موت سوريا البطيء

رأي: كينيث باندلر* - ترجمة: بيان قايم أوغلو

على مدى السنوات التسع الماضية أجبر أكثر من 2.6 مليون طفل على النزوح داخل سوريا، وهناك 2.5 مليون طفل من بين السوريين المسجلين كلاجئين في البلدان المجاورة.

اﻷطفال

جسر: ترجمة:

لم تعان أي مجموعة بشرية أكثر من الأصغر سنا في البلاد

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد حكما بالإعدام على بلاده قبل وصول فيروس كورونا بوقت طويل.

باستخدام كل الأسلحة المتاحة التي صنعها الإنسان؛ من الرصاص إلى المواد الكيميائية، قُتل أكثر من 500 ألف سوري منذ عام 2011، على الرغم من أن الأمم المتحدة توقفت عن إحصاء عدد القتلى منذ عدة سنوات. وتم تشريد حوالي نصف سكان سوريا خلال الحرب؛ حيث يعيش 5.5 مليون لاجئ في الأردن ولبنان وتركيا، فيما نزح ستة ملايين آخرين، أغلبهم عدة مرات، داخل سوريا.

لم تعان أي مجموعة بشرية أكثر من الأصغر سنا في البلاد، فقد بدأ الأسد أعمال العنف باعتقال وتعذيب أطفال المدارس في مارس 2011، في ذلك الوقت كان 35٪ من سكان سوريا البالغ عددهم 21 مليون نسمة تحت سن 14 عاما.

على مدى السنوات التسع الماضية أجبر أكثر من 2.6 مليون طفل على النزوح داخل سوريا، وهناك 2.5 مليون طفل من بين السوريين المسجلين كلاجئين في البلدان المجاورة.

ولكن وسط هذه المأساة المستمرة تستمر دائرة الحياة، ومنذ عام 2011 ولد 4.8 مليون طفل في سوريا، وملايين آخرين ولدوا كلاجئين في البلدان المجاورة.

ويعرض مصيرهم مستقبل هذا البلد المنكسر بقسوة للخطر، ولم يُبذل الكثير لحماية أطفال سوريا، وبتمييز بسيط بين المدنيين والمعارضين المسلحين لحكمه، فقد استهدف الأسد بمساعدة هدّامة من إيران وروسيا، المدارس والمخابز ومحطات معالجة المياه ومرافق الرعاية الصحية بشكل عشوائي.

لا يحصل أكثر من مليوني طفل على أي تعليم رسمي؛ حيث تم تدمير ما يقرب من 30٪ من المدارس في سوريا، فيما حُرم 900 ألف طفل آخر في مخيمات اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة من التعليم.

الوضع في شمال غرب سوريا قاتم بشكل خاص، في وقت سابق من هذا العام وصل إلى إدلب أكثر من 900 ألف شخص، بينهم 500 ألف طفل يبحثون بيأس عن قدر من الأمان، تم دفعهم إلى شمال غرب سوريا بناء على رغبة وتخطيط من نظام الأسد، وجاء العديد من هؤلاء النازحين من حلب بعد معاناة حصار وحشي دام أربع سنوات فور استعادة نظام الأسد حلب في عام 2016، في ظل تحذيرات من أن إدلب ستصبح حلب التالية.

وكشف تقرير حديث لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن أثر النزاع على أطفال سوريا: “سرقت طفولتهم وأجبروا على المشاركة في حرب وحشية، قتل الأطفال وشوهوا بأعداد كبيرة”، بحسب لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا، انتقدت اللجنة نظام الأسد وكذلك “الدولة الإسلامية-داعش” وسواهما بسبب الانتهاكات القاسية واسعة النطاق التي تعرض لها الأطفال.

إن نظام الأسد هو المسؤول في نهاية المطاف عن هذه الحرب وتدمير الأرواح والممتلكات، بالتعاضد مع النقض الروسي المستمر لقرارات مجلس الأمن الدولي حسنة النية، ما يمنع إيصال المساعدات الإنسانية.

عززت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدمشق في كانون الثاني/يناير الماضي، وزيارة وزير الخارجية الإيراني ظريف هذا الشهر للاجتماع بالأسد، التزام دولتيهما بالحفاظ على النظام، فضلا عن استمرار وجود القوات الإيرانية والروسية على الأرض في سوريا، لقد استثمر هذان البلدان في سوريا أكثر من أي دولة أخرى، وتجاوزت مليارات الدولارات التي أنفقاها تعهدات الدول الغربية والعربية المانحة التي تحاول تقديم الإغاثة الإنسانية الأساسية.

كما أعاقت موسكو جهود إحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ومن المرجح أن تكون محاكمة ضابط مخابرات سوري سابق فر إلى أوروبا مثالا نادرا في تقديم المسؤولين عن الجرائم الموثقة ضد الإنسانية في سوريا إلى العدالة.

الآن، مع الكشف عن الحالات الأولى لكوفيد-19 في سوريا هذا الشهر، تدعو وكالات الإغاثة الدولية إلى وقف الأعمال العدائية لتمكين العاملين في المجال الطبي من وقف الانتشار المحتمل للمرض، السكان اللاجئون الذين يعيشون في أماكن مزدحمة للغاية ويفتقرون إلى المرافق المناسبة للنظافة، هم عرضة للإصابة بشكل خاص، لكن وبفضل نظام الأسد، بالكاد يمكن لنظام الرعاية الصحية، الذي تعرض للتنكيل مرارا وتكرارا، مواكبة اﻷزمات الناتجة عن النزاع.

أفادت “فاينانشيال تايمز” أن النظام الصحي في سوريا ممزق بالفعل، وبعد 600 هجوم على المرافق الصحية منذ بدء النزاع، فقط نصف المستشفيات والمراكز الصحية العامة في سوريا تعمل بكامل طاقتها وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية.

كانت النجاة هي الأولوية للعديد من السوريين، لقد عانوا من صعوبات لا تصدق وتحت تهديد مستمر بالعنف والموت، بينما كانوا يبحثون عن مأوى وطعام، في الوقت الذي كانوا يحاولون فيه الاحتفاظ ببعض الأمل في أن ينتهي هذا الصراع وأن بعض أشكال الحياة الطبيعية ستعود لحياتهم. مع ذلك فبالنسبة لمئات الآلاف من الأطفال، فإن النزاع هو وضعهم الطبيعي.

أفادت اليونيسف أن “كل طفل سوري تأثر بالعنف والتشريد وقطع العلاقات الأسرية وانعدام الوصول إلى الخدمات الحيوية”، وأنه “كان لذلك تأثير نفسي كبير على الأطفال”.

إن الموت البطيء للأمة السورية له نتائج بعيدة المدى على جيران سوريا والعديد من الدول الأوروبية التي استقر فيها اللاجئون، بالنسبة لإسرائيل التي ردت على توغل القوات الإيرانية في سوريا، ولمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وأشار والتر راسل ميد في عموده في صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن “سوريا استنفدت تعاطف العالم”، وأضاف “لقد قضت تسع سنوات من الحرب الأهلية، التي شهدت كل منها فظائع وأهوال أسوأ من التي سبقتها، قضت على ضمير العالم”.

 

*نُشر في “جيروزاليم بوست” اﻻثنين 27 نيسان/أبريل 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا