كان الضباط يسرقون الأرز ليبيعوه في السوق.. جندى كوري شمالي منشق يتحدث عن فساد الجيش

جسر: متابعات:

على مدار السنوات الماضية، فر 33 ألف كوري شمالي إلى كوريا الجنوبية منهم ربات البيوت والتجار وحتى بعض الدبلوماسيين والضباط، هرب معظمهم عبر الصين، ومنذ عام 1996، انشق 20 فقط عبر المنطقة المجردة من السلاح شديدة التحصين أثناء الخدمة في الجيش، منهم الجندي روه تشول مين.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، تم إرساله إلى المنطقة المنزوعة من السلاح بين الكوريتين منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وعند بداية التدريبات فوجئ أن زملائه الـ 46 في الوحدة لم يحضروا، لأنهم دفعوا رشاوى لكبار الضباط، كما تم ترقية بعضهم بينما حرم هو.

وأكدت الصحيفة أن ما دفعه في النهاية إلى الانشقاق إلى كوريا الجنوبية هو الاضطهاد والتمييز الذي تعرض له، بالإضافة إلى الفقر والجوع والظلم الذي تعرض له أثناء خدمته العسكرية، قائلا: “لم أر مستقبلاً لنفسي”.

وبالرغم من أن قبضة كيم جونغ أون متغلغلة في الجيش الكوري الشمالي، المؤسسة العليا للنظام، فإن خبراء عسكريين في الولايات المتحدة وآسيا منذ فترة طويلة أكدوا أن القوات المسلحة في بيونغ يانغ تتعفن من الداخل، وتعاني من الفساد والقرارات الاستراتيجية التي تنقل الأموال إلى الأسلحة النووية والبحوث الصاروخية بدلاً من الاهتمام بقواتها.

وتمتلك كوريا الشمالية أحد أكبر الجيوش في العالم مع حوالي 1.2 مليون جندي نشط، وتنفق ما يقرب من ربع ناتجها المحلي الإجمالي على النفقات العسكرية، وهي أعلى نسبة بين 170 دولة تتابعها الخارجية الأميركية.

وكان روه، الذي خدم في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، قد توقع أن دوره في هذه المنطقة، سيعني الغذاء الوفير والقيادة المنظمة والتدريب المركز، مؤكدا ً أنه بدلاً من ذلك، مات الجنود بسبب سوء استخدام الأسلحة لقلة التدريبات، وسرقة الرؤساء لطعامهم، فقد خسر الكثير من وزنه، وتناول الفطر البري، وأشار إلى أن الشيء الوحيد المتاح على نطاق واسع هو السجائر.

منذ 2016 إلى 2018، انشق ستة جنود عبر الحدود بين الكوريتين، أحدهما أصيب بجروح بالغة، وتصدر العناوين الرئيسية في صحف العالم بسبب كمية إطلاق النار التي تعرض لها، وعند علاجه من قبل الضباط الكوريين الجنوبيين وجدوا أن لديه دودة طفيلية طويلة بشكل استثنائي في معدته، بسبب سوء التغذية.

كصبي، نشأ روه في رفاهية نسبية في بلدة جبلية ريفية بالقرب من الحدود الصينية، مع جهاز تلفزيون وأريكة وبطاريات للكهرباء، كان أجداده من النخبة ذات التعليم العالي في بيونغ يانغ، وعمل كلا والديه لفترة ولكن أصبحت الحياة أكثر صعوبة مع تقلص الاقتصاد، وكثيرا ما كان كلاهما عاطلين عن العمل.

وأكد أنه كان يحلم بالانضمام إلى الجيش الكوري الشمالي، وهو شعور تعمق بعد أن أصبح كيم زعيما للبلاد في أواخر عام 2011، وقبل أن يتم إرساله إلى المنطقة منزوعة السلاح، تم تجنيد روه في واحدة من الوحدات العديدة التي تشكل القوات الخاصة لكوريا الشمالية التي يبلغ قوامها 200 ألف، بسبب طبقته الاجتماعية.

في أول منصب له في القوات الخاصة، تم اختبار حدود قدراته له من خلال التدريب العسكري الصارم، ونقص الطعام والرعاية الطبية المناسبة، وقد تم تعزيز ولاءه لكيم بجلسات إيديولوجية يومية.

ويتذكر روه في أحد الأيام “المجيدة” أن القائد نفسه زار قاعدته، وظهر كيم في شاحنته السوداء الفاخرة، يرافقه حراسه الشخصيون، وقال إنه كاد يختنق لأنه رأى الزعيم يمر من بعيد، حيث لم يتمكن من النظر إليه مباشرة، بمجرد أن غادر كيم، وقف روه مع زملائه الجنود، وهم يهتفون بشكل جنوني، “يعيش الجنرال كيم!”، بحسب ما يقول.

 

الاضطهاد والظلم

 

عندما وصل روه إلى المنطقة المنزوعة السلاح بعد تعب شاق وركوب قطار لمدة 12 ساعة يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية لكوريا الشمالية، أمره القائد بنقل الحجارة لإنشاء مكان لتناول الجنود الطعام فيه، وقال له أحد الضباط: “أنت تفعل كما أقول. إذا أخبرتك أن تموت، ستموت”.

أشار إلى أنه تم تعبئة الجنود لنقل الحجارة ليلا ونهارا، وأنه لم يتمكن من رؤية الكافتيريا مكتملة، حيث انشق بعد ثلاثة أشهر فقط في الخطوط الأمامية.

وأضاف أن الفساد تفشى على الحدود، حيث يقوم الضباط ببيع الأرز المقدم للوحدة في سوق مجاور، وإطعام الجنود عصيدة الذرة وهي أرخص، كما أن الجنود من أبناء الضباط يدفعون رشاوى حتى لا يذهبوا إلى الخدمة.

كان واجب روه الرئيسي هو الوقوف لحراسة موقع يطل على المنطقة منزوعة السلاح، وعمل في نوبات عمل مدتها 13 ساعة في زي لا يستطيع حمايته من البرد القارس، فقد انخفضت درجة الحرارة إلى ما يقرب من 40 درجة تحت الصفر، وأنه جلده كان يتشقق بسبب البرد، بحسب قوله.

بينما تجنب زملائه الوقوف في البرد، بعد ما دفعوا رشوى لقادة الوحدة بالدولار الأميركي بمبالغ تصل إلى 150 دولارًا في الشهر، وكان بعضهم يستطيع شراء المزيد من الطعام وارتداء ملابس دافئة وإجراء مكالمات هاتفية أسبوعية للعائلة، بينما هو لا يستطيع ذلك بسبب فقره.

وأضاف أنه يمكن أن يشتري المال ترقية فورية ويساعد الجندي على ترك التدريب، وشعر روه بالظلم، عندما شاهد بعض زملائه يتمتعون بساعات نوم إضافية ويخرجون إلى الأسواق المحلية لشراء الخبز الحلو، وهو لا يستطيع إجراء مكالمة واحدة مع عائلته ويقضى معظم وقته في مركز الحراسة.

وقال روه، في أوائل العشرينات من عمري: ” إذا كان لديك المال، يمكنك أن تفلت من أي شيء”.

في بعض الأيام، أٌجبر روه على الذهاب إلى الحقول لإنجاز المهام المستحيلة، وهي جمع 100 بيضة لحشرة فرس النبي (أنثى السرعوف) في غضون ساعتين، لأن الضباط يبيعون البيض في السوق، لاستخدامه في الطب الصيني.

درس الجنود الشباب مثل روه أثناء خدمتهم العسكرية ليصبحوا أعضاء في حزب العمال الحاكم، لأن الحصول على عضوية الحزب هي خطوة في السلم الاجتماعي في كوريا الشمالية، استخدم روه الوقت القليل الذي كان عليه أن يحفظ فيه القانون العسكري من خلال ملء دفتر ملاحظاته بأنظمة الجيش، ولكن في غضون شهر، وجد روه نفسه يفتقر إلى المال حتى لشراء دفتر جديد أو قلم.

وضغط الضباط على روه لطلب المال من والديه، وذات مرة، أقرضوه بما يكفي لمكالمة هاتفية لمدة دقيقتين، عندما وقف أحد الضباط إلى جانب روه وهو يحثه على طلب المال، لم يستطع أن يقول كلمة عن مدى الحياة المؤلمة في الخطوط الأمامية، وأرسلت له أخته أموالا لتغطية المكالمة الهاتفية، أي ما يعادل دولاراً واحداً ومع قليل من البنسات المتبقية، اشترى دفتر ملاحظات ومصباحا يدويا.

 

الهروب

 

في الأيام التي سبقت قراره بشأن الفرار، ذكر روه أن المسؤولين العسكريين اتهموه بسرقة بالونات الأرز التي يرسلها منشقون في كوريا الجنوبية، وهي جريمة لم يرتكبها، وقد تعرض للضرب من قائده بسببها، وأجبر على تحمل جلسات النقد الذاتي.

في صباح أحد أيام ديسمبر 2017، عندما قام بمسيرة قصيرة إلى مركز حارس المنطقة الخاص به، ظهرت فكرة محيرة – ولكنها خطيرة – في رأسه، مر بعلم كوريا الشمالية، ورفض التحية لأول مرة. ثم رفع روه السور المعدني وركض حتى وصل إلى حدود كوريا الجنوبية.

بمجرد وصوله بأمان إلى الجانب الكوري الجنوبي، نادى عليه الجنود: “هل أنت منشق؟” لكن روه كان في حيرة. لم يسمع الكلمة من قبل.

الآن يقرأ روايات شيرلوك هولمز، التي يجدها مسلية أكثر من صور كيم التي أجبر على استخدامها، وأصبح الطعام وفيرًا، كما التحق مؤخرًا بإحدى الكليات في سيول ويعمل في عطلة نهاية الأسبوع في قاعة حفلات الزفاف، بينما يشاهد المحاضرات عبر الإنترنت من منزله، ويشعر بالأمان من فيروس كورونا، وكلن ما يقلقه هو الخوف على عائلته.

المصدر: الحرة/ 5 تموز 2020

قد يعجبك ايضا