هل ينتفض السوريون في مناطق سيطرة النظام؟

جسر: متابعات:

مظاهرة في السويداء ضمن حملة “بدنا نعيش” 15 كانون الثاني/يناير 2020

يجند النظام وسائل الإعلام التابعة له من أجل الترويج للخطط والإجراءات الحكومية التي يقول إنها “تستهدف تحسين المستوى المعيشي للمواطن وخفض الأسعار ومواجهة النقص في العديد من المواد الأساسية”، هذه الإجراءات التي كان آخرها إطلاق خطة لتطوير وانماء سهلي الغاب وعكار، واعتماد مشاريع زراعية وصناعية فيها، تقول الحكومة إنها واعدة على المدى القصير والبعيد.

وبينما يتحدث إعلام النظام عن هذه الخطط وما ستوفره من اكتفاء ذاتي وفرص عمل وآفاق اقتصادية حالمة، يجد المواطن نفسه في كل يوم أمام واقع أسوأ من اليوم الذي سبقه، فالليرة السورية تتهاوى على مدار الساعة، والأسعار تحلق والسلع تغييب من الأسواق بسبب ميل متصاعد نحو الاحتكار، مع اقتراب تطبيق قانون العقوبات الأميركي المشدد “قيصر”، والذي لا يعرف أغلب المواطنين حتى الآن تبعاته الحقيقية في ظل الجدل الدائر حوله، لكنهم يدركون أنها ستكون تبعات خطيرة بكل الأحوال، بدليل انعكاساتها السلبية حتى قبل أن تدخل حيز التطبيق.

تتحدث الحكومة عن افتتاح 314 صالة تسوق جديدة تابعة للشركة السورية للتجارة، في الوقت الذي لا يستطيع فيه المواطن شراء شيء. كيلو الثوم بـ4500 ليرة والبازلاء بـ1000 واللحمة بـ25 ألفاً وليتر الحليب بـ1500 حسب إعلام النظام ذاته.

البنزين والمازوت والغاز رغم أنها مواد مدرجة على البطاقة الذكية بأسعار مدعومة، لكنها غير متوفرة، حتى الفلاحين والمزارعين لم يحصلوا على حصتهم الأخيرة من الوقود المخصص لتشغيل آلياتهم، بينما تنخفض القدرة الشرائية تبعاً لانخفاض الليرة، في الوقت الذي لا يزيد فيه متوسط الراتب عن 60 ألف ليرة، مع وجود نحو 80 في المئة من السوريين عاطلين عن العمل وبلا دخل مستقر.

حالياً لا يُلاحظ تصاعد نبرة التذمر بين السوريين وحسب، بل وحتى التهجم على كبار المسؤولين لدرجة الاقتراب من رئيس النظام بشار الأسد كما لم يحدث من قبل، حتى أن الكثيرين من المواطنين تجاوزوا مرحلة “مناشدة الرئيس”، إلى اعتباره المسؤول الأول المطالب بمعالجة الواقع المتردي وإيجاد حلول للتدهور.

الناشط مصطفى، وهو من الموالين للنظام، يقول إن “فريق العمل بدأ يلاحظ في الفترة الأخيرة تصاعداً في حدة اللهجة في التعليقات، بما فيها التي تتناول الأسد ذاته، واللافت أن هذه التعليقات مصدرها مناطق سيطرة النظام”، ويضيف أن “جميع الصفحات المؤيدة كثّفت جهودها مؤخراً من أجل متابعة التعليقات أولاً بأول، وحذف ما لا يتناسب وسياسة النشر منها”.

وفي شهادته لـ”المدن” التي يستخدم فيها إسماً مستعاراً بالطبع، يؤكد مصطفى أيضاً أن “الاحتقان في الواقع هو أكبر بكثير مما يظهر على الميديا، فالناس بدأت تنتقد الرئيس علناً، على الأقل بدرجة غير مسبوقة، أما في الحقيقة، فالجميع هنا ينتظر الخلاص كيفما كان، والكل بات يتساءل، حتى وسط الحاضنة الشعبية للنظام، لماذا لا يستقيل الرئيس وتنتهي هذه المعاناة”.

ورداً على سؤال حول إذا ما كان يتوقع تحركاً شعبياً أو من داخل النظام نفسه للتخلص من الأسد والمقربين منه، يقول مصطفى: “لا أتخيل ذلك.. القبضة الأمنية لا زالت قوية، والناس هنا تجد نفسها محاطة بعشرات الميليشيات المسلحة بالإضافة إلى قوى الأمن والمخابرات، ناهيك عن قناعتهم بأن أي تحرك شعبي لن تكون له أي نتائج سوى المزيد من الدماء والاعتقالات، لكن لا أحد يستطيع الجزم في النهاية بما يمكن أن يحدث، خاصة مع تفاقم الكارثة الاقتصادية”.

حتى المعارضة لا تبدو متفائلة بانتفاضة شعبية ضد النظام بمناطق سيطرته، كما أنها منقسمة حول الآثار المتوقعة للعقوبات الاقتصادية على النظام، ويخشى الكثيرون أنها ستتسبب بازدياد معاناة المواطنين، ليس القابعين تحت حكم النظام وحسب، بل وفي عموم أنحاء البلاد.

محمد الشاغل، وهو ناشط معارض، يؤكد لـ”المدن”، أن مناطق سيطرة الفصائل لا تعيش وضعاً أفضل. وعلى الرغم من توفر المواد الغذائية، إلا أن أسعارها مرتفعة جداً وخارج قدرة المواطن على الشراء، خاصة مع تفشي البطالة وانتشار الفقر، أما بالنسبة للوقود فالوضع هنا ليس بأفضل حالاً من مناطق سيطرة النظام، وعبوة الغاز على سبيل المثال تجاوز سعرها العشرين ألف ليرة، بينما سعرها الرسمي 2500، والناس تعيش على رواتب عدد محدود جداً من الأفراد وعلى ما يرسله لهم ذووهم من الخارج، أي بشكل عام الأوضاع هنا بالسوء نفسه التي هي عليه هناك.

رغم أن العقوبات الأميركية الجديدة المفروضة على النظام لم تدخل حيز التطبيق بعد، إلا أن آثارها السلبية على اقتصاد النظام بدت فادحة، لكن هذه الآثار يبدو أن انعكاساتها على المواطن العادي لا تبدو سهلة. ورغم حقيقة أن الوضع الاقتصادي للسوريين كان سيئاً بكل الأحوال، ورغم أن آمالاً تعلق على أن تسهم هذه العقوبات في إجبار النظام على الشعور بمخاطرها والدخول بشكل جدي في عملية سياسية تفضي إلى تغيير حقيقي، إلا أن هذه الآمال تبدو شديدة الحذر، خاصة وأن المعطيات الحالية لا تبشر بالكثير على هذا الصعيد.

_____________________________________________________________________________________

*نشر في المدن السبت 6 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا