كيف ستردّ المعارضة السورية حين تُدعى للتطبيع مع النظام؟

عبد الناصر العايد

لم يتصاعد الدخان الأبيض من اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدولة العربية في جدّة، بخصوص عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، لكن يبدو أن ضغوطاً شديدة تُمارس على الأطراف التي ما زالت تُمانع وترفض إعادته، ما يرجّح أن يتم الأمر في النهاية. والتطبيع السعودي كاف بمفرده على كل حال، فهو من حيث المفاعيل يعادل تطبيعاً شاملاً، وبقي أن تُدعى المعارضة السورية، التي ما زالت خارج العملية حتى الآن، للانخراط في اللعبة، فما عساه يكون موقفها؟

من المؤكد أن لدى الدول المُطبّعة، وعلى رأسها السعودية، فئة من المعارضين السوريين، تأتمر بأمرها مسبقاً، لا سيما من المقيمين على أراضيها، وهؤلاء سيتم إبلاغهم بالقرارات مقرونة بتعليمات تنفيذية لما يتوجب عليهم القيام به من دون مناقشة أو مراجعة. وهؤلاء، عدا عن ارتباط قيمتهم السياسية باصطفاء الرياض وغيرها من العواصم لهم، فإنهم يعتقدون بأن مصالحهم تتمتع بأعلى ضمان ممكن بسبب تبنّي هذا الطرف القوي لهم. ومن نافل القول إنهم لا يكترثون للرأي العام السوري، فهو لم ولن يدفع رواتبهم، ولن يعينهم في المواقع التي رفعوا إليها، وسلوكهم اللاحق في ما لو تم زجهم في مصالحة مع النظام لن يتأثر حتى بشروط النظام وتعليماته، وسيتعاملون مع الوضع على أنهم مجرد موفدين لتمثيل سياسة الطرف الذي يتبناهم.

الجزء الثاني، هم الفئة والشخصيات التي انزلقت مواقفها طوال السنوات السابقة من موضع إلى موضع، بحثاً عن دور، وهؤلاء سيسارعون لتقديم أوراق اعتمادهم للطرف العربي على أمل إلحاقهم بقطار العملية السياسية. وفي إطار منافستهم للمحظيين السابقين، سيقدمون تنازلات كبيرة ورضوخاً كاملاً لما يطلبه “الماستر”، أو موزع الأدوار الجديد، وسلوكهم اللاحق سيكون خطيراً، إذ يجب أن تتوقع من الانتهازي السياسي أي خيانة يمكن تصورها.

وهناك فئة ثالثة في المعارضة السورية لن تقبَل حتى تُدعى، فإن عُرض عليها دور مع بعض الاحترام الشكلي، ستوافق. وإن عُرضت عليها مكاسب ما، ستنخرط بجدية. أهمية هذه الفئة تأتي من كونها تمثل فئات سكانية أو اجتماعية لها وزنها، مثل ممثلي بعض الطوائف والقبائل والإثنيات، وسلوك هذه الفئة لاحقاً سيكون مستقراً نسبياً بسبب التوازن في العلاقة، التي تستند إلى رأس مال حقيقي نوعاً ما، ومكاسب معقولة من جهة أخرى.

الفئة الرابعة هي من سيُعرض عليها الانخراط وترفضه، وهؤلاء خليط ممن يقيمون وزناً للرأي العام، ومن الآملين في نهاية أفضل لمسارهم السياسي. وهؤلاء يدركون أنهم عرضة للتهميش والإقصاء من المشهد، لكنهم سيشاغبون بكل قواهم للبقاء في صلبه. سلوكهم اللاحق سيتمثل في البحث عن حلفاء جدد وبدائل يواجهون بها الوضع المستجد، وهم لن يجدوا غضاضة في اللجوء إلى إثارة العنف إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وهناك السياسيون، وهذه فئة من المعارضة تمرنت خلال السنوات الماضية على العمل السياسي الحقيقي وفهمت بعض أبجدياته الأساسية، وبعضهم يمتلك مهارات معينة فيه. وهي ترى أن ظاهرة التطبيع هي مجرد “حالة” من حالات العمل السياسي، يتم التعامل معها مبدئياً وفق ميزان المغانم والمغارم، وموقفها هو خليط من الرغبة في السلطة، والبحث عن الحلفاء وتنويعهم، وتنمية موقف شعبي داعم. لكنها لا تغفل أبداً عن بناء موضع القوة في حالة مثل الحالة السورية، وهي الاستقلالية النسبية من أجل الاستمرار في ظل العواصف والتقلبات التي تشهدها منطقتنا، وردّ فعلها على التطبيع سيكون الانخراط مع الوقاية، أو خُذ وطالِب.

أما الفلاسفة، فهؤلاء فئة من السوريين المنغمسين في العمل السياسي على خلفيات مبدئية أو ايمانية، تقول إن الحرب ستُحسم في النهاية لصالح الشعوب المغلوبة على أمرها، أو أن “العُقبى للمتّقين”، أو أن الديموقراطية قدر محتوم، وأن التاريخ يسير في مسار تقدمي، حتى لو تراجع وانتكس في محطة هنا أو هناك. وهؤلاء لن ينخرطوا أو يقبلوا بالتنازل عما ينادون به حتى النهاية، ولن يدعوهم أحد لتسوية أو تفاهم بسبب وضوح موقفهم، الذي لا يشمل نظام الأسد وحده، بل الأطراف التي تحاول تعويمه وتسويقه عبر مبادرة التطبيع العربي.

أما الشعب السوري، قطب الرحى الذي تدور حوله الدوائر، فإنه منسيّ عن قصد وعمد، وهو لن يمتلك صوته وقادته الحقيقيين، ولن يكون طرفاً في ما يُحاك له، طالما أن الانتخابات الحرة لم يتم التطرق إليها من قريب أو من بعيد، مع أن تلك الانتخابات ستكون المَخرج الوحيد والنهائي للاضطراب الذي لن يهدأ، ليس في سوريا فحسب، بل في عموم الشرق الأوسط الذي تتحفز مجتمعاته لقفزة تاريخية تجري محاولات استباقها من طريق تصفير المشاكل بين أنظمته.

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا