هل ينقذ أردوغان الأسد؟

عمر قدور

على وقع التهديدات التركية بشنّ عملية برية ضد قسد، رغم تراجع التصعيد في الأيام الأخيرة، وصل أول أمس الخميس سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي إلى اسطنبول. وكان قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو قد عاد قبل أسبوع لزيارة القامشلي، والتقى قائد قسد مظلوم عبدي، من أن دون أن يسفر اللقاء عن نتائج بحسب الأخير الذي يرفض إبعاد قواته كما تطالب أنقرة، لأنه ينكر أصلاً وجود قواته على الحدود مع تركيا.

بخلاف المعلَن حتى الآن، يشجّع استمرار الاتصالات على الاعتقاد بوجود صفقة هي محور المشاورات، وأن المحادثات تتقدم في اتجاه تسجيل تفاهم روسي-تركي، تكون واشنطن طرفاً خفيّاً فيه. الصفقة قد تعطي أنقرة منطقة نفوذ إضافية صغيرة، ربما في “تل رفعت” التي تملك موسكو القدرة على التصرف بها، بينما تمنح الأسد مناطق نفوذ على حساب قسد، خاصة لجهة إمساكه بالمنافذ الحدودية. الأهم أنه يريد، بدعم روسي، حصة معتبرة من النفط الذي تتحكم بآباره الإدارة الذاتية الكردية، وهذا أصبح بمثابة مطلب تركي أيضاً مع تكرار اتهامات أنقرة لتلك الإدارة بـ”سرقة النفط السوري لتمويل نشاطاتها الإرهابية”.

الاعتقاد السائد حتى الآن أنّ أردوغان يضغط لانتزاع نصر، مستفيداً من انشغال روسيا بورطتها الأوكرانية، ومن حاجة واشنطن إلى موافقته على طلبي انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو. لكن يتضح من الممانعة الأمريكية المعلنة أن السبيل غير ممهد لعملية برية واسعة، وما دون تلك العملية لن يكون التفاهم عليه سهلاً أيضاً، والعقدة ليست في خلاف أمريكي-روسي، هي فيما تراه واشنطن لمستقبل قسد، ولأثر عقوباتها على الأسد.

لم يعد مستغرباً أن نقول أن الصفقة مع أردوغان متاحة بقدر ما يراد له المساهمة في إنقاذ الأسد، وهو قول لا يندرج في الحديث عن مؤامرة مزعومة تُحاك في الخفاء. نحن بهذا فقط نستأنف سياقاً معروفاً وعلنياً، توالى فيه على إنقاذه العديد من القوى بموافقة أمريكية، لا تغيب عن خلفيتها الموافقة الإسرائيلية.

لإنقاذه عسكرياً، شهدنا أولاً دخول مقاتلي حزب الله وطلائع الحرس الثوري الإيراني، ثم بعد فشل هذه القوات دخل الحرس الثوري بثقله مع أكثر من ثلاثين ميليشيا شيعية، منها ما هو عراقي ومنها ما هو أفغاني. معلوم أيضاً أن إسرائيل لم تستهدف تلك الميليشيات وهي تؤدي مهمتها الإنقاذية، فالمواقع الإيرانية في سوريا أصبحت في دائرة الاستهداف بعد التدخل العسكري الروسي، أي عندما تولت موسكو مهمة الإنقاذ، ولم يعد الدور الإيراني لازماً، بل صار تحجيمه مطلوباً إسرائيلياً.

كان ذلك الإنقاذ بمراحله الثلاث منسجماً مع إعلان واشنطن “المبدئي الراسخ” عن أن الحل في سوريا لن يكون عسكرياً، والرضا الأمريكي نراه في عدم معارضة التفاهمات الروسية-التركية حول مناطق “خفض التصعيد”، ثم سيطرة الأسد عليها جميعاً باستثناء إدلب. في أقصى الحالات، أرادت واشنطن منسوباً من الضغط على الأسد يدفعه إلى التفاوض، أو يدفع حلفاؤه إلى ذلك، وبشرط مضمر هو ألا يكون الضغط تهديداً حقيقياً بإسقاطه.

دعماً لموقف واشنطن، استُخدم في العديد من المناسبات والتصريحات التخويفُ من سيناريو الفوضى التي ستعقب إسقاط الأسد أو انهياره، وتم استحضار السيناريوهات العراقية والليبية واليمنية كأدوات للترهيب. الغاية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية هي ممارسة ذلك المنسوب المحسوب من الضغط، وبما لا يؤدي أيضاً إلى انهيار سلطة الأسد لأسباب اقتصادية، حيث لا يمكن التكهن بما ينجم عن حالة التردي الشامل.

وفق المتوقع، كان لبنان مرشَّحاً ليلعب الدور الأبرز في تخفيف أثر العقوبات، لولا المفاجأة التي حدثت بالانهيار المالي وانفجار مرفأ بيروت. لقد قضى الانهيار أيضاً على طموحات شركاء محتملين في لبنان، كانوا متحفزين للمساعدة على التهرب من العقوبات، أو للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في حال أُقرّت التسوية في سوريا. مع انسداد النافذة اللبنانية، قفزت إلى الصدارة تجارة المخدرات لتلعب دوراً مزدوجاً، فهي من جهة تموِّل سلطة الأسد، ومن جهة أخرى يبتز بها دولاً مستهلِكة في الإقليم وفي الغرب لتبحث له عن حلول بديلة.

لندع جانباً ما أشيع عن رفض بشار الأسد لقاء أردوغان، فالأهم أن قسماً من إعلامه ومواليه راح يحمّل قسد مسؤولية أزمة المحروقات غير المسبوقة، في تجاهل لارتباط الأزمة بشحّ التوريدات الإيرانية جراء انشغال الحليف الإيراني بمواجهة الثائرين عليه. هذا التصويب أتى بالتزامن مع التهديدات التركية، ليرسم جانباً من جوانب الصفقة كما يريدها الأسد وأنقرة معاً.

بينما تروج آراء عن حاجة أردوغان للتقارب مع الأسد، لإقناعه بعودة اللاجئين، يتجاهل أصحابها حاجة الأسد لمن ينقذ اقتصاده المنهار، خاصة مع أزمة حكم الملالي وورطة بوتين في أوكرانيا، ما يجعل الحليفين عاجزين عن إسعافه. بهذا المعنى، إن كان هناك حقاً من خدمة انتخابية يقدّمها بشار لأردوغان فالثمن هو إنقاذ اقتصاد الأول بتمكينه من الحصول على النفط، وبتمكينه من السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا ليتهرب عبرها من ضغط العقوبات، فضلاً عن فتح المعابر الداخلية بينه وبين الفصائل المدعومة تركياً.

إلى جوار كل ما يُحكى عن استغلال أردوغان الظروف، ليقتنص في سوريا مكسباً يدعمه انتخابياً، قد يصحّ بالدرجة ذاتها أو أكثر أن الظرف مواتٍ لجهة الحاجة إلى إنقاذ الأسد من انهيار اقتصاده. مطالب أنقرة، للعدول عن تنفيذ عملية عسكرية برية، تلحظ ذلك بوضوح مقدِّمة له طوق نجاة كأنها لحظة أردوغان ليفعل ما فعله من قبل شريكاه في مسار أستانة. بهذا لا يكون فحسب في موقع مَن يستغل حاجة واشنطن وموسكو له ضمن صراعهما الأوكراني، فهو يستغل أيضاً حاجتهما إلى مَن يساعد في وقف انهيار اقتصاد الأسد. لواشنطن تجارب ودية سابقة تجاه النافذة التركية لتخفيف أثر عقوباتها، منها العقوبات على إيران، وآخرها العقوبات على روسيا، يُضاف في سوريا أن معظم المطالب التركية قد تلاقي رغبة أمريكية في التخلص من عبء قسد، لأن ذهابها إلى حضن الأسد يعفي واشنطن من أي التزام أدبي إزاء أكراد سوريا، ويخلي لاحقاً انسحابَ قواتها من أية مسؤولية أخلاقية تجاههم.

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا