عين على العالم هل تبدأ المصالحة من تلكلخ؟


سانتياغو نصّار
بعيداً عن أخبار وتحليلات الصحف الغربيّة بخصوص الانفجارات الأخيرة في دمشق، وتبادل الاتهامات في تحمّل المسؤولية عنها بين النّظام والمعارضة، انفردت صحيفة الغارديان البريطانية بتقرير لمراسلها الذي توجّه إلى تلكلخ. في هذا التقرير الذي نشرته الصحيفة الأسبوع الماضي تحت عنوان “في بقعةٍ صغيرةٍ من سورية: محاولة من المتمرّدين للمصالحة”، تحدث كاتب المقال عن مفاوضات للمصالحة بين كتائب من المعارضة المسلّحة وميليشيات تابعة للنظام في تلكلخ بإشراف وجهود “الشيخ حبيب”.
مهندس هذه المصالحة هو الشيخ حبيب، واسمه الكامل محمد حبيب فندي. وهو اسم نادراً ما يظهر في وسائل الإعلام الرسمية، ويفضّل إبقاء اسمه وجهوده الكبيرة في المصالحات في الخفاء بعيدًا عن الإعلام. هو يرأس عشيرة في مدينة الرقة، ومعروف بخطبه أيام الجمعة. ولكن عمله السياسي بدأ حينما كان أحد أعضاء الوفد الذي سافر إلى دمشق للقاء الأسد بعد وقتٍ قصير من اشتعال الثورة في آذار 2011.
يبدأ كاتب المقال بتمهيد نرى فيه الشيخ حبيب مع رئيس بلدية تلكلخ وعدد من المسؤولين يشربون القهوة، تحت صورة الأسد المعلّقة على الجدار. ثم بعد خمس دقائق يتجه الصحفي للقاء أبو عدي، قائد كتيبة المعارضة في تلكلخ الذي يظهر، هو ورجاله، بدون أسلحة، كجزءٍ من اتفاق المصالحة.
يقول الشيخ حبيب”أنا متديّن ولديّ فكرة -قد تكون مجنونة- للقيادة من خلال المحبة”. وقد كانت تلكلخ من أكثر المناطق التي نجحت فيها جهود المصالحة، وهي مدينة تشكّل بخليطها الطائفي صورة مصغّرة عن الصراع المشتعل في سورية بأكملها. هذه المصالحة مدعومة من محافظ حمص، ولكن لا يرافقها حماس مماثل من الجيش النظامي، إذ لم يسمح العقيد للصحفي البريطاني بالدخول بدايةً، ولكنه وافق فيما بعد بضغط من الشيخ حبيب، كما أنه قال إن “قائد المتمرّدين” لا يريد الظهور إعلامياً، عدا عن أن 90% من سكان تلكلخ من الموالين للأسد، وبأن على بريطانيا عدم دعم الجهاديين في سورية.
شرح لنا الشيخ حبيب، يتابع الصحفي، بأن هذه المصالحة ستتم على عدة مراحل. المرحلة الأولى تتضمن وقفًا لإطلاق النار من الطرفين. ثم ستتخلى المعارضة المسلحة عن أسلحتها بالتزامن مع انسحاب الشبّيحة من القرى، يليها استبدال للشبيحة بجنود نظاميين، وبعد تسليم الثوار لأسلحتهم سينسحب الجيش من المنطقة.
كان أبو عديّ متحمّسًا للحديث معي، وأبدى استعداده للإجابة عن كل الأسئلة، وبدأ حديثه “كنت أعمل في مجال العقارات في المملكة العربية السعودية، ولكنني عدت إلى سورية مع بداية الثورة”، وكأنه توقّع سؤالي، تابع “أنا لست متديّناً، ولحيتي هذه لأنني ببساطة لا أملك الوقت لحلاقتها، ليس هناك جهاديون أجانب بيننا، إننا مواطنون سوريون 100% ومن أبناء هذه البلدة، وعلى الرغم من اتفاق المصالحة لا يزال الناس خائفين من عبور السكة الحديدية إلى الطرف الآخر من البلدة، فهم يخشون القتل أو الاختطاف، كما أن وقف إطلاق النار تم خرقه منذ أيام، نحن نسيطر على ثلاثة شوارع، ولكن هناك قنّاصون، أول البارحة كان رجل يطعم طيوره على السطح، فأصيب برصاصة في العنق، وقد ساعدنا الشيخ حبيب في تأمين طريق لنقل الرجل إلى المشفى”.
“وافقنا على وقف إطلاق النار بالرغم من عدم استعدادنا للثقة بالحكومة”، يختم حديثه.
لم يشأ متابعة الحديث بشأن الانتقال إلى المرحلة القادمة من اتفاق المصالحة، كما أنه لا يزال غير مقتنع بأن النّظام لا يريد طرد السكّان من قراهم. حديثه هذا دليل على أن بناء الثقة في تلكلخ، كصورة مصغّرة عن سورية، لا يزال يحتاج الكثير من الوقت.

قد يعجبك ايضا