سوريو كاراباخ

جسر:مقالات:

مقارنة حرب كاراباخ بالحرب السورية المديدة ، هي المقارنة الأكثر شيوعاً في المواقع الإعلامية الروسية . لكن المقارنة ليست دقيقة في توصيف وضع الكرملين في هذه الحرب . فعلى الرغم من تعدد المشترك بين الحربين من وجهة نظر موقف الكرملين منهما ، مثل الإنخراط التركي فيهما ، وتعدد اللاعبين الأجانب ، وتوافد المقاتلين من أنحاء مختلفة ، يبقى ما يميزهما كثير . فالكرملين لم ينخرط عسكرياً في الحرب السورية ، إلا بعد اشتعالها بسنوات ، بينما يجد نفسه محاصراً بانتقاد تردده في حسم موقفه من حرب كاراباخ منذ اندلاعها . وإذا كانت سوريا منصة لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط ، فإن تردد الكرملين في كاراباخ يهدد بإضعاف نفوذها التاريخي في جنوب القفقاز والفضاء السوفياتي السابق ، بل وفي العالم ، حسب موقع “ROSBALT” الروسي. وإذا كان الكرملين قصد السوريين في وطنهم ، ليحاربهم ويخضعهم لنظام يرفضونه ، فها هم ، وحسب تأكيداته هو ، يقصدونه لقتاله على تخوم  روسيا .

مدير المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين ، خرج في الأسبوع الأول من الشهر الجاري بتصريح قال فيه ، بأن لدى مخابراته معلومات تقول ، بأنه يتوافد إلى منطقة النزاع مرتزقة محاربون في الشرق الأوسط في المنظمات الإرهابية الدولية ، وخاصة “جبهة النصرة” و “فرقة حمزة” و “السلطان مراد” ، وكذلك من المجموعات الكردية الإرهابية ، على قوله . ويؤكد بأن الحديث لا يدور عن مئات ، بل عن آلاف من الراديكاليين ، الذين يعتزمون التكسب في حرب كاراباخ الجديدة ، التي تشبه المغناطيس في اجتذاب المقاتلين من مختلف التشكيلات الإرهابية العالمية .

وتنقل عن الرجل صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” المخضرمة ، في مقالة مسهبة بعنوان “مقاتلون أجانب في كاراياخ ــــــــ أسطورة أم حقيقة ؟” قوله في تصريحه المذكور ، بأن روسيا لا يمكن ألا يقلقها ، أن بوسع ما وراء الفقاز أن يصبح نقطة انطلاق للمنظمات الإرهابية الدولية ، حيث بوسع المقاتلين أن يتسللوا لاحقاً إلى الدول المجاورة لأرمينيا وأذربيجان ، بما في ذلك إلى روسيا . وتقول الصحيفة ، أن مسؤول المخابرات الروسي ، لم يحدد إلى جانب مَن يحارب المقاتلون ، الذين يتحدث عنهم ، ولا يذكر الجهة ، التي تمولهم .

وإذا كان الكاتب في الصحيفة أعلاه ، وعلى الرغم من تطرقه لتصريح مسؤول المخابرات الروسي، يبني مقالته على التحقق من الشكوك ، التي تساور الجميع ، ما عدا الكرملين ، من حقيقة وجود مقاتلين سوريين في كاراباخ ، فإن معظم المواقع الروسية الأخرى ، يتبنى موقف الكرملين من هذه المسألة . فقد نشرت صحيفة “NG” ، التي تقول بأنها مستقلة ، مقالة في 9 من الشهر الجاري بعنوان “في ناغورني كارباخ انتقلوا إلى لعبة بدون قواعد” ، أكدت فيها ، بأن المرتزقة السوريين خلقوا واقعاً جديداً في ما وراء القفقاز . وتقول ، بأن ظهور هؤلاء على خط الجبهة ، أعاد تنشيط المنطقة ، التي كان سكون الوضع فيها لسنوات طويلة يرتكز إلى توافقات شرف . أما من الآن فصاعداً ، فليس من قواعد ، وهذا يعني أن أي نزاع جديد في ناغورني كاراباخ سوف يترافق مع ظهور لاعب غير متوقع ، بل قد يصبح سبباً لحرب عالمية ثالثة !

إلا أن الرئيس التركي إردوغان ، قرر تغير المعادلة القائمة ، وإدخال قوة جديدة كلياً في “لعبة كاراباخ” عبر باكو ، متمثلة في وحدة المرتزقة السوريين ، التي يشكل الإسلاميون العمود الفقري فيها .

ومع ذلك ، وكأن روسيا وتركيا تبقيان حليفتين على الجبهة السورية ، لا تزال موسكو تنتظر من الجانب التركي تنفيذ إلتزاماته في تهدئة المتمردين والإرهابيين  في منطقة إدلب . لكن من الواضح ، أن إردوغان يتصور حل هذه المسألة في نقل المقاتلين إلى أكثر مناطق مصالح موسكو الجيوسياسية إشكالية ، إلى “خاصرتها الرخوة” ، حسب الصحيفة. ومن الواضح أن القيادة الأذرية ، وهي تفكر في الضربة المفاجئة ، لم تحتسب جميع العواقب السلبية لمؤامرة انقرة “الإرتزاقية”. ولذا يتعين عليها الآن إتخاذ ما لايصدق من الجهود لتفادي إعادة النظر في وضع باكو كشريك إستراتيجي لموسكو .

صحيفة “Kommersant” المستقلة وإحدى كبريات الصحف الإتحادية الروسية ، عنونت مقالتها في 6 من الشهر الجاري بالقول “الحرب في سوريا وصلت إلى ماوراء القفقاز” ، واعتبرت ، أنه قد برز لدى روسيا حجة جديدة للإستياء من تركيا . وقالت بأن سوريا أصبحت جزءاً من الصراع في ناغورني كاراباخ ، وليس فقط بسبب المرتزقة السوريين ، الذين وفق مصادر متعددة ،  تنقلهم أنقرة إلى هناك . فالمعارضة السورية في إدلب وضعت قواتها في حالة استنفار ، تحسباً لسماح موسكو بعملية عسكرية في إدلب بوجه أنقرة ، ولتخوفها من ظهور بؤرة إرهاب في ما وراء القفقاز . وتنقل الصحيفة عن مصادر معارضة سورية تحدثت لوكالة نوفوستي ، أن مجموع القتلى من المقاتلين السوريين في أذربيجان ، الذين وصلت جثثهم إلى إدلب ، بلغ 93 قتيلاً ، وأن الدفعة الثالثة من المرتزقة السوريين ، الذين توجهوا إلى كاراباخ ، ضمت 430 مقاتلاً .

صحيفة القوميين الروس “sp” من جهتها ، نشرت في 10 من الشهر الجاري مقابلة مع عضو مجلس الخبراء في حزب “من أجل الحقيقة” القومي اليميني ، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيمون باغداساروف . عنونت الصحيفة المقابلة بقول باغداساروف ” إنهم الإرهابيون ، وقد أصبحوا على تخوم روسيا” ، ويردف قائلا : “على روسيا أن تقرر : إما أننا إمبراطورية عظمى وسوف ننمو، أو أنهم سيمزقونا إرباً” . ويقول ، بأنه واثق من أن ما يدور في ناغورني كاراباخ ، هي حرب أرمينية تركية  ، ومستقبل روسيا يتوقف على موقفها من هذه الحرب .

ويقول باغداساروف ، بأن روسيا تؤكد بأنها ستدمر الإرهابيين في سوريا ، لكنهم ها هم على حدود روسيا الجنوبية ، وعددهم يستمر بالتزايد، ويستمرون بالتوافد إلى هناك ، فما العمل ؟ من المنطقي ، برأيه ، أن تستدعي وزارة الخارجية الروسية سفيري تركيا وأذربيجان وتقدم لهم احتجاجاً ، “هكذا تمامًا يفعلون في بلد طبيعي”. ثم تُعطى مدة يومين أو ثلاثة على شكل إنذار ، وإذا لم تتم الإستجابة لهذا المطلب خلال المدة المحددة ، يبدأ توجيه الضربات إلى أماكن الإرهابيين . ويؤكد الرجل ، بأن هذا ما على روسيا القيام به ، إذا كانت لا ترغب في أن يتفجر شمال القفقاز .

ورداً على سؤال عما إن كان الرئيس بوتين قادراً على الطلب من إردوغان سحب المقاتلين السوريين من كاراباخ ، يقول باغداساروف “هذا واجبه ، وعليه القيام بذلك” . ويرى أن على روسيا أن تضم إليها ناغورني كاراباخ ، “لأنها تمتلك الحق بذلك أكثر من غيرها” ، كما يدعو إلى ضم  الدونباس وأسيتيا الجنوبية وأبخازيا وسواها من المناطق ، التي تساقطت بعد انهيار “الإمبراطورية الروسية العظيمة” .

لكن المرتزقة في كاراباخ ، ليسوا من سوريا فقط ، بل هم من ليبيا وباكستان وأفغانستان أيضاً ، وليسوا من السنة فقط ، بل هم من الشيعة كذلك ، كما ترى أسبوعية “Ogonek” في تحقق مطول فًي 12 من الشهر الجاري بعنوان “الجهاد من أجل كاراباخ . بما يهدد روسيا؟” ، وترى أن السنة والشيعة وجدوا حقلاً جديداً للمواجهة بينهما .

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا