ماذا يفعل بافل طالباني في القامشلي؟

عبد الناصر العايد

أثارت زيارة مفاجئة لبافل طالباني، رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى قيادة قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرقي سوريا، ارتباكاً وقلقاً بين الأطراف السورية والإقليمية المعنية. فالزيارة قد تؤشر إلى تدخل طرف كان حيادياً حتى الآن، ولديه سلسلة من التحالفات التي تنتهي في طهران، إضافة إلى تاريخ خاص لبافيل طالباني كوسيط وعرّاب للصفقات السياسية منذ سنوات، وكلها إشارات تثير الاهتمام في هذا التوقيت الحساس، وتدفع الكثير من الأطراف إلى مراقبتها والتحسب لها، على الرغم من أنها قد تكون تحركاً لا ينطوي سوى على بُعد دعائي استعراضي يتعلق بمكانة بافل طالباني الكرديّة لا أكثر.

زيارة بافل طالباني التي أعلن عنها عبر صفحته الشخصية في فايسبوك ، وتحدثت عنها وسائل إعلام كردية، شملت عدداً من قيادات “قسد”، وعلى رأسهم قائدها العام مظلوم عبدي، والقيادي البارز في حزب الاتحاد، صالح مسلم، وقد رافق طالباني فيها قائد قوات التحالف الدولي، ماثيو مكفارلين. وفي تصريحات غير رسمية قالت “قسد” إن الزيارة تأتي في سياق تنسيق الجهود في الحرب ضد داعش، خصوصاً مع تزايد أنشطة التنظيم في سوريا والعراق، لا سيما في الموصل وكركوك وبعض المناطق الأخرى، وأن لدى الاتحاد الوطني الكردستاني، وكذلك “قسد”، قوات مدربة للتعامل مع هذا التهديد، وأنه ستكون هناك عمليات مشتركة ثلاثية بين الطرفين مع التحالف الدولي في المرحلة المقبلة.

وبافل هو نجل الزعيم الكردي التاريخي جلال طالباني، ويشغل منصب رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، واشتغل قبل ذلك في وظائف استخباراتية. وقد ظهر في مسرح الأحداث العام 2017، أثناء عملية كركوك التي شنتها القوات الاتحادية العراقية لمنع انفصال إقليم كردستان العراق، حيث اتُّهم بتسليم مناطق من كركوك لقوات الحشد الشعبي العراقي بالاتفاق مع هادي العامري. وعارض بافل الاستفتاء الشهير من منطلق أنه غير ممكن، طالما تعارضه واشنطن، وفضّل فكرة إدارة المناطق المتنازع عليها بإدارة مشتركة ما بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان، الأمر الذي عرضه لاتهامات كردية واسعة النطاق بالخيانة والتآمر لصالح إيران والقوى العراقية المرتبطة بها، خصوصاً من طرف أنصار البرزاني. ويعتبر بافل الطالباني، أبرز عرّابي الصفقات الانتخابية في العراق، حيث تعدّ كتلته بيضة القبان في مختلف النزاعات الانتخابية على المستوى الاتحادي، ومعروف عنه أيضاً تدبير الصفقات السياسية بين الأطراف الكردية والأطراف العراقية الأخرى، وداخل المعسكر الكردي ذاته.

زيارة بافل لمظلوم عبدي، ليست الأولى. سبقتها زيارة لم تأخد حيزاً في الاعلام العام 2019، ولم تكن مشحونة بالبُعد الكردي كما هذه الزيارة، التي وصفها بافل في صفحته بأنها زيارة إلى “روجآفا” أي كردستان الغربية وفق المصطلحات الكردية. وذكَر في منشوره الخاص أنه يعمل “خادماً” لجميع الأكراد، وأنه سيعمل على تطوير العلاقات مع “الغرب” أي غرب كردستان، وأن بقاء الأكراد وحماية حقوقهم يعتمد على “وحدة الأمة الكردية ووحدتنا أمام المصير، وحماية حقوقنا”. وتشير هذه اللغة إلى نوع من مغازلة المشاعر الكردية عامة، ومشاعر القاطنين في شرق سوريا خصوصاً، في ظل ظروف استثنائية تعيشها “قسد”، سواء لناحية التهديدات التركية أو المفاوضات التي تخوضها هذه القوات مع نظام الأسد وروسيا وسط تعنت واستقواء من كافة الأطراف. ويأتي دعم الطالباني في هذه المرحلة ليعطي أكراد سوريا دعماً وزخماً إقليمياً، ولكسر العزلة المفروضة عليهم بضغوط تركية ومن طرف النظام لإرغامهم على تقديم تنازلات حاسمة.

من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال دور الصراعات الكردية الداخلية في إقليم كردستان في دفع طالباني إلى هذا التحرك، فالإطار التنافسي العام وحيازة الأوراق الكردية المختلفة، يحكمان علاقة الطالباني بالبرزاني وحزبه. ولمّا كان الأخير يملك ورقة قوة في سوريا، هي مجموعة أحزاب المجلس الوطني الكردي الممثلة في الائتلاف السوري، فإنه من المنطقي سياسياً أن يتجه الطالباني إلى الضفة الأخرى ليحصل على نفوذ موازٍ. وأهمية تحركه اليوم تأتي ربما من الفرضيات التي تقول بإمكانية قبول “قسد” بنشر قوات تتبع لبيشمركة البرزاني على الحدود السورية التركية، لتفصل ما بين “قسد” والجيش التركي، ويمكن للطالباني في هذه الحالة أن يطالب بشراكة في قوات الفصل، بدعم من “قسد”.

التدخل الكردي العراقي هذا، سيكون مقبولاً من القوى العراقية التي يتحالف معها بافل الطالباني، وهي الحشد الشعبي، والتي تملك مليشيات تقاتل إلى جانب نظام الأسد في مناطق متعددة من سوريا، ومن المفيد لها أن يكون لديها امتداد في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد أيضاً، وسيزيد ذلك من نفوذ تلك القوى العراقية وتأثيرها في سوريا.

تقودنا الحلقة أعلاه إلى تفحص علاقة تركيا وإيران في ظل هذا التطور. فارتباط بافل الطالباني بطهران، وثيق كما هو معروف، وإحداث هذا الخرق في شمال سوريا، الذي يمكن أن يبدأ بتعاون في مكافحة داعش، ويتطور إلى مساندة “قسد” ودعمها في وجه التهديدات المحلية المتمثلة في خطر المكون العربي الأكبر في المنطقة، يمكنه أن يتحول في لحظة ما إلى دعم واسع ضد تدخل تركي محتمل، وجعل العراق، عبر إقليم كردستان، عمقاً استراتيجياً لقوات سوريا الديموقراطية، وبالتالي موازنة الثقل التركي في شمال شرقي سوريا بنفوذ إيراني.

ويبقى هنا الدور الأميركي محل تساؤل. فقد عُرف عن بافل الطالباني أنه لا يتصرف خلافاً لموقف واشنطن، ولا يخرج عن تصوراتها، ويبدو ذلك جلياً من خلال اتصاله بقسد، رفقة قائد قوات التحالف الدولي، الجنرال الأميركي ماثيو مكفارلين، وليس من المحتمل أنه رافقه فقط لتنسيق عمليات التصدي لداعش فقط.

مهما كان نوع المهمة التي زار من أجلها بافل طالباني، القامشلي، فإنها لا يمكن أن تكون سوى تعقيد آخر للتشابكات المحلية والإقليمية والدولية التي تلف القضية السورية وتجعلها عصية على الحل في المدى المنظور. وهي، سواء كانت حالة استعراضية أو في سياق مخطط ما، فإنها ستستدعي مزيداً من المتدخلين وتخلق مشاكل إضافية.

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا