سوريا.. واقع الأزمة الاقتصادية على أعتاب “الانتخابات” و”المجاعة”

جليلة الترك

جليلة الترك

لعلّه من التندّر عند الحديث عن الوضع الاقتصادي في سوريا، أن نتذكّر في البداية تصريح بثينة شعبان، مستشارة رأس النظام في مقابلة تلفزيونية قبل عام، عندما قالت: “الاقتصاد السوري أصبح أفضل ب ٥٠ مرة عمّا كان عليه في العام ٢٠١١”.

أما إذا أردنا أن نقف على حقيقة الوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب في مناطق سيطرة النظام، سنجد أمامنا الحقائق التالية:

* تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لتصل مستويات متدنية غير مسبوقة، وما يعنيه ذلك من انخفاض القدرة الشرائية للعملة المحلية وانعكاسه على معيشة المواطنين ذوي الدخل المحدود، حيث وصل سعر الصرف بتاريخ ٢ آذار ٢٠٢١ في دمشق لمستوى ٤٠٠٠ ل.س تقريباً مقابل دولار واحد، بعد أن كانت تساوي ٥٠ ل.س مقابل دولار واحد في عام ٢٠١١.

* انعدام الأمن الغذائي وفقدان المواد الأساسية، لا سيما الخبز والوقود، واصطفاف السوريين في طوابير لعدة ساعات للحصول عليها أمام المخابز ومحطات الوقود. وفي تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي أواخر العام الماضي ٢٠٢٠ فإن ما نسبته ٦٠ ٪ من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي.

* بحسب تقرير صادر عن نقابة عمال المصارف التابعة للنظام أواخر كانون الثاني ٢٠٢١ فإن ما نسبته ٨٠٪ من الشعب السوري يعيشون على خط الفقر أو دونه، وأن خسائر الاقتصاد السوري بلغت منذ عام ٢٠١١ أكثر من ٥٣٠ مليار دولار، بالإضافة إلى ازدياد احتكار الثروة في أيدي قلة قليلة من المستفيدين على حساب الشريحة الكبرى من المجتمع وان نسبة الدمار في البنية التحتية قد تجاوزت ٤٠ ٪.

* غياب التنمية وارتفاع معدل البطالة بشكل مهول، حيث يبلغ معدل البطالة في سوريا بحسب منظمة العمل الدولية وقسم الاقتصاد والعدالة الاجتماعية في مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية بين ٥٠٪ إلى ٨٠٪. كما تبيّن الصورة أدناه من دراسة لجامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر العام الماضي٢٠٢٠.

معدل التضخم في سوريا، التي حلّت في المرتبة الرابعة عالمياً بمعدل تضخم بلغ ٢٨٧٪.

أمام هذا الواقع الكارثي يتخبّط النظام، وتتفتّق عقليته الأمنية العقيمة، فتظهر المقاربات الأمنية التشبيحية، وتغيب الحلول. في استجابته لانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، أعلن المصرف المركزي التابع للنظام، عن اتخاذ إجراءات “أمنية” بدلاً من الإجراءات المالية والاقتصادية، فتحركت الأجهزة الأمنية واعتقلت عدداً من الصرافين وأصحاب الشركات وسطت على أموالهم، حيث جرى الاستيلاء على ١٦ مليون دولار من أموال شركة “الفؤاد”، و١٧ مليون دولار من “الهرم”، و٨ مليون دولار من “شخاشيرو”، و٩ مليون دولار من “الفاضل” و٩ مليون دولار من “المتحدة”، و٧ مليون دولار من “شركة شام”.

ولم يقف التشبيح المالي عند هذا الحد. فلقد فرض النظام على كل مواطن سوري داخل إلى سوريا أن يقوم بتحويل مبلغ ١٠٠ دولار للعملة المحلية بسعر الصرف الرسمي الذي يقل عن سعر السوق بأضعاف، أي ما معناه سلب كل مواطن سوري في كل مرة يغادر ويعود إلى سوريا. وفي مطلع شباط الفائت، هدد رئيس فرع البدل والإعفاء في مديرية التجنيد بجيش النظام بالحجز على أملاك المتخلفين عن الخدمة العسكرية وعلى أملاك أهلهم وأقاربهم، إن لم يقوموا بدفع مبلغ ٨ آلاف دولار أمريكي بدل إعفاء من الخدمة العسكرية.

في تبريره للأزمة الاقتصادية، يركّز النظام في إعلامه وخطابات رموزه على مسألة العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الواجهات المالية الفاسدة التي تمثله، على الرغم من التأكيدات الدولية المتكررة على عدم خضوع القطاعات الغذائية والطبية التي تمس معيشة المواطنين للعقوبات، لا سيما العقوبات المفروضة في إطار قانون قيصر. بينما يغيب في أروقة النظام أي حديث عن الأسباب الحقيقية ومنها:

* الحرب الهمجية التي شنها النظام طيلة ١٠ سنوات، أدت إلى تهديم البنية التحتية وتهجير ملايين السوريين بما فيهم قدرات وعقول علمية وفنية ومالية إلى الخارج.

* سيطرة حلفاء النظام الروس والإيرانيين على المرافق العامة من موانئ ومطارات ومناجم الفوسفات، كذلك تقاعسهم عن مساعدته، حيث كشف رئيس اتحاد غرف الصناعات السورية التابعة للنظام فارس الشهابي عن الموضوع، موجهاً اللوم لهم.

الفساد المستشري في كل مؤسسات النظام واداراته حيث احتلت سوريا المرتبة الثانية عربياً والثالثة عالمياً في قائمة التقرير السنوي لمؤشر “مدركات الفساد” لعام ٢٠٢٠ والمعني بقياس معدلات الفساد في ١٨٠ دولة حول العالم.

* سرقة المساعدات الإغاثية المخصصة للفقراء والمحتاجين، حيث كشف تحقيق لمجلة زينيت الألمانية ومركز الجزيرة للدراسات بالتفصيل وبالوثائق كيفية سرقة المساعدات الأممية في سوريا، حيث يستغل النظام المساعدات الإغاثية للاستخدامات العسكرية ويسلمها لمقاتليه وليس لمستحقيها.

* غياب الاستقرار الأمني وارتفاع معدلات الجريمة مما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، حيث تصدرت سوريا قائمة الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة، لتحتل المرتبة التاسعة عالمياً، للعام ٢٠٢١ وذلك بحسب موقع (نومبيو كرايم إندكس) المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم، واحتلت مدينة دمشق المرتبة الثانية بارتفاع معدل الجريمة في الدول الآسيوية بعد مدينة كابول في أفغانستان.

رفض المجتمع الدولي تقديم أي أموال لإعادة إعمار سوريا، وربط ذلك بتحقيق حل سياسي يُنهي الحرب ويحقق السلم المستدام. وهو ما يصرّ النظام وداعميه الروس والإيرانيون على الالتفاف عليه، ويتجلّى ذلك في دفنهم أي محاولة للحل في مهدها، منذ جنيف ٢ وحتى اللجنة الدستورية مؤخراً.

بالنتيجة، سوريا على وشك أن تشهد مجاعة لم تشهد مثلها في التاريخ من قبل، خاصةً مع تجاهل النظام وداعميه لكل ما سبق، والاتجاه نحو تنظيم “انتخابات” لإعادة انتخاب بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة.

قد يعجبك ايضا