هل عاد “داعش” للحياة عبر الاغتيالات؟

ريهام منصور

جامع سعد بن أبي وقاص وسط بلدة الزر بريف دير الزور/ جسر

جسر: تقارير:

منذ أن أعلن عن نهاية تنظيم داعش في آذار ٢٠١٩، لا يكاد يمر يوم واحد دون اغتيال شخص أو أكثر في ريف دير الزور، عدد كبير من عمليات الاغتيال مجهولة الفاعل والسبب، وجزء منها يتم تبنيه من جهة واحدة فقط هي تنظيم داعش.

وخلال شهري كانون الثاني وشباط الفائتين، وقعت تسع تفجيرات، ونفذت عشرون حادثة اغتيال، في مختلف أرياف دير الزور، قتل فيها ٨٩ شخصاً، بينهم ٣٠ مدنياً. الأمر الذي يدعو للتفكير، هل عاد تنظيم داعش إلى الحياة؟

داعش يأكل أبناءه “المرتدين”  

لوحظ في الأشهر الاخيرة، أن عمليات الاغتيال طالت بكثرة عناصر سابقين في التنظيم، ومنهم المدعو “أبو سعيد” من بلدة الطيانة الواقعه شرقي دير الزور. وقد عرف عن أبي سعيد ولاءه الشديد لتنظيم “داعش”، إذ كان أوائل من بايعوه، منذ بدء سيطرته على محافظة دير الزور سنة ٢٠١٤، واستمر في الولاء له حتى لحظاته الأخيرة في الباغوز، التي شارك بمعركتها، وبترت ساقه أثناء القتال فيها.

بعد سقوط الباغوز، ورغم ساقه المبتورة، تمكن أبو سعيد من التسلل منها إلى بلدته الطيانة، وواصل عمله مع التنظيم من مخبأ سري، لكنه ما لبث أن وقع في قبضة استخبارات قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي.

لكن قوات سوريا الديمقراطية أفرجت عنه بعد فترة من اعتقاله، وقيل حينها أنه عقد صفقة مع الاستخبارات التابعة لها، وبعيد خروجه، تم اغتياله ليلاً على الطريق الواصل بين بلدته الطيانة وبلدة الشنان.

تؤكد مصادر أهلية قريبة من أبي سعيد، أن التنظيم وراء عمليه اغتياله، بسبب شكوكه بخيانته لزملائه، وعمالته للتحالف الدولي بعد خروجه من السجن، رغم عدم صدور بيان من تنظيم داعش بتبني العملية.

داعش يأكل “الثوار” دائماً

وبين قتلى الآونة الأخير المدعو صفوان (٤٥ عاماً) وهو نازح من مدينة دير الزور، إلى بلدة حوايج ذيبان، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية،  حيث تم اغتياله من قبل مجهولين،  بالقرب من جامع حج طليوش، وتبنى التنظيم عملية قتله، في بيان أصدره عبر معرفاته، بحجه تعامله مع النظام،

يعمل صفوان في زراعة الخضروات، على قطعة أرض منحها إياه أحد وجهاء القرية، وأكدت مصادر “جسر” أن لا علاقة للشاب بالنظام على الاطلاق، حيث يعتبر من الثوار الحقيقين والذين ناهضوا النظام منذ الأيام الأولى للثورة، وهو من سكان حي الحويقة الواقع تحت سيطرة النظام، وقام النظام بحرق منزله انتقاماً منه، ولم يعرف أحد الدافع الحقيقي وراء قتله، لكن عرف عن التنظيم عداءه الشديد لكل من عرف بلقب “ثائر” لما يتضمنه هذا اللقب من مطالبة بـ”الحرية”، التي لا يقر بها التنظيم، ويعتبرها فكرة خطرة على أتباعه.

النساء أيضاً على قائمة اغتيالات التنظيم

قتلت السيدة (ف.م) بمسدس كاتم للصوت في فراشها بمنزلها في بلدة الزر، وتبنى التنظيم الواقعة، بذريعة عمالة المرأة للنظام وترددها إلى مناطق سيطرته في حي الجورة بمدينة دير الزور، ولكن مصدر من جيرانها قال لـ “جسر” إن المرأة تعاني من الفقر الشديد، ولا تملك أي شئ، وأن سبب القتل قد يكون قبولها تزويج ابنتها من شاب يعمل في قوات سوريا الديمقراطية.

وسط فوضى التنظيمات ضاعت دماء كثيرة

قتل الشاب” حسين الحدبان” نهاراً، وسط بلدته الشحيل، على يد مجهولين، ولم تعرف الجهة أو سبب القتل حتى الآن، لكن مصدراً محلياً قال إن “الشاب تنقل في عمله بين التنظيمات المسلحة التي سيطرت على البلدة، من الجيش الحر إلى جبهة النصرة إلى داعش، ثم قوات سوريا الديمقراطية”.

هل انتهى تنظيم داعش؟  

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع قال لـ “جسر” إنه “لا يمكن القفز إلى الاستنتاج بأن داعش يقف وراء عمليات الاغتيال تلك، وعندما نحلل مستويات الأرقام (من عمليات اغتيال وتفجيرات خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين) نجد أن لا يمكن الحديث عن أي تحليل دون تحميل الجهات الأمنية المسؤولية الأولى عن حوادث القتل تلك. وطالما لا توجد نتائج لتحقيقات الاجهزة الأمنية، فإن الجزء الاكبر من المسؤولية يقع على عاتق تلك الأجهزة، التي يتوجب عليها تأمين الاستقرار الامني”.

وأكد طلاع أن “داعش” بعد الباغوز “أصبح يافطة أكثر من كونه جسم حقيقي، إذ بات غطاءاً للعديد من العمليات، جزء له علاقة بالعصابات، وجزء له علاقة بتصفية حسابات شخصية، وجزء مرتبط بدفع بعض الجهات السياسية، للقيام بعمليات أمنية تحت يافطة داعش”.

ووفقاً لطلاع فإن “الجزء الأكبر من عناصر داعش الذين خرجوا من المعتقلات، ليس لديهم ترابط تنظيمي، (مع عدم إغفال حالة الذئب المنفرد التي يستخدمها أشخاص ينتمون لداعش فكرًا ويقومون بعملياتهم)، لذا فإن هذه الحالة وغيرها ستشكل لما تبقى من داعش مناخاً جيداً لاعادة التفكير بمرحلة انتقالية ما، لا يمكن فهمها إلا بالنظر لواقع داعش عشية انهياره وما بعد الانهيار”.

ولفت طلاع إلى “وقوع انقسامات داخل البيت الداخلي للتنظيم، فعندما نذكر قاعدة تكفير من يخرج خارج الحدود الإدارية للدولة الإسلامية، نجد أن زعيم التنظيم نفسه، غادر تلك الحدود، وقد يكون حاول الهرب خارج سورية، فاليوم نجد أن هناك فكراً يتضعضع، وهو الفكر الرئيسي الذي قام عليه داعش، عندما نتحدث عن البنية الداخلية، لذا نجد حالة تفتت داخل بنية التنظيم تحتاج إلى مرحلة انتقالية ما لتجمع بعض الخيوط الجديدة، وليتسنى غلبة ما تبقى من تيار على ما تبقى من تيار اخر، لذا فإن هذه الحالة لا يمكن أن تفرز هذه الكفاءات الامنية والقيام بهذه الاغتيالات”.

ويضيف “كل ما قامت به بقايا التنظيم قد تساهم في تحديد أهداف هذه المرحلة، إذا ما حاولنا، أن نقيس هذا الأداء على قدرات التنظيم وما كان يملكه من هالة، نجد أنه في مرحلة الاحتضار، ولكن في السياق ذاته، هذا لا ينفي بحكم معرفتنا بحركية هذه الاجسام بعد الانتهاء، أنها تعيد من داخلها إفرازاً جديداً وايديولوجيا جديدة، بشبكات جديدة، ولكنها تتطلب مدة من الزمن لنتلمس اثارها”.

التنظيم السابق انتهى

ويعتقد طلاع إن داعش كما عرفناها انتهت، “وهي في طور انتقال إلى شكل جديد، لم تظهر كافة موشراته بعد، و يحاول ما تبقى من التنظيم الاستفادة من الأجواء المضطربة، لتعزيز فكرة أنه يحاول استرداد الروح، ولكن هذا سيأخذنا لاستنتاجات غير صحيحة، لأن المتوقع إن إنتاج حركة عسكرية جديدة من رحم هذا التنظيم ستكون بشكل مختلف ومغاير بنية وتنظيماً وايديولوجيا أيضاً”.

ولفت طلاع النظر للمقاربة التي تستخدمها قسد، “التي لا تزال بين حين وآخر تذكر المجتمع الدولي بهذه الورقة، وخاصة بعد الحادثة الأخيرة المتعلقة بهروب الدواعش من سجن غويران في الحسكة، فهي تستثمر بهم للحصول على مزيد الدعم الغربي، رغم أن المتحدث باسم التحالف اعتبر أن السجن لا يضم أعضاء بارزين من التنظيم، وهاذ ما يدل على استغلال قسد لهذه الورقة”.

تراجع إعلامي

وعن مؤشرات تراجع قدرات التنظيم، أشار طلاع إلى”تراجع الاداء الاعلامي للتنظيم وترهله وعدم فاعلية أدائه مقارنة بوضعه سابقاً، وهو يثبت أننا نتحدث عن مرحلة ما بعد داعش، فداعش بصيغتها القديمة انتهت، نحن نتكلم عن بقاياه، وحالات فردية وذئب منفرد أو خلايا هاربة في مكان هنا أو هناك، وأيضا هناك بعض الشخصيات لم تعد للنشاط العسكري والأمني ولكنها لا تزال تشكل تياراً او امتدادا لتيار داخل هذا التنظيم، الذي سيعيد التفكير بتموضع جديد وظهور جديد، ولكن كما ذكرت سابقاً، داخل بنية تنظيم الدولة حدث انقاسامات عديدة وتيارات متباينة ووصلت الأمور لاقتتالات محلية بينية بينهم”.

وختم قائلاً “من الطبيعي أن ينعكس تدهور حال تنظيم داعش على حالته الاعلامية، فوكالات التنظيم ليست ذات فاعلية، وهذا متعلق بأمرين، حالة داعش ككل، وأزمة الموارد البشرية لديها، وهذه دليل على أن التربة الفكرية التي كان كان يعمل عليها التنظيم أصبحت غير صالحة لهذه المرحلة، وبالتالي نحن في إطار مرحلة انتقالية ما لم تتبلور بعد  الدالة على شكل العودة للتنظيم باسم مسمى جديد أو بكيان جديد أو ببنية جديدة او بحالة تنظيمة جديدة”.

قد يعجبك ايضا