كيف يواجه عرب شرق الفرات “داعش”.. وهم عزّل؟

جسر – صحافة

(عبد الناصر العايد)

اقتحم مسلحون حفلة إفطار أقامها أحد وجهاء ريف دير الزور السورية، وقتلوا سبعة من المدعوين، قيل إن معظمهم من موظفي الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديموقراطية.

يتكرر هذا الحادث بشكل يومي، ويسقط من شخص إلى ثلاثة أشخاص على نحو ثابت. وضحاياه هم في الأغلب من الموظفين المحليين المدنيين، وأحياناً من صغار الجنود المحليين أيضاً، الذين يكونون في إجازات أو خارج أماكن عملهم بشكل فردي، ودائماً ما يتبنى “داعش” العملية متهماً هؤلاء بالعمل لصالح “الملاحدة الأكراد”.

لكن ما يسترعي الانتباه هنا، هو أن تلك العمليات لا تطاول هؤلاء “الملاحدة الاكراد”، وهي فقط تستهدف عرباً يواظبون على الكشف عن التزامهم الديني. ومن دون الإغراق في نظريات المؤامرة، نعتقد أن تفسير ذلك ببساطة يعود إلى تحصن العناصر والقيادات الكردية في مقرات ثابتة ومحمية، وهم ينتقلون بترتيبات أمنية كافية، لا يتمتع بها الجنود الصغار العرب، أو الموظفون المدنيون الذين يُتركون كأهداف سهلة لهذه العمليات.

إن هذا التهديد الدائم للأمن في المنطقة، لا يستهدف فقط الموظفين والعاملين مع قوات سوريا الديموقراطية، بل يشمل عموم المجتمع العربي في المنطقة الخاضعة لسيطرتها كقوة أمر واقع، فجميع الأهالي هم تحت رحمة التنظيم، عزّل وبلا سلاح ولا تنظيم ولا أي نوع من أنواع الحماية.

يقوم خلف هذه الحالة، المستمرة منذ العام 2019 في أقل تقدير، احتكار أكراد “قسد” في شمال شرقي سوريا، للسلاح والقيادة العسكرية والأمنية، وخشيتهم من مشاركة العرب فيها، لعدم تهديد سلطتهم ونفوذهم الأعلى هناك. بل وتستخدم تلك الأسلحة، وذلك الاحتكار، ضد هذه المجموعة السكانية الأكبر، في ما لو رفعت رأسها مُطالبةً بحقوقها الاقتصادية أو الخدمية. أما حقوقهم السياسية، فهي منتهكة بشكل فاضح ولا يمكنهم أن يفكروا مجرد تفكير فيها. ولا أدلّ على ذلك من منع تشكيل أي إطار سياسي يُشكّ في كونه ذا طابع عربي، في الوقت الذي تفرخ فيه الإدارة الذاتية تنظيمات من مختلف الأنواع والأشكال لجمهورها الخاص، ابتداء من حزب المستقبل، وانتهاء بنقابة الحلّاقات النساء.

يضمر هذا السلوك رغبة وإرادة من جانب قيادات “قسد” المومأ إليها، لإبقاء الجماعة العربية في حالة اقتتال واستنزاف دائم. فعمليات الاغتيال التي تنفذها خلايا من “داعش”، تتبعها عمليات قتل على أيدي مجهولين، هم غالباً أشخاص من ذوي الضحايا، ينتقمون ممن يعتقدون أنهم عناصر في تنظيم الدولة الإسلامية، لكن من دون إعلان، خشية انتقام مضاد من قبل التنظيم. وهذا غالباً ما يُرد إلى بعث الخوف في قلوب الأهالي بعمليات لا يُعلن عن سببها، أو يذكر عرضاً أن المقتول عنصر في “قسد”.

حالة الانتحار الجماعي التي تتخبط فيها المجتمعات العشائرية العربية في شرق الفرات، تغذي بلا شك تنظيم “داعش” وتنظيمات إرهابية متشددة أخرى تعمل هناك. وقد عادت المنطقة للركون شيئاً فشيئاً لسلطة تلك التنظيمات، باعتبارها سلطة موازية، لكنها أكثر حضوراً ووضوحاً، وتتنامى شبكاتها وأعداد منتسبيها يومياً، وتتصاعد قدرتها على تمويل نفسها من خلال الضرائب والإتاوات التي تفرضها، بدءاً من الزكاة والغرامات، وصولاً إلى ما يعرف بالكلفة السلطانية، وهي حالة مثالية بالنسبة لكوادر قنديل (عناصر حزب العمال الكردي المدربين في جبل قنديل). فجلّ ما يطمحون إليه في ما يبدو، هو اثبات أن السكان العرب بمجملهم ليسوا سوى حواضن للإرهاب، وأن عناصر قنديل وكوادرها، هم المحارب الوحيد للتيار المتطرف.

لقد بلغت حالة عدم الثقة، بين الفئة المتحكمة من قوات سوريا الديموقراطية، والمجتمع المحلي، نقطة اللا عودة، وهي تسير في هذا الاتجاه في ما يخص من يعملون أو يتعاونون معها، سواء في الميدان المدني، حيث الجميع عرضة للقتل المجاني، أو في المجال العسكري، حيث أصبح كل منتسب بحُكم الميت الذي ينتظر ساعة الصفر التي يحددها التنظيم في الوقت المناسب. ولن نستغرب في الواقع في ما لو كان جميع مَن لم تطاولهم عمليات القتل من الموظفين والمقاتلين العرب في “قسد”، هم في الواقع على علاقة مع التنظيم الإرهابي لحفظ حياتهم وأرواحهم. ومن لم يكن كذلك، فهو بالتأكيد سيفكر ألف مرة قبل أن يخوض معركة أخرى إلى جانب “قسد” ضد المتطرفين. وهنا يحضر على سبيل المثال، خبر يتم تداوله في شرق الفرات، مفاده أن أحد القياديين العرب القلائل في قوات سوريا الديموقراطية، قد أطلق لحيته، واعتكف للصلاة والعبادة، وراح يعبّر لكل من يخالطه عن ندمه الشديد على ما اقترفه من ذنوب جراء قتال “الأخوة”، وموالاة من “لا دين لهم”.

المصدر: موقع المدن

قد يعجبك ايضا