شارعنا منطقة استراتيجية (٧)

كتبها-خليفة الخضر

يحاول من تبقى في الحي اصلاح الكهرباء وشراء كابلات  جديدة وتمديدها لمنازلهم لكي يعرفوا ماذا يحدث في العالم. تعلم الأهالي صيانة الكهرباء منبكثرة مشاهدتهم عمال الكهرباء أثناء تصليح وتمديد الكهرباء سابقاً، وأخرين كانوا ممن سرقوا الأكبال، اليوم يشترون أكبال خاصة لمنازلهم، لما سرقوا بالأساس؟ هل ينتقمون من كل ما يتعلق بالدولة؟ 

تأتي الكهرباء لساعات قليلة، وكلما أراد أحد الأهالي الاستحمام صباحاً،  انقطعت الكهرباء، اليوم لم تنقطع الكهرباء صباحاً، بل هوى صوت صفير من السماء على الشارع العام، كان ثمة عدة منازل هنا، الأن لا وجود لها، لم نعرف ما هو الشيء الذي قذفته الدولة على الشارع، بالطبع ليست مساعدات إنسانية، لربما صاحب المنزل مخالف وكان قد بنى منزله أثناء انشغال الدولة بقمع المظاهرات، ولم يدفع رشوى للدولة المشغولة عنه. 

دخان أبيض يعمي الوجوه، أبحث بين الدخان الناتج عن دمار المنازل الموجودة على طرفي الشارع على من يبحث معي عما رمته الدولة حتى يفعل ما يفعله في منازل الشارع، كل الأهالي ممن حضروا القصف كبروا وشاخوا وتحولوا لكبار بالعمر حتى الصغير منهم. قذائف تكبرنا في العمر وتحول شعرنا لأبيض، ورجال لم يعرفوا بعضهم البعض، تم اسعاف من تسببت شظايا القصف بطعنه ولا أمل بعودة الكهرباء مهما طال الزمن، رسمت على مدخل الشارع العام، لمبة صفراء تبكي، مذيلة بذكرى انقطاع الكهرباء عن الحي. 

وطأة انقطاع التيار الكهربائي بشكل نهائي والمياه التي فجرت البراميل المتفجرة القنوات الخاصة بها، لم يشكل مأساة للأهالي، هم بالأساس كانت الحياة تسير هكذا بالنسبة لهم، دون ماء وكهرباء قبل المعارك وقبل ترك الدولة لهم والتخلي عنهم وحماية ما يهمها فقط..

الحياة بدون ماء وكهرباء هي الأساس والقاعدة بالنسبة لهم، ومعهما سيكون أمراً شاذاً لم يألفه أهالي الحي، لذلك سرعان ما تأقلموا على الحياة باستخراج اللوكس وما يسمى بالبوتكاز واستجرار الماء من الأبار المحفورة بالسر داخل بيوت المنازل خوفاً من ردم الدولة للأبار. علم الأهالي أن مخالفة القانون التي كانت تشعرهم بالذنب في السابق ما هي إلا سبل الخلاص في الوقت الذي يعيشونه. 

ما زاد كره الأهالي للدولة هي معرفتهم أن الدولة بشكل صارم لم تكن لتتقبل وجودهم في المدينة، الدولة تركت عدة أحياء وقاومت في عدة أحياء، هكذا يعقب أهالي الحي وما يزيد سخطهم على الدولة هو تهديد بعض من انتسب لما يسمى بـ ” الشبيحة” لمن بقي في الحي بالعمالة لأمريكا واسرائيل والسعودية وقطر وتركيا دون التفريق بين الدول السابقة. 

يسامرون أنفسهم ليلاً في منزل أحد الميسورين مادياً والذي يشعل مولد الكهرباء مما يسمح بتشغيل التلفاز ومشاهدة الأخبار وما يحدث في العالم، إذ كان صاحب المنزل يضع مولد الكهرباء في منزل مهجور متعمداً ذلك كي لا يرصد الطيار أحداثيات المبنى ويقصفها، أو لئلا يسمع الطيار صوت المولد ليلاً !

ملأ المولد بالوقود المكرر تسبب بتعطيلها، وعاد الأهالي للوكس والعودة للأحاديث الماضية وللتسلية بمعرفة أين وقعت القذيفة أو البرميل ليلاً من خلال التنبؤ بصوتها وصداها واهتزاز جدارن المنزل والكل مخطأ إلا من تسقط القذيفة بالقرب من منزله، لا مجال لاحتمالات أخرى لتقطيع الوقت وتقبل الخوف وانتظار الموت إلا بمثل هذه الطرق.

ذات مرة كنا نجلس حول اللوكس ونتحدث عن تاريخ الحي وتاريخ بناء المنازل ومن له أحقية في الحي أن يقول هو من أول من قدم من القرى واستقر في المدينة. اغتاب أحدهم عائلة فلان (الذي لا أصل له) لا من ريف ولا من مدينة، وإنما جاء إلى الحي هرباً من جريمة قتل كان قد ارتكبها في مكان ما. وقبل أن ينهي المتحدث سرد وقائع قدوم فلان للحي، سقط صاروخ فراغي في منتصف الشارع بالقرب من المنزل الذي كنا نجلس به، ولم نستطع سماع بقية القصة وجفلنا بمكاننا. أصابني بعد هذا الصاروخ تبول لا إرادي، لا استطيع تحمله لعدة أيام ولحسن حظي وحظ الحي المهجور إلا من القليل من ساكنيه، كان التبول يحدث كما في صغرنا في حمام منزل أي من الأهالي دون طرق الباب أو طلب الإذن من أصحاب المنزل.

في صباح اليوم التالي أخذنا نعاين حجم الضرر الذي تسبب به وعمق الحفرة التي خلفها، وندخل المنازل المحيطة بمكان سقوطه لربما نجد  جثة من لم نسمع صوته أو أخر نسينا أنه عاد إلى الحي. وجد أحدنا علبة عطون لم تنته صلاحيتها بعد وفطرنا بالقرب من مكان سقوط الصاروخ وشربنا الشاي وأكمل صاحب قصة المجرم الذي قتل وهرب وسكن في حينا: لربما الصاروخ من يوم القيامة وأراد الله تحذيرنا من الغيبة والتحدث على الناس بسوء في غيابهم، واصل المتحدث وهو يحدق في السماء: يا ربي والله لا نحمل في قلبنا إلا كل خير للناس وما الحديث إلا من باب التسلية لنقطع الوقت ليس إلا  … يارب ما تعيدها يارب وأنت تعرف ما يحدث معنا. 

قد يعجبك ايضا