مجزرة الباغوز: النصر للأكراد والجريمة للشعيطات!

في 23 آذار/مارس، تزاحمت وكالات الانباء العالمية لنقل وقائع اعلان “قوات سوريا الديموقراطية” تحرير الباغوز من قبضة “الدولة الإسلامية”. وبينما كان قادة “قوات سوريا الديموقراطية” الأكراد يتناوبون على الخطابة، كان أبو محجم الشعيطي، المقاتل العربي الشاب في “قسد”، يغالب النعاس على تخوم الباغوز وهو يحرس الأفواج الكردية والقوات الخاصة الأميركية التي دخلت منطقة سيطرة “داعش” الأخيرة، لجمع آخر وأهم آثار التنظيم.

غير آبه بأنه غير مُمثل في حفل الانتصار الاستعراضي، كعربي، استشاط أبو محجم غيظاً، عندما علم من الآخرين، أن وسائل إعلام “قسد” قد اتهمته وأبناء قبيلته الشعيطات، بارتكاب مجزرة في الباغوز بحق أطفال ونساء “داعش”.

أبو محجم، شارك في الثورة السورية متظاهراً ومقاتلاً مع الجيش الحر. ومع قدوم “داعش” وارتكابه المجزرة المهولة بحق الشعيطات، اضطر أبو محجم للتنقل بين القلمون وتركيا والشمال السوري، وما أن علم بانطلاق معركة تحرير ديرالزور حتى انخرط فيها كما العشرات من شبان القبيلة لمواجهة خصمهم الاجرامي الذي ذبح أكثر من عشرين رجلاً من أقرب أقربائه، بالإضافة لنحو ألف من عشيرته.

معركة الباغوز الأخيرة

يروي أبو محجم، وقائع الأيام الأخيرة من معركة الباغوز، التي كان شاهد عيان عليها. السبت، 16 آذار 2019، كان مخيم الباغوز محاصراً، وثمة هدنة مع مقاتلي “داعش” بهدف التفاوض. وفي هذه الاثناء، تم ابعاد كافة الفصائل العربية عن خط القتال الأول، وتولت أفواج كردية عملية التطويق تأهباً لما قيل إنه عملية استسلام جماعي لعناصر التنظيم. لكن “الدواعش” باغتوا المقاتلين الاكراد بهجوم فجر الأحد، وقتلوا نحو 40 عنصراً، وجرحوا عشرات آخرين، وخرقوا الطوق المفروض عليهم واستعادوا مساحات شاسعة. فتدخل طيران “التحالف الدولي”، واستدعى تعزيزات إضافية لاحتواء الموقف. حينها، اتُخِذَ القرار العسكري النهائي؛ بتدمير المخيم وقتل من فيه.

المجزرة

يقول أبو محجم، إن القرار اتُخذَ، وكان تنفيذه انتقامياً بشكل دموي، خاصة من طرف قائد عسكري كردي يدعى “ريفاس”، وهو من فقد العدد الأكبر من مقاتليه في هجوم “داعش” الغادر. وطلب ريفاس ضربات جوية بأشد أنواع القنابل تدميراً، وبلغ عددها 44 غارة، كما طلب تمهيداً مدفعياً عنيفاً على المنطقة، التي ظلت تُقصف بالقذائف “التي كنا نشاهدها وكأنها المطر” لنحو 48 ساعة. وساعد ريفاس في ذلك، رئيس غرفة العمليات المسؤول عن “التنقيط” (تحديد نقاط القصف للطيران) القائد باشور، وآمر السلاح الثقيل والمدفعية القائد هوزان.

وبعدما تأكدوا من مقتل الجميع في المخيم، شنوا هجوماً مساء الاثنين 18 آذار. واقتحم المخيم “فوج لاهينك” و”قوات قامشلوا” و”قوات الشدادي”، وجميعها كردية. فيما اقتحم المكان من جهة تلة الجهفة، قوات “جيش الثوار” بقيادة أبو علي برد، وهي القوات العربية الوحيدة، وقد جيء بها من ريف حلب الشمالي، وليست من أبناء المنطقة. يتابع أبو محجم: “نحن كنا في الخط الثاني، ولم يسمح لنا بالاقتراب سوى في الفجر، عندما طلب منا القيام بعملية تمشيط ثانية للتأكد من خلو المنطقة من الدواعش، مع منعنا من الاقتراب من أي أغراض أو أشياء في المكان، بل ومنعنا من تفحص الجثث”.

الباغوز بعيد الهجوم

يقول أبو محجم، واصفاً مشهد مخيم الباغوز بعد ساعات من سقوطه، بأن الجثث المتفحمة والأوصال البشرية المُقطعة، كانت تملأ المكان. ومن الواضح أن قذائف الطائرات والمدفعية قد مزقتهم. “لم نصادف في عملية التمشيط أي داعشي، ولم نواجه أي مقاومة، كان المنظر مؤسفاً بالفعل، وعلى الرغم من فظاعة ما ارتكبه داعش من إجرام إلا أننا جميعاً صدمنا لهول المنظر”.

يقول أبو محجم: “لم نصادف أي شخص حي، لا من مقاتلي داعش ولا من نسائهم واطفالهم، كانت القوات الكردية قد انهت المهمة. وإن كان من عمليات قتل، فقد قاموا بها هم انتقاماً لقتلاهم قبل يومين”. وأضاف: “نحن انتقمنا من داعش حين حررنا مناطق الشعيطات منهم، وانزلنا بهم الهزيمة في المعركة. نحن من بيئة قبلية، تأنف من قتل الطفل والمرأة، مهما كانت الأسباب، ونواجه خصمنا برجولة في ميدان القتال، ولا أعتقد أن بيننا من كان يمكن أن يرتكب جريمة من هذا النوع”.

هل شاركت الشعيطات؟

يقول أبو محجم، إن عدد من ساهم في حصار الباغوز من قبيلته، الشعيطات، لا يتجاوز 50 مقاتلاً، وجميعهم كانوا في الخط الثاني. “الأكراد أبعدونا عن الخط الأول في هذه المنطقة”، إذ تولى جهاز امني من الاستخبارات يقوده شخص يدعى آغري “عملية منع وصولنا إلى داخل المخيم الذي كانوا يتوقعون احتواءه على أشياء ومعطيات ثمينة، ويريدون الاستئثار بها لأنفسهم”. وكنا “مجموعتين صغيرتين نقوم بعمليات الحراسة عن بعد، الاولى تدعى مجموعة أبو عبد الشعيطي، والأخرى مجموعة خابات الشعيطات”.

القبيلة المنكوبة غاضبة

أبو علاوي الشعيطي، الناشط من الشعيطات، عبر عن غضب جماعته بالقول: “هذا استمرار للظلم الذي تعرضنا له حين كانت داعش تذبحنا بالسكاكين لأننا واجهناها قبل خمس سنوات. حينها لم يعطنا أحد طلقة واحدة لمحاربة الإرهاب”. وعندما جاء الأكراد، ساندتهم طائرات عشرات الدول، وعند مشاركتنا في القتال خلف الأكراد “ألقوا علينا تهمة ارتكاب المجازر”.

وأضاف أبو علاوي، أن العالم بأسره يعلم بأن “الدواعش” عندما امتنعوا عن تسليم أنفسهم في الباغوز قام الطيران بقصفهم واستخدم الفوسفور الأبيض، “فهل تملك قبيلة الشعيطات طائرات أو فسفوراً أبيض؟”. وأضاف: “لماذا لم يطالب أحد بفتح تحقيق دولي ومستقل، بجريمة مقتل 1200 من الشعيطات على يد داعش؟”، وإذ تطالب أجهزة “قسد” الإعلامية حالياً بفتح تحقيق دولي بمجزرة الباغوز، “فما سر هذا التعاطف الكبير مع الدواعش في هذه المرحلة؟ أم هو فقط لالصاق تهمة القتل بنا، وتحميلنا تبعاته الحقوقية وربما الانتقامية من خلايا التنظيم التي ما زالت نشطة كما يعلم الجميع؟”.

لماذا اتهام الشعيطات؟

أحمد السعيد، ناشط من منطقة الشعيطات، قال لـ”المدن”، إن سبب هذه الحملة في الوقت الحالي هو إلغاء أي دور للمكون العربي في تحرير المنطقة من “داعش”. وباعتبار الشعيطات ذوي سمعة وتاريخ في هذا المجال، “فقد تم استهدافهم بهذه التهمة لتحويلهم من محاربي إرهاب إلى مجرمي حرب، ووضعهم تحت التهديد بالمحاكمة وابتزازهم”.

وتساءل السعيد: “ألم تصدر منظمة العفو الدولية تقريراً يقول ان 1600 مدني قتلوا في معركة الرقة؟ هل كان الشعيطات هناك أيضاً أم أن المهاجمين كانوا جميعاً من الأكراد؟ ولماذا لا نرى من يطالب بفتح تحقيق دولي ومستقل من أجل هؤلاء؟ وإذا كان الشعيطات هم من اقتحموا الباغوز، فلماذا احتفل الاكراد وحدهم بالنصر ولم نر شعيطياً واحد على منصة الاحتفال؟ إم أن النصر للكرد والجرائم للعرب؟”.

المصدر: صحيفة المدن ١٦ أيار ٢٠١٩

قد يعجبك ايضا