ديرالزور: سلطة”قسد” تتآكل.. و”داعش”يعاود الظهور

بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” يستعيد بعض بنيته التنظيمية، بعد أسابيع من سقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز في ريف ديرالزور. ويبدو اليوم أن حضور “داعش” عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً، يعكس بشكل تدريجي تآكل سلطة “قوات سوريا الديموقراطية”، ضمن مرحلة قد يكون عنوانها الأبرز: النهار لـ”قسد” والليل لـ”داعش”.

خلايا “داعش” النائمة، عاودت الظهور. فالتنظيم أعدّ سراً خلال سنوات سيطرته، جهازاً أمنياً تم تأهيله للعمل في ظروف فقدان السيطرة العسكرية المباشرة، لإبقاء التنظيم حياً، والحفاظ على إمكانية استعادته السيطرة عند حدوث تغيّرات ملائمة في الظروف. ويشهد على ذلك عمليات الاغتيال شبه اليومية، في ديرالزور والرقة، والتي تطال بالدرجة الأولى عناصر عربية في “قسد”، ومن الموظفين المدنيين التابعين لها. ويبدو أن استراتيجية “داعش” تتجه إلى منع “قسد” من التغلغل في المجتمعات المحلية العشائرية، لا بل ومنافستها على هذا الكتلة البشرية. كما يبدو أن عملية الترهيب هذه، تهدف إلى خلق اعتقاد لدى سكان المنطقة بأن التنظيم ما زال حياً، وسيعود لفرض سيطرته، وذلك بغرض عرقلة أي محاولة جذرية لتأسيس مرحلة ما بعد “داعش”. وهو جوهر استراتيجية التنظيم المسماة الولايات الأمنية.

كذلك لا يزال التنظيم يحتفظ بإمكانيات عسكرية، من مجموعات مدربة لديها أسلحة متوسطة وثقيلة، تتخذ قواعد سريّة لها في بوادي المنطقة الشاسعة قليلة السكان، وتخوض نوعاً من الحرب اللامتماثلة ضد خصمها الرئيسي “قسد”.

نهاية “الفرقة 16”

الرعب من عودة التنظيم مجدداً، يترافق مع بدء تآكل بطيء لـ”قسد”. مصادر “المدن” أشارت إلى أن “الفرقة 16” التابعة لـ”قسد”، والتي تنتشر في ريف ديرالزور الشرقي، بدأت بالتفكك. إذ تمكنت خلايا “داعش” من اغتيال قائد “الفرقة 16” الملقب بـ”أبو جبل”، وهو أحد ابرز “مجنّدي العرب” في صفوف “قسد”. واستهدفت “داعش” أبو جبل، الأسبوع الماضي، بعبوة ناسفة انفجرت بسيارته في بلدة الطيانة. وعلى أثر ذلك، انسحب المجندون العرب في “الفرقة”، وهم 55 مقاتلاً، من قرى المنطقة، وعادوا إلى بيوتهم، بعدما أعلنوا براءتهم من “قسد”، ليحموا أنفسهم من انتقام التنظيم.

يقول “أبو قهر” لـ”المدن”، وهو أحد هؤلاء المقاتلين المنسحبين: “تعرضت لمحاولة تصفية نهاية أيار، عندما دخلت دكانة بائع لحوم، فاقتحمه ثلاثة ملثمين كانوا يتبعونني، رغم أني كنت بثياب مدنية، وحاولوا قتلي بالسكاكين، لكنني افلت من بين أيديهم بمعجزة، ولجأت إلى النقطة العسكرية المجاورة، وعدت أنا ورفاقي بأسلحتنا ومصفحاتنا، فتشنا السوق كاملاً ولم نعثر عليهم، ولم يجرؤ أحد على اعطائنا أي معلومة عنهم، وقالوا فقط أنهم ملثمون وفروا إلى جهة لا يعلمونها”.

وأضاف: “في اليوم ذاته تعرضت إحدى نقاط الفرقة 16 لهجوم بعبوة ناسفة، فقتل 4 من زملائنا، وجرح 6”. وتابع: “عندما قتل قائد الفرقة أبو جبل، كانت خسائرنا قد بلغت 26 مقاتلاً، فقررت مع عدد من رفاقي مغادرة قوات سوريا الديموقراطية، ومحاولة إيجاد عمل مدني ما”.

“أبو قهر” قال أيضاً إن “الفرقة 16 انسحبت من ديرالزور بعدما فقدت كل مقاتليها من أبناء المنطقة، وأصبحت عمياء تماماً من دونهم، وبالتالي ستكون هدفاً سهلاً للتنظيم، لذلك انسحبت إلى عمق مناطق سيطرة قسد العربية جنوبي الحسكة، وهي المنطقة التي ينحدر منها قائدها المقتول، وغالبية عناصره”.

جباية الزكاة؟

التنظيم كان قد استغل شهر رمضان وعيد الفطر، ليذكر السكان بما كان يفرضه عليهم من ضرائب، على شكل “زكاة” يجبيها منهم. وعلمت “المدن” أن الأسبوع الأخير من رمضان شهد نشاطاً منظماً للتنظيم، لجمع “الزكاة”، وفق أرقام معدة مسبقاً، لتجبى من التجار والملاك في ديرالزور. واستهدف التنظيم تجار النفط الذين يعملون بالشراكة مع “قسد”، وملاك الاراضي وأصحاب المشاريع الزراعية، وتجولت دورياته في الصحراء لتفرض الضرائب على مربي الأغنام المنتشرين هناك.

ويتم جمع هذه الأموال التي تفرض وفق مبدأ “الزكاة” من خلال خلايا تنشط ليلاً بعد التنسيق مع المستهدفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر التواصل المباشر بأقارب “المكلفين”. وجبى التنظيم أموال “الزكاة” في بلدتي ذيبان وحوايج ذيبان والقرى التابعة لهما، في ريف ديرالزور الشرقي، بهذه الطريقة.

ويضطر المستهدفون بالجباية، إلى دفع هذه المبالغ، نظراً لتعرضهم لخطر الاغتيال، إذ يعتبر هؤلاء المدنيون أهدافاً أسهل بكثير من العسكريين، وبالتالي ليس لديهم أي فرصة للتهرب أو رفض دفع ما يفرض عليهم من مبالغ.

وتنطوي عملية جباية الأموال الأخيرة “الزكاة”، كما القتل والعمليات الأمنية والعسكرية، على بعد ايديولجي، لإعادة بناء “شرعية” التنظيم المنهارة بعد ممارساته الإرهابية وهزائمه العسكرية. وتنطوي في الوقت عينه على بعد اجرائي تنظيمي، يتمثل بإعداد منتسبه، واستقطاب عناصر جديدة، وترميم قواه، والاستعداد للمقبل من الأحداث. فيما لا يبدو أن لدى مناوئيه، وعلى رأسهم “قسد”، استراتيجية ملائمة لمواجهته، سوى العملين العسكري والأمني التقليديين، من دون أي عناية بالمجتمعات المحليّة أو حماية لها، بعدما بدأ إرهاب التنظيم يُخضعها مجدداً، في الليل، على أقل تقدير.

المصدر: صحيفة المدن: ٥ حزيران/يونيو ٢٠١٩

قد يعجبك ايضا