طرق صناعة الإرهاب في الثورة السورية

خالد المطلق

جسر – خالد المطلق

تتألف هذه الورقة من:

* مقدمة.
* طرق وآليات تصّنيع الأفراد والجماعات الإرهابية.
* دور الأفراد والجماعات الإرهابية في الثورة السورية.
* خاتمة.

مقدمة
تعتمد الأنظمة الشمولية في دول العالم الثالث والدول العربية والإسلامية خاصة وبغطاء كامل من أصحاب القرار في العالم على أساليب عدة تحاول من خلالها قمع حركات تحرر شعوبها والسيطرة على هذه الحركات ليتم تدجينها وتأهيلها وإعادتها إلى بيت طاعة الحكام مرة أخرى، ولعل المثال الصارخ على أحد هذه الأساليب ما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط خاصة في سوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس الدول التي انطلق منها الربيع العربي بالإضافة إلى العراق الذي لحق بركب هذه الثورات بُعيد تمكن المحتل الأمريكي من تسليم مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والعسكرية لنظام الملالي في طهران، حيث تمكنت أنظمة هذه الدول من تصنيع وزراعة الكثير من المجموعات والأفراد الحاملين للفكر التكفيري وغيرهم من أصحاب السوابق الجنائية في أقبية سجونها بدقة متناهية وتم بعد ذلك زجهم في الجسم العسكري لهذه الثورات وبنفس الطرق الخبيثة التي اخترقت فيها هذه الأنظمة مؤسسات الثورات السياسية الرسمية، ونفذ هؤلاء ما خُطط لهم وبدقة بل تم من خلالهم إلصاق تهمة الإرهاب في ثورات الربيع العربي، وما حدث في الثورة السورية خير دليل على ذلك، ولعل الكثير من العامة والمتابعين للأحداث يجول في خاطرهم عدة أسئلة تتعلق في كيف استطاعت مخابرات الأسد تصنيع هؤلاء المرتزقة وما هي الطرق والأساليب الجهنمية التي مكنت هذه الأجهزة من التحكم بهؤلاء وسوقهم لخدمة مشغليهم على الرغم من الفارق الكبير في أيديولوجية وتوجهات الطرفين الصانع والمصنّع؟، ومن هنا سأتطرق في هذه الدراسة إلى توضيح طرق وكيفية تصنيع هؤلاء المرتزقة في أفرع مخابرات الأسد وأكاديمية سجن صيدنايا لصناعة الإرهاب، وكيف أخترق هؤلاء الثورة السورية، ومن ساعد على تمكينهم في السيطرة على قرارات الثورة خاصة العسكرية منها.

طرق وآليات تصنيع الأفراد والجماعات الإرهابية

بعد عشر سنوات من انطلاق الثورة السورية بات واضحاً وجلياً الدور المحوري الذي لعبته الجماعات الراديكالية في الثورة السورية في حرف الثورة بشكل كامل عن مسارها الطبيعي إذ حولها هؤلاء من ثورة شعب خرج مطالباً في حريته وكرامته إلى حرب أخذت طابع الحرب على الإرهاب، وهذا لم يكن وليد الصدفة بل كان مخططاً له منذ زمن بعيد وبعناية فائقة، وبشكل عام من الطبيعي أن لا يتم إطلاق مشروع ما أو تشكيل جسم دون التحضير والإعداد الجيد له، ووضع الخطوط العريضة لإنجازه ومحددات لدوره الذي سيقوم به، وآليات لتنفيذ هذا الدور، خاصة إذا كان هذا الجسم فصيلاً جهادياً سيقوم بدور خطير جداً يتمثل في رفع شعارات إسلامية متطرفة وبالمقابل ينفذ أجندات تسيء للإسلام وتخدم مشاريع أعدائه، فمن الطبيعي أن يكون التحضير لهذا الكيان جيداً ودقيقاً يتناسب مع المهمة الموكلة إليه، بل يجب إجراء تجارب عملية على هذا الكيان في بيئة مشابهة للبيئة التي سيعمل بها إلى حد ما، فالقصة بدأت من صناعة الأفراد وتم ذلك بطريقتين رئيستين:

الطريقة الأولى: التحكم بالفرد المصنّع بشكل مباشر

يعلم من يتم تصنيعه بهذه الطريقة بأنهم عملاء ويقوموا بنفيذ أوامر مشغليهم بحذافيرها، وهذه الفئة لا تستطيع أن ترفض الأوامر وتنفذها دون أي نقاش لثلاثة أسباب:

الأول، من كان قد صَدرت أحكام قضائية عليه بالسجن لمدة طويلة وتم مقايضة حريته بالعمل لصالح الدولة تحت راية هذا الفصيل الجهادي أو ذاك، وهذا الصنف جُلهم من أصحاب السوابق الجنائية، والسبب الثاني خوفاً من فضيحة أخلاقية تم توثيقها من قبل مشغليهم عليهم أو على أحد أفراد أُسرهم، والسبب الثالث المتطوعون في أجهزة المخابرات والمخبرون، وهؤلاء عبارة عن موظفين مرتبطين بأجهزة المخابرات بشكل عضوي، حيث تبدأ حكاية صناعة الأفراد من أصحاب السوابق الجنائية والمعتقلين عشوائياً من الأفرع الأمنية بطريقة الضغط النفسي المتمثل في شتم الأعراض وشتم الإسلام والرسول، وصولا إلى شتم الله جل جلاله، والضغط الجسدي المتمثل في التعذيب الشديد والجوع والعطش والنوم بمكان ضيق جداً، ومنع الحركة والصوت وتبادل الحديث في مجموعات لا تزيد عن شخصين، ومنع الاتصال مع العالم الخارجي، كل هذا يمارسه على الأغلب سجان يحرص على إظهار لهجته القروية القريبة من لهجة أبناء الساحل السوري حتى لو كان هذا السجان من مناطق أخرى أو من إحدى مكونات الشعب السوري الأخرى، ليوحي للسجين بأنه من الطائفة العلوية ليحدث ذلك شعوراً عميق بالتمييز والاضطهاد الطائفي، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة في الحقد والكراهية على فئة محددة من مكونات الشعب السوري، وهذا ما سيترجم بُعيد اطلاق سراح السجين إلى أفعال إجرامية غير مبررة تساعد كثيراً في طمس الجرائم التي ارتكبتها مخابرات الأسد وجيشه بحق الشعب السوري، وعلى الأقل يصبح هناك إمكانية مقارنة بين هذه الجرائم والجرائم التي يرتكبها الأسد، وهذا ما ظهر جلياً من خلال ممارسات الفصائل الراديكالية في مناطق التي سيطرت عليها، بعد ذلك يُنقل هؤلاء المعتقلون إلى معتقل صيدنايا، ويتم جمعهم لاحقاً مع الإسلاميين أو المقاتلين القادمين من العراق، وهنا تبدأ عملية التفاعل بحيث يتم التشارك بالشعور بالظلم ويتم التوسّع وتعميق وشرح الشعور بالاضطهاد الطائفي، من “النظام العلوي” بدلالة السجّانين العلويين، ودلالة التهم الإسلامية للمعتقلين، ومن ثم تلقائياً بعد أن تسود وحدة الحال بين الجانبين يتم التزام الوافدين الجدد بالصلاة والصيام بفعل الشعور بتفوق الإسلاميين عليهم، فهم معتقلون سابقون أو مقاتلون في العراق وأفغانستان، أو تتم دعوتهم للصلاة والالتزام ببقية الشعائر الدينية من صيام الاثنين والخميس وآداب الإسلام العامة في الطعام والجلوس وسنن الصلاة وحفظ القرآن، وبالتأكيد أن كل من ينجذب إلى الإسلاميين كان يتم اتهامه لاحقاً بتهم إسلامية بعد تأكد المخابرات من ميوله الإسلامية بحيث يمكن تدجينه في إحدى هذه التيارات، ردود الفعل عند هؤلاء المعتقلين الأبرياء تتفاوت بين ردّين أو موقفين:

الأول: الابتعاد عن الإسلاميين مع الالتزام بالصلاة الفردية دون الصلاة الجماعية، التي كانت ممنوعة في صيدنايا في زمن العميد بركات العش، ومع قراءة القرآن لأنه لا يوجد كتب أخرى سواه، يحافظ المعتقلون الجدد على مسافة بينهم وبين الإسلاميين طوال عام أو عامين أو أكثر، إلى أن يحين موعد الحكم حيث تزول تلك المسافة بالنسبة لمن يُتهمون ويُحكمون بتهم إسلامية، أما من يُبرّأ من هذه التهم فيبتعد أكثر عن الإسلاميين.

الثاني: ينجذب بعض المعتقلين الجدد إلى الإسلاميين، أغلب هؤلاء من الأطفال والشبان أو السذّج أو الذين لا خبرة لهم في الحياة أو بسبب عدم توقعهم لمخاطر هذا الانجذاب.

وبالتأكيد فإن كل من ينجذب إلى الإسلاميين كان يتم اتهامه لاحقاً بتهم إسلامية، لأن المخابرات تتأكد من ميوله الإسلامية بحيث يمكن تدجينه في إحدى هذه التيارات، لقد تمّ “ضبط” العديد من هؤلاء في دروس دينية عبر تقارير “عواينية” من السجن الغاية منها مضاعفة أحكامهم أو لوضعهم أمام الأمر الواقع وتشجيعهم على هذا الطريق الذي يرغبون به سراً ولا يتجرؤون على إعلانه، فيضطر هؤلاء لإعلانه بعد أن تعلم به المخابرات، ويصدر الحكم بالثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل خيارهم، فلا يبقى لديهم ما يخسرونه.

بعض هؤلاء الأطفال الساذجين بعد أن تتم عملية غسل لعقولهم البسيطة من قبل أمراء أو مقاتلين في القاعدة، كانوا يرتدون أحزمة ناسفة في بعض الأجنحة الإسلامية في سجن صيدنايا على مرأى ومسمع الجميع، ولا سيما بعد الاستعصاء الثاني حيث كان كل شيء مباحاً وعلنياً تقريباً وهذا ما يفسر ظاهرة الانتحاريين التي استخدمتها الفصائل التي قادها هؤلاء في الثورة السورية.

عند الحكم على هؤلاء المعتقلين المدنيين الأبرياء بأحكام وتهم إسلامية، تصل بين سلفي دعوي، سلفي جهادي، سلفي تكفيري، قاعدة، إخوان مسلمين…، يتغيّر سلوك هؤلاء وتزول آخر الحواجز بينهم وبين قدامى الإسلاميين والأمراء والمقاتلين. فالأمل الذي كان لديهم بالبراءة والخروج من المعتقل يتبخّر، ويقول الواحد منهم لنفسه: “طالما النظام يريدنا أن نكون سلفيين فسوف نصبح سلفيين، ليس لدينا ما نخسره بعد الآن”، وكل واحد يراوده في نفسه هذا القول بحسب التهمة التي يُتهم بها، فيبدأ الإسلاميون المحترفون بلعب دورهم المنتظر الذي لم يتمكنوا منه قبل الحكم على هؤلاء الأبرياء، فيبدؤوا بدروس الدين بشكل علني أو شبه علني، وتبدأ دروس ضوابط التكفير وهذا الهدف الرئيسي للأجهزة الأمنية.

الطريقة الثانية التحكم بالفرد المصنّع بشكل غير مباشر:

وتعتمد هذه الطريقة على تنمية الصفات الشخصية للفرد لتلائم تسهيل تحقيق الأهداف التي صُنع من أجلها دون معرفة منه بما يفعل، حيث يرفض الكثير ممن لم يستطيع المصنعون تسجيل أي موقف عليهم يمكن أن يتم ابتزازهم من خلاله العمل مع الأجهزة الأمنية المُصنّعة بشكل مطلق وجل هؤلاء يكون من الشخصيات القيادية في التنظيمات الإسلامية المعروفة كالسلفية والإخوان المسلمين وغيرهم من التنظيمات الراديكالية ولهذا يلجأ المصنعون إلى دراسة الصفات الشخصية لهؤلاء والعمل على تنمية هذه الصفات التي يمكن أن تخدم مشروع التصنيع دون معرفة من الفرد المصنع بأنه ينفذ أجندات تخدم من قام بتصنيعه، حيث يسعى المصنعون مثلاً لتنمية صفة حب المال والتسلط والدكتاتورية والعدوانية تجاه الآخرين وحب الذات إلى أقصى الحدود وبالتالي تستطيع من خلال ذلك خلق شخصية تعمل بشكل غير مباشر وبدون علم منها ضمن المخطط المرسوم لها بحيث يعتقد الفرد المصنع أنه القائد الأوحد والرجل المخلص الذي لا يخطأ وهو صاحب الرأي الصائب دائماً ويجب على الجميع أن يكونوا مرؤوسين عنده، ولعل زهران علوش مثالاً صارخاً على هذا من إلى درجة اعتبار نفسه البديل الوحيد لبشار الأسد لا بل روج مناصريه بأنه المهدي المنتظر الذي سيخلص البشرية من الظلم معتمدين على اسمه الأول “محمد” واسم والده “عبدالله” واسم والدته “آمنه” وهذا ما يتطابق مع مروجي فكرة المهدي المنتظر وكثر غيره ممن تخرج من معتقل صيدنايا وبهذا السلوك تخلق فجوة كبيرة بين هؤلاء وبين مكونات الثورة الأخرى لدرجة الاقتتال فيما بينها وقد شاهدنا الاقتتال بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن والذي كان أحد أهم أسباب منع تحرير مدينة دمشق ناهيك عن خسارة الثورة من خلال هذه المعارك المفتعلة مئات الشباب السوري.

دور الأفراد والجماعات الإرهابية في الثورة السورية

كان عام 2005 بداية لحكاية التصنيع والتحضير لهؤلاء ولغيرهم في سجن صيدنايا، حيث قامت أجهزة المخابرات الأسدية بالإعداد لتنفيذ برنامج تدريب عملي لتجهيز إسلاميين جهاديين ومدنيين جرى تأهيلهم كجزء من اختبار أكبر صراع سوري داخلي محتمل، ولهذا اعتمدت المخابرات السورية على تنفيذ مخطط إنشاء جماعات متناقضة فكرياً وعقائدياً على بقعة جغرافية صغيرة جداً داخل السجن وجاء هذا بعد أن انتهت من تصنيع الأفراد كُل على حدى، حيث تمّ تسليم السجن للمعتقلين الإسلاميين بالتدريج ابتداءً من الاستعصاء الأول (27 آذار 2008)، ثم الاستعصاء الثاني (5 تموز 2008)، ومن ثم الاستعصاء الثالث (6 كانون الأول 2008).

كان القسم الأول من برنامج صيدنايا يشمل في جزء أساسي منه اختباراً لصراع أهلي بين التنظيمات الإسلامية نفسها، صراع فكري وسياسي وعملي، وصراع مفاوضات، وكان من ضمن ذلك عملية اختيار ممثلين للسجناء بطريقه ديموقراطية ربما تجري لأول مرة في تاريخ سورية الحديث خارج سلطة النظام.
والجزء الثاني من برنامج صيدنايا كان لاختبار إعلان دولة إسلامية وتأسيس حكومة إسلامية فيها ما يشبه ضباطاً مسؤولين عن الدفاع والأمن ووزراء للصحة والإعاشة والتموين، ومحكمة شرعية داخل السجن، وهو ما جرى في الاستعصاء الثالث تحت اسم «دولة صيدنايا الإسلامية» التي أعلنتها القيادات المتشددة في صيدنايا، وكانت بنظر معظم هؤلاء المنطلق لإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)(1).

من خلال معلومات دقيقة من داخل السجن، وتسريبات من داخل أجهزة الأمن الأسدية المكلفة بهذا العمل تم التأكيد أن ما تم تنفيذه داخل السجن وطريقة معالجة السلطات الأمنية السورية للتمرد هو ميلاد ناجح لعدد من الدويلات الاستخباراتية، خاصة إذا علمنا أن النظام الأمني السوري هو من أوائل الأنظمة في العالم المهتم في صناعة الإرهاب بكل أنواعه ابتداءً من أخطر أنواع الإرهاب وهو إرهاب الدولة المنظم، الذي مارسه منذ عهد الأسد الأب واستمر في عهد الأسد الابن، والذي ظهر بشكل جلياً وواضحاً منذ بداية الثورة السورية، لا بل تم استخدام إرهاب الجماعات والأفراد التي صنعتها أجهزة المخابرات السورية في صيدنايا وغيره من سجون الضلال، وعملت بشكل ممنهج على التحكم بالأفراد خاصة قيادات هذه المجموعات.

كان نزلاء سجن صيدنايا يعتقدون لشهور أن النظام سيسقط ابتداءً من السجن، وانهم سيقومون فور خروجهم باقتحام المراكز المهمة للنظام في العاصمة، كانت هذا الأفكار تسيطر على تفكير الكثير من نزلاء السجن، وهذا ما سيطر بعد ذلك على تفكير الكثير ممن خرجوا في الثورة، ولم يكن يشعر هؤلاء أن هذه الأفكار عبارة عن أحلام يَقَظة، كان نهايتها وخيمة لدرجه كبيرة خاصة القسم الذي نقل إلى سجن عدرا المركزي ومن ثم أعيد إلى عين الزنزانات في سجن صيدنايا، ومن سمع الأوامر وقبل بأن يجند لصالح المخابرات السورية خرج لتنفيذ مهمة محددة لاحقاً تمثلت في اختراق الثورة السورية، وحسب أحد شهود معتقل صيدنايا:

“كنا في صيدنايا نعتقد لشهور أن النظام سيسقط ابتداءً من المعتقل، وأذكر أن أحلام يقظة، عدا عن أحاديث يومية محورها الخروج من السجن واقتحام المراكز الهامة للنظام في العاصمة، كانت تسيطر على تفكير كثيرين في المعتقل”! وهذا ما سيطر على تفكير الكثير ممن خرجوا في الثورة لكن نهاية تجربة صيدنايا كانت وخيمه لدرجه كبيرة حيث خرج قسم إلى سجن عدرا وسرعان ما تم إعادته لسجن صيدنايا ليعيش في ظروف أصعب بكثير التي عاشها قبل الاستعصاء المزعوم وحسب سجين سابق في صيدنايا “وبعد ستة أشهر عدنا إلى صيدنايا لنفتش الأرض كما الصيصان في مهاجع صُفّحت بالحديد” وقسم آخر خرج بالاتفاق مع مخابرات الأسد لتنفيذ مهمه محدده لاحقاً(2).

بعد التأكد من نجاح التجربة لجأ النظام عندها إلى تفجير الاستعصاء وتعريض هذه الدفعات لمزيد من الضغوط تدفعهم تحت الرصاص والموت والاشتباكات مع الشرطة وقوات الأمن إلى تبني النهج الجهادي والقتال بأدوات بدائية ضد النظام، استعداداً للخروج من السجن والانتقال إلى الجهاد الفعلي، وهذا ما حدث فعلاً حين تم إطلاق سراح الكثير من هؤلاء أمثال زهران علوش، وسمير كعكه، وأحمد عيسى الشيخ وحسان عبود، واختفاء بعضهم، منهم تمّ سحبه من سجن صيدنايا من قبل شعبة الأمن العسكري ولم يُعرف مصيرهم إلا عندما ظهروا في أماكن مهمتهم الجديدة، وهم الأردنيان إبراهيم الظاهر (أمير الأنبار في تنظيم القاعدة في العراق) والفلسطيني إبراهيم الشعفاطي (أحد قياديي تنظيم القاعدة في العراق)، والسوريون الثلاثة فؤاد النعال (قاعدة) ومحمد كيلاني (سلفي) وحسن صوفان (سلفي) الذي خرج في أواخر عام “2016” وتسلم فور خروجه حركة أحرار الشام الإسلامية ومن ثم أجبر على تقديم استقالته والآن يحاول السيطرة على حركة أحرار الشام بدعم كامل من زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام المدعو أبو محمد الجولاني.

لقد ساهم هؤلاء بشكل كبير في منع سقوط الأسد ونظامه الأمني، من خلال تصدرهم للمشهد العسكري للثورة السورية بسبب الدعم العربي والإقليمي والدولي لهم، وهذا يؤكد اتفاق منظومة أصحاب القرار في العالم على بقاء الأسد ومنع سقوطه، ويمكن أن نفشي سراً لا يعرفه الكثير من المتابعين والباحثين في قضايا الإرهاب إذا ذكرنا بعض أسماء هؤلاء أمثال: علي موسى الشواخ أبو لقمان أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، والذي كان يعمل أميراً لمدينة الرقة في تنظيم داعش، والمسؤول الأمني في التنظيم محمود الخليف، ومسؤول العلاقات حاج فاضل الأغا، وأيضاً أبو عبد الرحمن الحموي أمير النصرة في حماة، وأبو ناصر دروشة ابن عم أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام، وأبو حسين زينية مسؤول النصرة سابقاً في القلمون، وأبو حفص الكسواني مسؤول التنظيم في درعا، فضلاً عن أبو جابر الشيخ أمير صقور الشام والذي ترأس الجبهة الإسلامية السورية، التي ضمت الفصائل الإسلامية البعيدة عن القاعدة، ومن بينها جيش الإسلام وقائده زهران علوش، قبل أن يُقتل من قبل أحد المقربين منه في كانون الأول عام 2016، وسمير كعكه شرعي جيش الإسلام الذي تربطه علاقة وثيقة مع ضباط مخابرات الأسد منذ الاستعصاء الأول عام 2008 في سجن صيدنايا، وبشهادة زملائه في السجن، وأيضاً حسان عبود مؤسس أحرار الشام، الذي قُتل مع كبار قادة التنظيم في تفجير غامض في أيلول 2014، ولعل أخطرهم نديم بالوش الذي ظهر دوره في شمال اللاذقية في خطف ضابط من الجيش الحر من تركيا وقتله، ودوره في قتل أبو بصير اللاذقاني(3).

خاتمة
لقد كان النظام الأسدي موفقاً في مسألتين تبدوان متناقضتين، ولكنهما في الحقيقة متكاملتان القضية الأولى تصنيع الإرهابيين من جهة، والقضية الثانية ملاحقتهم والقبض عليهم أو قتلهم من جهة ثانية وذلك بحسب المتطلبات الإقليمية والدولية ولإقناع هذه الجهات بأن هذا النظام هو وحده من يستطيع محاربة الإرهاب والقضاء عليه، ومن هنا يمكن أن نؤكد أن تجربة صيدنايا وما سبقها وما نتج عنها من أحداث رافقت الثورة السورية توفّر مادة بحثية فريدة لعلماء النفس والسلوك وللمختصين في الجماعات الإسلامية الجهادية كونها تجربة حية تم من خلالها اتباع أساليب مبتكرة في علم النفس والسلوك لترويض مجموعات وأفراد من أصحاب الفكر الجهادي بالإضافة إلى أفراد مدنيين لا يحملون أي فكر إسلامي متشدد ودمجهم في الحركات الإسلامية الجهادية واستخدام هؤلاء جميعاً في تنفيذ أجندات تخدم نظام الأسد ومشغليه على الرغم من التناقض الكبير والعميق بين فكر وعقيدة هؤلاء فيما بينهم من جهة وبين مصنعيهم من جهة أخرى.

لقد نجح الأسد وحلفائه والمنظومة الدولية من ورائهم في تفتيت الثورة السورية من داخلها وكانت الجماعات الراديكالية هي المفتاح السحري الذي دخل منه الأسد ومخابراته لهذه الثورة اليتيمة بموافقة ودعم عربي ودولي أعاد سوريا مهد الحضارات إلى العصور الوسطى.

الهوامش:
(1)- موقع الجمهورية، ” عن «اختبار صيدنايا» وتداعياته على الثورة وسوريا: تنظيم الإسلاميين وبروفة أولى لصراع أهلي” https://www.aljumhuriya.net/ar/22756
(2)- موقع تلفزيون سوريا، “مختبرات ترويض الإرهاب” https://www.syria.tv/
(3)- أنظر المرجع السابق

*تنويه: هذه المادة تعبّر فقط عن رأي الكاتب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي صحيفة “جسر”.

قد يعجبك ايضا