هل يوقف الأسد تهريب المخدرات إلى السعودية والإمارات؟

إياد الجعفري

لا يُولي السوريون في مناطق سيطرة النظام، كبير اهتمام، للأخبار عن عودة مرتقبة للعلاقات الدبلوماسية بين النظام والسعودية. وفيما ينشغل غالبيتهم ببورصة أسعار السلع التي شهدت قفزات نوعية قبيل رمضان، وفي أيامه الأولى، يظهرون بروداً ظاهراً في وسائل التواصل حيال التوقعات الاقتصادية الإيجابية المرتبطة بالحراك السياسي “العربي”، تجاه نظام الأسد. ذلك أنهم سبق أن تفاعلوا بتفاؤل كبير مع هذه التوقعات، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفي كل مرة، كان تدهور الوضع المعيشي، المزمن والمستمر، النتيجة الوحيدة التي حصدوها.

فمنذ العام 2018، تحظى دمشق بسفارة إماراتية نشطة. ومنذ ربيع العام 2022، زار بشار الأسد، العاصمة الإماراتية، ودبي. والتقى قادتها. لكن السوريين لم يلمسوا أي انعكاس لذلك على حياتهم المعيشية. بل على العكس، تدهورت معيشتهم أكثر.

في زيارته الأخيرة إلى موسكو، اصطحب الأسد وزيرَي المالية والاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة. لكن النتائج المعلنة، حتى الآن، على صعيد الاقتصاد، كانت، لا شيء. وبعد يومين فقط، اصطحب الأسد وزير اقتصاده إلى أبوظبي، في محاولة جديدة لم تظهر أية نتائج اقتصادية جليّة لها حتى الآن. مع الإشارة إلى أن وزير الاقتصاد السوري، كان قد زار الإمارات والتقى مسؤولين اقتصاديين فيها، على هامش معرض “إكسبو دبي”، في خريف العام 2021، من دون أن ينجم عن ذلك نتائج اقتصادية، ذات قيمة.

لكن، رغم ما سبق، قد يكون من المفيد تفحص احتمالات انعكاس “التطبيع” الرسمي بين النظام والسعودية، على الاقتصاد السوري. وبعيداً عن حديث “المبادرة العربية”، والشروط السياسية لـ “التطبيع” مع الأسد مقابل “مليارات الدولارات”، والتي لا تبدو واقعية، وفق مجريات التطورات في المنطقة، يتقدم ملف “المخدرات”، بوصفه القاسم المشترك بين كل التسريبات الإعلامية، حول طبيعة المفاوضات التي جرت بين دمشق والرياض، على مدار الأشهر الثلاثة منذ مطلع العام الجاري. وهو ما أكدته المصادر الإعلامية السعودية، تحديداً. فالتطبيع “القنصلي”، بمستوى “قائم بالأعمال”، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق، ستكون بادرة حسن نيّة، لقاء إجراءات مرتقبة من جانب النظام، تتعلّق بصورة خاصة، بملف “تهريب المخدرات”، الذي كان للرياض، “طلبات واضحة”، بشأنه، وفق تلك المصادر.

وللبحث ملياً في هذه النقطة، نطرح التساؤل التالي: هل يمكن لنظام الأسد أن يستغني عن عوائد تتراوح ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار، سنوياً، من تهريب المخدرات إلى دول الخليج –السعودية في مقدمتها-، لقاء “تطبيع قنصلي”؟ وما هي المكاسب الاقتصادية التي يمكن للنظام أن يحصّلها، على المدى القريب، لقاء تقارب “شرطي” مع السعودية، مقابل لجم تهريب المخدرات؟

أحد الأجوبة يتعلّق بالصادرات الزراعية السورية إلى السوق الخليجية. والتي أشارت مصادر رسمية سورية، إلى أنها انتعشت خلال الشهر الجاري، بشكل جلّي، الأمر الذي دفع البعض لقراءة ذلك بوصفه انعكاساً لتطور “التطبيع” مع دول الخليج. وتبدو القراءة متسرعة نسبياً، إذ يتطلب الأمر إحصائية سنوية، لتقييم إن كان هناك تحسّن حقيقي في حجم الصادرات الزراعية السورية إلى الخليج، بالفعل. نظراً لأنه، في كل سنة، تتحسن هذه الصادرات في مواسم، وتتراجع في أخرى. وفي الوقت الراهن، تبدو الكمأة والحمضيات، أبرز الصادرات المطلوبة خليجياً. وفي مطلع الصيف، قد نجد موسماً نشطاً لتصدير الفواكه، كما حدث مطلع الصيف الفائت، قبل أن تتراجع الصادرات لاحقاً.

لكن، قد يكون مردّ هذه القراءة لدى البعض، يرجع إلى الحديث عن تراجعٍ كبيرٍ لحجم الصادرات السورية إلى الخليج، في العام الماضي. ولا توجد أرقام رسمية، لحجم هذا التراجع، لكن تقديرات شبه رسمية ألمحت إلى أنه وصل إلى نحو 50%. ويرتبط ذلك أساساً، باكتشاف شحنات كبتاغون في صادرات فواكه وخضراوات سورية، لأكثر من مرة. مما أدى إلى تشديد العوائق أمام الصادرات السورية إلى دول الخليج. وهو ما يعيدنا مجدداً إلى ملف “تهريب المخدرات”. إذ أن الحد منه، سينعكس إيجاباً على الصادرات السورية إلى هذه الدول.

وهو ما يدفعنا للمقارنة بين الجدوى الاقتصادية للتقارب مع الخليج، وبين الجدوى الاقتصادية لتهريب المخدرات، من منظور النظام تحديداً. إذ أن مجمل قيمة الصادرات السورية (وليس فقط الموجهة للخليج)، نهاية العام الفائت، اقترب من الـ 700 مليون دولار، فقط. أي أقل من ربع الحد الأدنى من عوائد تهريب المخدرات. وحتى لو أغرقنا في التفاؤل، وتصورنا أن حجم المبادلات التجارية بين الإمارات والسعودية تحديداً، وبين سوريا، قد يعود إلى ما كان عليه في العام 2010، حين كان نحو 1.7 مليار دولار (صادرات ومستوردات)، يبقى ذلك الرقم نحو نصف الحد الأدنى من عوائد المخدرات، سنوياً.

بطبيعة الحال، لا تبدو المقارنة السابقة، مناسبة، في ظروف طبيعية مختلفة عما هو قائم في سوريا. فهي تقارن بين مصالح “عصابة” تستفيد من تهريب المخدرات، وبين مصالح “دولة” تستفيد من تصدير السلع الزراعية والمصنّعة. لكن هل صانع القرار في دمشق، يفكّر بعقلية “مسؤول دولة”؟ الجواب يدفعنا للتشكيك في مدى جدّية النظام في الحد من “تهريب المخدرات”، إلى السوقَين الإماراتية والسعودية، حتى لو كان أعطى وعوداً بذلك. ناهيك عن التشكيك بقدرة رأس النظام على فرض ذلك، على المستفيدين من عمليات “تهريب المخدرات”، ضمن نظامه والمقرّبين منه، حتى لو أراد ذلك.

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا