«معرض دمشق الدولي» بين وليد توفيق ويحيى يخلف… مواسم نور خانم التهريجية مستمرة رغم الانتقادات… وفيروز بصوت فضل شاكر

نور حداد "نور خانم"

جسر: ثقافة:

نور حداد “نور خانم”

يجهد النظام السوري في استقطاب مبدعين من مختلف الاختصاصات لتقديم فعالياتهم في دمشق. بات نافلاً القول إن هذا الحرص ليس سوى استكمال لأجندة سياسية همّها التأكيد، ومنذ الأيام الأولى لاندلاع التظاهرات في البلاد، على أن «الأزمة خلصت، وسوريا بخير»، فما بالك اليوم وهم في عزّ نشوتهم بـ»النصر»!

ليس السؤال الآن من هم أولئك الذين يستجيبون لاستغاثات النظام من نجوم الثقافة والفن، ولا إن كان النصر حقيقياً أم مزعوماً، بل كيف يتعاطى الإعلام الناطق بالعربية مع أخبار النشاطات القادمة من دمشق، ما دامت، في معظمها، لتدعيم حكم النظام الشمولي، ناطقة باسمه، أو للتغطية والتمويه على ارتكاباته.

في تقارير مصوّرة من مراسلها في  دمشق، تتناول «سي ان ان» حفلات أقيمت أخيراً في دار الأوبرا السورية، للفنانة المصرية عفاف راضي، المنقطعة عن الغناء في بلدها وفي أي مكان آخر منذ سبعة عشر عاماً، والسورية ميادة الحناوي، وقبلهما مع المغنية اللبنانية عبير نعمة، برفقة قائد الأوركسترا ميساك باغبودريان. تساق تلك الفعاليات كأخبار فنية وحسب، من دون أي سياق أو خلفية لها. ونحسب أن هذه الطريقة باتت دارجة في معظم القنوات أو المواقع والوكالات الناطقة بالعربية، والتي تمرّر أخبار «نجوم» الممانعة، وتكرمهم أحياناً ولا كأنهم ممثلو أنظمة قاتلة.

لو راجع المشاهد فيديوهات «سانا» (وكالة أنباء النظام) عن الفعاليات نفسها لما وجد فرقاً يذكر، سوى أن ما يسمى «أوبرا دمشق» في «سي ان ان» يحمل اسم «دار الأسد للثقافة والفنون» في «سانا»، وهو تنازل يمكن للنظام السماح به لتمرير الخبر في قناة أمريكية.

هكذا يأخذ الإعلام على عاتقه إعادة تأهيل نظام متوحش، ولا نحسبه غافلاً عمّا يفعل. إذ لا شيء يحدث اليوم هناك من دون حساب. «عفاف راضي تعود للغناء بعد سبعة عشر عاماً من الانقطاع»، ليس هذا خبراً كافياً، فلا بدّ أن يلاحظ الإعلامي ما وراء ذلك، وفي أي سياق. لكن يبطل العجب والسؤال حين نعلم أن المراسل موال للنظام، بل إن إعلام الممانعة ملعبه الأثير، جنباً إلى جنب مع القناة الأمريكية المرموقة!

بين مغنٍ و«هتّيف»

أي سوريا التي يقصدها المغني اللبناني وليد توفيق حين راح يردّد في حفله في «معرض دمشق الدولي» الأخير: «حبيبتي سوريا. سلاحها الإيمان. سوريا يا عزنا. بالروح نفديك»؟ هل هي سوريا مئات الآلاف من اللاجئين الذين لا بدّ أنه لمح بعض خيامهم إثر عبوره من بيروت إلى دمشق؟ أم هي سوريا الحواجز التي لا شك أنها أوقفته ولو بداعي التحية والتقاط الصور؟ هل هي سوريا حرائق الحرب الأهلية المتنقلة في لبنان، المشتعلة بأوامر قواته على مدى العقود الأربعة السابقة؟ أم الاغتيالات المروعة لأحرار لبنان، من كمال جنبلاط إلى حسن خالد ورفيق الحريري وسمير قصير ورفاقهم؟

لكن كيف يعتب المرء على مغنواتي منتهي الصلاحية، من دون موهبة عظيمة حتى في أيام عزّه، إذا كان مثقف وروائي بارز كالكاتب الفلسطيني يحيى يخلف يبلغ قاعاً أبعد وهو يحيّي ما أسماه «الدولة السورية» بمناسبة افتتاح «معرض دمشق الدولي»، هاتفاً باسم دمشق «عاصمة العروبة وكرامتها ومقاومتها»، متغنياً بـ «انتصارها على الإرهاب والإرهابيين»، ممجداً «جيشها العظيم»، مذكراً بأن الثورة الفلسطينية انطلقت منها!

حسناً فعل الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو في رسالة صحافية مفتوحة يذكّره فيها بسجن الزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمار، ثم طرده مجرداً من مسدسه في عام 1983، إلى شق منظمة التحرير ومحاولات شطبها، هذا عدا عن اعتقالات بالآلاف ولسنوات طوال لـ «جماعة عرفات»، في معتقلات النظام. بالإضافة بالطبع إلى المظالم والمجازر التي لحقت بالفلسطينيين، أسوة بأشقائهم السوريين، في سنوات ما بعد الثورة السورية.

نص يحيى يخلف في مديح رموز سوريا الأسد (حتى لو لم يسمّ الأخير صراحةً) هو نفسه أغنية وليد توفيق. ثنائية تليق بمسخرة هذا الشرق المنكوب بحكامه كما بمثقفيه وفنانيه.

مواسم «نور خانم»

لا يصدق كثيرون أن نور حداد خانم، المذيعة السورية على تلفزيون «سوريا» وتلفزيون «العربي»، مستمرة موسماً آخر في برنامجها «نور خانم» من دون تعديلات تذكر، من دون حساب لانتقادات كثيرة واجهتْها في الموسم الأول من برنامجها.

لا ننكر جهود فريق البرنامج في التقاط مفارقات وطرائف، بل وكوارث لدى إعلام النظام، لكن المشكلة كلها الآن باتت في مقدمته حدّاد. صحيح أن الأخيرة قدمت نموذجاً مغايراً للمذيعة المحجبة التقليدية التي تتحرك وتبتسم وتتحدث بحساب، لنرى فيها نسخة مودرن أقرب إلى روح الشباب، لكن لا بدّ من القول إن أداءها، المستلهم من روح كوميديا التهريج السورية الشائعة في مسلسلات هشام شربجتي، بات منفّراً وأقرب إلى النسخة التهريجية ذاتها. كل الظن أن عين حداد كانت دائماً على التمثيل لا الإعلام والتقديم البرامجي، على التمثيل الكوميدي خصوصاً، والذي لا يصلح بالضرورة لبرنامج يتمنى الجمهور أن يقدم نموذجاً مضاداً لإعلام النظام، لا أن يتحول إلى مادة متخمة بكل هذا الابتذال.

فيروز بأصوات أخرى

ليس سهلاً أن يتقبّل المرء أغنية فيروزية بصوت مغنٍ، خصوصاً مع أغنية مثل «يا ستي»، فيها حديث عن فستان العرس، وخلافه من شؤون وذكريات بين بنت وجدتها، كما فعل أخيراً اللبناني فضل شاكر إثر إعلانه العودة إلى الغناء، لكن قد يكون مشوّقاً التنويع على الفيروزيات بأصوات وتوزيعات جديدة، بل إن ذلك قد يفيد في الإضاءة على جمال وأداء الصوت الفيروزي من جديد.

بعد «بحبك يا لبنان»، و«يا ستي»، من الواضح أن فضل شاكر مستمر في استعادة فيروز على طريقته. العائق الوحيد، هو «الأخ الأكبر» ريما الرحباني.

٭كاتب فلسطيني سوري

القدس العربي 9 أيلول/سبتمبر 2019

قد يعجبك ايضا