مآلات اسطنبول.. نص ممل يشبه سيرة ذاتية في بالات٭

بالات، اسطنبول/انترنت

جسر: نص:

بالات، اسطنبول/انترنت

تقلق الرياضي زيادةٌ في الوزن فيمتنع عن احتساء البيرة، عليه أن يفوز كي لا يصبح عادياً دون مجدٍ، ويفقد كل خصوصياته ويصير بطلاً، نعم يا صاحبي مأساتك أنهم يحبونّك بطلاً فقط. والمرأة التي أرادتْ أن تلهو فقط، أن تجرب في جسدها مثل رسام ضربه الملل، كانت كلما بلغت نشوتها مع رجلٍ سألت مرآتها: لماذا اشتهاني ولم يفكر أن يحبني زوجةً، لم أكن لأكون زوجته لكن لماذا لم يرني زوجةً؟َ!، ومع ذلك لا تسأل أحداً من عشاقها تسأل مرآتها فقط، والصيادّون مازالوا يمارسون هوايتهم قرب الشاطئ، رغم كل الأكياس البلاستيكية والأوساخ التي يتركها الفقراء المحتفون بيوم السبت والأحد يرمون سنانيرهم بعنادٍ شديدٍ.

عن نفسي، نصبت خمسة تماثيل صغيرة فوق رف كتبي، ثلاثة قطط وبجعةً معدنيّة وحماراً ضاحكاً، كأنهم شخوص سرفانتس. نسجتُ ستائري من خمسِ شالاتٍ، كرسيّ خشبٍ مجدولٌ بالحبالِ، وصندوقي خضارٍ خشبيّين مملوئين بزجاجات كحولٍ فارغة، وقطتين تموءان، تناوران، تداريان، عالمهما مساحتي في خلوتي، فعالمي خرج مني، ولم أعد فيه، لا أتسعه ولا يتسعني. أنا لم أبلغ غير أرواحَ بيضاء منقّطة بالأحمر كأنهم ذبحوا جسد حاملها أمامها وتنقطّت بدمه النافر، وهامتْ…

أنا ساحر السيرك الحديث، لست غجرياً حراً، أخبّئ وعداً تحت كمّ قميصي، أرفع قبعتي وأطلق أرنباً، لا يجتاز خشبَ الباب.. وأنحني للمصفّقين:
– شكراً لحيلتك.
– على الرحب والسعة أيها المستمتعون بأوقات الفراغ، أعرف أنني أكذب وتعرفون، فسرُّ كل شيءٍ هو كذبةٌ تحترم القواعد، وهكذا هو الحب والوعد والماضي والمستقبل وسيرة الحياة …

بعد أن ينتهي العرض، وبعد أن أنتهي من موعدٍ لعبتُ فيه تارةً دور المهاجرِ الوحيد اللطيف، أو دور المحاربِ المهزوم، أو دور العابث الطيّب، أو دور الفيلسوف المجهول اللامبالي، أو دور من يقدّر الصُحبة الطيبة فقط.. أي بعد أن أنتهي من تقديم نفسي كطبق معدٍّ حسب ذوق الزبّونة/ الزبون أضرب بقدميّ في الطريق المرصوف القديم نحو وكري، يقف الكلب الهادئ ذو اللون البيجيِّ بمنتهى الخفة والبرودة واللامبالاة يرفع قدمه يتبول على الرصيف، بمنتهى المدنيّة يتبوّل، ويسيل بوله على خطوات زائرين وسواح وبشرٍ عبروا منذ الصباح… أصعد أدراج البيت، جارتي الخمسينيّة اللطيفة المحيّا ذات الشقار الشركسيٍّ، الشابة الخطوات، تنظر من وراء بابها تخشى لصاً جديداً، وتبتسم دون ان أراها: إنه جاري السوريّ الودود تهمس لابنة أختها (تهمس اسمي بميم واحدة غير مشدودة، بات هنا حتى لفظ اسمي النمطيّ المملّ هويّةً)، وفي الطابق الثاني جاري الشاب الملتحي الناحل يجلس وراء بابه مملوءً بالحشيشِ وبراز قِطّتيه المتروك يبلغ نتنه الباب، أبلغ منزلي أفتح الباب ينهمر عليّ بول الكلب البيجيِّ، وتسقط التماثيل الخمسة عليّ، وأسقط، وتهرب قطتايّ من الباب المفتوح….. وتنضمّ روحي إلى حشدٍ غفيرٍ غير مرئيٍّ من أرواح بيضاء منقطة بالأحمر..

٭ Balat: اسم الحي اليهودي في اسطنبول التاريخية (بلدية الفاتح)، حيث أقام الكاتب.

 

تروما٭

قد يعجبك ايضا