قصورُ ومزارع إدلب الفارهة.. ملّاك جُدد وصورة مختلفة وأغراض مجهولة

جسر – إدلب (آرام الدمشقي)

دخلت فصائل المعارضة المسلحة  التي حملت اسم “جيش الفتح” مدينة إدلب في شهر آذار/ مارس عام 2015  على إثر معركة لها مع قوات النظام التي كانت متواجدة في المدينة في حينها، وبحسب مصادر في المعارضة فإن المعارك في المدينة لم تكن شديدة، حيث آثرت قوات النظام الانسحاب بعد حصار المدينة من أغلب الجهات.

أغلب سكان البيوت الفارهة والقصور في مدينة إدلب، خرجوا مع خروج قوات النظام في ردة فعل على واقع جديد لا يعرفون الكثير عنه، وكان خروجهم أشبه بعملية هروب جماعي، وما حملوا معهم إلا القليل من متاعهم الشخصي وأشياءهم الثمينة إن وجدت.

وعلى الرغم من محاولات خجولة لضبط الأوضاع إلا أن الأمور اتجهت لحالة من الفوضى التي تترافق عادة مع الحروب، وبدأت عملية نهب عشوائية لكل ما أمكن، من جهات مختلفة، منها العسكري ومنها المدني.

فترة من الزمن انقضت وكبحت بعدها حالة الفوضى، لتظهر “لجنة الغنائم” وهي مكونة من الفصائل المشاركة في اقتحام المدينة، هذه اللجنة التي أصبحت فيما بعد تابعة لفصيل هيئة تحرير الشام، وحتى الآن. الأكثر إغراء في الغنائم الجديدة هي تلك التي لها صفة الثبات والديمومة، إنها البيوت التي تشبه القصور والتي تجسد عالم الرفاه بكل جوانبه، فهي بلا شك بيوت عامرة بكل أسباب الترفيه شكلاً ومضموناً.

قصور إدلب

حي القصور المعروف في مدينة إدلب، هو الحي الذي يحمل من اسمه نصيباً، فلا يكاد يخلو بيت فيه من مسبح وحديقة تحتوي على كل وسائل الراحة من أراجيح وأدوات استجمام وغيرها، إضافة إلى المساحة الكبيرة والشكل الخارجي الملفت لما عليه من زخرفة وأناقة.

وأشهر بيوت حي القصور ما يعرف “بقصر بركات” وهو قصر يصفه سكان إدلب، بأنه نفيس وأغلى قصر بالمحافظة على الإطلاق، ولا أحد يستطيع الجزم بمن يقطنه اليوم.

أما مالكي هذه البيوت في هذا الحي، فهم من العائلات العريقة والغنية في مدينة إدلب، وأشهرها عائلة بركات التي يعود قصر بركات إلى أحد أفرادها، والذي يقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية. وأيضا تعود ملكية هذه البيوت لعائلات “عياشة” و”دويدري” و”الأصفري” و”الشيخ ابراهيم”، وأيضاً لعائلة “إرحيم” التي تمتلك قصراً مميزاً يقع بالقرب من قصرالمحافظ القديم.

وفي مكان آخر وفي وسط المدينة، على مقربة من دوار الكرة ثمة قصور أخرى تعود ملكية أغلبها لعائلة “غنوم” بشقها المسيحي، وإذا اتجهنا إلى الحي الذي يحاذيها من جهة الشرق سنكون في حضرة “حارة المسيح”، كما يدعوها سكان إدلب.

ولحارة المسيح حكايتها الخاصة، فعدا عن كونها قصوراً من حيث وسائل الترفيه والراحة، فهي على صلة عميقة بالعراقة والأصالة، وتشعر وأنت بداخلها أنك في بيوت دمشق القديمة، بالإضافة إلى اهتمام هذه البيوت باللوحات الفنية المرسومة على جدرانها وفي فناءاتها، ولا يقتصر هذا الشكل من البيوت على حارة المسيح، حيث يوجد ما يشبهها في حواري إدلب الأخرى، لكن بكثافة أقل وعلى شكل مبعثر.

والجدير ذكره أن هذه البيوت وحسب القانون السوري لا يجوز تغيير مواصفاتها أو هدمها أو بيعها، حيث تعتبر بيوتاً تراثية، ويسمح القانون بترميمها بشرط الحفاظ على شكلها بكل تفاصيله، هذا الأمر الذي لم يعد مراعى اليوم في ظل غياب القانون، لكن ولحسن الحظ توقفت عمليات الهدم مؤخراً بسبب إدراك القيمة الحقيقية المادية لهذه البيوت، وإدراك من استولى عليها أنها بشكلها الحالي أغلى ثمناً منه إنْ هدمت وشيد مكانها بناءً حديثاً.

فيلات ومزارع خارج المدينة

وفي خارج مدينة إدلب تتوزع بعض الفيلات والمنتجعات الفاخرة في المزارع المنتشرة على طريق إدلب أريحا، وتلك المنتشرة على طريق إدلب سلقين، وهي جميعها حديثة العهد وتستخدم للاستجمام وليست للسكن الدائم، وتؤجر بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري.

وتعود ملكية بعضها للعائلات المذكورة، إلا أنه في السنوات الخمس الأخيرة، بنى الأغنياء الجدد من عسكريين وتجّار عشرات المزارع والمسابح لهم يستجمون فيها خصوصاً في فصل الصيف.

قسم من هذه المنازل والمزارع الفخمة تعرض للهدم نتيجة قصف قوات النظام لها، حيث اعتبرها النظام أهدافاَ معاديةً استولى عليها “إرهابيون”.

رغم ذلك، فاستهداف الطائرات الحربية لبعض هذه الفيلات والمزارع، لم يؤثر على حركة بنائها المتسارعة وسعة انتشارها.

من يقطن هذه المنازل والمزارع الفاخرة؟

القسم المتبقي من هذه البيوت والقصور استولى على أغلبها “الأمراء” والقادة، إذْ اعتبروها “غنائم” حلال لهم، ولا سيما أن جميع أصحاب هذه البيوت هاجروا أو هُجّروا.

وقد لا يكتفي “الأمير” ببيت واحد إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، فلا بأس أن يمنح الأمير لأحد أقربائه بيتاً منها، وأكد عدد من أهالي المحافظة لـ”جسر” أن بعض العسكريين من الصفوف الأولى في “هيئة تحرير الشام” منحوا لذويهم وأقربائهم بيوتاً، بعضها فخمة وغالية الثمن، وليست مجرد بيوت عادية.

حاولنا التقصي لمعرفة إن كان “الأمراء” و”القادة” يستخدمون هذه المنازل الفاخرة لأغراض أُخرى غير السكن والاستجمام، حيث تنتشر شائعات بين الناس تفيد بأن بعض هذه المنازل والمزارع لا تستخدم فقط لهذه الأغراض، بل لها استخدامات أُخرى، خصوصاً تلك التي يستحوذ عليها أشخاص من “هيئة تحرير الشام”.

وعقب عملية التقصي، لم نصل إلى نتيجة تُذكر، فهذه القصور والمزارع أشبه بالقلاع المحصنة، ولا أحد من سكان إدلب لديه اليقين بما يحصل داخلها.

 

قد يعجبك ايضا