كيف ساعدت “نبع السلام” الأكرادَ السوريين

– أمنت دعما عالميا ﻷكراد سوريا في وقت يتراجع فيه نشاط وتأثير نظرائهم في تركيا
– وضعت مظلوم عبدي في دائرة الضوء ومنحته تأثيرا أكبر في مواجهة نفوذ PKK
– أجبرت ترامب على اﻻحتفاظ ببعض القوات التي جنبت “قسد” السحق واللجوء إلى النظام
– بسبب بقاء القوات الأميركية، فإن الأكراد السوريين لديهم الآن فرصة للوحدة

جسر: تقارير:

قال الكاتب والصحفي دايفيد ليبسكا المختص بشؤون أكراد تركيا في مقال نشره موقع “أحوال تركية” اليوم الخميس، إن “الأكراد في شمال شرق سوريا حققوا مكاسب كبيرة نتيجة الغزو العسكري التركي الأخير”، في إشارة إلى عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا عبر الحدود مع سوريا في تشرين اﻷول/أكتوبر الماضي؛ لتطهير مناطقها الحدودية من قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني.

وتطرق الكاتب إلى كلام محلل الشؤون الكردية، عبد الله حويز في حوار أجراه معه الموقع في تشرين الثاني/نوفمبر عقب انطلاق العملية، وصف فيه تسليط العالم الأضواء على الأكراد نتيجة لغزو تركيا لشمال شرق سوريا بأنه “فرصة للأكراد السوريين والأتراك”؛ مستدركا أنه وبعد مرور ستة أشهر، يبدو أن المجموعتين تسيران في اتجاهين متعاكسين.

وأشار الكاتب إلى نهج من التهدئة ينتهجه “حزب الشعوب الديمقراطي” في تركيا اختيار مدحت سانكار وبرفين بولدان كزعماء جدد له محاولة لتقليل العداء مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية باءت بالفشل؛ حيث قامت السلطات التركية بعد ذلك بشهر بطرد ثمانية من رؤساء البلديات من “حزب الشعوب الديمقراطي” بدعوى ارتباطهم بالإرهاب، وبعد ستة أسابيع من ذلك، فصلت السلطات واحتجزت أربعة عمد آخرين تابعين للحزب نفسه.

ولفت الكاتب أنه ومنذ أن أصبح “حزب الشعوب الديمقراطي” أول حزب مؤيد للأكراد يكسر عتبة الـ 10% ويدخل البرلمان في عام 2015، أقالت حكومة حزب العدالة والتنمية أكثر من 120 عمدة من المنتمين إليه في شرق وجنوب شرق تركيا، بما في ذلك 45 من أصل 65 من رؤساء البلديات الذين فازوا في الانتخابات المحلية التركية في مارس 2019، فيما يستمر اعتقال زعيميه السابقين، صلاح الدين دميرطاش وفيغن يوكسيداج، في السجن منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلى جانب عشرات السياسيين الأكراد الآخرين.

وبعد أن جدد إردوغان في اﻷسبوع الماضي الربط بين “حزب العمال الكردستاني” و”حزب الشعوب الديمقراطي”، مهددا بسحقه في اﻻنتخابات، اكتفى اﻷخير بالدعوة إلى انتخابات جديدة في البلديات التي تم فيها فصل عمداء حزبه، وهو نفس الرد الذي قدمه الحزب في نوفمبر الماضي، اﻷمر الذي اعتبره حويز في تصريح للموقع دليل ضعف حيث قال: “التصريحات التي نراها من قادة حزب الشعوب الديمقراطي ضعيفة حقًا. يبدو أنهم يستسلمون ولا يحاولون بعد الآن”. فيما رد عضو البرلمان البارز من حزب الشعوب الديمقراطي، أحمد شيخ، الصحافي التركي المعروف الذي سُجن بسبب تقاريره، باﻻستقالة من الحزب في وقت مبكر من هذا الشهر، مشيرا إلى نهج يتعارض مع الممارسات الديمقراطية وينقل الحزب بعيدا عن نقاط قوته وقيمه.

وفي سياق اﻻنتقادات الموجهة للسياسة المهادنة التي ينتهجها الحزب، قال الكاتب إن الصحفي التركي المخضرم، جنكيز أكتار، حث “حزب الشعوب الديمقراطي” على اتخاذ خطوات أكثر جرأة، مثل الانسحاب من البرلمان أو تنظيم أعمال احتجاجية. فيما قال حويز “الحزب يفقد قوته لأنه لم يعد قادرا أو غير راغب في تقديم هذا النوع من التنديد والانتقاد الجرئ الذي يتطلبه الوضع. هذا ينفر المزيد والمزيد من قاعدة ناخبيه في المناطق الكردية. لدي شخصيا الكثير من الأصدقاء الأكراد الأتراك الغاضبين جدا من الحزب وكيفية تعامله مع الوضع”.

وفي غضون ذلك، يقول الكاتب، حقق أكراد سوريا رغم معاناتهم من العملية التركية مكاسب جديدة نتيجة الاهتمام الإعلامي الداعم لهم في الأسابيع الأولى من العملية، بالإضافة إلى تنشيط المعارضة في “الحزب الجمهوري اﻷمريكي” لخطة ترامب في التخلي عن “قوات سوريا الديمقراطية”، اﻷمر الذي أسفر عن بقاء مجموعة من القوات الأميركية في شمال شرق سوريا ومواصلة التعاون مع “قسد”.

ويذهب الكاتب أنه لو انسحبت القوات الأميركية بالكامل، لكان من المحتمل أن يتم سحق “قسد”؛ مما سيدفعها إلى التحول إلى نظام الأسد لطلب الحماية، وبدلاً من ذلك، عززت العملية التركية ومعارضتها لها من سمعتها إلى درجة أن ما يصل إلى 65% من الأكراد السوريين يدعمونها الآن. مضيفا أنه وبسبب بقاء القوات الأميركية، فإن الأكراد السوريين لديهم الآن فرصة للوحدة، حيث أرسلت الولايات المتحدة وفرنسا وفودا إلى المنطقة لتشجيع الاتحاد بين المجموعتين الكرديتين الرئيسيتين، وهما “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”المجلس الوطني الكردي”.

وينقل الكاتب عن حويز قوله إن “الطريقة الوحيدة التي أعتقد أنها ستمكّن الأكراد السوريين من تجنب الغضب التركي هي محاولة الجمع بين الأكراد أولا وقبل كل شيء، ثم محاولة إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حزب العمال الكردستاني بطريقة ما. يعتمد مدى نجاح ذلك على مدى استعداد كل من قوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي لتقديم تنازلات”، مضيفا أنه لا يتوقع تضحية المجلس بعلاقاته مع تركيا من أجل عقد صفقة مع “قسد”، لكنه أشار إلى فائدة أخرى للعملية التركية تمثلت في وضع مظلوم عبدي في دائرة الضوء العالمية، اﻷمر الذي منحه تأثيرا أكبر في صياغة سياسة “قسد”، وكبح نفوذ حزب العمال الكردستاني.

ويؤكد حويز بحسب الكاتب أنه “لدى الأكراد السوريين الآن شخصية يعتبرونه زعيماً لهم، وهي نقطة مهمة لأي مجموعة. إن ارتباط قوات سوريا الديمقراطية بحزب العمال الكردستاني ليس قويا كما كان من قبل”، لا ينفي وجود عقبات كبيرة؛ حيث خضعت الأمم المتحدة لضغوط من روسيا والأسد وأوقفت تمويل مجموعات الإغاثة الطبية إلى شمال شرق سوريا، إضافة إلى محاولات روسيا واﻷسد استمالة الشباب العربي في المنطقة وإغرائهم بالرواتب للتخلي عن “قسد” واﻻنضمام إلى ميليشيا جديدة في محاولة لاستباق اﻻنسحاب اﻷمريكي، في ظل التهديد التركي المستمر بتوغل آخر بعد جرابلس وعفرين ورأس العين.

وختم الكاتب، أن ذلك قد يفسر مشروع البنتاغون اﻷخير، الذي خصص تمويلا للمساعدة في بناء قوة خاصة من “قوات سوريا الديمقراطية” يصل قوامها إلى 10 آلاف جندي تحت قيادة عبدي، اﻷمر الذي يؤكده حويز بقوله “لقد قرأت تقريرين على الأقل حول هذا الموضوع”، مضيفاً أن الأخبار ظهرت في شبكة الأخبار الكردية العراقية رووداو. “ربما يكون الغرض من هذه القوة هو حماية هذه المنطقة في المستقبل وتعزيز مكاسب قوات سوريا الديمقراطية ضد الأتراك والأسد”.

قد يعجبك ايضا