حالة الحياد التي عاشتها السويداء خلال الحرب السورية، ما زالت قائمة، لكنها تخضع أكثر فأكثر للتدخل الخارجي وللتشتت الداخلي. التدخلات الخارجية تراوحت بين التمويل الإيراني وإنشاء مجموعة واسعة من المليشيات الموالية لإيران، وبين محاولة روسيا استقطاب بعض الفصائل المحايدة، وتصارع دروز إسرائيل ولبنان على استقطاب دروز السويداء واستخدامهم في صراعاتهم المحلية.

وبينما تعتبر الفوضى الأمنية خدمة للنظام على المدى القريب، تتيح له استعادة السيطرة الأمنية على السويداء، إلا أنه يبقى عاجزاً عن تأمين بدائل اجتماعية وحلول اقتصادية لمنطقة مرّت الحرب بجوارها فأرهقتها. فالسويداء تحولت إلى أحد خطوط تهريب المخدرات باتجاه الحدود الأردنية، حيث يعمل حزب الله اللبناني على السيطرة عليها، في حين تمثل عمليات الخطف لطلب الفدية أحد أهم موارد دخل العصابات والمليشيات.

 

مقدّمة

حافظت محافظة السويداء، التي تقع في الجنوب الشرقي من دمشق، وتُعَدّ الموطن الأبرز للأقلية الدرزية في سوريا، على حالة حياد خلال الثورة وما أعقبها من صراع متعدد الطبقات. ورغم استمرار الحياد، إلا أن المشهد الداخلي اليوم يبدو شديد التشرذم والتفكك، بعدما هيمنت عليه ديناميات الحرب وأبعادها المحلية والإقليمية.

مع انطلاق الثورة السورية في آذار ٢٠١١، انقسم الدروز إلى ثلاث كتل رئيسية: موالاة، ومعارضة، وحياديون شكلوا الغالبية الساحقة. هذا الانقسام لم يتوافق مع أي من خطوط الانقسام التقليدية، ولم يتمكن أي من ممثّليه من إنتاج خطاب سائد، ما أنتج حالة صفرية من توازن القوى المحلية. وإذ لم تتمكن المعارضة من إنتاج زعامة محلية على الأرض، فقد خرجت من صفوف الموالاة طبقة من الزعماء الجدد المرتبطين بأجهزة الأمن، كُلّفت بإدارة المنطقة مع الانسحاب التدريجي للنظام منها بعد العام ٢٠١١. فالنظام حاول كسب الدروز إلى صفه ضمن سياسة “حماية الأقليات”، فلم يواجه تظاهراتهم المطالبة بإسقاطه بالعنف العاري كما واجه تظاهرات المناطق السنيّة. ومع الوقت، خفّضت أجهزة الأمن حضورها في السويداء لصالح متعاقدين محليين،[1] مفضلةً إدارة الحالة الأمنية من خلف الكواليس.

ترافق ذلك مع انهيار اقتصادي طال معظم شرائح المجتمع، خاصة الطبقة الوسطى. في الأعوام الأولى للثورة وحتى منتصف العام ٢٠١٣، عاشت السويداء مرحلة قصيرة أشبه بفورة اقتصادية، ساهم فيها نزوح أكثر من ٣٠٠ ألف لاجئ من الغوطة الشرقية ودرعا، وزاد فيها الطلب على الإيجار، ما دفع إلى زيادة التوظيفات المالية لمغتربي السويداء في سوق العقارات. ومع الانهيار المتواصل في قيمة الليرة، وتسرّب النازحين من السويداء منذ نهاية ٢٠١٥، تبيَّن أن الفورة كانت مؤقتة وسرعان ما أعقبها ركود اقتصادي يعود إلى المفاعيل الاقتصادية للحرب السورية على أصحاب الدخل المحدود، ليصيب كل الأعمال الإنتاجية بما فيها الزراعة. وترافق ذلك مع تراجع عمل مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والخدمية إلى حدودها الدنيا طيلة السنوات الثماني الماضية، في ظل العجز عن تأمين المحروقات، والانقطاع المتواصل في التغذية الكهربائية، وتراكم النفايات، وتردّي الخدمات الصحية.

حياد الدروز كان قد ساهم بوقف التجنيد الإجباري والاحتياطي ضمن حدود السويداء في قوات النظام. وإذا كان التجنيد الإجباري العقدة الرئيسية التي واجهت علاقة الدروز بالسلطنة العثمانية والحكم المصري لبلاد الشام، فقد بات اليوم يشكل الأزمة الأكبر في تعاملهم مع الدولة السورية. النظام، وحليفاه الروسي والإيراني، كانوا قد زادوا الضغط منذ منتصف العام ٢٠١٨ على السويداء لإنهاء قضية عشرات آلاف الشبان الدروز المتخلفين عن الخدمة العسكرية، ما يعني فعلياً إنهاء الوضع “الخاص” لدروز السويداء منذ العام ٢٠١١. المجازر المريعة التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ٢٥ تموز ٢٠١٨ تسببت بتأجيل النظام، بشكل مؤقت، الضغط على السويداء بخصوص سوق الشبان الدروز للخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية.

ومع عودة النظام منذ مطلع العام ٢٠١٩ للضغط على دروز السويداء للانضمام إلى قواته، وسط رفض بعض القوى المحلية المسلحة لذلك، يبدو التساؤل مشروعاً عن إمكانية وشروط عودة هيمنة النظام المباشرة من خلال مؤسستيه الأمنية والعسكرية للسويداء، وماهية العوامل المحلية التي تعيق ذلك. في محاولة للإجابة على هذا السؤال، تبحث الورقة أولاً في عوامل تغيّر الطبيعة الإثنية للدروز عبر العلاقة بين القيادات المحلية السياسية والدينية، وفي أسباب استمرار الزعامة الروحية وتلاشي الزعامة الزمنية. كما ترسم الورقة خريطة التدخلات الإيرانية والروسية، وكذلك تدخلات دروز لبنان وإسرائيل، وتشابك علاقاتها مع القوى المحلية، ومدى تأثيرها في إعادة ترتيب النظام الاجتماعي المحلي في السويداء. وأخيراً، تطرح الدراسة السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذه المنطقة.

اعتمدت الدراسة على ٢٣ مقابلة موسعة أجراها الباحث بين نيسان وحزيران ٢٠١٩ مع مجموعة مختلفة من المراقبين والناشطين والصحافيين، بالإضافة إلى رجال دين وأعضاء في فصائل مسلحة. كما اعتمدت على المقالات المنشورة والمصادر المفتوحة في وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيراً الأرشيف الشخصي للباحث.

 

الجزء الأول: أزمات القوى المحلية وتناقضاتها

لا تبدو قاعدة التصنيف القائمة على ثنائية الموالاة والمعارضة قادرة على تفسير التشرذم الكبير للجماعات الأهلية منذ العام ٢٠١١، وتنوّع مشاربها وأغراضها، في منطقة شبه معزولة لا يتجاوز عدد سكانها ٣٥٠ ألفاً. تراجُع حضور الدولة أتاح المجال لاستعادة السياسة، لكنها بقيت محكومة جزئياً بالحزازات الأهلية الموروثة. فقد غرقت الزعامة الروحية في تناقضاتها الداخلية، في حين تراجعت الزعامات الزمنية، وظهرت حركات وكتل جديدة؛ بعضها أهلي، وبعضها أمني يدور في الفلك الروسي أو الإيراني.

الزعامات القديمة تتلاشى والجديدة تتخبط

يشكل دروز السويداء إثنية[2] ذات مكوِّنَين، عشائري ومذهبي،[3] لعبا معاً دوراً تاريخياً في حفظ الجماعة. إذ أن تشكل الدروز التاريخي كتحالف عشائري، قبل اعتناقهم مذهب التوحيد، هو ما ميزهم كإثنية. فقد ترحلت هذه العشائر كثيراً قبل أن تستقر في جبل لبنان وتعتنق المذهب الدرزي في القرن الثاني عشر.[4] ومن جبل لبنان، نزح القسم اليمني من الدروز إلى جبل حوران بعد الاقتتال البيّني مع الدروز القيسيين في عين دارة عام ١٧١١.[5] وفي جبل الدروز تأسس النظام الاجتماعي على قاعدة عشائرية-مشيخية شبه إقطاعية، أتاحت نوعاً من المساواة بين كل رجال العشيرة، وفي الوقت ذاته أعطت شيوخ العائلات القوية الحق في تنازع النفوذ السياسي والأرض الصالحة للزراعة، مقابل تأمين الحماية للفلاحين.[6]

إن قدرة الدروز على الاستمرار ككتلة موحدة تشكلت عبر المزج بين العشائري والمذهبي – كما تجسده العلاقة بين الزعامتَين الزمنية والروحية، أو التمازج بين مجتمعَي “الجُهّال” من غير المتدينين و”العُقال” المتدينين وتراتبيّاتهم الاجتماعية. فالمشيخات التقليدية الزمنية حكمت جبل الدروز منذ بدء سُكنه في نهاية القرن السابع عشر، مؤمّنةً له الحماية والاستمرارية. وغالباً ما لعبت المشيخات الروحية دوراً مسانِداً للزعامات العشائرية، وكادت تتطابق مع تقسيمات مناطق نفوذها ومواقفها السياسية. فهذا التركيب السياسي البسيط للدروز في جبل حوران، كجماعة عشائرية بلا رأس “أكيفالية”، لا زعامة مركزية لها، مكّنهم من التمرد على العثمانيين والمصريين والفرنسيين، لكنه لم يساعدهم في مواجهة الدولة “الوطنية” منذ الاستقلال حتى اليوم.

ترافق تاريخ تشكل النظام الاجتماعي لدروز السويداء مع نمط حياةٍ فلّاحي-قتالي، تجسّد بحروب دفاعية متواصلة عدة،[7] ما أنتج تكريساً للنظام السياسي القائم على زعامة عشائرية عائلية، مع سحبٍ تدريجي ومديد لمميزاتها الاقتصادية. فالانتفاضات الفلاحية “العامّيّة” في القرن التاسع عشر كانت قد أضعفت الدور الاقتصادي لكبار ملاكي الأرض من شيوخ القرى، لكنها أبقت على دورهم السياسي كزعماء عائلات تسيطر على مَقارِن (مناطق).[8] وقد استقر هذا النظام الاجتماعي-السياسي لمدة طويلة على تراتبية عشائرية، تبدأ بشيوخ القرى المرتبطين بمشيخة عائلية في مراكز “المقارن”[9].

تراجع الزعامات الزمنية

إن تراجع دور الزعامات الزمنية، الذي برز بعد العام ٢٠١١، هو في الواقع نتيجة عمليةٍ تاريخيةٍ طويلة، سبق أن تعمّقت مع وصول حزب البعث إلى السلطة في العام ١٩٦٣، خاصة بعد تكريس نظام حافظ الأسد في العام ١٩٧٠. فقد اعتبر دروز السويداء أنفسهم عَرّابي استقلال العام ١٩٤٦، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة حكم دمشق المركزي الذي حاول إنهاء امتيازاتهم وتقليصها إلى حجمها الطبيعي المتناسب مع عدد السكان وموقعهم الاقتصادي. في العام ١٩٤٧، دعمت حكومة شكري القوتلي الحركة الشعبية من عائلات مدينة السويداء وريفها الجنوبي والشرقي لمواجهة الزعامة الطرشانية القوية [10] التي كانت تخسر زعامتها السياسية. ثم أسفرت المواجهة المسلحة بين نظام الرئيس أديب الشيشكلي ودروز السويداء في العام ١٩٥٤ عن هزيمة سياسية للشيشكلي، لكنها مهّدت لتطويع الدولة للدروز. ومع تطبيق الوحدة السورية-المصرية في العام ١٩٥٨ للإصلاح الزراعي، أخذ دور الزعامات العشائرية الاقتصادي وشبكات المحسوبية المرتبطة بها يتضعضع، في مجتمع كان مبنياً على أُسُس فلاحية شبه إقطاعية. [11]

شارك بعض العسكريين والحزبيين الدروز في انقلاب آذار ١٩٦٣ الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، إلا أنهم سرعان ما وقعوا ضحية التصفيات الداخلية بين أجنحة البعث المتصارعة. فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها الرائد سليم حاطوم في العام ١٩٦٦، تمّ طرد ممثلي الدروز من الجيش والأمن والحزب. ومنذ العام ١٩٧٠، شكّلت الدولة الشمولية القائمة على العصبية العشائرية والعائلية العلوية، والمبنية على السلطة الظاهرية لحزب البعث والسلطة المطلقة للأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية النخبوية، أكبر تحدّ للدروز، إذ بالكاد شملت قوائم القيادة القطرية والقومية لحزب البعث ممثّلين عن الدروز منذ العام ١٩٦٦ وحتى وفاة حافظ الأسد في العام ٢٠٠٠. [12]

إن التهميش الذي طارد دروز السويداء منذ الستينيات، تم التعبير الأول عنه في انتفاضة العام ٢٠٠١، بعد مقتل شاب درزي على يد رعاة بدو، خلال السنة الأولى لحكم بشار الأسد. وقد جاء اقتحام قوات النظام للسويداء، وقطْعها عن العالم، ومواجهتها التظاهرات السلمية بالرصاص الحي، [13] مؤشراً أولياً على الطريقة التي سينتهجها النظام لمواجهة السوريين في العام ٢٠١١. تلك المواجهة القصيرة في العام ٢٠٠١، والتي انتصر فيها النظام بسهولة فائقة بعد حمام دم سريع، كرّست هامشية السويداء وعُزلتَها عن محيطها السوري.

دخلت الزعامات العشائرية الزمنية منذ العام ٢٠١١ مرحلة موت سريري، بعدما وجدت أن تأثيرها في المجتمع قد تهمّش، وأنها باتت إضافة غير جوهرية في المناسبات الاجتماعية والمصالحات العشائرية. ولعل قضية زعيم الحلبيّة، [14] جمال عزالدين الحلبي، أحد أبرز المؤشرات على انتهاء دور هذه الشريحة من المجتمع الدرزي. ففي كانون الأول ٢٠١١، خَطَفت مجموعة مسلحة متطرفة من درعا ١٦ درزياً على طريق السويداء-الثعلة، بينهم الشيخ جمال، أبرز زعماء بلدة الثعلة والمقرن الغربي عموماً. إلا أن العصبية العشائرية لم تتحرك لإنقاذ المخطوفين، وظلت قضيتهم معلقة حتى ٢٠١٥، عندما خطف وحيد البلعوس، حوارنة من الكرك في درعا، للمبادلة. تبين حينها أن جبهة النصرة كانت قد اشترت المخطوفين الدروز بالإضافة لعنصرين درزيَّين في الجيش الحر وأعدمتهم. [15] حوادث مماثلة سابقة قابلها الدروز بردات فعل عنيفة.

لكن السنوات الماضية ساهمت فقط في إنهاء ما بدأه حزب البعث قبل نصف قرن من تحطيمٍ لمكانة الزعامات الزمنية للدروز ودورها الوظيفي في العشيرة، وذلك لصالح المشيخة الروحية وزعامات أخرى مستجدة موالية للبعث. الزعامات التي صنعها البعث سرعان ما سقطت مع الثورة السورية، في حين تعيش المشيخة الروحية أزمة بنيوية حادة بين أقطابها الثلاثة، في ظل عدم كفاية أدواتها لجمع الدروز تحت رايتها.

الزعامة الروحية في تناقضاتها الداخلية

لا يبدو أن هناك قوى اجتماعية فاعلة في السويداء اليوم باستثناء “مشيخة العقل”، التي تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية لانقسام حادّ بين شيوخها الثلاثة.[16] النزاع البَيني في المشيخة الروحية على المركز الأول فيها، قسّمها إلى الهيئة الروحية العليا للموحدين الدروز[17] برئاسة الشيخ حكمت الهجري في قنوات، و”مشيخة العقل” ممثلة بالشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي، اللذَين وحّدا قواهما لتكريس “دار الطائفة” في مقام عين الزمان في السويداء كمركز ثقل الطائفة الدرزية.[18]

ورغم تكريس النظام لها، لم تتمكن الزعامة الروحية من احتواء الأوضاع المتفجرة في السويداء خلال السنوات الثماني الماضية، ولا شكّلت قيادة موحّدة للطائفة، أو حتى تياراً سائداً. ويعود ذلك جزئياً إلى كثرة تناقضاتها الداخلية. فمع وفاة شيخ العقل أحمد الهجري في آذار ٢٠١٢، بدأ ابن أخيه حكمت، وريث المشيخة الأولى، بالابتعاد عن المشيختين الثانية والثالثة، متبنّياً موقفاً وخطاباً متماهياً بالكامل مع النظام، في حين حافظ جربوع على هامشٍ للمناورة، وأخذ الحناوي موقفاً حيادياً. الشيخ حكمت الهجري واظب على دعوة أبناء السويداء المتخلفين عن الخدمة العسكرية للانضمام إلى قوات النظام في نيسان ٢٠١٧. حضر الهجري، بالإضافة لمسؤولين أمنيين وحزبيين ودوناً عن بقية مشايخ العقل، اجتماع “باب الشمس” للمطالبة بـ”رفع الغطاء عن المطلوبين للأجهزة الأمنية كلٌّ بحسب عائلته”.[19]

غير أن الخلاف ضمن المشيخة الثلاثية يعود فعلياً إلى العام ٢٠١٤، وذلك بعد محاولات الهجري التفرد بقرار الطائفة والسيطرة على مقام عين الزمان، الذي ترعاه تاريخياً مشيخة آل جربوع، ويمرّ عبره مال الوقف الدرزي والتبرعات الداخلية والخارجية، وجزء من أموال الإغاثة المقدمة من هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. الهجري رفض حينها استلام تبرعات من دروز إسرائيل،[20] وانكفأ في دارة قنوات، وبات يُصدِر بياناته بشكل مستقل، في البداية كـ”شيخ العقل الأول”، ثمّ باسم رئيس الهيئة الروحية العليا، رافضاً الاعتراف بلقب شيخ العقل، معتبراً أنه “صنيعة الانتداب الفرنسي”. وفشل الهجري في استعادة منصب “شيخ العقل الرابع” لآل أبو فخر ليكون سنداً له في مواجهة جربوع والحناوي.[21]

لم يصدر موقف موحد من شيوخ العقل الثلاثة، منذ العام ٢٠١٤، إلا الحُرم الديني[22] المشترك بحق مؤسس حركة رجال الكرامة، الشيخ وحيد البلعوس،[23]مطلع العام ٢٠١٥، بعدما صعّد موقفه ضد النظام. وثمة صورة نادرة تجمع المشايخ الثلاثة، مع رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد وفيق ناصر، الرجل الأقوى حينها في الجنوب السوري. واعتُبِر ذلك الحُرم تنازلاً دينياً بطلب أمني لتسهيل التخلص من البلعوس، الذي لم تمضِ شهور قليلة على الحُرم حتى قُتِل بتفجير عبوة ناسفة.[24]

حركة رجال الكرامة

منذ العام ٢٠١٢، فتح صعود حركة رجال الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس مجالاً لإعادة إنتاج زعامة زمنية، وإن بإطار ديني. كما كرّست حركة البلعوس حياد دروز السويداء في الصراع السوري ضمن معادلة “لا نتعدى على أحد ونحرّم التعدي علينا”.[25] فمشيخة العقل، بأقطابها الثلاثة المتناقضة، رأت في حركة البلعوس خطراً عليها، بعدما تمكن من الجمع بين زعامة زمنية كقائد فصيل مسلح، وبين زعيم ديني استقطب عدداً كبيراً من رجال الدين الدروز إلى صفوف حركته منذ بروزها كقوة مسلحة في نهاية العام ٢٠١٣ وحتى اغتياله في العام ٢٠١٥. وقد جاء شعار “الكرامة” الذي اتخذته حركة البلعوس ليحمل تحدياً للمشيخة الدينية الرسمية، باعتباره رغبة في استعادة ما فرّطت به “مشيخة العقل” وغيرها من الزعامات بفعل ارتهانها للنظام.

حركة البلعوس لم تكن بلا سند ديني تماماً، بل حصلت على دعم مراكز قوى دينية درزية كـ”مشايخ الخاطر” التي لا تعترف أصلاً بمشيخة العقل. و”مشايخ الخاطر” هذه مجموعة متدينة درزية أشبه بالمتصوفة، لا تتدخل بالسياسة. وإن كان أثرهم اليوم ضعيفاً، فإنهم يعتبرون المؤسسين الفعليين لحالة الحياد الدرزي وفق “لا مع ولا ضد”، انطلاقاً من الموقف الديني بتجاوز “الثنائيات الضدية”، وأيضاً بغرض تأمين الحماية الذاتية للدروز.[26]

في أواخر العام ٢٠١٥، ساهم اغتيال البلعوس في تشظّي خريطة القوى المحلية إلى حدّ الفوضى والعدمية، اللتين ما تزالان غالبتَين على المشهد حتى اليوم. إذ لم يتمكن النظام وحلفاؤه من الإيرانيين والروس، بسبب أجنداتهم المتناقضة وضعف أدواتهم الاقتصادية، من تشكيل قوة أمرٍ واقعٍ تهيمن على الوضع في السويداء. كما لم يتمكن ورثة البلعوس المتخاصمين من إحياء مشروع جامع.

يعود تضعضع حركة رجال الكرامة لثلاثة عوامل رئيسية؛ أولاً، عدم امتلاك خلفاء البلعوس الكاريزما الكافية للاستقطاب، ولا الشخصية “القدرية” التي كان يتمتع بها. وثانياً، نفور العائلات الكبيرة بسبب اعتماد البلعوس في الأصل على عائلات صغيرة أو ضعيفة الشأن في القرى والمدن لتشكيل بيارق الحركة، الأمر الذي اتضح أكثر بعد اغتياله مع عجز الحركة على استقطاب العائلات المؤثرة، فبالكاد كانت تسعى لوقف التسرب منها. وثالثاً، بسبب انقسام الحركة، مباشرةً بعد اغتيال البلعوس، إلى مجموعتين عُمْريتين غير منسجمتين، أعقبها انشقاق البيارق الأكثر شباباً عن الحركة لتشكّل لاحقاً فصائل الشريان الواحد.[27]

في أيار ٢٠١٧ عَقَد شيخا العقل جربوع والحناوي مصالحة مع الشيخ رأفت البلعوس، قائد حركة رجال الكرامة حينذاك، فتصاعد الخلاف بين دار الطائفة والأمن العسكري واستمر إلى مطلع ٢٠١٨ حين نُقِلَ العميد ناصر[28] إلى حماة بعد جولة الشيخين جربوع والحناوي، برفقة “أمير جبل الدروز” جهاد الأطرش،[29] على مسؤولين رفيعين في النظام في دمشق لإقناعهم بضرورة نقل ناصر من المحافظة “لامتصاص غضب الشارع من ممارساته”.[30]

الشيخ يحيى الحجار، الذي تزّعم حركة رجال الكرامة بعد فترة انتقالية متخطبّة برئاسة رأفت البلعوس، كان قد اتُّهِم من قبل شباب الحركة بتسليم أحد النشطاء لمليشيا محلية سلّمته بدورها للأمن العسكري، ليظهر بعدها بتصريحات تلفزيونية “اعتَرَف” فيها بقتل البلعوس. ومع عدم تصديق تلك “الاعترافات”، انسحبت مجموعة بيارق من الحركة، وتأسست مجموعات أخرى أبرزها قوات شيخ الكرامة بقيادة نجل المؤسس، ليث البلعوس. لكن الشيخ يحيى الحجار أخذ مقاربة أكثر هدوءاً من الراحل البلعوس، مفضّلاً عدم المواجهة مع النظام وحماية الحركة” التي تضعضعت بقوة. ومع احتفاظه بمعظم رجال الدين في الحركة، وبمتوسط عمْري مرتفع نسبياً لمجمل مقاتليها (بحدود ٣٥ عاماً)، تأمّنت له كتلة صلبة أعاد عليها البناء، وأقام من خلالها تحالفات جديدة، خاصة مع الجانب الروسي.[31]

مليشيات وعصابات

لقد ساهم حياد الدروز في وقف تجنيد أهل السويداء الإجباري والاحتياطي في قوات النظام، حتى بلغ عدد المتخلفين المطلوبين للخدمة العسكرية بحدود ٥٠ ألف شاب حالياً.[32] منذ منتصف العام ٢٠١٨، زاد النظام وحليفاه الروسي والإيراني الضغط على السويداء لإنهاء قضية المتخلفين عن العسكرية، وسط عروض متنافسة لقوات الفيلق الخامس والفرقة الرابعة، ما سيشكّل دعماً كبيراً لقوات النظام المتهالكة. ولكن هذا المشروع تأجل مع المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش في تموز ٢٠١٨ في قرى السويداء الشرقية.

كثير من المطلوبين للخدمة العسكرية انضموا إلى مروحة واسعة من المليشيات والعصابات لقاء الرواتب والحماية التي تقدمها لهم. وتسيطر اليوم على المشهد في السويداء مجموعات عائلية مسلحة ومليشيات وعصابات،[33] أبرز ما يجمعها أنها لا تمثل المصالح الاقتصادية والسياسية لأي طبقة اجتماعية. بل تعتاش هذه الجماعات، بمعظمها، على التمويل الخارجي، أو على التمويل الداخلي من اقتصاد الحرب. ولا تكفي هذه المسارب التمويلية لأكثر من إعاشة عناصر المجموعات المسلحة، من دون أن تترك أثراً مستداماً في عملية الإنتاج المحلية. لذا، تبدو هذه المجموعات وكأنها منفصلة طبقياً عن مصالح الناس، لا بل صار تحوّلها إلى أدوات تنفيذية لرغبات القوى الإقليمية في صراعاتها المحلية خطراً ماثلاً.

مليشيات وفصائل عائلية مسلحة مسيطرة عسكرياً في السويداء في العام ٢٠١٩

اسم المجموعة المسلحة تابعيتها ملاحظات
الدفاع الوطني النظام، وعلاقتها جيدة مع حزب الله اللبناني. أكبر مجموعة مسلحة في السويداء، تغلب عليها الفوضوية والتسرب من صفوفها.
الحزب السوري القومي الاجتماعي النظام، وعلاقتها جيدة مع حزب الله اللبناني. شديدة الانضباط والتنظيم، وتتمتع بهرمية قيادية حزبية.
كتائب البعث النظام. فوضوية وتعاني من الترهل وسوء القيادة.
جمعية البستان النظام، وعلاقتها جيدة مع حزب الله اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي. يمولها رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد.
حماة الديار النظام. جماعة أهلية مسلحة في مدينة السويداء.
حركة رجال الكرامة فصيل أهلي مسلح، يعتقد بالحياد الإيجابي، أي لا يصنف نفسه لا معارضة ولا نظام. أكثر الفصائل الأهلية تنظيماً وتسليحاً، تضم ٢٦ مجموعة أو “بيرقاً”.
الشريان الواحد بعض مجموعاتها تجاهر بعداء النظام. تحالف فضفاض لمجموعات أهلية مسلحة، منشقة بغالبها عن حركة رجال الكرامة. تعاني من سوء التنسيق والفوضوية.
قوات الفهد مقربة من الجانب الروسي. مجموعة أهلية مسلحة صغيرة في بلدة قنوات. كانت مرتبطة بـالشريان الواحد.
قوات شيخ الكرامة ضد النظام. أبرز مكونات الشريان الواحد.

مصدر: الباحث من خلال مقابلات

إضافةً إلى هذه المليشيات والمجموعات المسلحة العائلية، تتواجد مجموعات أمنية متعاقدة مع فروع الأجهزة الأمنية، وقوات نظامية من الفرقة ١٥ والفرقة الرابعة، بالإضافة إلى مجموعات أمنية مرتبطة بمكتب أمن الفرقة الرابعة، وخلايا محلية تابعة لحزب الله ومجموعة لحزب التوحيد اللبناني.[34] مؤخراً، بدأت تظهر مجموعات أمنية مرتبطة بالقوات الروسية.[35]

خريطة: مجموعات مسلحة وميليشيات في محافظة سويداء وتبعيتها

المصدر: الباحث. تصميم: لورا بجنري. حزيران ٢٠١٩

 

ويرتبط كثير من المجموعات العائلية المسلحة بالأجهزة الأمنية، خاصة الأمن العسكري الذي سبق وأمدّها بالسلاح والمهام منذ العام ٢٠١١. وبعض تلك المجموعات ظهر لتأمين الحماية الذاتية وحماية المصالح التجارية. ومن المجموعات المسلحة في مدينة السويداء حماة الديار التي أسسها ابن شيخ عقل سابق في العام ٢٠١٢.

وتتركز في مدينة السويداء فروع الأجهزة الأمنية الثلاث: فرع الأمن العسكري وهو الحاكم الفعلي، والمخابرات الجوية، والأمن السياسي. ومع تراجع حضور المتعاقدين المدنيين مع المخابرات الجوية، تبدو المجموعات الأمنية المرتبطة بالأمن العسكري هي الأكثر انتشاراً وحضوراً.[36] فقد سبق لكل فرع أمني تأسيس مجموعات أمنية من المتعاقدين المدنيين، يمدّها بالسلاح والدعم والسلطة، معتمداً على أشخاص من “القاع الاجتماعي، ممَّن لم تُعرَف لهم مهن مستقرة أو أوضاع اجتماعية حميدة”.[37]

وبين المليشيات المتعددة، تُعتبَر الدفاع الوطني أكبر مجموعة مسلحة في المحافظة، ولها حواجز ونقاط عسكرية في ريف السويداء الشرقي، وقد ساهمت في المعارك ضدّ داعش في تلول الصفا، في نهاية العام ٢٠١٨، بعدما تمّ ردفها بمجموعات الدفاع الوطني من السلمية والقلمون وحمص بقيادة حزب الله.[38]

أما حركة رجال الكرامة فتُعتبَر من أكثر الفصائل الأهلية قوة وتنظيماً وتسليحاً،[39] وتضم ٢٦ بيرقاً؛ والبيارق هي مجموعات مسلحة على امتداد السويداء، وأكبرها بيرق الهرم التابع لقائد الحركة الشيخ يحيى الحجار، ومركزه قرية شنيرة.

وفي كانون الأول ٢٠١٨، تأسس شريان الكرامة أو الشريان الواحد، وهو تحالف قلق من البيارق الخارجة أو المنشقة عن حركة رجال الكرامة، أكبر فصائله قوات شيخ الكرامة بقيادة ليث وحيد البلعوس، التي أُعلِن عن تأسيسها في آذار ٢٠١٨. ومجموعات الشريان هي بيارق صغيرة في معظم مناطق السويداء، يتركز نفوذها في مدينة صلخد وبلدات المزرعة وعتيل وقنوات.[40]

كما تنتشر عصابات صغيرة تمتهن الخطف والابتزاز والتهريب، وتكاد تتداخل مع جميع القوى العسكرية المنتشرة، حيث تشكل منطقة رمادية يلجأ إليها الجميع لتنفيذ الأعمال القذرة. ومعظم عناصر هذه العصابات سبق وتنقلوا بين الفصائل المختلفة، ولهم ارتباطات أمنية. وتلعب هذه العصابات دوراً مركزياً في نشر الفوضى الراهنة، وتوفّر أحياناً ذراعاً ضاربة تحت الطلب.

الغائب الأكبر في كل اللوحة السابقة هو “الدولة” بالمعنى المؤسساتي، فبينما الأجهزة الأمنية حاضرة تدير المشهد من خلف الستار، تعاني مؤسسات الدولة عموماً من تردّي وانقطاع خدماتها، ما حدا بالبعض إلى اللجوء إلى مؤسسات بديلة في بعض القطاعات، كالقضاء.

القضاء البديل

لا يبدو أن أفكار الإدارة الذاتية أو الاستقلال أو حتى اللامركزية مطروحة في السويداء على نطاق واسع. وعلى عكس الإدارة الذاتية الكردية شمال شرقي سوريا، لم تسعَ قوى الأمر الواقع لدى الدروز إلى تأسيس مؤسسات بديلة عن مؤسسات الدولة السورية رغم تعثّر أدائها وانقطاع خدماتها المتكرر.

في سياق الوجود الضعيف لمؤسسات الدولة، تحظى منظمات مجتمع مدني بحضور قوي، خاصة في مدينة شهبا شمالي السويداء. لجان المواطنة والسلم الأهلي تمكنت من التحوّل لقوة أمرٍ واقعٍ بعدما ضمت إليها ممثلين عن كل الأطياف المجتمعية، وسط قدرتها على تلبية احتياجات ضرورية من مساعدات ووساطات أهلية. في حين أن الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في مدينة السويداء لا تزال تتعثر خارج دائرة مؤسسيها من المعارضين التقليديين.[41]

وعدا عن بعض المنظمات الإغاثية ومشاريع التكافل الاجتماعي، يبدو أن القضاء العشائري وحده مَن عاود الظهور خلال السنوات الماضية، على الرغم من تراجع الحالة العشائرية عموماً. والقضاء العشائري مُرافق لسكن الدروز الأوائل في الجبل، ولكنه غالباً ما اختص بالمصالحات في حوادث القتل. ويعود تنامي دور القضاء العشائري حالياً إلى كثرة أعداد المطلوبين لأجهزة النظام الأمنية أو للخدمة العسكرية، ممَّن لا يستطيعون دخول المحكمة الرسمية خوفاً من الاعتقال، وكذلك إلى تراجع الثقة بنزاهة القضاء السوري.[42]

وعلى عكس المحكمة المذهبية المنصوص على قوانينها وهيئاتها، بالاستناد إلى التشريع الدرزي، والتابعة لمؤسسة القضاء الرسمية، فإن القضاء العشائري لا جسم ثابتاً له، ولا مرجعية قانونية ولا نصوص واضحة، بل يعتمد على الأعراف والتقاليد.[43]

كما تعمل لجنة حل النزاعات العائدة إلى دار الطائفة على حل الخلافات الشخصية والعائلية، من مشاجرات وسرقات، بجمع الخصوم ضمن ما يُسمّى “قعدة حق”.[44] وقامت اللجنة، التي أُنشِئَت بقرارٍ من شيخ العقل جربوع، “بحل ما يقارب الـ٢٢٥ قضية بإشراف أمانة السر بالتراضي بين الأطراف المتنازعة واستيفاء الحقوق إن كانت مادية أو معنوية”،[45] ما بين حزيران ٢٠١٨ وأيار ٢٠١٩. وغالباً ما تُركّز لجنة حل النزاعات نشاطها في مدينة السويداء وضواحيها.

وخارج المدينة، تتشكل لجنة الحل أو لجنة القضاء العشائري بالتوافق بين طرفي النزاع، وتضم وجهاء ومشايخ وقادة فصائل محلية كجهة تنفيذية، وتنحل بعد انقضاء مهمتها. في آذار ٢٠١٩، تطور خلاف على الرعي بين أهل قرية المشقوق ومدينة صلخد إلى اشتباك مسلح. وطلب أهل المشقوق من قائد حركة رجال الكرامة التدخل لحل القضية عشائرياً. “الحل تمّ بسرعة، في حين يأخذ سنوات ضمن مؤسسات النظام. وأي خلاف بات يُحَلّ ضمن هذه البنية القضائية العشائرية”.[46]

في أيار ٢٠١٧، وقّع وجهاء وزعماء عائلات وثيقة عشائرية اسمها “طرش الدم”، لمحاسبة المتورطين بعمليات الخطف والقتل والاعتداء على الأعراض والممتلكات في السويداء، انبثق عنها لجنة عشائرية مفوضة بإصدار أحكام، خاصة الإعدام. ولمنع حالات الثأر من قبل ذوي المحكومين بالإعدام، سعى القائمون على اللجنة إلى جمع تواقيع كل عائلات الجبل. [47] ولم تجد الوثيقة طريقها للتنفيذ، إذ عدا عن عدم توافق جميع العائلات عليها، فإن تراجع الدور العشائري في حياة الدروز أفقد المبادرة محتواها. انبعاث دارة عرى المفاجئ المرافق لطرح وثيقة “طرش الدم”، سرعان ما خبا بعد ذلك “بالتزامن مع انتهاء معارك درعا”، إذ استثمر النظام دور دارة عرى العشائري في لحظة سياسية ضرورية له،[48] “بعدما كان قد كلّس المبدأ العشائري وقضى على التيار الأخلاقي فيه”.[49]

على العكس، فإن حالات متعددة من الانتقام الدموي العنيف، ظهرت خارج إطار وثيقة “طرش الدم”، ولم تلقَ ردّ فعل حتى من أجهزة القضاء الرسمي. أحد قادة المجموعات الأمنية في مدينة السويداء أقدم على قتل ٣ أشخاص، ورمي جثثهم في دوار المشنقة، بعدما اتهمهم بخطف ابنته. كما أن المُتهَمين بقتل القيادي في قوات شيخ الكرامة وسام العيد، تم إعدامهم ميدانياً من دون اللجوء إلى القضاء العشائري، وأُلقيت جثثهم في الشارع.

 

الجزء الثاني: الانكشاف على الخارج

لم يمرّ على دروز السويداء مرحلة كانوا فيها مكشوفين على الخارج كما هي الحال اليوم. للمرة الأولى في تاريخهم يبدو الخارج الإقليمي هو المقرر والمحرك للنزاع الأهلي في الداخل. انهيار الهرمية العشائرية، على مر العقود السابقة، ساهم بجعل الداخل غير قادر على إنتاج مراكز قوى محلية بالاعتماد على النظام الاجتماعي وحده. كما لم تتمكن المذهبية الدينية في الوقت نفسه من تشكيل حالة توازن داخلية، بل خضعت بدورها للاستقطاب الخارجي، والتدخلات الإقليمية من إيران وإسرائيل ولبنان.

كما يتضح أن المقاربة الروسية والإيرانية والإسرائيلية للوضع في السويداء تستند إلى كونها مشمولة جيوسياسياً ضمن إقليم أوسع يشمل درعا والقنيطرة، في ما كان يُسمّى سابقاً بمنطقة “خفض التصعيد”. الاتفاق الروسي-الأميركي في تموز ٢٠١٧، ثم اللجنة الثلاثية الأردنية-الروسية-الأميركية في تشرين الأول ٢٠١٧، اعتبرا الجنوب السوري منطقة نفوذ مختلط، تجمع الروس والإيرانيين، تعطى فيها لإسرائيل آلية ردع لـ”حماية أمنها الحيوي”. ومع استعادة الروس بالقوة العسكرية و”المصالحات” لدرعا والقنيطرة، منتصف العام ٢٠١٨، يبدو أن الضمانات الروسية بإبعاد الإيرانيين عن المنطقة قد فشلت. لذا، تسعى جميع الأطراف إلى دعم وتمويل حلفاء محليين لها في المنطقة.

حلفاء إيران: الأمن والمخدرات

تموّل إيران عشرات المجموعات المسلحة والخلايا الأمنية والمليشيات في السويداء، بالإضافة إلى تأسيسها مركزاً للدراسات، ودعمها لهيئات دينية. وتتقرب إيران من الدروز مذهبياً باعتبارهم أقرباء في شجرة الانشقاقات الإسلامية، وكذلك تتقرب منهم عشائرياً، وفي الوقت نفسه تغذّي التوترات بينهم. ويبدو أن لحزب الله اللبناني أجندة متفارقة نسبياً عن إيران بخصوص السويداء، إذ بات الحزب يعتبر السويداء خطاً لتهريب المخدرات باتجاه الأردن والخليج.[50]

ولدعم تقربها المذهبي من الدروز، أسست إيران مركز الدراسات التوحيدية في آذار ٢٠١٤، ومقرّه في دمشق ولديه مكتب في مدينة السويداء، برئاسة مستشار في محكمة أمن الدولة وأمين فرقة حزب البعث فيها. ويعمل المركز على الجانب الاجتماعي للدروز، وشدّ الوتر الطائفي لهم، وترويج ألا خيار لهم إلا بالالتصاق بإيران “الحضن الدافئ لهم ولعقيدتهم”. [51] وعدا عن توزيع المعونات وعقد المؤتمرات، فليس معروفاً عن المركز أي نشاط بحثي. وحاولت إيران أيضاً اختراق الدروز كعشيرة، عبر مجلس العشائر العربية [52] الذي نصّب “أميراً على جبل العرب” من آل أبو عساف، من دون أن يكون له أي وزن شعبي أو حيثية تاريخية.[53]

حاولت إيران في العام ٢٠١٣ تأسيس مليشيا درزية يمكن من خلالها نشر التشيّع في السويداء. واستقطبت لذلك عشرات من المقاتلين الدروز، وعملت على إقامة دورات عقائدية مذهبية وعسكرية لهم في إيران. المليشيا التي كانت جزءاً من حزب الله السوري وأُطلِق عليها في مرحلة مبكرة اسم “لبيك يا سليمان”، سرعان ما انفرط عقدها في ٢٠١٥، رغم الحوافز المالية المرتفعة. ويبدو أن “النفور الدرزي من التشيّع” كان وراء عدم استمرار المليشيا، كما أن “عدداً من أفرادها استولوا على السلاح المقدم لهم وباعوه، وباتوا اليوم مطلوبين لحزب الله”.[54] أحد المقاتلين الدروز الذين تلقوا تدريبات في إيران، انشق عن الصف الإيراني وأسس بيرق أحرار القريا، وبات اليوم الناطق الرسمي باسم الشريان الواحد، أبرز القوى المناهضة للوجود الإيراني في السويداء.[55]

الحضور الأكبر لإيران يتمحور حول دعم المليشيات والمجموعات الأمنية، عبر حزب الله، إذ “ليس لإيران حضور ظاهر عبر الحُسينيات أو المتشيّعين، بل هناك خلايا تتبع لها في ما يشبه ارتباطاً مالياً ارتزاقياً”.[56] وقد “تضخمت المجموعات المرتبطة بالحزب، وبات ما لا يقلّ عن ٦٠ في المئة من القوة المسلحة المليشياوية في محافظة السويداء تُدار مباشرة منه”، حتى أصبح “أقوى قوة في الجنوب السوري بما فيه في السويداء”. ويضاف إلى ذلك ارتباط الحزب بعلاقة وثيقة مع الأمن العسكري، ما يعطيه نفوذاً إضافياً على مجموعاته الأمنية.[57] ويهيمن حزب الله أيضاً على مجموعة واسعة من المليشيات الموالية للنظام، كـالدفاع الوطني التي جدد دعمها المالي واللوجيستي.[58] وبالإضافة إلى نقاطه العسكرية في بادية السويداء الشرقية، بات لحزب الله نقاط عسكرية في مطارَي الثعلة وخلخلة، وفي قريتَي الساقية وشنوان شمال شرقي السويداء. الحزب يهيمن أيضاً على المجموعة الأكبر في مليشيا الحزب السوري القومي الإجتماعي.

وكانت السويداء قد شهدت فورة في سوق الأسلحة، بعد اتفاق “المصالحة” منتصف العام ٢٠١٨ في درعا، وما أعقبه من بيع فصائل المعارضة لسلاحها إلى تجار السويداء.[59] واحتكر حزب الله سوق السلاح الثقيل، بشراء مكثف لها بأسعار مرتفعة عبر مهربين وتجار من بدو اللجاة في ريف درعا، لتُنقَل لاحقاً إلى مليشيات الحزب في اللجاة وريف درعا الشرقي والقنيطرة.

كذلك يسيطر الحزب على طرق تجارة المخدرات عبر الحدود الأردنية مع السويداء، وهو “أمر أساسي لتمويله الذاتي”، ويعتمد في ذلك على “مجموعات درزية وبدوية يتجاوز عددها الـ٣٠٠ شخص، وتتركز في ريف السويداء الجنوبي. ومهمة تلك المجموعات هي نقل المخدرات وتأمين الطرق”.[60]

ويستثمر الحزب الصراع الراهن بين الخلايا الأمنية للنظام ومجموعات الشريان الواحد، لإزاحة العقبة التي يمثلها الشريان على خط تهريب المخدرات باتجاه الأردن. فقد أقدمت قوات شيخ الكرامة، أبرز مجموعات الشريان، على إعدام أحمد علي جعفر “أبو ياسين”، أحد أقوى رجال الحزب في السويداء، بعد اتهامه بإدارة أكبر شبكة للمخدرات في السويداء. وأبو ياسين، الشيعي من بصرى، نزح منها إلى السويداء في العام ٢٠١٣ ليستقرّ في بلدة القريّة.

وتعمل إيران حالياً على دعم مجموعة رجال دروز أعمارهم فوق الأربعين، لهم مكانتهم الاجتماعية، وبعضهم يقود مجموعات مسلحة، في ما يُعتبَر تأسيساً لخلايا نائمة لم يحن بعد وقت تفعيلها. ومن أبرز المجموعات التي تدعمها إيران في السويداء هي الهيئة الدينية الوطنية، والتي تحصل أيضاً على تمويل من دروز إسرائيل. وتشكلت المجموعة في الأساس كهيئة دينية، بعد زيارة لقائد سابق في الحرس الجمهوري لأحد رجال الدين الدروز في العام ٢٠١٧، لكنها باتت تضم حالياً مجموعات مسلحة متعددة، إحداها تتبع لمكتب أمن الفرقة الرابعة.[61]

وإن كانت إيران قد أسّست وموّلت بشكل مباشر مجموعات أمنية ومليشيات، فإن الحليف الروسي اعتمد بالأحرى على مليشيات موجودة محاولاً استقطابها إلى تشكيله العسكري الأبرز، الفيلق الخامس. ولم يُعرَف عن روسيا تمويلها لأي فصيل على امتداد الساحة السورية.

حلفاء روسيا: الانضمام إلى الفيلق الخامس؟

أول ما ظهر من الروس، مطلع العام ٢٠١٦، هو الاهتمام بالنازحين إلى السويداء، حيث عملوا على توزيع المساعدات عليهم عبر مركز التنسيق الروسيّ في المنطقة الجنوبية المرتبط بقاعدة مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم العسكرية. في أيلول ٢٠١٦، أُجريَت “تسوية” في السويداء بتوجيه من حميميم لضبط عناصر المليشيات الموالية المتمردة على النظام، خاصة من المتعاقدين المدنيّين مع فروع الأجهزة الأمنية. “التسوية” شملت أيضاً “المجرمين والمعارضين السلميّين المدنيّين”. في نيسان ٢٠١٧، عقد الروس أول اجتماع أهلي في السويداء حول الدروز المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وهو الموضوع الذي سيصبح محور التدخل الروسي في السويداء. محاولات الروس لم تنقطع بالإعلان عن تشكيلات عسكرية جديدة في المحافظة، بـ”امتيازات” مالية وضمان صحي واحتساب سنوات الخدمة للفارّين من قوات النظام. ولم يتحول أي من هذه العروض إلى أمر واقع.[62]

الإصرار الروسي على أولوية قضية التجنيد الإجباري، سرعان ما أصبح موضوعاً للاشتباك مع بعض القوى المحلية. في حزيران ٢٠١٨، أصدرت قوات شيخ الكرامة بياناً اتهم روسيا بأنها “قوة احتلال”، وذلك بعدما اعتبر وفد روسي خلال لقائه وجهاء وشيوخ عقل أن المناطق التي تسيطر عليها قوات شيخ الكرامة خاضعة لسيطرة “تنظيم إرهابي”. قوات شيخ الكرامة كانت قد رفضت تمركز مليشيا قوات النمر الموالية لروسيا في بلدة المزرعة إبّان معارك درعا الأخيرة.[63]وسرعان ما أعاد الروس فتح باب “تسوية أوضاع” للمتخلفين عن الخدمة للالتحاق بالفيلق الخامس، على أن تكون خدمتهم في عموم المنطقة الجنوبية لا السويداء فقط، وتمّ تعيين تاجر كهربائيات ومتعاقد مع الأمن العسكري منسقاً بين الدروز والجانب الروسي.[64]

اللهجة الروسية المرتفعة ضد الدروز المتخلفين عن الخدمة هدأت بعد هجوم داعش في ٢٥ تموز ٢٠١٨، الذي راح ضحيته المئات. إذ كان لروسيا دور كبير في التفاوض على نقل مئات الدواعش من مخيم اليرموك إلى بادية السويداء الشرقية لاستكمال السيطرة على الجنوب الدمشقي. ومنذ ذلك التاريخ، تغيرت معاملة روسيا مع دروز السويداء، وإن ظل موضوع المتخلفين عن الجندية أساسياً بالنسبة لها. الجانب الروسي بدأ بإظهار تفهم أكبر للمجتمع المحلي، وتواترت زيارات المسؤولين العسكريين الروس لوجهاء ومشايخ العقل، وبدأت تلعب دور الوسيط بين النظام والإيرانيين، والمجتمع المحلي. وبعد تعثّر عمليات قوات النظام ضد داعش شرقي السويداء، أدخل الروس مجموعات من فصائل “التسوية” في درعا المنضوية في الفيلق الخامس ومهّدت لها نارياً.[65] وتوسطت روسيا لدى مشيخة العقل للضغط على حركة رجال الكرامة للإفراج عن ٦٠ محتجزاً لديها من بدو عشائر ريف السويداء الشرقي والسماح للعشائر بالانتقال إلى درعا، مقابل التسريع بحل ملف المختطفات الدرزيات لدى داعش.[66]

وفي تشرين الأول ٢٠١٨، عرض الروس على قوات الفهد، المنشقة عن حركة رجال الكرامة منذ نهاية ٢٠١٧ في بلدة قنوات، الانضمام إلى الفيلق الخامس، في محاولة لاستمالة بعض القوى المناوئة للنظام في السويداء، وللتعرف على قادتها والتنسيق معهم. وأشار الروس إلى أن قوات الفهد وقوات شيخ الكرامة مصنفة كـ”جهات إرهابية” لدى النظام “لكن الصورة تغيرت بعد لقائهم”، عارضةً عليهم “تسوية أوضاعهم وأوضاع أي فصيل محلي يرغب بذلك”.[67] وبعد مشاوراتها مع قوات شيخ الكرامة، رفضت قوات الفهد العرض الروسي بالقتال خارج السويداء وتسليم أسلحتها المتوسطة والثقيلة، لكنها لا تزال تحتفظ بعلاقة جيدة مع الجانب الروسي. وتواصلت قوات الفهد مع الجانب الروسي أكثر من مرة للإفراج عن معتقلين دروز لدى النظام، وتجاوب الروس معها بشكل إيجابي. الأمر ذاته ينطبق على علاقة حركة رجال الكرامة بالجانب الروسي.[68]

العلاقة مع دروز إسرائيل ولبنان

التمويل الخارجي، والوصاية السياسية أحياناً، من دروز إسرائيل ولبنان، ساهما باستدامة الشقاق الداخلي في السويداء نتيجة دعم مجموعات متنافرة. ويبدو أن الانقسام والتنافس في المجتمعَين الدرزي الإسرائيلي واللبناني قد انتقلا إلى السويداء منذ العام ٢٠١١. إذ نقل الممولون وأصحاب المشاريع السياسية نزاعاتهم البينية إلى السويداء.

ظهر النزاع بين الأفرقاء الدروز في لبنان وإسرائيل في مواقف متعددة، وتحول إلى اشتباك مفتوح في ما بينهم، تصعب معرفة الحلفاء والأعداء فيه. فالشيخ البلعوس، كان قد ظهر في أكثر من موقف، وهو يوزع السلاح على مناصريه، ويقول إنهم قد اشتروه من “تبرعات دروز فلسطين”. البلعوس فضّل التعاون مع دروز إسرائيل وتلقّي التمويل منهم لأنه غير مشروط سياسياً، على عكس التمويل الآتي من دروز لبنان. كما أن علاقة البلعوس بالزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط كانت شبه مقطوعة، رغم توافقهما بالمعنى السياسي.[69]

في آذار ٢٠١٩ حَصَرَ النظام الموافقة على تبادل زيارة وفود المشايخ الدروز بين لبنان وسوريا بالشيخ الدرزي اللبناني ناصرالدين غريب، المحسوب على الأمير اللبناني طلال أرسلان المقرب من النظام. ويعود ذلك جزئياً إلى تحالف شيخ العقل جربوع مع الأمير اللبناني أرسلان، لمواجهة الشيخ الهجري أولاً، ولإخراج الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط،[70] المعارض بشدة للنظام السوري، من دائرة التأثير في السويداء ثانياً. وعلى رغم التناقض الكبير بين جنبلاط والهجري في السياسة، إلا أن الهجري ظلّ متحالفاً مع شيخ العقل اللبناني نعيم قاسم، حليف جنبلاط. ويبدو أن التبرعات المالية التي حوّلها شيخ العقل اللبناني نعيم قاسم إلى الشيخ الهجري، لتوزيعها على ضحايا مجزرة داعش في قرى السويداء الشرقية، فجّرت الأزمة مع جربوع، لأنها لم تمرّ عبر مال الوقف الدرزي الذي تُشرف عليه دار الطائفة.[71]

من جهة أخرى، العلاقة المتوترة بين النظام وشيخ عقل دروز إسرائيل، موفّق طريف،[72] دفع لصعود نجم رئيس لجنة التواصل الدرزية في إسرائيل، علي معدي، الموالي للنظام منذ العام ٢٠١٤. وفي الوقت الذي تجمع فيه لجنة التواصل الدرزية التبرعات من دروز إسرائيل، فإنها تستخدمها لتمويل جماعات محلية متنافرة في السويداء، كالهيئة الدينية الوطنية المقربة من مليشيا مكتب أمن الفرقة الرابعة. وفي المقابل، سعت الهيئة لدعم تسمية علي معدي شيخاً للعقل لدروز إسرائيل. وفي أثناء زيارته إلى السويداء برفقة وفد درزي إسرائيلي نظمته لجنة التواصل الدرزية في أيلول ٢٠١٨، أعلن الشيخ اللبناني ناصرالدين غريب، من طرف واحد، أن مشيخة العقل لدروز فلسطين هي لعلي معدي، لا لموفق طريف.[73] ومن جهتها منعت السلطات الإسرائيلية علي معدي من مرافقة الوفد إلى سوريا.

وبعد هجوم داعش الدموي، تنافس الطرفان الدرزيان في لبنان وإسرائيل في جمع التبرعات للسويداء، وأيضاً في التواصل مع الجانب الروسي لإطلاق المفاوضات بغرض الإفراج عن المختطفات الدزريات لدى التنظيم. في أيلول ٢٠١٨، زار موفق طريف روسيا والتقى المبعوث الخاص للرئيس بوتين لشؤون الشرق الأوسط، وطالب روسيا بحماية دروز سوريا والإفراج عن المختطفين لدى داعش. في حين أكد الوزير اللبناني وائل أبو فاعور، المقرب من وليد جنبلاط، من موسكو في تشرين الثاني ٢٠١٨، عشية الإفراج عن المختطفات، أن لا علاقة للنظام بتحريرهم، وأن النائب تيمور جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني كانوا على تواصل يومي مع القيادة الروسية لإطلاق سراحهم.[74]

ولفهم التشابك والتعقيد بين مختلف الأطراف الدرزية المحلية والإقليمية، تبدو قضية المعتقل لدى النظام السوري ليث مراد، الدرزي الأردني، مثالاً جيداً. فقد نجحت حركة رجال الكرامة في أيار ٢٠١٩ بالضغط على النظام لإطلاق سراحه بعد ٥ أشهر على اعتقاله بتهمة “التجسس لصالح الكيان الصهيوني”. وكان الأمن الوطني قد رفض تسليم مراد لجهة “خارجة عن القانون”، في إشارة إلى حركة رجال الكرامة، في حين أصرّت شعبة الأمن العسكري على تسليمه للحركة، وذلك “حفاظاً على الاستقرار في السويداء”. وبعد صدور قرار بإطلاق سراحه، تدخل حزب الاتحاد الديموقراطي اللبناني لدى الأمن الوطني السوري، ليظهر الإفراج عنه إنجازاً للنائب اللبناني طلال أرسلان، الذي يُعتبَر في السويداء ممثلاً للخط الإيراني. وأثار ذلك استياء رجال الكرامة، ودفعها إلى إمهال النظام ٤٨ ساعة وتهديدها بالتصعيد وحصار الفروع الأمنية في السويداء، ما سرّع بإطلاق سراحه وتسليمه للحركة. حركة رجال الكرامة أصدرت بياناً اعتبرت فيه مسالك طلال أرسلان “تثير الشرخ بين الدروز في سائر بلاد الشام”، مشيرةً إلى “تعيين أرسلان شيخ عقل ثانياً للطائفة في كل من لبنان وفلسطين”.[75]

في الخلاصة، إذا كانت القوى الدرزية المتصارعة في لبنان وإسرائيل، كل على حدة، ترى في دعمها لجماعات محلية في السويداء فرصة لمدّ نفوذها واستخدامه في الاشتباك المحلي، فإن القوى الدرزية المحلية في السويداء تستخدم هذا الدعم الخارجي أيضاً في معرض صراعاتها الداخلية. وفي الوقت الذي بدأت تتوضح فيه ملامح تحالفات درزية عابرة للبلدان الثلاثة، فإن الخصومات بدورها بدأت تأخذ امتداداً إقليمياً.

وليس بعيداً عن الاشتباك الدرزي-الدرزي، فإن الموقف الإيراني الواضح في التمويل والدعم العسكري لمجموعات ومليشيات درزية مسلحة في السويداء، بغرض السيطرة الأمنية عليها، يقابله موقف روسي أكثر تحفظاً يضغط باتجاه استعادة النظام للسيطرة ولو شكلياً وضم بعض الفصائل المحلية للفيلق الخامس، وحل مشكلة المتخلفين عن الخدمة العسكرية والتحاقهم بقوات النظام. وهنا يبدو النظام عاجزاً بقواه الذاتية عن فرض رؤية أو خطة واضحة لما ستؤول إليه الأمور في السويداء، إذ يبدو موزعاً بين الجانبين الروسي والإيراني، ومحكوماً بتناقضاتهما. كما أن النظام انساق في عملية رسم التحالفات والخصومات الدرزية الإقليمية التي تفرضها قوى الأمر الواقع على الأرض، داعماً لجهات منها ومحرّضاً ضد أخرى.

 

الجزء الثالث: الصراع على السويداء

منذ الهجوم الإرهابي لداعش في تموز ٢٠١٨، وانقلاب المزاج الشعبي المحايد إلى حالة استياء وغضب من النظام وتحميله مسؤولية المجزرة، بدأت الأحداث في السويداء تأخذ منحى مختلفاً. الفصائل المحلية زادت من وتيرة تسليحها، وزادت نسبة السلاح الأهلي غير المؤطر بالفصائل، تخوفاً من هجمات جديدة، وسط قناعة بأن لا أحد سيدافع عن الدروز غير أنفسهم. رفض التجنيد في صفوف قوات النظام خارج السويداء عاد ليصبح مطلباً شعبياً.

ولئن يبدو المستقبل غائماً حالياً، تشير الأوضاع الحالية إلى إمكانية تطوّرها في أحد اتجاهين: زيادة مستوى الفوضى الأمنية إلى حدود قد تُصبِحُ فيها عودة هيمنة النظام الأمنية والعسكرية المباشرة مطلباً مقبولاً شعبياً، أو انتقال الصراع بين بعض مجموعات الشريان الواحد والمجموعات الموالية لإيران إلى مرحلة متقدمة، يتوجب معها على بقية الأطراف المحلية اتخاذ موقف واضح لصالح أحد الطرفين.

كيف يعود النظام: ترك الأمور تتدهور

في حال قرر النظام استخدام القوة العسكرية المباشرة لفرض سلطته الكلية في السويداء، فالأمر لن يستغرق وقتاً طويلاً، لكنه لا يبدو مستعجلاً لاستخدام العنف، الذي سيتسبب بخسارة سياسية لفكرة “حماية الأقليات” التي يدّعيها. فالنظام يفضل إغراق المحافظة بالفوضى، وإدارتها من الخلف عبر شبكته الأمنية المتحالفة مع المجموعات الإيرانية.

التوتر في السويداء بين مختلف المجموعات المسلحة يتصاعد منذ أيار ٢٠١٩، مع انشغال الروس بمعركة إدلب، وانسحاب معظم مليشياتهم من الجنوب السوري. المواجهة المفتوحة بين مجموعات الشريان الواحد القلقة، التي تعرضت لبعض الانشقاقات، وبين تحالف فضفاض يضم مجموعات أمنية، هي عنوان المرحلة في السويداء، في حين تنزع حركة رجال الكرامة للحياد. أما عصابات الجريمة المنظمة التي تعمل في المنطقة الرمادية بين الشريان الواحد والمجموعات الأمنية، فتستغل الفوضى الراهنة للتربح من اقتصاد الحرب وتغذية الطرفين.

ويبدو أن لا قدرة ذاتية للمجتمع المحلي في المدى المنظور على ضبط الفوضى، التي تتجسد بشكل رئيسي بالخطف بقصد طلب الفدية، والانتشار العشوائي للسلاح، وتأمين خطوط تهريب المخدرات وتجارتها المحلية. الركود الاقتصادي غير المسبوق وغياب مصادر الدخل، وتدهور جميع القطاعات الإنتاجية، جعل من الخطف مقابل الفدية ممارسة مكررة طوال السنوات الماضية، وأحد أهم الأعمال المربحة. وقد زاد عدد العاملين في الخطف، بما في ذلك المجموعات الأمنية وبعض الفصائل المحلية. وبات الوصف النمطي للمنتسب إلى المجموعات المسلحة بأنه “عضو عصابة يبحث عن مجده الشخصي بلا أي مرجعية، مرتزق يبيع نفسه لمَن يدفع”.[76]

في المقابل، يُصرّ النظام على استخدام حالة الفلتان الأمني كمدخل لاستعادة السيطرة على المحافظة، مستغلاً حالة التذمر الأهلي ومطالبات مشيخة العقل بتدخل “الدولة”. في الوقت ذاته، يؤمن الفلتان الأمني وانتشار السلاح، واستخدام الخطف المضاد، حالة من الردع تستخدمها الفصائل المحلية لمنع النظام من تحقيق أهدافه. ويبدو أن الجانب الروسي في النظام يدعم هذه الحالة من اللاسلام الهش لتجنب التوتر والصدام، مقابل حل أزمة المتخلفين عن الخدمة العسكرية واحتواء الفصائل المحلية، في حين يدفع الجانب الإيراني داخل النظام باتجاه تطويع السويداء عسكرياً، بما يؤمن لهم قاعدة لحماية خط تهريب المخدارت، وتأمين الخطوط الخلفية لمواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل. في الحالتين، لا يبدو النظام قادراً على استعادة السلطة الكاملة، نتيجة ظروف موضوعية، ليس أقلّها عجزه عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية للأهالي.

بدأ الخطف يأخذ اتجاهاً خطيراً في أيلول ٢٠١٨، مع إقدام عصابة على قطع رأس بدوي ورميه في باحة مسجد المقوس بعد عجز عائلته عن دفع الفدية. وقد استغلت العصابة مشاعر الدروز الغاضبة ضد داعش بعدما تبيّن أن كثيراً من منفذي هجوم ٢٥ تموز على السويداء كانوا من البدو. قائد هذه العصابة كان متعاقداً مع المخابرات الجوية، وسبق أن طردته قوات شيخ الكرامة من صفوفها بسبب “خروجه عن مبادئ التشكيل”.[77] ويُعتقَد أن إلغاء المخابرات الجوية لجزء من العقود مع المتطوعين المدنيين تسبب بخلق أزمة تمويل لدى بعض العصابات، فضاعفت عمليات الخطف لحسابها الخاص. العصابة التي لا تضم أكثر من ١٥ مسلحاً، وينتمي عناصرها إلى “القاع الاجتماعي”، هاجمت حي المقوس الذي تقطنه عشائر البدو في السويداء بهدف إثارة فتنة مع الدروز.[78] في شباط ٢٠١٩، هاجمت عصابة أخرى، زعيمها أيضاً متعاقد سابق مع المخابرات الجوية، حواجز للنظام في السويداء، وخطفت عناصرها واستخدمتهم للمبادلة مع معتقل لها لدى النظام.[79]

بدأ النظام باستغلال هذه الحوادث لتعزيز تواجده العسكري والأمني. وتقوم استراتيجية النظام على “التهدئة ونشر الفوضى، والتنصل من مسؤوليتها، من مبدأ: أيها الدروز حلوا مشاكلكم، لتعزيز الشروخ الأهلية، وتشويه سمعة الفصائل المحلية”.[80]

وأُعطيَت تعليمات للتعزيزات الأمنية والعسكرية الجديدة للنظام، بالرد على أي “اعتداء” تتعرض له بغرض “إعادة هيبة الدولة”. فصائل الشريان الواحد اعتبرت تحركات النظام تصعيداً للأوضاع، وأرسلت تحذيرات للمسؤولين بضرورة “التزام حدودهم، وعدم تنفيذ أي اعتقالات أو مداهمات ضد عناصر الفصائل أو الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية، أو المعارضين السياسيين”.[81] وفي حين التزمت حركة رجال الكرامة الحياد، فقد أعطت مشيخة العقل “موافقة ضمنية” لانتشار قوات النظام، “شريطة التعامل بليونة مع المواطنين وعدم ملاحقة المطلوبين للخدمة العسكرية في الوقت الراهن”.[82]

في شباط ٢٠١٩، سرب النظام لائحة تضم أسماء “أخطر المجرمين” من عصابات الجريمة المنظمة ووزعها على الحواجز وفروع الأجهزة الأمنية، بهدف “القبض عليهم في أقرب وقت ممكن، واستخدام القوة ضدهم إذا لزم الأمر”.[83]  وعلى الرغم من عدم اعتقال الأشخاص الواردة أسماؤهم في اللائحة، إلا أن صدورها خفف من الاحتقان في السويداء. من جهتها، رحبت قوات شيخ الكرامة وقوات الفهد بتواجد قوات النظام “إذا كان هدفها الحقيقي محاسبة العصابات التي رعتها جهات أمنية فاسدة”. [84] وسرعان ما تبين أن قوات النظام غير معنية بملاحقة العصابات، إذ اندلعت موجة خطف جديدة في نيسان ٢٠١٩، تقف وراءها العصابات الإجرامية نفسها. متزعم إحدى العصابات تعرّض لمحاولة اغتيال نُقِلَ على أثرها إلى مستشفى خاص وسط المدينة بالقرب من أهم مراكز النظام الأمنية، التي لم تحرك ساكناً رغم أنه أحد أبرز المطلوبين على قوائمها. [85]

وتكمن إحدى الأزمات الرئيسية في أن مجموعات الشريان الواحد تضم عناصر غير منضبطة، بعضهم يمارس الخطف للتمويل الذاتي، ما يجعل الأمور ضبابية تدور في منطقة رمادية. ففي الوقت الذي يردع فيه الشريان الواحد عودة بعض ممارسات النظام من الاعتقال والسَّوق إلى الجندية، فإن بعض بيارقه مُتّهَمة بانتهاج ممارسات اقتصاد حرب من تهريب للسلاح والمخدرات، وفي أحيان قليلة القيام بعمليات الخطف. إذ بات بعض بيارقها جاذباً للمطلوبين جنائياً للنظام، لما في ذلك من تأمين الحماية الذاتية لهم.[86]

المعضلة الثانية تتعلق بعجز النظام عن ضبط الفوضى والفلتان الأمني، حتى لو سيطر أمنياً. فأموال العصابات المُستحصَلة من الممارسات غير الشرعية استُثمِرَت بشراء عقارات في فترةٍ كان فيها الطلب على الإيجارات مرتفعاً. وبعد خلوّ المحافظة تقريباً من النازحين، الذين هربوا خوفاً من عمليات الخطف لطلب الفدية،[87] عُرِضَت تلك العقارات للبيع بنصف القيمة. إذ لم يتم استثمار أموال التمويل الخارجي، أو تلك الناتجة عن ممارسات غير شرعية، في عملياتٍ إنتاجيةٍ تحمل طابع الاستمرارية. لذا، فإن الخروج عن القانون والانتماء إلى عصابة أو مجموعات مسلحة يبدو طريقاً جاذباً لشريحة من الشباب العاطل عن العمل، بسبب انعدام الآفاق وفرص العمل. وإذا “كنت مطلوباً ستُعتقَل اليوم، وبعد اتصال مع الروس أو الأمن العسكري أو فرع الحزب، فستعقد مصالحة وتسوية وضع. ومن بعدها، ستعود إلى ممارسة الأعمال غير الشرعية”.[88]

المواجهة بين العصابات الأمنية والشريان الواحد: المخطط الإيراني؟

على وقع الخطف والجريمة المنظّمة، أعاد النظام انتشاره في المحافظة، وواصل استقدامَه للتعزيزات العسكرية والأمنية. الانتشار الأمني والعسكري لم يضع حداً للخطف، لا بل ترافق مع دخول السويداء مرحلة جديدة من الفوضى الأمنية المتمثلة بالاغتيالات والتصفيات لقادة ميدانيين في مجموعات الشريان الواحد.

في نيسان ٢٠١٩، اتهمت مجموعات أمنية في السويداء قوات شيخ الكرامة في مدينة صلخد بخطف عضو في لجنة المصالحة التي يتزعمها قائد عصابة أمنية ومجموعة خطف. وبدأ التصعيد يأخذ شكلاً مناطقياً بين مدينتي صلخد والسويداء. شيخ العقل الحناوي فشل في إيجاد مخرج للقضية، في حين اصطف شيخ العقل جربوع مع بعض عائلات السويداء ضد قوات شيخ الكرامة. انتقل التصعيد إلى اشتباك مسلح، وقطع الطريق بين المدينتين، ومُنِع أهل صلخد من دخول السويداء. وبعد اجتماع في دار الطائفة، أصدر كلٌّ من الشيخ جربوع، وقادة فصائل ومجموعات أمنية من المدينة، وممثلي بعض العائلات بياناً عبروا فيه عن وقوفهم خلف الجيش السوري وأجهزته الأمنية لـ”محاسبة المجرمين”. وحضر في الاجتماع مجدداً مصطلح “طرش الدم” للتبرؤ من دم القتلى.[89]

في هذه المرحلة، انتقل الصراع فجأة إلى حيّز الاصطفاف: نظام ومعارضة. فاصطفت مجموعات أمنية وفصائل محلية من السويداء مع النظام مقدّمةً نفسها بأنها تكافح “الفلتان الأمني”، رغم تورطها العميق في عمليات الخطف. وصار واضحاً أن “الطريقة الوحيدة لتخلص النظام من خصومه في الجبل تكمن في إثارتهم بعضهم على بعض، وتأجيج الخلافات بينهم”.[90]

الخلاف المتصاعد مع فصائل الشريان الواحد ساهم في بلورة تحالفٍ فضفاضٍ لفصائل ومجموعات أمنية وعصابات تدور في الفلك الإيراني. وهذا ما اتضح مع اغتيال القيادي في قوات شيخ الكرامة، وسام العيد، في ٢ أيار ٢٠١٩ في مدينة صلخد. وتبنّت الاغتيال جهةٌ مجهولةٌ تُطلِق على نفسها اسم أسود التوحيد. ويُعتقَد أن أسود التوحيد أو المجموعات التي تمثلها هي المسؤولة عن اغتيال قيادي آخر في الشريان،[91] وعن خطف معارض سياسي.[92]

وكان وسام العيد من المقربين من وحيد البلعوس، وقد انشق في العام ٢٠١٨ عن حركة رجال الكرامة ليؤسس قوات شيخ الكرامة مع ليث البلعوس. والعيد من مناوئي النظام في المحافظة، وساهم بخطف ضباط وعناصر من قواته في حوادث مختلفة، لمبادلتهم بمعتقلين من السويداء. كما أنه مُتَّهمٌ بالتورط في عمليات غير مشروعة.[93] وبعد اغتياله، ألقت قوات شيخ الكرامة القبض على ٣ عناصر منها، وأعدمتهم ميدانياً، بعد “اعترافاتهم خلال التحقيق” بالتورط في قتل العيد.

شكّل اغتيال العيد مفصلاً مهماً في تطور الأحداث في السويداء، إذ يبدو أنه ذروة انكشاف الصراع بين بعض المجموعات الإيرانية وقوات شيخ الكرامة. فقد كان العيد المسؤول المباشر عن قتل تاجر المخدرات الشيعي أبو جعفر، المقرب من حزب الله. وقد تمكن العيد من إعاقة نشاط المجموعات الإيرانية في صلخد، التي تستخدمها كمركز لتوزيع المخدرات بين السويداء والبادية والأردن. ويبدو أن اغتياله كان “عملية مُخطَّطة استُخدِمَت فيها أموال ومجموعات أمنية وخلايا لحزب الله لاختراق الشريان”.[94]

تحالف الشريان الواحد أَطلقَ مطلع حزيران ٢٠١٩ حملة خطفٍ لعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية، بعد خطف المُعارِض مهند شهاب الدين بغرض المبادلة. إلا أن النظام لم يعترف بخطف شهاب الدين، ورفض الروس التوسط، وكذلك رئيس شعبة الأمن العسكري. وبعد أيام من التوتر، أفرجت فصائل الشريان عن المخطوفين لديها، وسلمتهم إلى شيخ العقل جربوع، من دون معرفة مصير شهاب الدين. تحالف الشريان القلق سرعان ما تعرض لهزّة قوية بعد إعلان قوات الفهد، المقربة من الروس، انسحابها منه.

تفكك الشريان الواحد كان أمراً متوقعاً، إذ لم يتمكن من إنتاج حالة توازن بين المجتمع والنظام، فهم بدورهم “مفككون اجتماعياً” ويسعى بعضهم وراء مصالحه الشخصية. وإذا كانوا مقبولين في لحظة ما وقادرين على منع الاعتقال التعسفي، فإن الفوضى واللا-تنظيم، وسرعة ردود أفعالهم وتورط بعضهم بممارسات غير شرعية، كلها زادت من توجس الشارع الدرزي منهم.

خاتمة

الزعامة الروحية لم تكن يوماً قادرة على قيادة الدروز لوحدها في الأزمات التاريخية، بل كانت تابعة دائماً إلى الزعامات الزمنية. ومع تراجع دور الزعامة العشائرية، بالتزامن مع تحوّل المؤسسة الروحية إلى وظيفة رسمية في الدولة السورية، لم يُعرَف عن المشيخة مواقف تخالف السلطة، في ما يشبه سياسة عدم جواز الخروج على الحاكم.

وقد تعثرت خلال السنوات الماضية كل محاولات إنتاج زعامات سياسية زمنية جديدة، بالاستناد إلى الظروف الموضوعية وتدخلات الخارج. وتحاول حركة رجال الكرامة إبقاء موقع لها في هذه الخريطة المتشابكة، على الأقل بوصفها جسراً بين الحالتين الزمنية والروحية.

المجموعات الشابة المنشقة عن رجال الكرامة تغلب عليها الفوضى والتسرع والعشوائية، ولم ينجح العداء للنظام، وحملها لراية الشيخ وحيد البلعوس، في خلق بوصلة واضحة لها. أما المجموعات الأمنية الدائرة في فلك النظام وحليفه الإيراني، فتبدو الأكثر قوة وتنظيماً، وهي قادرة على تحريك الأوض4اع في السويداء في الاتجاه الذي تختاره. إلا أن عدم استقلالية هذه المجموعات، وارتهانها للنظام، وتورطها بممارسات غير شرعية ضمن اقتصاد الحرب، لن يمكّنها من إنتاج أي زعامة موازية ذات صدقية.

في الوقت ذاته، فإن التحالفات والخصومات الإقليمية للدروز، التي تتضح معالمها في السويداء، لا تساهم فقط في إبقاء التشتت الداخلي الراهن على حاله، بل أيضاً في توجيه الدعم الذي تحصل عليه الجماعات المحلية في السويداء لصالح محاور سياسية إقليمية. وبالمثل فإن القوى المحلية في السويداء باتت تستند إلى مثل هذه المحاور لمواجهة منافسيها المحليين.

وأخيراً يحاول النظام التركيز على الفلتان الأمني كمدخل لاستعادة السيطرة على السويداء، بينما يُفضَل الروس تجنب الصدام المباشر مع الدروز، في حين يُصعّد الإيرانيون الصراع المحلي للسيطرة على المنطقة أمنياً. في كل الحالات، فإن النظام غير قادر على احتواء السويداء حالياً نتيجة عجزه الموضوعي عن تقديم حلول للأزمات المعيشية والاقتصادية.

*محمود اللبابيدي: باحث سوري يعمل ضمن المشروع البحثي زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا في برنامج مسارات الشرق الأوسط، والذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا بالجامعة الأوروبية في فلورنسا. يركز عمله على اقتصاد الحرب في سوريا ومناطق سيطرة النظام.

[1] متعاقد مدني مع الأجهزة الأمنية أي يعمل بعقد خارجي، وليس موظفا ثابتاً محسوباً على ملاك الجهاز الأمني.

[2] بريجيت شيبلر، انتفاضات جبل الدروز-حوران من العهد العثماني إلى دولة الاستقلال، (بيروت: دار النهار للنشر، ٢٠٠٤)، ١٣.

[3] الدرزية مذهب إسلامي منشقّ عن المذهب الإسماعيلي، تمت الدعوة إليه في عهد الخليفة الفاطمي في مصر الحاكم بأمر الله أوائل القرن الحادي عشر الميلادي.

[4] عباس أبو صالح وسامي كارم، تاريخ الموحدين الدروز السياسي، (بيروت: المجلس الدرزي للبحوث والإنماء، لا تاريخ)، ١٥.

[5] انقسم الدروز تاريخياً قبل معركة عين دارة إلى حزبين سياسيين: القيسيين واليمانيين، خاضا معارك سياسية وعسكرية تحت رايتي المعسكرين. واليمانية أو اليمنية هم الدروز من اليمن، في حين أن القيسية من شمالي شبه الجزيرة العربية. ومن الصعب جداً تأكيد هذا التقسيم بالمعنى الإثني أو التاريخي، فهو تقسيم سياسي بدلالة وجود مسيحيين ومسلمين انضموا إلى طرفي النزاع الدرزي. انظر: المرجع السابق.

[6] شيبلر، انتفاضات جبل الدروز-حوران، ٧١.

[7] ضد غزوات البدو المتكررة، وضد محاولات السلطنة العثمانية إخضاع الجبل طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومطلع العشرين، وحملات ابراهيم باشا المصري ١٨٤٠-١٨٣١، وحرب الاستقلال ضد الفرنسيين ١٩٢٥-١٩٢٣.

[8] تقسم السويداء إلى المدينة، وأربعة مناطق تسمى “مقارن”؛ الشرقي والقبلي والغربي والشمالي، وهو تقسيم تاريخي وشعبي وليس تقسيماً إدارياً.

[9] شهد تاريخ السويداء زعامة مركزية لشيخ المشايخ بزعامة آل الحمدان ١٨٦٩-١٦٨٥، في حين حاول خلفائهم من آل الأطرش الارتقاء بهرمية السلطة وتشكيل إمارة مركزية. أنظر شيبلر، انتفاضات جبل الدروز – حوران، ٦١.

[10] انتقلت الزعامة الطرشانية بعد الاستقلال إلى سلطان باشا الأطرش في دارة القريا، مع استمرار نفوذ بقية زعماء الطرشان في مدينة السويداء وقرى “المقرن القبلي”.

[11] موقع مجلس الشعب السوري، “قانون الإصلاح الزراعي، رقم ١٦١ لعام ١٩٥٨ “، لا تاريخ، https://bit.ly/2XnrYHS

[12] حنا بطاطو، فلاحو سوريا، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ٢٠١٤)، ٣٢٠.

[13] سرعان ما انتقلت المواجهات بين الدروز العزّل والبدو المسلحين بعد خلاف على أحقية الرعي، إلى مواجهة غير متكافئة بين قوات النظام والمتظاهرين الدروز، ما تسبب بسقوط عشرات القتلى في صفوفهم. سعدو رافع، “واقع الدروز في الثورة السورية”، الجولان، ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١  https://bit.ly/2R39TNI

[14] الدروز جاؤوا إلى السويداء من مناطق متعددة اعتباراً من القرن السابع عشر الميلادي، وهناك عائلات تحمل أسماء مناطق جاءوا منها وتدل على أصلها التاريخي، كالصفدية من صفد والحلبية من حلب والشوافنة من الشوف.

[15] مقابلة عبر سكايب مع ناشط حقوقي يعمل مع شبكة السويداء ٢٤، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[16] فعلياً، لا تعني مشيخة العقل “الأولى” أن مرتبتها أعلى من مشيختي العقل الثانية والثالثة، بل ترتيباً لظهورها الزمني. إذ كانت مشيخة العقل الأولى لآل الهجري في قنوات، والثانية لآل جربوع في مدينة السويداء، والثالثة للحناوي في سهوة بلاطة. وفي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت مشيخة عقل رابعة لآل أبو فخر لكنها ذوت بسرعة. أنظر حسن البعيني، مشيخة عقل الموحدين، (بقعاتا: دار معن، ٢٠١٥)، ١٦٧.

[17] “الهيئة الروحية العليا للموحدين الدروز” هي مجرد اسم جديد أطلقه شيخ العقل حكمت الهجري على منصب “شيخ العقل الأول” الخاص بدار قنوات وآل الهجري.

[18] يعتبر مقام عين الزمان في السويداء بمثابة دار لطائفة الموحدين الدروز، وهي مؤسسة غير رسمية، تشكلت فيها خلال السنوات الماضية عدة أقسام ولجان: منها لجنة لحل النزاعات ولجنة مالية وديوان دار الطائفة ولجنة توفير عمل للنساء وفريق تطوعي لتوزيع المعونات، ومكتبة ثقافية ومركز صحي مجاني. والمسؤول الاول عن مقام عين الزمان هو الشيخ يوسف جربوع. مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٢٦ أيار ٢٠١٩.

[19] همام الخطيب، “طرش الدم: إدارة ذاتية…أم العودة بالسويداء إلى ما قبل الدولة؟”، المدن، ٢٨ أيار ٢٠١٢، https://bit.ly/2X09sFe.

[20] ستعتمد الورقة على تعبير “دروز إسرائيل” إلا في حال اقتباس قول.

[21] زين الحلبي، “السويداء: أبعد من قضية الشيخ الغريب”، “، المدن، ٥ أذار ٢٠١٩، https://bit.ly/2KE1WOs

[22] يشبه الحرم المسيحي الكنسي، ويقوم على مقاطعة مجتمع المتدينين الدروز للشخص الخاضع له.

[23] أسس الشيخ البلعوس حركة رجال الكرامة في العام ٢٠١١، والتي وقد تبنت موقف حياد الدروز في الحرب السورية وأوقفت عملية التجنيد الإجباري لصالح قوات النظام بين الدروز.

[24] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٥ حزيران ٢٠١٩.

[25] مازن عزي، “دروز السويداء: جمر التنازع”، الجمهورية، ٢٢ تموز ٢٠١٥، https://bit.ly/2XwKcvq

[26] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، بيروت، ٢١ أيار ٢٠١٩.

[27] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٢٦ أيار ٢٠١٩.

[28] ظل العميد ناصر بمثابة الحاكم الفعلي للسويداء، منذ ٢٠١١ وحتى نقله ٢٠١٨، وهو متهم باغتيال البلعوس، إلى جانب اثارة الفتنة بين السويداء ودرعا، وبين الدروز والبدو. ومتهم بقصف السويداء مراراً بقذائف الهاون، عند كل جولة قتال بين قوات النظام والمعارضة في درعا، لتحريض الدروز ضد الحوارنة. العميد ناصر، متهم بالمسؤولية عن تشكيل وتمويل عصابات أمنية في السويداء، وبالاثراء غير المشروع من اقتصاد الحرب وإدارة خطوط التهريب بين درعا وبادية السويداء الشرقية التي كانت تسيطر عليها داعش. أنظر، “وفيق ناصر طوّع السويداء”، عنب بلدي، ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٨،https://bit.ly/2LtZc6V

[29] أمير بلا إمارة فعلية، مجرد لقب متوارث.

[30] زين الحلبي، “كيف سيطر الهجري على الرئاسة الروحية للدروز؟”، المدن، ١٠ كانون الأول ٢٠١٨،  https://bit.ly/2xckc8V

[31] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٢٦ أيار ٢٠١٩.

[32] مقابلة عبر سكايب مع ناشط حقوقي يعمل مع شبكة السويداء ٢٤، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[33] المجموعة المسلحة العائلية هي لحماية العائلة وتشمل بضعة مسلحين بسلاح خفيف. المليشيا أو الفصيل، أكبر وتشمل عناصر من عائلات مختلفة وقد يكون لها ايديولوجيا وممول، وقد يكون لديها سلاح ثقيل. العصابة تتألف من مجموعة أفراد، تمتهن الأعمال غير الشرعية، غالبا بسلاح فردي خفيف.

[34] هو فرع للحزب التابع للوزير اللبناني السابق وئام وهاب، وعلاقته جيدة بالجانب الإيراني.

[35] مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٢٢ أيار ٢٠١٩.

[36] المقابلة ذاتها.

[37] المقابلة ذاتها.

[38] المقابلة ذاتها.

[39] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، صلخد (سوريا)، ١٤ أيار ٢٠١٩.

[40] المقابلة ذاتها.

[41] مقابلة عبر ماسنجر مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، بيروت (لبنان)، ١٢ حزيران ٢٠١٩.

[42] مقابلة عبر واتس آب مع حقوقي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٢٧ أيار ٢٠١٩

[43] المقابلة ذاتها.

[44] المقابلة ذاتها.

[45] دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، “التقى سماحة شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز يوسف جربوع باجتماع دوري وتوجيهي بلجنة (حل النزاعات الاجتماعية) في دار الطائفة”، فيسبوك، ٢٩ نيسان ٢٠١٩، https://bit.ly/2LkCI7k

[46] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[47] جاء احياء وثيقة “طرش الدم” في اجتماع عُقد في “دار الإمارة” في بلدة عرى، بحضور شيخي العقل الحناوي وجربوع. الأمير جهاد الأطرش، قال إنه بعد الحصول على التفويض من قبل مشايخ العقل ووجهاء الجبل، “ستجري محاكمات شعبية عاجلة للمتهمين أمام الحضور، وستنزل بهم عقوبة الإعدام الميداني، في دار الإمارة في بلدة عرى”.

[48] تم إحياء الدار بالتزامن مع معركة درعا ٢٠١٨، بسبب علاقة دارة عرى التاريخية الجيدة بقرى ريف درعا الشرقي، إذ توقع النظام أن تساعده في ترتيب المصالحات مع وجهاء درعا، وهذا ما لم يحدث.

[49] يقصد هنا الصفات الاخلاقية التي يعتز بها الدروز كعشيرة؛ اغاثة الملهوف والكرم والعدل وحماية المستضعف وإحقاق الحق، مقابلة عبر بوتوم مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، دبي (الإمارات)، ٢ حزيران ٢٠١٩.

[50] مقابلة عبر واتساب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، تورونتو (كندا)، ١٩ أيار ٢٠١٩. مقابلة عبر ماسنجر مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، بيروت (لبنان)، ١٢ حزيران ٢٠١٩. مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣ حزيران ٢٠١٩.

[51] مجد الخطيب، “مركز الدراسات التوحيدية واجهة إيرانية للدروز”، المدن، ٢١ كانون الثاني ٢٠١٧، https://bit.ly/2X9Bbbd

[52] أسسه العراقي عباس السعدي، ٢٠١٢، في دمشق.

[53] مجد الخطيب، “منظمات إيران الخفية في سوريا”، المدن، ١ نيسان ٢٠١٧، https://bit.ly/2QtO35v

[54] مقابلة عبر سكايب مع باحث طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ١٥ أيار ٢٠١٩.

[55] المقابلة ذاتها.

[56] المقابلة ذاتها.

[57] مقابلة عبر واتساب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، تورونتو (كندا)، ١٩ أيار ٢٠١٩.

[58] زين الحلبي، “السويداء: هل يكون هجوم داعش المقبل برعاية حزب الله”، المدن، ٢٥ آذار ٢٠١٩،  https://bit.ly/2TYfZn6

[59] زين الحلبي، “السويداء: حزب الله يتمركز بمطار الثعلة”، المدن، ١٣ شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/2NbFQVF

[60] مقابلة عبر واتساب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، تورونتو (كندا)، ١٩ أيار ٢٠١٩.

[61] مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣ حزيران ٢٠١٩.

[62] همام الخطيب، “روسيا في السويداء: الصراع على النفوذ مع إيران”، المدن، ٢٦ حزيران ٢٠١٧، https://bit.ly/2xonc2h

[63] المدن، “السويداء: مشايخ الكرامة يعتبرون روسيا قوة إحتلال… بعدما صنفتهم “تنظيماً إرهابياً””، ٢٤ حزيران ٢٠١٨، https://bit.ly/2lvqlXT

[64] مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣ حزيران ٢٠١٩.

[65] عبدالله الجباسيني، “من متمردين إلى جنود: الفيلق الخامس في درعا، جنوب سوريا”، تقرير مشروع بحثي

(From Insurgents to Soldiers: The Fifth Assault Corps in Daraa, Southern Syria) (فلورنسا، إيطاليا: مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، الجامعة الأوروبية)، ١٣ ايار ٢٠١٩،  http://bit.ly/2J9hx5z

[66] يامن الشوفي، “رجال الكرامة تفرج عن المخطوفين البدو”، المدن، ١ تشرين الأول ٢٠١٨، https://bit.ly/2Fx8HgI

[67] المدن، “روسيا تسعى لضم قوات الفهد إلى الفيلق الخامس”، ١٢ تشرين الأول ٢٠١٨، https://bit.ly/31U1C3B

[68] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[69] عزي، “دروز السويداء: جمر التنازع”.

[70] حض الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، دروز السويداء منذ بداية الثورة السورية على عدم مشاركة النظام القتال ضد المعارضة وعدم التورط في دم السوريين. ومثّل جنبلاط أعلى الأصوات الدرزية المناهضة للنظام السوري والرافضة لفكرة حلف الأقليات.

[71] الحلبي، “السويداء: أبعد من قضية الشيخ الغريب”.

[72] أضاء الشيخ موفق طريف الشعلة الرسمية في عيد إسرائيل الـ٧٠.

[73] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[74] المدن، “السويداء: استعادة المختطفين لدى داعش.. برعاية روسية ووساطة لبنانية”، ٨ تشرين الثاني ٢٠١٨، https://bit.ly/2X9w62L

[75] زين الحلبي، “السويداء: لماذا عطّل طلال أرسلان إطلاق سراح معتقل أردني درزي؟”، المدن، ٢٥ أيار ٢٠١٩، https://bit.ly/2J6aOcE

[76] مقابلة عبر سكايب مع صديق طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ١٢ حزيران ٢٠١٩.

[77] يامن الشوفي، “ميلشيات النظام تُعدِمُ بدوياً ثانياً: السعي للاقتتال الدرزي/البدوي”، المدن، ١٤ أيلول ٢٠١٨، https://bit.ly/2ZHxtTc

[78] زين الحلبي، “السويداء: توحّدٌ بـ”شريان الكرامة”.. وعصابات “الجوية” تتكشف”، المدن، ٢٦ كانون الأول ٢٠١٨، https://bit.ly/2YaRGAw

[79] همام الخطيب، “السويداء: انقلاب عصابات “الأشرار” على صانعيها؟؟”، المدن، ١٩ شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/2Necaah

[80] مقابلة عبر واتساب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، باريس (فرنسا)، ٢٤ أيار ٢٠١٩.

[81] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٣٠ أيار ٢٠١٩.

[82] المقابلة ذاتها.

[83] المدن، “النظام يعمم قائمة بأخطر المجرمين”، ٢٧ شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/31UsZdW

[84]  “النظام يعمم قائمة بأخطر المجرمين”.

[85] مقابلة عبر سكايب مع حقوقي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ١٣ أيار ٢٠١٩.

[86] المقابلة ذاتها.

[87] الذروة كانت في العام ٢٠١٣ بوجود ٣٥٠ ألف نازح، أما حالياً فلا يتعدى عدد النازحين في السويداء ١٥ ألفاً. مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، شهبا، ٢٧ أيار ٢٠١٩.

[88] مقابلة عبر سكايب مع ناشط طلب عدم الكشف عن هويته، بيروت (لبنان)، ١٢ حزيران ٢٠١٩.

[89] زين الحلبي، “السويداء وصلخد على خط الاشتباك”، المدن، ١٦ نيسان ٢٠١٩، https://bit.ly/2ZKqmJJ

[90] مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، 5 حزيران ٢٠١٩.

[91] المدن، “بشار الأسد لا يريد دماً في السويداء”، ١٠ نيسان ٢٠١٩، https://bit.ly/31Wrpb9

[92] المدن، “السويداء: “سفينة كفاح” خطفت شهاب الدين؟”، ٢٠ حزيران ٢٠١٩، https://bit.ly/2N9i8sX

[93] مقابلة عبر سكايب مع صحافي طلب عدم الكشف عن هويته، السويداء، ٨ حزيران ٢٠١٩.

[94] المقابلة ذاتها.

قد يعجبك ايضا