عندما تنعدم خيارات البقاء أو العودة: التهجير الجماعي وفق “اتفاقيات المصالحة” وتبعاته

جسر: متابعات:

لم يحدث في تاريخ البشرية المعاصر أن اضطر نصف سكان بلد ما لترك بيوتهم وقراهم ومدنهم تحت وطأة الحصار والعمليات العسكرية والخوف من الاعتقال والتنكيل، لا لشيء إلا لأن النظام السياسي اختار القمع بديلاً عن الحوار، والتمسك بالسلطة والحرب بديلاً عن الاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة بالحرية والكرامة كما حصل في سوريا بعد ١٥ آذار ٢٠١١، وفضلاً عن الجانب الحقوقي لجريمة التهجير القسري التي نعتقد أن عناصرها القانونية متوفرة في الحالة السورية، فإن لتهجير السوريين من مواطن سكنهم الأصلية آثاراً إنسانية واجتماعية وسياسية خطيرة لا بد من معالجتها لضمان حقوقهم وإقامة سلام مستدام وحل سياسي عادل في سوريا.

يقدم هذا البحث تحليلاً لرواية عشرة آلاف مهجرة ومهجر لظروف وحيثيات تهجيرهم والأوجه المختلفة للمعاناة التي يكابدونها في الأماكن التي انتقلوا إليها، واضعين نتائجها بين أيدي المؤسسات الحقوقية والإنسانية والإعلامية السورية والدولية، وكذلك بين أيدي آليات التحقيق والمحاسبة الدولية ووكالات الأمم المتحدة المختلفة والأطراف الفاعلة في المفاوضات الرامية لإيجاد حل سياسي للمأساة السورية، آملين أن يساعد جهدنا المتواضع في امتلاك فهم أعمق لأبعاد هذه المأساة وأن تفيدهم في تسليط الضوء عليها وبلورة حلول لآثارها المختلفة. وإذ ركزت البحث في قسمها الأعظم على المهجرين من ريف دمشق ودمشق إلى شمال غرب سوريا، لا بد من الإشارة إلى أن التهجير القسري طال بنات وأبناء مناطق أخرى أيضاً لم تشملهم عينة البحث هذه.

خلف المعلومات والتحليل التي يقدمها البحث، تكمن آلام المهجرات والمهجرين وذكرياتهم وأشواقهم للبيوت التي كانوا يسكنونها وشوارعهم وأشجارهم وممتلكاتهم الشخصية التي غادروها مكرهين، وآمالهم في العودة إليها، ولا بد لي عند إصدار هذه البحث من التوجه بالشكر الجزيل لهم على قبولهم التعاون معنا واستحضار هذه الآلام وتقديم رواياتهم لما حصل، كما أنني أتوجه بالشكر إلى ثمانين باحثة وباحثاً ميدانياً تحملوا مخاطر كثيرة في سبيل إنجاز هذا العمل وأخص بالذكر منهم محمد علي زلفو الذي استشهد في عمليات القصف الجوي التي شنتها قوات النظام السوري على محافظة ادلب في شهر تموز الماضي راجياً له رحمة الله تعالى ولذويه الصبر والسلوان. كما أن شكري موصول إلى الزميلات والزملاء في مركز الشرق للسياسات والبرنامج السوري للتطوير القانوني وفريق مؤسسة اليوم التالي على ما قدموه من جهد وإخلاص في العمل.

إن مؤسسة اليوم التالي تؤمن أن تحقيق العدل وإنصاف المظلومين ومحاسبة الجناة وإيجاد الآليات القانونية والسياسية التي تضمن عدم تكرار مثل هذه المآسي شروط أساسية لا بديل عنها من أجل خلاص سوريا من محنتها وسلامها المستدام وحرية شعبها. وإلى أن يحين ذلك اليوم فإننا مستمرون ما استطعنا في الوقوف إلى جانب ضحايا انتهاكات حقوق الانسان في سوريا ومساعدتهم على إيصال أصواتهم وتدوين روايتهم وتوثيق معاناتهم. يحاول الطغاة دوماً طمس الحقيقة وتقديم روايتهم لما حصل، ومعركة توثيق الحقيقة وتقديم رواية المظلومين تستحق أن تخاض ويجب أن تخاض، فمن “يكتب روايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى تماماً” كما يقول محمود درويش.

المعتصم السيوفي

المدير التنفيذي لمؤسسة اليوم التالي

للاطلاع على الخريطة التفاعلية: هنا

للاطلاع على نص الدراسة كاملا: هنا

قد يعجبك ايضا