لماذا يلوح بوتين بالجهاديين في أوكرانيا؟

جسر – صحافة

عبد الناصر العايد

تثير الريبة تلك الاتهامات التي تكيلها روسيا للدول الغربية بإرسال “جهاديين” إلى أوكرانيا. وكسوريّ اختبر وعانى هذا النوع من الدعاية، سرعان ما ارتسم في مخيلتي سيناريو قاتماً لما يمكن أن يحدث. فبوتين والقوى التي تلوذ به، إذا ما تحدثت عن الإرهاب والجهاديين، فإن هذا يعني أنها ستستخدمهم.
بالطريقة ذاتها التي تدعو للاستغراب، وما أن انطلقت الاحتجاجات في سوريا العام 2011، قال بشار الأسد إن من يتظاهرون ضده هم من الجهاديين، وأن هدفهم إقامة إمارات سلفية. مع ذلك، أطلق سراح معتقلين متطرفين من سجن صيدنايا الشهير، وتغاضت قواته عن البؤر العسكرية التي انشأوها هنا وهناك، وانسحب من حقول النفط لصالحها، وترك كتائبهم تتنامى بسرعة مدهشة، من دون أن تعترض قواته طريقها، بينما كان “الجيش الحر” والمدن والبلدات التي تحتضنه تسحق تحت قصف مروع.
في الخطوة التالية، وعندما وصل الثوار إلى مشارف قصر رئيس النظام السوري في دمشق، العام 2014، أطلق أسلحته الكيماوية، وقتل المئات، واتهم الجهاديين بأنهم هم من استخدموها. كانت الولايات المتحدة والدول الغربية تعرف الحقيقة الكاملة، وسبق للرئيس أوباما أن حذر من استخدام السلاح الكيماوي، وقال إنه الخط الأحمر الذي يعني تجاوزه تدخلاً أميركياً مباشراً ضد الأسد، وبدأ الحشد الغربي عسكرياً. لكن الأسد، وعبر موسكو، أخبر القوى الغربية بأنه يمتلك أكثر من 1300 طن من الأسلحة الكيماوية الفتاكة، وأنها مخزنة في طول البلاد وعرضها، بما فيها المناطق التي ينشط فيها الجهاديون، وكان المعنى المباشر لذلك هو: إذا ما ضربتموني، سأمنح تلك الأسلحة للمتطرفين المتعطشين لكل دفقة من السارين.
ورغم معارضة الرئيس الفرنسي حينها، فرانسوا هولاند، تراجع الرئيس الأميركي عن خطوطه الحمراء، وخضع للابتزاز والتهديد، وأعلن الصفح عن الجريمة فيما لو سلّم المجرم سلاحه. وعقدت اتفاقية مع الوكالة الدولية لحظر السلاح الكيماوي، حصل الأسد بموجبها على تفويض مدته سنة لتسليم تلك الذخائر المحرّمة دولياً وتدميرها، واستخدم ذلك التفويض لتدمير المدن السورية واستعادة السيطرة عليها. وبعدما وقف الأسد على قدميه مجدداً بمساعدة موسكو وطهران، استخدم السلاح الكيماوي مجدداً ضد المدنيين العزل في العام 2017، وأطلق الرئيس ترامب بضعة صواريخ “توما هوك” على قاعدة الشعيرات التي انطلق منها الهجوم، وانتهى الأمر. لكن تقارير وكالة حظر السلاح الكيماوي الدولية ما زالت تؤكد بأن الأسد يحتفظ بأسلحة كيماوية، كما تفيد تقارير إعلامية بأنه استأنف عمليات التصنيع بمساعدة إيرانية.
بالعودة إلى الساحة الأوكرانية، يخيل إلي، كعسكري سابق، أن ما يقلق بوتين ليس الصراع النووي الذي يبدو بعيد الاحتمال نوعاً ما، إنما حرب المقاومة الشعبية التي قد تنشأ في أوكرانيا بُعيد احتلالها. فشبح أفغانستان ما زال يخيم عليه، خصوصاً أن القوى الغربية سكبت مئات صواريخ ستينغر وجافلين في الميدان، وهي أسلحة حرب العصابات الأكثر فعالية وفتكاً.
تمثل الصواريخ المضادة للطيران المحمولة على الكتف، مثل ستينغر الأميركية وإيغلا الروسيّة، تهديداً خطيراً للأمن والسِّلم في العالم. فعلاوة على قدرتها على إسقاط الطائرات الحربية عند تحليقها على ارتفاع منخفض أو متوسط، أو عند تقربها للهبوط، فإنها قادرة على إسقاط أي طائرة مدنية، مع استحالة معرفة المتسبب في الهجوم. لذلك يسري بروتوكول غير معلن بين القوى العظمى، يمنع تسرب تلك الأسلحة للجهات غير الحكومية، تحت التهديد بالردّ بالمثل. وقد عانى الثوار في سوريا كثيراً بسبب عدم قدرتهم على الحصول على تلك الأسلحة، ودمرت حوامات نظام الأسد مدناً كاملة بالبراميل المتفجرة بسبب التزام الدول الداعمة للثوار بهذه الاتفاقية غير المعلنة. بل إن واشنطن امتنعت عن تقديمها لأكثر حلفائها موثوقية، أي “قوات سوريا الديموقراطية”، التي تعاني بشكل يومي، هجمات الطائرات بلا طيار التركية، من دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها.
ما أتصوره هو أن بوتين يهدد بأنه فيما لو آلمت هجمات المقاومة الأوكرانية قواته، مستخدمة هذه الأسلحة الصغيرة، فإنه سيسلّم مثلها للجهاديين، وهو على تماس مباشر معهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد يسلمهم أسلحة من طرازات غربية، يستطيع الاستيلاء عليها من مستودعات القوات الأوكرانية ذاتها.
ترتبط أوكرانيا بأسوأ حادثتي إسقاط للطائرات المدنية في زماننا هذا، هي الطائرة الماليزية التي اسقطت في شرق البلاد العام 2014 بنيران أرضية ثبت أنها روسيّة، وإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية في طهران على يد الحرس الثوري، ومرّ الحدثان من دون عقاب. وكلا الأمرين، الارتباط بأوكرانيا والإفلات من العقاب، جعل سيناريو حرب الطائرات المدنية المشؤوم، يقفز إلى تفكيري ما أن سمعت الإعلام الروسي يتحدث عن جهاديين في أوكرانيا.

المصدر: موقع المدن

قد يعجبك ايضا