قبيلة العكيدات..بين “وسوسة” النظام وعنصرية “قسد”

خالد الخطيب

جسر:متابعات:

تتفاعل قضية اغتيال الشيخ مطشر الهفل في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” في ريف دير الزور بشكل متسارع وتنذر باندلاع انتفاضة عشائرية قد تتعدى حدود المنطقة المتوترة.
الصراع العشائري هذا مع “قسد” باتت تغذيه كل من المعارضة السورية والنظام على حد سواء، وكلاهما يحاولان الاستثمار في الصراع المفترض والاستفادة منه على حساب “قسد” التي تحكم قبضتها على أهم مكامن الثروة السورية بمساعدة الولايات المتحدة.
اغتيل “الشيخ الهفل” أحد أبرز شيوخ قبيلة “العكيدات” في دير الزور مطلع آب/أغسطس، وتلت حادثة الاغتيال احتجاجات عشائرية شارك فيها أبناء القبيلة في مناطق الحوايج وذيبان وغيرها في ريف دير الزور، وكان المطلب الأساسي للمحتجين هو الكشف عن قاتل الشيخ، لكن عناصر “قسد” واجهوا المحتجين بالرصاص الحي ما تسبب في مقتل وجرح عدد من المحتجين، ومن ثم تصاعدت المواجهات بين الطرفين وخسرت “قسد” أكثر من 12 عنصراً من مجموعاتها المنتشرة في المنطقة.
وما يزال التوتر قائماً في ريف دير الزور بسبب رفض شيخ العكيدات بالوكالة، مصعب الهفل، (خليفة الشيخ مطشر الهفل في منصب المشيخة) لقاء وفود من “قسد” والتحالف الدولي. وتوضحت مطالب القبيلة ووجهتها التصعيدية بعد الاجتماع القبلي الذي عُقد في ذيبان الثلاثاء.

واتهمت العكيدات “قسد” بالفشل في إدارة المنطقة عسكرياً ومدنياً واقتصادياً، وتوصل المجتمعون إلى تحميل التحالف الدولي مسؤولية الفلتان الأمني وعدم الاستقرار في ديرالزور كونه هو المسؤول عن سلطة الأمر الواقع، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومهنية للتحقيق في قضية اغتيال الشيخ مطشر الهفل، وتسليم إدارة ديرالزور لأبنائها بعيداً عن الوصاية لأي طرف. والإفراج عن المعتقلين الأبرياء وإخراج النساء والأطفال من المخيمات. وأعطوا مهلة شهر لتنفيذ المطالب اعتباراً من تاريخ البيان.

في الأثناء كثّفت أجهزة النظام الأمنية في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرتها لقاءاتها بالمسؤولين العشائريين في المنطقة لدفع الوضع في مناطق “قسد” إلى مزيد من التصعيد.

منذ اللحظات الأولى لاغتيال “الشيخ الهفل” بدأ النظام في محاولة التجييش ضد “قسد” والاستثمار في الحادثة، والدفع إلى صدام واسع بينها وبين العشائر، ودعا شيخ قبيلة البكارة، نواف البشير، وهو معارض سابق عاد إلى “حضن النظام” في العام 2017، إلى انتفاضة عشائرية واسعة.
وذهب الشيخ نواف إلى أبعد من ذلك داعياً النظام إلى دعم تشكيل مجلس قبائل في مناطق الشرق السوري ودعمه بالسلاح والعتاد ليخوض مقاتلوه “حرب مقاومة” و”حرب تحرير شعبية” ضد ما أسماهم بالأعداء. وبدت تصريحات البشير متطابقة مع تحركات النظام الأمنية والعسكرية في المنطقة، حيث نظمت أجهزته الأمنية مؤخراً اجتماعاً عشائرياً لقبيلة العكيدات في حي الجورة بمدينة دير الزور، ونتج عن الاجتماع تأسيس مجلس قبيلة وجناح عسكري يتزعمه، أسد الهفل. وقال بيان الاجتماع إن التشكيل جاء “استجابة لرغبة أبناء العكيدات للتخلص من الاحتلال الأميركي والمباشرة فوراً بالعمل لتحقيق التحرير الشامل للأراضي السورية بالتنسيق مع الجيش العربي السوري”.
وتعتبر قبيلة البكارة التي يتزعمها نواف البشير من أكبر القبائل العربية، وتتبع لها مليشيا “لواء الباقر” التي تأسست في حلب في العام 2013 وامتدت في ما بعد إلى الشرق السوري، وتأتي قبيلة العكيدات في المرتبة الثانية من حيث الانتشار والثقل العشائري في المنطقة، لذلك تحوز مؤخراً على اهتمام النظام ساعياً إلى جذبها واستخدام ثقلها. ويتوزع أبناؤها بين مناطق النظام و “قسد” وبشكل أقل في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، وقسم لا بأس به من العكيدات مهجرون مقيمون في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا.
النظام يحاول توسيع نطاق التوتر بين العشائر و”قسد”، حيث دفع بكبريات عشائر جنوبي الرقة (منطقة السبخة) إلى إصدار بيان مشترك عبّروا فيه عن تضامنهم مع العكيدات، وأعلنوا ليل الاثنين/الثلاثاء، عن دعمهم لأي تحرك عسكري ضد “قسد”.
وقالت مصادر عشائرية في دير الزور ل”المدن”، إنه “لا علاقة لقسد في حادثة اغتيال الشيخ الهفل”. وأوضحت أن “المتهم الرئيسي في عملية الاغتيال هو النظام، فخلاياه الأمنية والموالون المتعاملون مع فروع النظام الأمنية متواجدون بكثرة في مناطق قسد، واغتيال شيخ قبيلة العكيدات في المنطقة خطوة مدروسة يريد النظام من خلالها إشعال المنطقة”.
مصالح النظام تتقاطع بطبيعة الحال مع مصالح إيران وروسيا، كلاهما يريد خلق التوتر في مناطق شرقي الفرات والضغط على الأميركيين هناك. وما يجعل مهمة النظام وحلفائه صعبة هو الانقسام العشائري في مناطق “قسد” بين موالٍ لها ومكونات أخرى تقف على الحياد. حتى قبيلة العكيدات ذاتها منقسمة، والكثير من عشائرها مثل الشعيطات توالي “قسد” ويقاتل أبناؤها في صفوف تشكيلاتها كمجلس دير الزور العسكري.
وبدأت “قسد” في وقت مبكر بحشد العشائر المقربة منها وأجبرت مشايخها على إصدار بيانات تأييد لها، ووجهت عشائر قسد الدعوة لقبيلة العكيدات للقبول بالصلح ووأد ما أسموها بالفتنة التي يريد النظام استغلالها لصالحه.
واقع حال العشائر في عموم مناطق سيطرة “قسد” شرقي الفرات ليس جيداً، والقبائل التي يشترك أبنائها في صفوف “قسد” غير راضية عن التنظيم الذي يتزعمه أكراد حزب الاتحاد الديموقراطي، فالثروة والمناصب العليا والامتيازات تحوز عليها القيادات الكردية.
وقالت مصادر عشائرية في دير الزور ل”المدن”، إن “قسد توزع المناصب والامتيازات بحسب الهوية القومية. عامودا والقامشلي هما قرداحة شرقي الفرات”، في حين يحتاج أبناء العشائر إلى كفيل كردي في حال رغبوا بالتنقل بين مناطق سيطرة “قسد”، ولا يمكن لابن دير الزور دخول الرقة مثلاً من دون وجود كفيل. ولا يعني الاستياء العشائري العام من “قسد” بالضرورة أن هناك رغبة حقيقية بإشعال المنطقة “الجميع هنا لا يريدون عودة النظام، ولا يريدون الحرب مع قسد ويفضلون الحلول السلمية لتحسين الوضع الخدمي والمعيشي، لذلك لا نتوقع للنظام النجاح في مساعيه الرامية لخلق الفوضى وزيادة التصعيد بين العشائر وقسد”، بحسب المصادر ذاتها.
من جانبه عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، رامي الدوش، وهو ينتمي لقبيلة العكيدات، قال ل”المدن”، إن “قسد تنظيم إجرامي يعمل على تغيير هوية مناطق شرقي الفرات ويسلب ثرواته ويرتكب أفظع الجرائم بحق كافة المكونات الاجتماعية المحلية هناك، وانطلاقاً من واجبنا الأخلاقي والثوري نقف مع أخوتنا في قبيلة العكيدات في تحركهم ضد قسد”.

 

نشرت في صحيفة المدن – الثلاثاء 11 آب /أغسطس 2020

قد يعجبك ايضا