هل الأهداف التي تقصفها إسرائيل ضمن المسموح إيرانيا؟

اعترف قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري في 16 كانون الثاني (يناير) الجاري بوجود قوات عسكرية في سوريا. قائلا “ستبقي الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مستشاريها العسكريين، وقواتها الثورية وأسلحتها في سوريا” حسب ما نقلت عنه وكالة الطلبة الايرانية للأنباء “إسنا”.

وتعتبر تصريحات جعفري الأولى من نوعها، التي تعترف بوجود قوات عسكرية على الأرض، بخلاف الرواية الرسمية التي انتهجتها طهران منذ تدخلها في سوريا والتي كانت تنفي وجود قوات لها وانما تقر بوجود “مستشارين عسكريين” يساعدون جيش الأسد وجهازه الأمني.

جاء تصريح جعفري رداً على كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يوم تبنى خلاله مسؤولية تل أبيب عن الغارات الجوية التي استهدفت “مستودعات إيرانية تحتوي على أسلحة في مطار دمشق الدولي”.

ومع كثافة القصف الإسرائيلي ضد الأهداف العسكرية الإيرانية وخصوصاً القصف الأخير على مطار دمشق الدولي، انتقد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه تعطل منظومة “إس – 300” الروسية لحظة تعرض مناطق في سوريا لغارات جوية إسرائيلية.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية الرسمية “ايرنا” عن فلاحت بيشه “هناك انتقادات جدية موجهة إلى روسيا بشأن تعطل نظام الدفاع الجوي إس – 300 تزامنا مع الهجمات الصهيونية”.
ولفت المسؤول الايراني إلى أن “إسرائيل لن تتمكن من شن غارات على الأراضي السورية إن عملت منظومة إس – 300 بشكل صحيح” مشككا “على ما يبدو هناك نوع من التنسيق بين الهجمات الإسرائيلية والدفاعات الروسية المستقرة”.
وأشار فلاحت بيشه إلى أنه تفقد أماكن تعرضت لضربات إسرائيلية بعد ساعات قليلة من الهجوم، نافيا ما يشيعه الإسرائيليون حول مقتل 12 جنديا إيرانيا في القصف الإسرائيلي الأخير على مطار دمشق الدولي.

في سياق ردود الأفعال على الضربات الجوية الإسرائيلية، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريباكوف في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية يوم الخميس الماضي: “أمن إسرائيل هو أولوية لروسيا.”
وفي تصريح مفاجئ للغاية من نائب وزير الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط  اعتبر ريباكوف أن بلاده “ليست حليف إيران في سوريا”، وإنما يعمل الطرفان معا في “إطار محادثات أستانا حول سوريا”.
وأضاف أن موسكو “لا تتفق مع إيران في أجندتها المعادية لإسرائيل”، لكنه في الوقت ذاته، انتقد إسرائيل بشأن ضرباتها التي وجهتها إلى سوريا والتي اعتبرتها تل أبيب أنها “موجهة ضد مواقع عسكرية إيرانية”.

طهران من جهتها لم تعلق على تصريح الدبلوماسي الروسي البارز، وتدرك أنه في خواتيم الحرب السورية، أن تغيراً ما سيحصل في تلك التحالفات وانه يشكل بدء اقتسام الكعكة السورية بين الأطراف الدولية المتصارعة هناك.

لكن الحديث عن خلاف روسي إيراني في سوريا، والذي تجلى في الأيام الأخيرة الماضية في الأخبار التي انتشرت بشكل واسع على وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المعارضة ورحب بها خبراء استراتيجيون وعسكريون معارضون بوصفها أمرا واقعا، لكنهم جميعا لم يتمكنوا من عرض صورة أو شريطا مصورا واكتفوا بتداول منشورات من حسابات وهمية على “فيسبوك” على أنها حقيقة حاصلة. بينما أكد ضباط وقادة عسكريون في فصائل المعارضة متمركزون على خطوط الجبهات في حماة عدم صحة الأخبار المتداولة فيما أكد عدد من قادة “جيش النصر” صحة التحشيدات لكنهم اعتبروها تحضيرا لعمل عسكري ضد مناطق المعارضة.

وكانت مصادر إيرانية مقربة من “فيلق القدس” حذرت في منتصف العام الماضي من استهداف أي شخصية عسكرية إيرانية منضوية في الفيلق باعتباره مسؤول العمليات العسكرية الإيرانية خارج البلاد وهو من يقود التدخل الإيراني في سوريا.

وهو ما عاد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على شمخاني، وأكده عندما حذر إسرائيل من تجاوز الخطوط الحمراء في سوريا بعد القصف الذي طال مطار التيفور وأدى إلى مقتل العقيد مهدي دقلان يزدلي المسؤول عن برنامج الطائرات بلا طيار في سوريا ولبنان وهو أيضا أحد قادة “قاعدة الشهيد عبد الكريمي للمركبات الجوية بدون طيار”، وهو أحد أبرز القادة الإيرانيين القتلى في سوريا على الإطلاق بعد الجنرال حسين همذاني في 2015 الذي قتل باستهداف عشوائي للمعارضة لسيارته في ريف حلب الجنوبي.

ويبدو أن إسرائيل ومع تكثيف قصفها ضد بنك الأهداف الإيرانية، إلا أنها تحتاط في اخيتار الأهداف بشكل كبير، فهي حذرة من استهداف شخصيات أمنية وعسكرية رفيعة وتبتعد عن المقرات الأمنية الحساسة كمقرات مراقبة الاتصالات وغرف العمليات في داخل مدينة دمشق، وتحيد أيضا مدارس المخابرات التي يشرف عليها ضباط أمنيون إيرانيون. ويذكر أن إسرائيل لم تستهدف مثلا مدرسة المخابرات العامة جنوب دمشق منذ بدء حربها على إيران في سوريا علما أنها المعقل الرئيسي للمستشارين الإيرانيين الأمنيين الذين يدربون أجهزة الأمن السورية.

ما ينطبق على دمشق ينسحب على عدم استهداف أي ضابط عسكري إيراني خارجها، فهي تحذر من استهداف الشخصيات الأمنية والعسكرية المرموقة مثل قاسم سليماني رغم تجواله العلني في طول الأراضي السورية وعرضها.

من الواضح أن الاستراتيجية الإيرانية في سوريا لم تتغير رغم اشتداد القصف الإسرائيلي. فالتدخل الإسرائيلي لن يمنع في نهاية الأمر الوجود الإيراني الممثل في عشرات آلاف المقاتلين الأجانب الذين استجلبتهم ولن ينال هذا القصف من مقدراتها العسكرية في سوريا أو يعيق دعم حزب الله اللبناني أو يؤثر على بنيته المشكلة على المقدرات التكتيكية البشرية وليس النوعية من جهة السلاح.

في نهاية الأمر تحتاج إسرائيل إلى تغطية السماء السورية كل الوقت حتى تحد من قوة إيران على الأراضي السورية. وتحتاج إلى قصف نوعي يلحق الأذى في قلب المشروع العسكري الإيراني ويستهدف رأسه وقادته حتى ينجح. أما استهداف مستودعات السلاح والذخيرة فهو سيمنع تدفق السلاح إلى مخازن حزب الله فقط لكنه لن يؤثر التأثير الكبير الذي تترجاه.

ويصح القول إن ما تستهدفه إسرائيل في سوريا ما زال في الحدود التي تسمح بها إيران وليس ضمن خطوطها الحمراء.

المصدر: صحيفة القدس العربي

قد يعجبك ايضا