معاناة الصناعيين والحرفيين في درعا


عمر المحمد|| درعا
تقع المدينة الصناعية في وسط مدينة درعا، وقد كانت من أهم الشرايين التي ترفد الحياة الاقتصادية في درعا المدينة خاصة والمحافظة بشكل عام، فهي تحوي حوالي 2500 محل وورشة من مختلف المهن والحرف من المطابع الورقية حيث كانت المطبعة العلمية المعروفة لأهالي درعا، إلى الورشات المختلفة الأخرى وقطع غيار السيارات واكسسواراتها.
أضحت المنطقة الصناعية على خط التماس بين قوات النظام وقوات المعارضة حيث تعتبر النقطة الفاصلة بين منطقة السد والمخيم من جهة (والتي هي تحت سيطرة قوات المعارضة)، وحي الكاشف والمحطة التي تقع تحت سيطرة القوات النظام.
بعد مرور أكثر من عامين على الثورة السورية وحوالي السبعة أشهر على استيلاء المعارضة على بعض المناطق في مدينة درعا، وبسبب الظروف الاقتصادية السيئة وبسبب غلاء المعيشة، اتخذ بعض أصحاب المهن من بيوتهم ورشات للعمل ومنهم من اضطر بعد نهب محله أو تدميره إلى العمل كأجير عند غيره، ومنهم من اضطر للهروب خارج البلد بحثاً عن لقمة العيش، ومنهم من أصيب إصابة أدت إلى إعاقة منعته من العمل فاضطر للعمل بحرفة أو عمل غير العمل الذي أتقنه بالأصل.
استطلعت “جسر” آراء بعض هؤلاء، وشرحوا لنا جانباً من معاناتهم. ففي حي السبيل في مدينة درعا، يقيم لؤي الذي يعمل في ميكانيك السيارات، والذي اضطر إلى إخراج بعض من أدوات عمله من محله إلى بيته والعمل أمام بيته ليؤمن لقمته ولقمة عائلته. وفي هذا السياق يقول لؤي: “بقينا حوالي الثلاثة أشهر، لا يجرؤ أحد على الذهاب إلى المحلات إلى أن سنحت الفرصة، وذهبت لإحضار بعض من معداتي التي تساعدني على البدء بالعمل من بيتي، حيث أقمت ورشة متواضعة وأعمل بها الآن. فغلاء المعيشة يتطلب مجهوداً أكبر من أجل العيش. العمل لم يعد كالسابق، فعدد السيارات في المدينة بات قليلاً مقارنة بالسابق بسبب حالات السرقة واستيلاء الأمن على الكثير من السيارات، فضلاً على اعتمادنا على سيارات الريف التي لم تعد قادرة على الوصول إلى المدينة وعدم توفر قطع الغيار، حيث كان الاعتماد على دمشق بهذا الخصوص واليوم طريق دمشق بات مقطوعاً أغلب الأحيان. لذا اضطررت إلى رفع أجور الإصلاح تماشياً مع الغلاء، ما أدى إلى إحجام الكثيرين عن إصلاح سياراتهم”.
أما نظمي (صاحب ورشة ألمنيوم )، فقد قام بنقل ورشته إلى بناء قيد الإنشاء قريب من محل إقامته الجديد، بعد أن اضطر لترك بيته في طريق السد بسبب الدمار الذي طاله، ويقول إنه فعل ذلك (نقل الورشة) خوفاً من النهب من قبل قوات النظام في المنطقة الصناعية أولاً، ومن أجل متابعة عمله. ولكن اعتقال والده ستة أشهر، وفصله من عمله، جعل لؤي المعيل للعائلة الآن بالإضافة إلى أخيه طالب الاقتصاد في جامعة دمشق الذي اضطر لإيقاف تسجيله ومساعدته بالعمل. ويقول لـ “جسر”: “لا يتجاوز عملنا اليوم بين إصلاح هنا أو هناك والتجهيز السريع للأمور الضرورية، فلم يعد العمل كما في السابق ولم يعد الناس يهتمون بالتفاصيل (كالمطابخ مثلاً والتراسات). اليوم الناس تضع الأبواب والشبابيك كيفما كان وبأقل التكاليف وبأقل الأسعار وأردأ الأنواع من أجل السكن. فالناس لا يعرفون أين سيبيتون غداً. إضافة إلى ارتباط أسعار المواد بالدولار الذي يرتفع يومياً، ما أسهم في ضعف حركة العمل”.
أما أنس الذي يعمل نجاراً، والذي أصيب بطلق ناري من قناص قريب من المنطقة الصناعية أثناء عودته من العمل، وأجريت له ثلاث عمليات اضطر خلالها لتركيب صفيحة بالساعد مثبتة ببراغي، فيقول لـ “جسر”: “بعد أن أصبحت شبه معاق، ولم أعد قادراً على العمل في مهنتي الأساسية، اضطررت للعمل كبائع خضار على بسطة، ويساعدني بعض أطفالي الذين تركوا الدراسة لأعيل العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص وزوجتي”. ويتابع حديثه بشأن إصابته: “أسعفت إلى المشفى الميداني في المخيم، ثم نُقلت إلى نصيب لتجرى لي ثلاث عمليات متلاحقة، ولم يتركوني حتى تأكدوا من سلامتي ووضع الصفيحة، ولم أتكلف ليرة واحدة. لكن ما إن عدت وتعافيت حتى صدمت بأن لي عائلة ولا بد أن تعيش ولا يوجد معيل غيري، وتمنيت على الجهات الإغاثية أو المكتب المالي بالائتلاف تخصيص راتب لي، فأنا اليوم لا أقوى على حمل كيلو واحد بيدي ويوجد الكثيرين ممن هم مثلي، ولم نجد أي شخص ممن يدعون دعمهم للجرحى فيما عدا شخص واحد، قدم لي مشكوراً مبلغاً كمساعدة، ولكن هذا لا يكفي فملف الجرحى وخصوصاً نحن الحرفيين الذين نعتمد على أيدينا يجب أن يولى أهمية وتوضع له إحصائية من أجل التعامل معنا ومساعدتنا”.
أما سامر محاميد، الذي يعمل في كهرباء السيارات والمقيم حالياً في الأردن في مدينة إربد، فيقول: “اعتقلت ستة أشهر في العام الماضي، حيث مورس بحقي أشد أنواع العذاب الجسدي، حتى أنني لم أستطع أن أمشي يوم أفرج عني. وفي الاعتقال قررت الهرب إلى أي بلد. المهم أن لا أعيش في كابوس إعادة الاعتقال وتكرار التجربة. وفي اليوم الذي خرجت فيه، وضبت حقيبة فيها ما يلزمني من ثياب وغيره، وكذلك زوجتي وطفلي الذي ولد و أنا في السجن واتجهت إلى نصيب (حيث المعبر إلى الزعتري)، ودخلت الأردن كلاجئ. وبعد أيام خرجت بكفالة من المخيم ومنذ حوالي الشهرين وجدت عملاً في أحد الورش في مدينة إربد وأنا الآن أعمل كأجير براتب 150 دينار أردني (أي ما يعادل 200 دولار أميركي)، وهذا الأجر غير كاف فأنا أدفع 100 دينار للسكن وبطاقة المفوضية، والخمسون دينار الباقية تكاد لا تكفي شيئاً.
ويضيف سامر بأن الكثيرين من أصدقائه أصحاب المهن قد اعتقلوا “بحجة التعامل مع المسلحين”، ومنهم من توفي تحت التعذيب ومنهم (رضوان البريدي) الذي اعتقل بتهمة صناعة عبوات ناسفة وتوفي تحت التعذيب في الفرع 215 بدمشق، ومنهم من لايزال معتقلاً منذ أكثر من سنة كالحاج يوسف المحاميد، ومنهم من هرب إلى دول اللجوء كمصر والأردن.
يشتكي كذلك سامر من أمر، وهو أن فئة الصناعيين والحرفيين لا يوجد لها صوت داخل الهيئات الثورية، ويطلب من الائتلاف باعتباره، حسب ادعائه، “ممثلاً للشعب السوري” أن يجدوا حلاً ولو مؤقتاً، فشريحة واسعة منهم تضررت ومحله في المنطقة الصناعية لا يعرف ماذا حل به.
هذه شرائح من أصحاب مهن مختلفة وبعض من معاناتهم لكن ما خفي كان أعظم.

 

قد يعجبك ايضا