نظام الرعاية الصحية المدمر في سوريا غير مستعد لمواجهة الجائحة

إعداد: إليزابيث تسوركوف* وقصي جوخدار**

طفل في حي مدمر بسبب قصف النظام في أريحا، 11 نيسان/أبريل، عارف وتد/أ ف ب

جسر: ترجمة:

طفل في حي مدمر بسبب قصف النظام في أريحا، 11 نيسان/أبريل، عارف وتد/أ ف ب

أصبح الجو العام في مستشفى دمشق الرئيسي أكثر توترا وتسوده حالة من الخوف والقلق منذ بدايات آذار، حيث انتشرت شائعات على وسائل الإعلام المؤيدة للمعارضة عن أعداد كبيرة من الحالات المرضية المصابة بالفيروس (كوفيد-19). حيث كانت وسائل إعلام النظام السوري تزعم أن سوريا لا تزال خالية من أي حالات مرضية، وكلتا الروايتين خاطئتين.

فلم يتم فحص المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض الفيروس، على الرغم من أن الكادر الطبي في المستشفى قام بجمع عينات من المرضى، وأن منظمة الصحة العالمية قد سلمت بالفعل أجهزة الـ PCR اللازمة لإجراء الفحص الخاص بالفيروس لدمشق.

أدرك الطبيب الخبير حسان الذي يعمل في المستشفى أن ضباط المخابرات الذين ركزوا فيما مضى على حراسة المرضى المعتقلين سياسيا والتأكد من عدم وجود أي تواصل بينهم وبين الموظفين، أصبحت مهمتهم الجديدة الإضافية الآن التأكد من عدم تسريب معلومات حول حالات قد تكون مصابة بالفيروس. منذ ذلك الحين، توقفت سوريا عن إنكار وصول الفيروس إليها.

رسميا، سوريا سجلت فقط 42 حالة إصابة بالفيروس، 41 منها في المناطق المسيطر عليها من قبل النظام، في ظل محدودية القدرة على إجراء الفحوص الطبية في كل أجزاء سوريا.

فالعدد الفعلي للحالات المصابة أكبر، ولكن يبدو أن عدد الحالات الخطرة قليل في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن المقابلات مع الأطباء والمنظمات غير الحكومية التي أجريت عن طريق الهاتف وتطبيقات المراسلة في جميع مناطق سوريا، رسمت لنا صورة محبطة عن القطاع الطبي غير المستعد لتفشي هذا الوباء. على الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، فمن المحتمل ألا تتمكن هذه الجهود من إحداث تأثير حقيقي في زيادة قدرة سوريا على الاستجابة للوباء.

القطاع السوري الصحي الضعيف

لن يسلم السوريون في جميع أنحاء البلاد من ضعف البنية الصحية في سوريا، قد يواجه البعض احتمالات أسوأ من الآخرين لكن الجميع سيتأثر.

لقد تدمر نظام الرعاية الطبية في سوريا بعد سنوات من الحرب، مع فرار 70% من العاملين في المجال الطبي، وخاصة الأكثر خبرة منهم، منذ اندلاع الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية.

حيث دمر النظام السوري والقوات الجوية الروسية معظم المستشفيات العامة في البلاد. حتى قبل الحرب، كانت المستشفيات العامة تقدم مستوى منخفضا من الرعاية الطبية في جميع أنحاء سوريا. فالإمدادات الطبية قليلة وقد تكون نادرة في بعض الأحيان، والمرضى غالبا يموتون من جروح وأمراض ليست خطيرة، والكادر الطبي يعمل فوق طاقته وغالبا ما يكون غير مؤهل فعدد سيارات الإسعاف محدود مما يؤدي إلى عدم الحصول على الرعاية الصحية الكافية لا سيما في البلدات البعيدة عن محاور المدن الرئيسية.

في حين أن السلطات السورية تدعي أنها تكافح الفيروس من خلال عمليات الإغلاق الخاصة بها؛ فإن عدم القدرة على إحكام الحدود والممرات العابرة يؤدي الى استحالة عزل سوريا عن العالم، حيث يستمر التهريب بين جميع مناطق سوريا، وكذلك تهريب اللاجئين العائدين من تركيا (بعضهم من الشباب الذين فقدوا وظائفهم بسبب التوقف عن العمل خشية زيادة انتشار الفيروس)، وأيضا التهريب من وإلى لبنان ذهابا وإيابا، والمليشيات الموالية لإيران تواصل دخولها من العراق ولبنان. بينما تم تسجيل 41 إصابة بالفيروس في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، من ضمنهم حالة واحدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرق سوريا، يعتقد الأطباء والمنظمات غير الحكومية أنها مسألة وقت فقط حتى ينتشر الوباء في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، هذا إن لم يكن قد انتشر فعلا.

يخشى الخبراء والأطباء من أن ينتشر الوباء بشكل متسارع في سوريا بسبب الاكتظاظ السكاني وعدم القدرة على العزل الذاتي، أثناء القيام بالفحص المطلوب للمرضى المصابين بأعراض الفيروس وعدم القدرة على مراقبة الحالات المعزولة صحيا.

حتى لو أخذ السوريون الوباء على محمل الجد (وكثير منهم لا يفعلون حاليا ذلك)، فإن نسبة ضخمة من السكان بحاجة للعمل اليومي كي تؤمن مستلزمات العيش، مما يجعل التوقف عن العمل أمر لا يمكن أن يستمر طويلا.

حيث تضم سوريا الملايين الذين يعيشون في أماكن مكتظة بالسكان، بما في ذلك السجون ومخيمات النازحين والأحياء الفقيرة، فمن الواضح أن وجود الفيروس في مثل هذه الظروف يؤدي إلى حدوث إصابات جماعية واسعة النطاق.

فعدد الأطباء المتبقين في سوريا المؤهلين للتعامل مع مرضى الكوفيد-19 محدود للغاية. تقدر التقارير الإعلامية والأبحاث استطاعة القطاع الصحي السوري من خلال حساب عدد أجهزة التنفس وأسرّة العناية المركزة في البلاد، ولكن يبدو أن المشكلة الحقيقية تكمن في إمكانية وجود موظفين مؤهلين لاستخدام أجهزة التنفس. وأوضح الدكتور عمر الحراكي الذي يعمل في مشفى باب الهوى في إدلب أن “المريض على جهاز التنفس الصناعي يحتاج إلى طبيب مدرب للغاية، وتوقف جسد المريض عن العمل وحياته تعتمد بالكامل على الطبيب المشرف”. علما أن التدريب المطلوب للإشراف على المرضى الموضوعين على أجهزة التنفس الصناعي معقد.

وأوضح شفغر كيفوك طبيب طب الطوارئ المتطوع في شمال شرق سوريا من المملكة المتحدة أنه “لا يمكن رفع مستوى الكادر الطبي بسرعة، حيث إن تعلم هذه المهارة ليس بهذه السهولة ولا يمكن تعلمها عن طريق ما يسمى دورات مكثفة، فمن الممكن تعلم التعامل مع إصابات الحرب في غضون أيام قليلة، وقد فعلنا ذلك خلال الغزو التركي في تشرين اﻷول/أكتوبر 2019، ولكن لم نتعامل مع المرضى على أجهزة التنفس الصناعي”.

وقد قال الدكتور الحراكي بصوت متألم: ليس لدينا القدرة على التعامل مع الحالات الحرجة، سيموتون.

معظم الذين ينتهي بهم الأمر على أجهزة التنفس في إدلب ينتهي بهم المطاف بالموت، حتى لو تم نقلهم بعد ذلك إلى تركيا. ولن تؤدي الوفاة المتوقعة لمعظم المرضى الذين يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي إلى جعل هذا المورد الحيوي متاحا بشكل كبير. أوضحت أليكس منسقة العلاقات في شمال شرق سوريا العاملة في منظمة غير حكومية طلبت حجب اسمها لكي تتحدث بصراحة أن “انشغال جميع الأَسرّة سيكون أسرع، لكن في الحالات التي يمكن انقاذها، فهم بحاجة لأن يبقوا على الأكسجين من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لذا فإن هذه الحالات ستشغل النظام الصحي بسرعة لدرجة عدم القدرة على الاستيعاب”.

توقعات مؤلمة

إذا لم يتم إيقاف هذا الوباء، فمن المحتمل أن كثير من مئات الدكاترة الممرضين المدربين لعلاج الحالات الحرجة المصابة بالفيروس سيصابون بالفيروس، خاصة وأنهم يفتقرون إلى المعدات الوقائية إضافة إلى الممارسات غير الكافية في إجراءات منع العدوى والوقاية. حيث يتوقع العاملون والأطباء في المنظمات غير الحكومية أن تنتقل العدوى للمستشفيات غير المخصصة لعلاج الكوفيد-19، عند ذلك يجب أن يتم إغلاقها وأن تخضع لجلسات تطهير كاملة أو تتحول الى أجنحة مخصصة لمرضى الكوفيد-19.

وحذر حكيم الخالدي رئيس بعثة سوريا في منظمة أطباء بلا حدود أنه “إذا لم تستطع المستشفيات التي تم تغيير هدفها لعلاج مرضى الفيروس أن تعالج الحالات الشديدة والحرجة، فإن هذا التغيير لن يكون مفيدا”. وهذا التغيير سيعني أيضا أن الأفراد الذين يعانون من ظروف صحية يمكن علاجها حتى بإمكانيات محدودة لن يتمكنوا من الحصول على الخدمات الطبية المطلوبة.

على الرغم من الجهود الجبارة المستمرة التي تبذلها المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، وكذلك وكالات الأمم المتحدة، لزيادة قدرة النظم الصحية المحلية على التعامل مع الأزمة. فمن المحتمل أنها ستؤدي الى تأثير محدود فقط.

حيث كتب الدكتور فرانشيسكو تشيتشي أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM)، في رده على أسئلة تم طرحها عليه عبر البريد الالكتروني، كتب الآتي: “حتى مع المساعدة الخارجية من المستبعد للغاية أن تكون سوريا (سواء المناطق التي يسيطر عليها النظام أو التي تسيطر عليها المعارضة) قادرة على زيادة القدرة الاستيعابية من حيث عدد الأسرّة، بناء على ما نعرفه في الوقت الحاضر، فإن الاحتياجات المتوقعة للقدرة الاستيعابية للعناية المركزة تفوق بكثير ما هو متاح حاليا”.

في حين أن الخبراء حريصون على نمذجة تفشي الوباء في سوريا، رغم العديد من المتغيرات غير المعروفة ونقص الحالات المماثلة التي شهدت تفشيا كبيرا حتى الآن، فإن الجمع بين الكثافة وضعف البنية التحتية الصحية يثير قلق الأطباء والعاملين في المنظمات غير الحكومية.

يتوقع نموذج تم تطويره لمخيم كبير من اللاجئين في بنغلاديش من قبل مدرسة جونز هوبكنز للصحة العامة، أنه بسبب عدم القدرة على عزل السكان، فإن غالبية سكان المخيم سوف يصابون بالفيروس. عندما طُلب تقييم كيفية ظهور تفشي الفيروس في إدلب، علق المصمم الرئيسي لهذا النموذج الدكتور شون ترويلوف في رده عبر البريد الإلكتروني بأن “نسبة عالية جداً من السكان من المحتمل أن يصابوا بالفيروس”. واستنادا إلى البيانات التي قدمت له حول قدرات القطاع الصحي في إدلب، أضاف: “لم نقم بأي تحليل لهذه الفئة من السكان، ولكن بناء على هذه الأرقام أتوقع أن تصبح مستشفياتها ووحدات العناية المركزية غير قادرة على ضبط قدراتها الاستيعابية، لأن الأرقام المطلوب استيعابها ستتضاعف عدة مرات”.

من ناحية أخرى، يبدو أن منظمة الصحة العالمية تتوقع انتشارا بسيطا في سوريا. في اجتماعات أقيمت في دمشق مع وزارة الصحة وكذلك مع المنظمات غير الحكومية المشاركة في المجموعة الصحية في غازي عنتاب، المسؤولة عن تقديم مساعدات عبر الحدود في منطقة شمال غرب سوريا، قدم ممثلو منظمة الصحة العالمية شرائح بناء على معدل هجوم فيروس كورونا المعلن رسميا في ووهان في الصين: 115 إصابة لكل 100 ألف شخص، و 5٪ فقط منهم في حالات حرجة.

في ووهان، تم اتخاذ تدابير صارمة كترك مسافة أمان بين الأشخاص، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير حجر صحي صارمة، ومنع الأشخاص من مغادرة منازلهم بشكل قطعي عن طريق لحام أبواب العمارات المغلقة. وهناك لم تُدمر الحرب البنية التحتية الصحية للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن معدل الهجوم الرسمي الذي أبلغ عنه النظام الصيني مشكوكاً فيه للغاية، وتعترف بكين بإحصاء الحالات الي ظهرت عليها الأعراض فقط.

حيث قال الدكتور عبد الرحمن العمر المستشار الصحي في الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) الذي حضر الاجتماع: ” قلنا لمنظمة الصحة العالمية أنه من غير المنطقي تطبيق نموذج ووهان في إدلب، وهو مكان بلا حكومة ولا قدرات مع استمرار التجمعات الجماهيرية فقبل أيام قليلة كانت هناك مباراة لكرة القدم في قاح شمال إدلب. حيث سألتهم، لماذا تستخدمون معدل هجوم ووهان؟؟ – ففي ميشيغان، يبلغ معدل الهجوم 244 لكل 100 ألف، لماذا نطبق معدل ووهان وليس ميشيغان؟” إذ يبدو من الغريب أن منظمة الصحة العالمية تعتبر أن سوريا ستفعل ما هو أفضل من ما فعلته ووهان.

قال الدكتور العمر: “أخبرتنا منظمة الصحة العالمية أنهم يعتقدون أن النموذج المناسب لإدلب هو 50٪ من معدل الهجوم في ووهان”. وبالتالي، تقدر منظمة الصحة العالمية أن 121 شخصا فقط من بين أربعة ملايين نسمة في شمال غرب سوريا سيحتاجون إلى الرعاية المركزة، وأن 2413 شخصا سيصابون بالفيروس.

أما دمشق فقررت أن النموذج المناسب هو 25% من سيناريو معدل الهجوم، وبالتالي فهي تستعد لحوالي 2445 حالة إجمالاً من أصل 8.5 مليون سوري يعيشون تحت سلطتها، وحوالي 122 مريضا يصلون إلى مرحلة الحاجة للعناية المركزة. إن خطة مواجهة انتشار الفيروس لإدلب ودمشق تستند إلى هذه الافتراضات.

في الوقت الذي أغلقت البلدان حول العالم حدودها واقتصادها، اتخذت سوريا العديد من التدابير والإجراءات في جميع المناطق بخلاف إدلب، كإيقاف العمل، حيث اتخذت سوريا هذه الإجراءات من الدول التي تبنت هذا الحل أولا، مثل الصين والدول المتقدمة في آسيا والغرب، إن سوريا ليست الدولة الفقيرة الوحيدة التي تتبنى مثل هذه الحلول ففي جميع أنحاء العالم قامت الحكومات بإغلاق اقتصادها. حيث تستخدم عمليات الإغلاق هذه في الغرب لزيادة القدرة الاستيعابية للمشافي وتطبيق أنظمة الفحص الشامل للسماح لهذه البلدان بالتعامل بشكل أفضل مع الوباء ريثما يتم العثور على لقاح.

أما في سوريا، فقد تؤدي محاولات رفع مستوى القدرات الاستيعابية إلى نتائج ضئيلة أو هامشية. ومن ناحية أخرى، فإن تأثير التوقف عن العمل على الاقتصاد السوري مدمر بالفعل، حيث يعتمد العديد من السوريين على العمل اليومي لتأمين احتياجاتهم المعيشية من أجل استمرار عيشهم.

دعا علماء الأوبئة في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM) إلى إتباع بديل من نسخ النموذج المستخدم في البلدان المتقدمة الذي هو حماية الفئات الأكثر ضعفا بين السكان. يستلزم هذا الحل عزل الأشخاص الأكثر عرضة لتفشي الفيروس. مثل المسنين وضعاف المناعة، بينما يصاب باقي السكان بالعدوى، ويتعافوا ويطورون مناعتهم، حيث يعتقد الخبراء أن هذا هو الحل الأنسب للمناطق المدمرة بسبب الحرب، ومع ذلك يتطلب هذا الحل موافقة السلطات الحاكمة والمجتمعات والمنظمات غير الحكومية، بينما في جميع أنحاء العالم، سارعت البلدان والمجتمعات إلى العمل في الإجراءات اللازمة فقط بعد أن بدأ الوباء في الانتشار.

إجراءات فحص الدم في مشفى اﻷسد الجامعي بدمشق، لؤي بشارة/أ ف ب

المناطق التي يسيطر عليها النظام: استجابة غير كفؤة ومحكومة أمنيا

خلال الحرب، تفاقمت المشاكل طويلة الأمد التي أصيب بها النظام الصحي في سوريا، والتي هي الفساد، الاستغلال، التوظيف تبعا للمحسوبيات والمعارف، والفروق الكبيرة في جودة تقديم الرعاية الصحية بين المناطق.

ويتجلى ذلك في الفساد بلا رادع والإفلات من العقاب الممنوح لمسؤولي الدولة وفي ظاهرة واسعة النطاق لسرقة الإمدادات الطبية من المستشفيات الحكومية من قبل الموظفين ويطالب المرضى بدفع تكاليف الفحوص الطبية. حتى قبل الحرب، حيث كانت معظم المناطق ضعيفة الحصول على رعاية صحية جيدة ما عدا مراكز مدن دمشق وحلب وطرطوس واللاذقية.

خلال الحرب، أصبح توفير جميع الخدمات، بما في ذلك الرعاية الصحية شيء أقرب للنادر. حيث ضرب النظام السوري وروسيا مناطق خارج سيطرة النظام، مثل جنوب سوريا والغوطة الشرقية وحمص، واستهدفت على وجه التحديد القطاع الصحي والمستشفيات. لأن النظام يستهدف على وجه الخصوص العاملين في القطاع الطبي من أجل القبض عليهم واعتقالهم، وذلك من خلال صفقات التسليم والاستسلام التي فرضها النظام (تحت عنوان اتفاقيات “المصالحة”)، نسبة كبيرة من الطاقم الطبي اختار النزوح إلى الشمال بدلا من البقاء تحت سيطرة النظام. فمنذ استعادة النظام لهذه المناطق، لم تتم استعادة الخدمات الصحية إلى حد كبير ولم تتم إعادة بناء المستشفيات.

قال محمد أحد موظفي وزارة الكهرباء القاطنين في حرستا، والتي استعادها النظام السوري في 2018 بعد خمس سنوات من الحصار، “كانت أيام العيش تحت كنف المعارضة أفضل من الآن، فعلى الرغم من نقص المعدات الطبية والأدوية، على الأقل حاول الأطباء والممرضين بذل قصارى جهدهم لتقديم الخدمات للجميع. أما الآن فالرعاية الطبية في مستشفيات النظام مبنية على المحسوبيات وما يسمى بـ “الواسطة””.

تشير إدارة نظام الأسد لأزمة كوفيد-19 إلى أنه يرى هذا الوباء، أولا وقبل كل شيء تهديدا محتملا لقبضته على السلطة. فلقد أعاقت القرارات العديدة التي اتخذها نظام الأسد بالفعل قدرة الكادر الطبي على معالجة الأزمة وحماية أنفسهم والمواطنين من انتشار الفيروس. ومن هذه القرارات عدم إيقاف الرحلات الجوية القادمة من إيران والتي تعتبر بؤرة وباء، والسماح للمليشيات الموالية لإيران والمستشارين الإيرانيين بدخول سوريا من العراق ولبنان والاحتكاك مع عناصر الجيش السوري، أيضا عدم السماح لمنظمة الصحة العالمية بإنشاء مختبر يحوي جهاز (PCR) في شمال شرق سوريا، مما أعاق بشكل كبير القدرة على تتبع الحالات المصابة بالفيروس بسرعة وعزلهم صحيا، وعدم إفشاء معلومات مهمة حول حالات الكوفيد-19 التي تسمح للمجتمع بالوعي حول حماية أنفسهم، وردع الأشخاص من الإبلاغ عن الحالات المشتبه بها.

أيضا اتخذ النظام خطوات أخرى تشير الى عدم الكفاءة الواضحة. حيث لم تنفذ وزارة الصحة أي فحوصات لمدة شهر كامل بعد تلقي أجهزة الـPCR من منظمة الصحة العالمية في منتصف شباط 2020، ولا يتم معرفة نتائج فحص الأفراد المشتبه بإصابتهم بالفيروس لعدة أيام، حيث يستمرون خلال هذه الأيام بالتحرك ونشر الفيروس.

فرضت الحكومة إجراءات إغلاق لضبط الازدحام في الشوارع، ولكن وزارة الصحة لا تقوم بإجراءات الفحص اللازمة للأفراد الذين كانوا على صلة مع أشخاص مصابين بالفعل بالكوفيد-19، ولا تقدم الحكومة معلومات واضحة حول كيفية فحص الأفراد الذين يعتقدون أنهم مصابون بالفيروس، ولم تقم وزارة الصحة بتزويد العاملين في القطاع الطبي بمعدات الوقاية الشخصية، او إبلاغهم عن أعراض الكوفيد-19 أو تدريبهم على تدابير وإجراءات منع العدوى والوقاية والسيطرة.

اتخذت دمشق عددا من الخطوات بهدف تقليص انتشار الفيروس، بما في ذلك إغلاق المدارس والجامعات وإيقاف الصلوات الجماعية في المساجد وأمر إغلاق المحلات التجارية وتقليل ساعات عمل موظفي الدولة وإنهاء الحركة بين المحافظات بالإضافة الى حظر التجول وذلك من السادسة مساء حتى السادسة صباحا.

لكن حظر التجول بهذه الطريقة يضمن لنا أن تكون الأسواق ومراكز توزيع السلع المدعومة مكتظة ومزدحمة خلال ساعات عملها المحددة من قبل النظام.

المخابرات حاضرة دوما

على غرار تعامل الصين وإيران مع الأزمة، وبدلا من المضي قدما في مواجهتها، سعت دمشق إلى إبقائها غير معلنة وسرية. فقد كان رد فعل النظام على تفشي الوباء هو محاولة التحكم في المعلومات التي يتم تسريبها. حيث تم نشر المخابرات التي هي جوهر الجهاز الحاكم للنظام من أجل السيطرة على نطاق انتشار المعلومات خارج المستشفيات.

اعتقلت المخابرات الأفراد الذين نشروا شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الحالات المحتملة المصابة بالكوفيد-19، حتى لو كانوا ينشرون معلومات دقيقة حول الحالات. فعندما أبلغ أحد سكان ريف دمشق زملاءه من خلال مجموعة على واتساب أن زميلهم كان مريضا، تم اعتقاله، على الرغم من أن هذه المعلومات تشجع الأفراد على إجراء الفحوصات أو العزل الذاتي ومنع انتشار الفيروس.

وأخبر بعض الأطباء العاملون في العيادات بأنهم تلقوا زيارات من المخابرات بعد تجرؤهم على إرسال مرضى يشتبه بهم في إصابتهم بالكوفيد-19 لإجراء المزيد من الفحوصات في دمشق.

روى داود وهو طبيب يدير عيادة خاصة في منطقة مجاورة لحدود لبنان أنه استقبل مريض دخل عبر معبر حدودي غير نظامي من لبنان، وكانت تظهر عليه أعراض تشير أنه مصاب بالكوفيد-19 فوجهه داوود للاختبار في دمشق. وتابع قائلا: “جاءت المخابرات الى عيادتي وأخبرتني أن أبلغهم عندما أتلقى حالات مشبوهة بإصابتها بالكوفيد-19 وتلقيت أوامر بعدم توجيه المرضى والحالات المشتبه بها لإجراء الفحوصات بمفردي وإلا فسيغلقون عيادتي، وهددوني بالكشف عن اسم وتفاصيل المريض”.

شددت المخابرات قبضتها على الطاقم الطبي داخل المستشفيات. بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فقد تم نشر ضباط المخابرات في جميع المستشفيات الرئيسية في سوريا. وصف لنا الأطباء أجواء الخوف والرعب فالأطباء الزملاء والممرضين وحتى عمال النظافة يخبرون ويبلغون عن بعضهم البعض للمخابرات.

قالت فاطمة وهي طبيبة شابة تعمل في مستشفى مركزي في دمشق: “دورنا كأطباء هو مجرد تنفيذ أوامر المخابرات. إنهم يتدخلون في قرارات مدير المستشفى ورئيس الأطباء. بل إنهم يتدخلون حتى في قضايا بسيطة كتحديد من يجب أن يخضع للفحص بواسطة الأشعة السينية والاختبارات الأخرى”.

عززت أزمة الكوفيد-19 من تأثير المخابرات داخل المستشفيات. حيث أفاد حسان وهو طبيب يعمل في مستشفى مدني كبير في دمشق قائلا: “إنهم يتصرفون في المستشفى كما لو أننا فرع من فروع المخابرات. أشياء غريبة تحدث في المستشفى” ويقول أيضاً عندما أصر النظام على أن سوريا خالية من حالات الإصابة بالكوفيد-19، قامت المخابرات بتحذير الأطباء بضرورة تجنب اخبار أي شخص عن الحالات المحتملة وتسجيل أولئك الذين يبدو أنهم ماتوا بسبب الكوفيد-19 على أنهم يموتون من الالتهاب الرئوي.

بعد بدء الإبلاغ عن الحالات، قال حسان: “لم يعد باستطاعتهم القول بأنه لا توجد حالات ولكن يبقى ما لم يكشف عنه. فهناك فريق خاص لرعاية مرضى الكوفيد-19 والمرضى المشتبه بأمرهم. حيث لا يسمح للموظفين الآخرين بمعرفة أي معلومات عنهم، حتى أن أسماء المرضى غير معروفة، ولا يمكننا حتى أن ندخل اجنحتهم”.

من المرجح أن يكون لهذه الإجراءات لنظام الأسد عواقب وخيمة. حيث أن أول شيء قام به النظام هو تجنب الإبلاغ عن الحالات، وهذا يعني أن الافراد ذهبوا دون تشخيص ولم يتم فحص أقاربهم. بالإضافة إلى تدني جودة الرعاية المتوفرة في المستشفيات السورية، وقلة النظافة في فيها، وإشراك المخابرات في تتبع الحالات المتعلقة بالفيروس وفرض العزلة المنزلية، وشائعات غير مثبتة حول قيام المخابرات بقتل المرضى، كل هذه العوامل تمنع السوريين من إبلاغ المستشفيات أو العيادات إذا شعروا بالمرض.

أفاد العديد من الأفراد الذين تمت مقابلتهم في المناطق التي يسيطر عليها النظام أنهم إذا اشتبهوا في إصابتهم بالكوفيد-19 سوف يتجنبون إبلاغ السلطات أو طلب الرعاية الطبية ما لم يشعروا بصدق أنهم على وشك الموت. أيضا فإن اعتقال النظام الاشخاص المطلوبين للخدمة العسكرية في المستشفيات قد تردع الشباب عن التوجه لإجراء الفحوصات. بالإضافة الى الآلاف من المعارضين الذين يعيشون في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام، خاصة في جنوب سوريا والمناطق الريفية لن يجرؤوا أيضا على عبور نقاط التفتيش النظامية بحثا عن رعاية طبية أفضل، والتي لن تكون متاحة إلا في المدن الكبرى.

السرية التامة والجهود المبذولة تجاهها

فرض النظام الحجر الصحي على بلدات ومباني محددة، حيث قامت دمشق بإيقاف الحركة من بلدة منين وذلك بعد وفاة وحدة سكان البلدة بسبب الفيروس، بالإضافة الى ضاحية السيدة زينب بدمشق التي هي موقع ظهور العديد من الميليشيات الشيعية التي نشأت في لبنان والعراق وأفغانستان، والمستشارين الإيرانيين. حيث لم تزوِّد السلطات الصحية سكان هذه البلدات بمعلومات عن عدد الحالات المكتشفة هناك. بالإضافة إلى ذلك، قامت المخابرات بفرض الحجر على المباني في عدة بلدات، بما في ذلك دوما وقدسيا والسيدة زينب، ولم تقدم أي تفسيرات عن هذه الأفعال.

وأفاد د. داود أن المخابرات وضعت عائلة المريض المشتبه به في الحجر الصحي وذلك بالبقاء في منزلهم لمدة 20 يومًا لكنهم لم يتأكدوا مما إذا كان أقاربه مصابين بالفيروس ام لا.

إن الجهود التي يبذلها النظام لمنع الإبلاغ عن انتشار الفيروس قد تنبع أيضاً من الدور المتصور والفعلي لميليشيات شيعية أجنبية ومستشارين إيرانيين في نشر الفيروس في سوريا. حيث انتشرت شائعات داخل وحدات الجيش السوري تعمل مع مستشارين إيرانيين أو على احتكاك بميليشيات العراقية واللبنانية في تدمر وإدلب أن الجنود أصيبوا بالفيروس من المقاتلين الشيعة الأجانب.

وطبقاً لشاب دمشقي يعمل ككيميائي في مركز البحوث العلمية في جمرايا أنه تم عزل اثنين من زملائه مع عائلتيهما في الحجر الصحي وذلك في قدسيا والسيدة زينب، بعد الإصابة بالفيروس من مستشار إيراني يعمل معهم في منشأة بمحافظة حمص تقوم بتصنيع صواريخ بعيدة المدى. حيث عاد العديد من مهندسي المركز وخبرائه مؤخرا من إيران بعد خضوعهم للتدريب هناك. معظمهم من الساحل وتم وضعهم في الحجر الصحي بعد عودتهم، ولكن ذلك بعد احتكاكهم مع بعض موظفي المركز.

شكك جميع الأطباء الذين تمت مقابلتهم في المناطق التي يسيطر عليها النظام في قدرة القطاع الصحي على مواجهة الوباء بسبب نقص الموظفين المحترفين القادرين على التعامل مع الحالات المعقدة، بالإضافة الى الإدارة السيئة الفاسدة للقطاع الصحي ونقص المعدات. كما أنهم قلقون من التعرض للفيروس بسبب نقص معدات الحماية والوقاية.

فقد قال حسان الذي يعمل في دمشق: “نحن لا نملك شيء من أجل حماية أنفسنا”. وقال أيضاً إن “الكادر الطبي طلب من الإدارة ارتداء قفازات ومعدات واقية بشكل خجول، فكان رد الإدارة “نحن في حصار وهذه هي الوسائل التي لدينا بالإضافة الى أنهم يلومون الولايات المتحدة وإسرائيل””. وللفساد دور أيضاً “هناك ممرضة تقوم بتوزيع أقنعة جراحية وليس الأقنعة اللازمة N95 بالإضافة الى أنه فقط من هو على علاقة جيدة معها يحصل على قناع أما من لا يعرفها فلا يأخذ قناع أساساً، لذلك كان علي أن اشتري القناع الخاص بي وأدوات الواقية كلها بنفسي على الرغم من الأسعار المرتفعة”.

زنزانات النظام

إن أكثر السكان عرضة للإصابة بالفيروس في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام هم السجناء، ولا سيما أنه هناك عشرات الآلاف من السجناء السياسيين المحتجزين في ظروف قاسية مع الازدحام الشديد في السجون، حيث يعاني المعتقلون من الجوع ويعذبون حتى الموت بالإضافة إلى حرمانهم من الرعاية الطبية والصحية.

علي الذي احتجزه النظام لمدة سبع سنوات ونصف لمحاولته الانشقاق عن الخدمة العسكرية، من ضمنها ثلاثة سنوات في سجن صيدنايا وأُفرج عنه في أواخر عام 2019. حيث أكد على أن “الأمراض شائعة بشكل لا يصدق بين المعتقلين، وخاصة الربو والسل والجرب والتهاب الكبد. بالإضافة إلى تجنب المعتقلون من الذهاب الى الطبيب لأن هناك حراساً يقومون بضرب المعتقلين حتى لا يطلب المعتقل مرة أخرى أخذه إلى الطبيب”.

بعد انتشار الفيروس، بدأ الحراس في السجون بارتداء الأقنعة والقفازات. وأفاد حمود الذي أطلق سراحه خلال الأسبوع الأول من أبريل “إنهم يرتدون القناع نفسه طوال اليوم حتى لو أصبح متسخا”. حمود هو أحد المعارضين السابقين الذي قرر البقاء في بلدته بعد أن استعادها النظام وخضع لعملية “تسوية وضعه” مع النظام، تم اعتقاله في عام 2019 بتهمة انتمائه لجماعة إرهابية.

في آذار تم إطلاق سراح حمود ورفاقه في سجن دمشق حيث قال: “لقد قاموا بجمعنا في ساحات كبيرة، وأمرنا بخلع ملابسنا ورشنا بالماء الممزوج مع البوفيدون الذي يستخدم لتعقيم الجروح، لقد قاموا أيضا بتعقيم الغرف، بالإضافة إلى أنه لا يوجد دواء غير الاسبرين. وتنتشر العديد من الأمراض في زنازين الاحتجاز لصغر حجمها، حيث يحتجز أكثر من 200 شخص معاً، بالإضافة إلى أنه تم نقل المعتقلين المرضى لتلقي العلاج الطبي، لكنهم لم يتلقوا أي دواء على الإطلاق وأعيدوا إلى الزنزانة لإصابة الآخرين. ففي الحالة المعتادة من دون الوباء يتوفى المعتقلون في كثير من الأحيان. وذلك بسبب أجسادنا الهزيلة، والضرب، والتعذيب المستمر، ولا يمكننا مقاومة الأمراض خاصة وأننا لا نحصل على الغذاء الكافي – عادة قطعة صغيرة من الخبز يومياً”.

العقوبات

تحاول دمشق استخدام الوباء للتخفيف من العقوبات المكثفة المفروضة عليها بشكل رئيسي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من وجود استثناءات إنسانية وتراخيص عامة لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية فإن العقوبات الغربية تؤثر بشكل غير مباشر على القطاع الإنساني. حيث يُطلب من المنظمات غير الحكومية ومنظمة الصحة العالمية أن تخضع لعمليات ترخيص السلع كأجهزة التصوير المقطعي وآلات الاختبار المختبري وملحقات أجهزة التخدير. لكن لم يطلب النظام السوري ترخيصاً عاماً من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة لاستيراد السلع بموجب الإعفاءات الإنسانية. فبدلاً من ذلك فإنه يعتمد على إيران والصين وروسيا لاستيراد المعدات الطبية.

فالمصانع والبنوك وشركات التأمين والشحن تفضل أن تنهي معاملاتها حتى مع المنظمات الإنسانية المرتبطة بسوريا وذلك خوفًا من فرض عقوبات شديدة وذلك حتى ان تقوم الولايات المتحدة التي تطبق نظام العقوبات الأكثر شمولاً على سوريا بمطمئنة الشركات والبنوك التي تقوم بتوريد المعدات الطبية إلى سوريا بأنها لن تخضع لأي عقوبات.

إن سلوك النظام نفسه والفساد الجسيم بالإضافة الى التوزيع غير المتكافئ للخدمات يحد بشكل كبير من تأثير تخفيف العقوبات. حيث تُظهر التجربة السابقة أن الجهود المبذولة لمنع النظام من أن يحصل على المساعدة الإنسانية قد فشلت باستمرار، مما أدى إلى تحويل مساعدات الأمم المتحدة إلى الميليشيات الموالية للنظام. فيجب على الدول التي تطبق العقوبات أن تأخذ بعين الاعتبار التحسينات التي يمكن اكتسابها من النظام مقابل تخفيف العقوبات مثل إطلاق سراح المعتقلين (ابتداء من الاطباء والممرضين) ووقف حملات الاعتقال وقصف المستشفيات.

عناصر في اﻷمن والهلال اﻷحمر الكرديان يرافقان مسافرا في مطار القامشلي ﻹجراء فحص كورونا، دليل سليمان/أ ف ب

الشمال الشرقي السوري: التابع للنظام المستبد

تحكم الإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أكثر من حوالي ثلث الأراضي السورية في الشمال الشرقي، ويقطنها أكثر من 3 ملايين نسمة. حيث اتخذت الإدارة المحلية عدداً من الخطوات لمواجهة انتشار الفيروس فقد ألغت صلاة الجمعة وحظرت معظم التجمعات الجماهيرية، وأغلقت المعابر عبر الحدود إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل السورية الموالية لتركيا، وأمرت المواطنين بالبقاء في المنزل وأغلقت معظم المتاجر.

إن قدرات القطاع الصحي في شمال شرق سوريا أضعف من تلك الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام وكذلك أضعف من القدرات الصحية في الشمال الغربي.

قال أليكس منسقة منظمة غير حكومية دولية تعمل في شمال شرق سوريا: “إن مواجهة الكوفيد-19 غير كافية، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات المحلية. يوجد حالياً حوالي 50 سريراً متاحاً لمرضى الكوفيد-19 في الشمال الشرقي وهم بحاجة إلى الآلاف! وليس هناك ما يكفي من الأدوية والأسرّة بالإضافة إلى أن طاقم العمل محدود”

تعمل المنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية على زيادة عدد الأسرّة في المنطقة ومؤخرا أنشأ الهلال الأحمر الكردي (KRC) والمنظمة الايطالية غير الحكومية UPP مركزًا من اجل العزل في المستشفى يضم 120 سرّيراً، ولكن يمكن لتلك الأسرّة فقط علاج الحالات الخفيفة والمتوسطة كما أفاد دليغش عيسى المنسق الطبي في الهلال الأحمر الكردي.

ووفقاً للدكتور كيفوك فإن أسرّة وحدة العناية المركزة في المراكز الجديدة “لن تحتوي جميعها على أجهزة تهوية أو شاشات لذلك من المستحيل تسميتها فعلا بوحدة العناية المركزة”.

في حين أن جميع مناطق سوريا تتأثر بتقييد الحركة وذلك من أجل التخفيف من انتشار الفيروس، فقد تضررت المنطقة الشمالية الشرقية بشكل خاص. فبعد تفشي الكوفيد-19 أغلقت حكومة إقليم كردستان معبر فيش خابور/ سيمالكا، لكنها استثنت دخول المساعدات والعاملين في المجال الإنساني. ومع ذلك، لا تزال الإمدادات المطلوبة لا تمر بشكر كافي عبر المعبر. فإن إغلاق المعابر الداخلية داخل سوريا يعني أن المنظمات غير الحكومية في الشمال الشرقي والسلطات المحلية يجب أن تكافح من أجل تأمين الإمدادات الأساسية. ووصف الدكتور كيفوك قائلاً: “لقد اشترينا معدات الوقاية الشخصية (الأقنعة والمآزر) وفلاتر HEPA وأقنعة الأكسجين من عدة دول في الشرق الأوسط وبعد وصولهم إلى دمشق تم القبض عليهم من قبل نظام الأسد”. وأوضحت أليكس المنسقة لمنظمة الغير حكومية أن “الموردين في المنطقة يخبروننا أن دمشق قطعت خطوط إمداد معدات الوقاية الشخصية وأن المواد الخام لا تدخل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ويخبرنا مصنعون في شمال شرق سوريا أنه يمكنهم تصنيع معدات الوقاية الشخصية ولكن التكاليف باهظة. على سبيل المثال، قطعة القماش التي من المفترض أن تلبس لمدة 20 دقيقة ويجب أن يتم التخلص منها سيكلف 7 دولارات. وترتفع الأسعار حتى عشرة أضعاف بسبب عدم القدرة على نقل المنتجات داخل الدولة نفسها.”

تستخدم دمشق هيمنتها على الامدادات الواصلة إلى شمال شرقي سوريا بأن تخرب قدرة المنطقة على الاستجابة لهذا الفيروس، وذلك بتواطؤ واضح من منظمة الصحة العالمية.

ففي كانون الثاني، بسبب الفيتو الروسي انتهت مساعدة الأمم المتحدة عبر الحدود وذلك عبر معبر اليعربية. حيث يجب الآن الموافقة على كل مساعدة المنظمات غير الحكومية المسجلة في دمشق ووكالات الأمم المتحدة من قبل نظام الأسد. وبعد قرار الفيتو تم تخفيض المساعدات الخاصة بالقطاع الصحي بشكل كبير في شمال شرق سوريا، مما يعرض قدرة الشمال الشرقي على الاستجابة للوباء بالخطر.

وصلت المساعدات التي قدمتها منظمة الصحة العالمية عبر دمشق إلى الشمال الشرقي، بما في ذلك أجهزة التهوية وأسرّة العناية المركزة، في منتصف نيسان وذلك بعد تأخيرات كبيرة. وتماشياً مع السلوك السابق لمنظمة الصحة العالمية في سوريا، سُمح للنظام بشرط تقديم المساعدات الممولة من الجهات المانحة لمنظمة الصحة العالمية بشأن توجيه المساعدة إلى أولئك الذين يعتبرون موالين للدولة.

ووفقًا لوثيقة الأمم المتحدة سيتم استخدام 89 بالمائة من البضائع المشحونة فقط داخل مستشفى القامشلي الوطني الواقع في منطقة تخضع لسيطرة النظام في ضواحي المدينة. وهذا يعني أن الأفراد المطلوبين من قبل نظام الأسد للخدمة العسكرية (معظم رجال المنطقة) أو المعارضين السياسيين من غير المرجح أن يجرؤوا على عبور نقاط تفتيش النظام الموجودة على الطريق إلى المستشفى بحثاً عن الرعاية الطبية هناك.

يتعارض إمداد منظمة الصحة العالمية تقريباً إلى مستشفى واحد مع جهود المنظمات الصحية غير الحكومية والسلطات المحلية لتعزيز الاستعداد والقدرات لمواجهة الفيروس في جميع أنحاء شمال شرق سوريا. حيث يعمل 26 من أصل 279 مركزا للصحة العامة في شمال شرق سوريا بكامل طاقتها، بالإضافة الى الطرق المهدمة والمدمرة والتي تستغرق وقتًا طويلاً للعبور: فقد تستغرق الرحلة إلى القامشلي من جنوب دير الزور حوالي عشر ساعات.

اختبار الكوفيد-19

لا يقتصر دور النظام على اكتناز الإمدادات أو الحد من وصول الامدادات إلى شمال شرق سوريا فهو يعيق أيضا القدرات الموجودة وينشر معلومات كاذبة. حيث زودت منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة السورية بخمس أجهزة PCR، وقررت دمشق عدم إرسال أي جهاز واحد إلى الشمال الشرقي. ونتيجة لذلك، اضطر الأطباء هناك إلى استخدام أحد المسارين لإرسال العينات الى دمشق من اجل فحصها، حيث يستلزم المسار الأول الاتصال بفريق الاستجابة السريعة المدعوم من منظمة الصحة العالمية. حيث وصفت أليكس الصعوبات التي واجهت فرق الأطباء هذا المسار قائلا: “لما مشافي تتصل بفريق الاستجابة السريعة للحالات المشتبه بها بشدة ويقولون أنهم لا يستطيعون عبور نقاط التفتيش، أو يصلون متأخرًاً، أو ببساطة يقولون نحن لن نأتي. وفي حال وصلوا غالبًاً ما يقولون أننا لا نحقق الشروط الكافية للإبلاغ عن حالة مشتبه بها ويرفضون معاينتهم حتى لو كانت الأعراض واضحة عليهم”.

وفقاً للدكتور جوان مصطفى الرئيس المشارك لمديرية الصحة في الإدارة الذاتية وباحثة حقوق الإنسان العاملة في سوريا، أمرت مديرية الصحة التابعة للنظام في الحسكة محكمة فريق الاستجابة بعدم جمع عينات من المستشفيات التي تتعاون مع المنظمات غير الحكومية التي لم يتم تسجيلها ووافقت عليها دمشق مثل منظمة أطباء بلا حدود والهلال الأحمر الكردي. ونتيجة لذلك أُجبر المرضى في بعض الحالات على نقلهم إلى مستشفيات يديرها النظام من أجل جمع عينات منهم، مما يهدد صحة كل من المريض وأطقم الإسعاف.

وقال دليج عيسى من الهلال الأحمر الكردي إن هذا السلوك يتماشى مع الرفض العام لمنظمة الصحة العالمية لتقديم المساعدة والتنسيق مع المنظمات غير الحكومية غير المسجلة في دمشق وهي المسؤولة عن تلبية معظم الاحتياجات الطبية في المنطقة.

ويتضمن مسار الفحص البديل شحن العينات إلى دمشق عبر مطار القامشلي، الذي كان يُستخدم لإرسال عينات لفحوصات شلل الأطفال والأنفلونزا في الماضي. وقال د. كيفوم “رفض فريق الاستجابة السريعة المجيء إلى مستشفى الحجر الصحي في الحسكة، قائلة إن هناك الكثير من نقاط التفتيش ولا يوجد عدد كاف من الموظفين. بعد الفشل في إحضارهم، أرسلنا العيّنة إلى دمشق في 31 آذار عبر الطريق المنتظم الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية، لكن دمشق تقول إنهم لم يصلوا إليهم ولم يستلموا أي عينات”. وبالمثل، فإن العينات التي جمعتها فريق الاستجابة السريعة في شمال شرق سوريا، والتي تدعي منظمة الصحة العالمية أنها كانت سلبية، لم يتم اختبارها على ما يبدو، وفقاً لمصدر غير حكومي (الذي طلب عدم ذكر اسمه). هذا يعني أن مختبر وزارة الصحة السورية المدعوم من منظمة الصحة العالمية يحتمل أن يقدم نتائج خاطئة عن الحالات على أن نتيجتها سلبية. عندما يكون هؤلاء المرضى مصابون فعلا بالكوفيد-19 فسيشكلون خطراً على المجتمع من حولهم. ونتيجة للسياسة المتبعة الواضحة في شمال شرق سوريا تم جمع 19 عينة من المنطقة فقط وذلك من أجل فحصهم في دمشق.

قال د. جوان مصطفى “هناك العديد من العينات التي لم يتم الحصول على نتيجة لها. ولا نعرف ما إذا كانت النتيجة سلبية أو إيجابية أو حتى إذا تم اختبارها ” وأضاف: “هناك عشرات الحالات المشتبه بها في شمال شرق سوريا. 19 اختبارا للمنطقة بأكملها هو رقم منخفض يشير إلى التعاون المحدود من قبل منظمة الصحة العالمية والدعم المحدود المقدم إلى الشمال الشرقي.”

أصبح فشل هذا النظام المعتمد من اجل فحص الكوفيد-19 في شمال شرق سوريا الذي يشرف عليه نظام مستبد ومطيع لمنظمة الصحة العالمية واضحًا في 18 أبريل وذلك عندما أعلنت الإدارة الذاتية أن منظمة الصحة العالمية قد أبلغتهم للتو أن مريضاً تم جمع عينته في 29 مارس وتوفي في 2 أبريل أنه كان مصاباً بالفيروس.

أبلغت منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة السورية بنتائج الاختبار في 2 أبريل، لكن النظام يرفض التنسيق مع الإدارة الذاتية ولم يقدم أي من هذه المعلومات. حيث ادعت متحدثة بإسم منظمة الصحة العالمية أن حصولهم على هذه المعلومة قد تم بعد أن حصلوا على نتائج الاختبار والتي كانت بشكل إيجابي، لكن العاملين في المجال الإنساني الذين يعملون في المنطقة يشكون في هذا الادعاء وذلك بالنظر إلى قلة الاختبارات التي أجريت في المنطقة.

يذكرنا هذا السلوك بقرار النظام بحظر منظمة الصحة العالمية من تقديم التطعيمات ضد شلل الأطفال في دير الزور التي سيطرت عليها المعارضة في السنوات الأولى من الحرب والجهود الكبيرة التي تبذلها منظمة الصحة العالمية للتغطية على تفشي مرض شلل الأطفال الذي كان لا مفر منه في ذلك الوقت عام 2013.

فقط في 11 أبريل بعد فترة أطول من أي منطقة أخرى في سوريا كانت الإدارة الذاتية قادرة على الحصول على جهازين PCR من إقليم كردستان العراق. ووصل جهازين آخرين منذ ذلك الحين وثلاثة في الطريق، وفقا للدكتور كيفوك كلهم يعبرون من خلال إقليم كوردستان-العراق.

في 20 أبريل، بعد الخضوع للتدريب بدأ التقنيون المحليون في إجراء اختبارات الكوفيد-19 في القامشلي. ولم تقدم منظمة الصحة العالمية أي مجموعات اختبار للكوفيد-19 إلى المنطقة، مما ترك شمال شرق سوريا يعتمد على الاستمرار في الوصول إلى إقليم كوردستان-العراق لكي يتمكن من الحصول على الإمدادات اللازمة.

الصراع المستمر مع تركيا

أدى غزو تشرين الأول في 2019 من قبل تركيا والفصائل السورية لشمال شرق سوريا إلى زيادة عرقلة قدرة القطاع الصحي في شمال شرق سوريا على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الأزمة. حيث أدى القتال إلى نزوح عشرات الآلاف من الأكراد من المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض، مما غيّر التركيبة الديمغرافية للمنطقة. تعيش آلاف من هذه العائلات النازحة الآن في مخيمات في شمال شرق سوريا، بما في ذلك مخيم واشوكاني. اعطت السيطرة التركية المستمرة نفوذاً لقطع إمدادات المياه إلى محافظة الحسكة الكامنة في محطة العلوك بالقرب من رأس العين. حيث يعتمد حوالي 460000 من سكان الحسكة على مياه هذه المحطة.

أكثر من 100000 من النازحين الذين يعيشون في مخيمات مثل واشوكاني والهول (العائلات التي هربت من داعش والمتعلقة أيضًا بداعش) ومخيم العريشة خفضت فترات القطع هذه عدد الاحتياج السكاني إلى حوالي ثمانية لترات في اليوم لكل شخص، وهو أقل بكثير من الكميات المطلوبة وسط هذا الوباء الذي يمكن تجنبه عن طريق غسل اليدين المتكرر.

أعضاء في الخوذ البيضاء يقومون بأعمال تعقيم وسط إدلب، عز الدين إدلبي/أ ف ب

إدلب: قطاع الصحة المفكك وقلة التمويل بسبب الهجمات التي تعرضت لها

آخر ما تبقى للمعارضة السورية هو إدلب وغرب حلب المجاورة، والتي هي موطن لحوالي ثلاثة ملايين مدني، معظمهم نزحوا من منازلهم. حيث يعيش أكثر من مليون شخص من سكان المنطقة في مخيمات مكتظة ومزدحمة على طول الحدود مع تركيا، قد تصل الى ثلاث عائلات في الخيمة الواحدة. حيث استهدفت القوات الجوية الروسية والسورية المستشفيات والعيادات الطبية وسيارات الإسعاف في المنطقة بشكل ممنهج، تاركة إدلب ببنية تحتية هشة غير قادرة على تأمين الرعاية الطبية والصحية. حيث قتل النظام وحلفاؤه حتى الآن أكثر من 840 من العاملين في المجال الطبي، معظمهم قتلوا عن طريق الضربات الجوية على البنية التحتية الصحية التي أصبحت في حالة حرجة.

اتخذت حكومة الإنقاذ المرتبطة بتنظيم هيئة تحرير الشام التي تحكم إدلب عدة خطوات للحد من انتشار الفيروس، بما في ذلك إغلاق المدارس والجامعات وحتى إيقاف صلاة الجمعة، ومع ذلك لم يتم فرض اتخاذ مسافات أمان بين الأشخاص والذي سيكون من الصعب تطبيقه نظراً للكثافة السكانية العالية واعتماد السكان على العمل اليومي لتأمين مستلزمات عيشهم. تجنبت حكومة الإنقاذ إلى حد كبير التدخل في قطاع إدلب الصحي منذ عام 2019، تاركة المنظمات غير الحكومية تنسق عملها بنفسها. عرقلت استجابة إدلب لأزمة COVID-19 إرثاً من سوء التنسيق بين مختلف المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال.

الجهات التي تقوم بفعل مجدي من ناحية مواجهة انتشار الفيروس في إدلب هي المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية ووحدة تنسيق المساعدة (ACU) وهي هيئة تقدم الدعم للمنظمات غير الحكومية التي تقوم بدورها ضمن الحدود في سوريا، بالإضافة إلى المكتب الصغير لمنظمة الصحة العالمية في غازي عنتاب.

قال طبيب في إدلب ان هؤلاء الجهات كانوا يعملون لسنوات بشكل مستقل، “حيث أن كل منهم يدير منشأته كإقطاعية خاصة به”.

بالإضافة إلى أن استجابة إدلب للوباء كانت ضعيفة إلى حد ما، لكن اجتمعت المنظمات غير الحكومية معًا لتشكيل فريق عمل واحد للتصدي للكوفيد-19، حيث وضعت خطة لمواجهة الفيروس في إدلب، وخصصت لها 30 مليون دولار.

تظهر وثيقة داخلية للأمم المتحدة أن المنطقة تعاني من نقص حاد في جميع المعدات اللازمة لمحاولة التصدي للوباء. حتى أن خطة الـ 30 مليون دولار والتي كانت ستسمح لقطاع الرعاية الصحية في إدلب بالحصول على بعض التفاؤل المعتمد على نموذج ووهان يبدو أنه قد تم تأجيله.

بعد شهر من عقد خطة المواجهة الذي كان في منتصف شهر مارس، أبلغت منظمة الصحة العالمية المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الطبي أنه يجب عليها أن تبدأ باتخاذ خطة ثانوية أخرى بناءً على قدراتها الحالية وتهدف إلى إنشاء مركز طبي واحد من أجل العزل الصحي مجهز بعشرة أسرّة عناية مركزية مع أجهزة التهوية اللازمة.

تحاول منظمة الصحة العالمية الآن الحصول على تمويل من صندوق الأمم المتحدة الإنساني عبر الحدود السوري (SCHF) لشراء 90 جهاز تهوية، والتي ستكون جزءاً من ميزانية الخطة البالغة 30 مليون دولار.

تختلف التدابير والاجراءات البطيئة التابعة لمنظمة الصحة العالمية لمواجهة انتشار الفيروس في إدلب عن الدور الرائد الذي تلعبه المنظمة في صياغة وتنشيط خطة مواجهة للفيروس في المناطق التي يسيطر عليها النظام (والتي تغطي أيضًا شمال شرق سوريا رسميًا).

وتبلغ تنفيذ خطة مواجهة الفيروس في دمشق 150 مليون دولاراً. وبحسب الدكتور العمر: “قالت الأمم المتحدة إنها تستطيع إطلاق الخطة بمبلغ 56 مليون دولار التي هي موجودة حاليا في الصندوق الإنساني السوري (SHP). من ناحية أخرى ترفض الأمم المتحدة السماح بتخصيص أموال من (الصندوق الإنساني الحدودي السوري -SCHF) لتمويل خطة المواجهة في إدلب. وبدلاً من ذلك شجع ممثلو منظمة الصحة العالمية في غازي عنتاب المنظمات غير الحكومية على استخدام ميزانياتها الحالية وفتح اجنحة الحجر والعزل الصحي حتى لو كانت صغيرة”.

لقد قامت منظمة الصحة العالمية بتزويد وزارة الصحة السورية بخمس أجهزة PCR، وهي الآن قادرة على إجراء 100 اختبار في اليوم. وجميع الاجهزة موجودة حاليا في دمشق. عندما طلبت المنظمات غير الحكومية العاملة في إدلب من منظمة الصحة العالمية تزويدهم بجهاز PCR على الأقل، طُلب منهم بأن يقوموا بإرسال عيناتهم إلى دمشق بدلاً من ذلك، على الرغم من السجل الحافل للنظام الذي حجب باستمرار المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية من مناطق المعارضة كأداة لإجبارهم على الدخول في حالة استسلام. وفي النهاية لقد تم شراء جهاز PCR في إدلب وذلك من قبل وحدة تنسيق المساعدة المرتبطة بالمعارضة (ACU). قال د. العمر من منظمة سامز: “نشعر أنهم يضغطون علينا للتنسيق عبر الحدود مع دمشق. فالحركة البطيئة لتنفيذ خطة مواجهة الفيروس في إدلب مقابل التحرك السريع في دمشق دليل على انها احدى طرق ممارسة الضغط”.

تميز إدلب

في حين أن البنية التحتية الصحية بأكملها في سوريا ستكون مرهقة، فان إدلب تواجه تحدياتها بمفردها. حيث استهدف النظام السوري وحلفاؤه سيارات الإسعاف مما أدى إلى نقص شديد فيها. قال حكيم خالدي من منظمة أطباء بلا حدود: “إن النظام الصحي في إدلب ليس لديه القدرة على الوصول إلى جميع أولئك الذين يحتاجون إلى علاج من اجل انقاذ حياتهم ما سيحدث هو الوضع ذاته الذي حصل في فرنسا، حيث انهم بدأوا في إحصاء الأشخاص الذين يموتون في دور المسنين وهو مالم يحص سابقاً. ففي إدلب لا يستطيع الكثير من الناس تحمل تكاليف النقل. فالناس سيموتون في المخيمات”. وتابع كلامه قائلا: “في إدلب لن يكون هناك سوى ثلاثة مستشفيات لديها غرف إنعاش، وفي فرنسا هناك مستشفيات بأسرّة إنعاش في كل مدينة وأنت تتصل برقم ثم تأتي الإسعاف. سيكون من الصعب المحاولة للوصول الى جميع المرضى ونقلهم بسيارات الإسعاف الأمر سيكون أشبه بكابوس مما سيؤدي الى تقليل عدد الرحلات التي يمكن أن تقوم بها كل سيارة إسعاف”.

كما أن إدلب صغيرة جداً، حيث تشكل حوالي ثلاثة بالمائة فقط من الأراضي السورية ومكتظة بالسكان. وأوضح الخالدي من منظمة أطباء بلا حدود بأن “هناك سؤال حول كيفية التعامل مع جميع الجثث لدينا فهناك نقص في الأراضي ونحن نكافح بالفعل لإيجاد أماكن جديدة للمخيمات. وأضاف أن الكهرباء مقطوعة معظم اليوم بينما نحتاج إلى الكهرباء لإبقاء الجثث في المستشفى قبل إرسالها إلى المقبرة”.

من ناحية أخرى، فإن بعض خصائص إدلب تجعلها أكثر استعداداً للتعامل مع الوباء مقارنة بأجزاء أخرى من سوريا. حيث اعتاد موظفو المستشفيات في المنطقة على العمل في ظل ظروف قاسية من النقص والغارات الجوية ووصول أعداد كبيرة من المرضى الذين يحتاجون إلى فرز سريع مع إعطاء الأولوية لمن سيتلقى العلاج ومن سيترك حتى يموت.

قال الدكتور الحراكي: “الأطباء هنا لن ينهاروا عقلياً كما هو الحال في البلدان الأخرى. فقد اعتدنا على رؤية العديد من المرضى يموتون. بالإضافة الى أن تفاني الموظفين في العمل والذين يستأنفون العمل بعد ساعات فقط من قصف المستشفيات التي كانوا يعملون بها يمكن أن تثير بعض التفاؤل أيضاً”.

وقال أيضاً الدكتور الحراكي الذي تعيش أسرته في تركيا ولم يرى عائلته منذ شهر والتي من الممكن أن لا يراهم لمدة أطول وذلك بسبب إغلاق الحدود: “عندما كان النظام يتقدم نحو الحدود في أواخر الـ 2019 أخبرت عائلتي أنني ربما أكون محاصراً هنا ولن أتمكن من العودة. فهذا واجبي تجاه شعب هذه المنطقة”.

متطوعون يقدمون المساعدات في مخيم ديرالبلوط بعفرين على الحدود مع تركيا، رامي السيد/أ ف ب

المناطق التي تسيطر عليها تركيا: الاعتماد على الرعاية الأجنبية

تم تنسيق وتمويل خطط مواجهة الكوفيد-19 في شمال حلب وعفرين وبين تل أبيض ورأس العين (سري كانية) إلى حد كبير وذلك من قبل تركيا. تقع المنطقة تحت سيطرة الجيش التركي والفصائل المدعومة من تركيا والمعروفة باسم “الجيش الوطني” وتديرها الحكومة السورية المؤقتة رسمياً. فقد أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن عدد من الإجراءات لمكافحة انتشار الفيروس، بما في ذلك إلغاء صلاة الجمعة وإغلاق المدارس والمحلات غير الغذائية.

يلعب المحافظون الأتراك في مقاطعات الحدود دورًا مهمًا في إدارة المنطقة وإدارة قطاعها الصحي. حيث يعمل عدد أقل من المنظمات غير الحكومية في المنطقة مقارنة بإدلب بسبب القيود التركية وحذر المنظمات غير الحكومية من العمل في منطقة يشرف على قطاع الأمن والحكم فيها ممثل أجنبي. تضم المنطقة حوالي 1.7 مليون مدني، معظمهم من النازحين من مناطق أخرى من سوريا. حيث تنتشر مخيمات النازحين في المنطقة بأكملها، ولكن بشكل خاص على طول الحدود التركية. حيث يعيش حوالي 160000 نازح في مخيمات عادية و130000 نازح في مخيمات غير رسمية، وتعرف جميعها بضعف الوصول إلى الخدمات اللازمة والازدحام الشديد، بالإضافة إلى هجوم النظام السوري الأخير على إدلب والذي دفع مئات الآلاف بالتوجه نحو المناطق التي تسيطر عليها تركيا.

تخطط وزارة الصحة التركية لإنشاء جناحين لمرضى الفيروس كوفيد-19 في المستشفيات التي تديرها وذلك في منطقة الراعي وأعزاز شمال حلب. وقد تم تحليل عينات من مرضى مشتبه بهم بالفيروس في المنطقة وحتى الآن جميع الاختبارات سلبية.

حيث قال الدكتور عقبة دغيم مديرة القطاع الصحي في المنظمة غير الحكومية الجمعية السورية للإغاثة والتنمية (SRD) العاملة في شمال غرب سوريا وعفرين: “تلعب وزارة الصحة التركية دوراً بارزاً في مواجهة الفيروس ومنع انتشاره في شمال حلب، لكنها تجد صعوبات بمواجهة الوباء داخل تركيا، لذلك هي بحاجة إلى المزيد من الدعم”.

أطفال يرتدون اﻷقنعة في إدلب، محمد سعيد/اﻷناضول

الخاتمة

إن تدمير القطاع الصحي في سوريا، والبنى المادية والمعدات بالإضافة الى الفرار الجماعي للأطباء المؤهلين وسنوات من الحرب والتدمير المتعمد للبنية التحتية الصحية للبلاد من قبل النظام السوري وحلفائه، بالإضافة إلى فقر الموارد في شمال شرق سوريا. ترك السوريين عرضة بشكل كبير لتفشي الوباء.

في حين أن سكان البلد من الشباب، ليسوا بصحة جيدة حيث يعاني الكثير منهم من ظروف صعبة بسبب ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية. إن تطبيق مبدأ ترك مسافات أمان بين الاشخاص غير ممكن لمعظم السوريين الذين يعيشون في شقق أو مخيمات مزدحمة، ولا يستطيع أن يبقى أي منهم في المنزل لأيام دون عمل.

تنص خطة التأهب والاستجابة للفيروس التي وضعها مكتب الأمم المتحدة في دمشق على أن “الحكومة هي القائد لجهود التنسيق بخصوص الكوفيد-19” في المناطق الخاضعة لسيطرتها وشمال شرق سوريا. لكن الحكومة السورية لم تمنح أولوية لرفاهية وصحة مواطنيها. فيشير سلوك النظام منذ بداية الأزمة إلى أن هدفه النهائي هو الحفاظ على السيطرة وإضعاف خصومه، حتى لو على حساب صحة السوريين.

تدرك منظمة الصحة العالمية تمام الإدراك هذا الواقع، لكنها تفضل ان تحافظ على علاقات العمل مع النظام. يمتد هذا الموقف إلى ما هو أبعد من منظمة الصحة العالمية ليشمل هيئات الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك مجلس التحقيق التابع للأمم المتحدة التي رفضت مؤخراً تسمية روسيا كمذنب.

مع بدء انتشار الوباء في سوريا، من المرجح أن يظل عدد الحالات المؤكدة أقل بكثير من العدد الفعلي للعدوى بسبب ضعف الوصول إلى الخدمات الصحية، وانخفاض القدرة على اجراء الفحوص الطبية وخوف السوريين من طلب الخدمات الصحية وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

سيكون للوباء تأثير دائم على القطاع الصحي في سوريا، حيث سيتم دفع الأطباء الباقين في البلاد لعلاج المرضى دون معدات واقية، في حين أن ليس لديهم قدرة كافية لمساعدة الحالات الحرجة.

كان النظام السوري يعاني بالفعل من نقاط ضعف هيكلية واقتصادية كبيرة قبل تفشي الوباء. في حين يصعب تصور الوضع بعد حدوث هذا الوباء حتى في البلاد المستقرة والمسؤولة، فإن الأمر الواضح هو أنه في الأشهر المقبلة سيدفع السوريون ثمناً باهظاً لفساد وركود وتدمير البنية التحتية الصحية في سوريا التي دبرها النظام المسؤول الآن عن محاولة التخفيف من تأثير الوباء على ملايين السوريين.

يبدو أن التضامن المجتمعي ومحاولة خلق وإبداع شيء عن طريق الوسائل المتاحة فقط الذي فعله السوريين وهم خاضعين لسنوات من الحكم في ظل سلطات سيئة وخبيثة، غير كافٍ على الإطلاق في مواجهة مثل هكذا أزمات تطلب استجابات منسقة وتعتمد على مهنينن ذو حرفية عالية.

_______________________________________________________________________________

*إليزابيث تسوركوف هي زميلة في معهد أبحاث السياسة الخارجية مهتمة بشؤون سوريا والعراق.

**قصي جوخدار هو لباحث سوري مقيم في تركيا.

– تم تغيير جميع الأسماء التي أجريت معهم المقابلات في مناطق النظام السوري لحمايتهم من انتقام النظام.

– الكاتبون ممتنون جدا للدكتور عمر الحراكي على تقديم خبرته الطبية التي ساعدتنا بشكل كبير في كتابة هذا التحليل.

– تم نشر النسخة الأصلية باللغة الإنكليزية في موقع معهد الشرق الأوسط وهو مركز دراسات مقيم في واشنطن الولايات المتحدة.

قد يعجبك ايضا