“يا مسهرني”…… المخدرات تغرق شرق الفرات

“جسر” تنشر تفاصيل تجارة المخدرات في شمال شرق سوريا 

فيديو حصري لتاجر يستعرض بضاعته من الحبوب المخدرة

عندما كان يبلغ من العمر ستة عشرة عاماً عمل آزاد كبائع للخبز، فهو مثل العديد من أقرانه، أجبرته ظروف الحرب على البحث عن رزقه بنفسه باكراً، ومن خلال محيطه القريب تعرف على المخدرات، وبدأ بتعاطيها، الأمر الذي أدى إلى حبسه في سجن عامودا عدة مرات، وبعد مروره بكل هذه التجارب، أصبح الشاب العشريني، من ذوي الأملاك والعقارات، فهو اليوم من تجار الدخان والمواد المخدرة على مستوى المدينة، ويستقطب المراهقين ويشغلهم على بسطات لبيع الدخان في أماكن محددة، ويؤهلهم بالتدريج للعمل في ترويج وبيع المخدرات، التي تتسع سوقها يوماً بعد آخر، وتزداد عوائدها على نحو جعلها السلعة الأكثر رواجاً وربحية. 

تعطي حكاية آزاد فكرة أولية عن تنامي ظاهرة تعاطي وترويج المخدرات في منطقة شمال شرق سوريا، على نحو انفجاري، وبطريقة وصفها أحد مصادرنا هناك، بأنها جائحة، لم يسلم منها بيت أو اسرة. 

  جسراستقصت أعراض الظاهرة، وحاولت الغوص في تفاصيل شبكاتها السرية/العلنية، عبر عديد المصادر الأهلية ومن خلال شبكة مراسليها.   

بدايةالتعلق

في منتصف عام ٢٠١٨ تناولت الحبة التي قدمها لي صديق في قوات سورية الديمقراطية قائلاً إنها توزع على العناصر في خط الجبهة من أجل تهدئة الأعصاب، وعندها بدأت رحلتي على طريق الإدمانيقول أحمد العلي وهو من قرية في ريف دير الزور الشرقي، وكان يعمل بائعا جوالاً على دراجة نارية.

ويتابعبعد تناولي الحبة الأولى، أحسست بشعور غريب، وسألت صديقي بعد مدة عن كيفية العثور على هذا النوع من الحبوب، فنصحني بالتوجه إلى شخص محدد لتأمينها، وقال لي أنه يستطيع أن يوفر لي أنواعاً أخرى“. وبالفعل تواصل العلي مع المروج الذي زوده بالحبوب، وانتهى به الحال الآن إلى الادمان على البالتان وأنواع أخرى. وختم شهادته بأنه يتمنى التخلص من هذه الورطة، ولو كان في المنطقة مصح لهذه الغاية لما تردد في مراجعته، وحمل قوات سورية الديمقراطية المسؤولية، كونها المروج الرئيسي لها بحسب أقواله. 

أصول التجارة 

زاد تعاطي المخدرات في دير الزور بعد طرد تنظيم داعش من معظم أرجاء المحافظة، ورغم الحملات التي قامت بها قسد على الصيدليات لمصادرة الحبوب المخدرة، إلا أنها لا تزال تنتشر بشكل واسع، وعندما لا تقبل صيدلية ما بيع الحبوب المخدرة إلا بموجب وصفة طبية للمتعاطي، فإنه غالباً ما يلجأ إلى التهديد بالسلاح، مثلما يلجأ إلى السرقة أوالتشليحلتأمين ثمن تلك المواد، فهي باهظة الثمن لمن يتعاطاها بشكل يومي.

تنظم عمليات ترويج وبيع المخدرات في دير الزور من خلال شبكات،جسرتقصت إحداها في ريف دير الزور الغربي، ابتداءً من مروج محلي على مستوى بلدة محيميدة يدعىش.ممعروف لدى أبناء البلدة، وهو يستجر احتياجاته من موزع أعلى في بلدة الجيعة يدعىث، معروف لأهالي البلدة أيضاً، ويوزع بضاعته للمروجين الفرعيين في معظم قرى الريف الغربي،  ويحصلثعلى شحنات المخدرات الكبيرة من مصدرين رئيسيين، احدهما  (ا. ش) معروف بـ( أبو كاسر) يقيم في بلدة الحسينية القريبة من مناطق سيطرة النظام، والأخر هو (م. ع) في بلدة البصيرة، وكلاهما يستجر بضاعته من مناطق سيطرة النظام في دير الزور عبر نهر الفرات بقوارب نهرية صغيرة تقوم بنقل  الشحنات. أما المصدر الرئيسي لكافة أنواع المخدرات، سواء كانت حبوباً مخدرة أو حشيش، فهو شخص يدعىفراس العراقية، يقيم في مناطق سيطرة النظام في دير الزور، ويتزعم  إحدى ميلشيات ما يعرف بالدفاع الوطني، شديدة الصلة بحزب الله اللبناني، ويحمل عناصره بطاقات تابعة للحزب، تمكنهم من السفر بسيارات خاصة من دير الزور إلى الضاحية الجنوبية دون أن يعترضهم أحد، ليعودوا بحمولاتهم من المواد المخدرة دون ان يتعرضوا أيضا لأي تفتيش أو مساءلة، لكن تلك الشحنات تأتي أحياناً من بلدة فليطة التي يسيطر عليها حزب الله أيضاً داخل الأراضي السورية. 

عوائد مغرية

وسبب احتكار الميلشيات المسلحة لتجارة هذه المواد، هو سهولة نقلها وتخزينها ومرابحها العالية، وتباع حبة واحدة من الكبتاغول في دير الزور بـ ٤٠٠ ليرة، بينما يشتريها الموزع بـ١٠٠ إلى ١٥٠ ليرة، أما المصدر الأساسي فيشتري هذه المواد بالوزن من المنتج أو المورد الرئيسي، ولم تستطع جسر معرفة تفاصيل أسعارها. 

أما الحشيش فيباع في دير الزور بوحدات تبلغ ١٢ غرام، ثمنها للمستهلك النهائي ثمانية آلاف ليرة، ويشتري الموزع كل كيلو بـ(١٠٠٠ غرام) بنصف مليون ليرة فيربح في هذه الحالة أكثر من ١٥٠ ألف ليرة في الكيلو الواحد.

 ويتفاوت سعر المواد بحسب المنطقة والنوعية والكمية، إذ يبلغ سعر حبة الرتامادول بين ٣٠٠و ٥٠٠ ليرة، وسعر الظرف الذي يحوي عشر حبات أربعة آلاف  أو ستة آلاف حسب المنطقة، وسعر ظرف الزولام ألفي ليرة، ويباع الهيكزول بثلاثة ألاف ليرة للعبوة الواحدة. 

الرقةالمخدرات جاءت معتحريرالمدينة

يقول أحد سكان مدينة الرقة، إن انتشار المخدرات بدأ مع انسحاب داعش، وجاءت الظاهرة مع مقاتلي قسد، خاصة في ريف الرقة الشمالي، حيث كانت الظاهرة نادرة إبان سيطرة داعش، سواء فيما يتعلق بالمخدرات أو الكحول، وانحصر تعاطيها في إطار ضيق جداً، نظراً للعقوبات القاسية المترتبة عليها.

ومع تحرير الرقة على يد التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، برز اسم قيادي في قسد يدعى أبو جاسم الرقاوي، كتاجر ومروج للحبوب المخدرة في مدينة الرقة، وهو على صلة قوية بشخصيتين أمنيتين في قسد ايضاً هما حمزة علاقات ولقمان الساحة(الذي تم القاء القبض عليه منذ فترة ولم يتسن لجسر معرفة مصير من تبقى من تلك الشبكة). واتهم مصدرنا هؤلاء الثلاثة بقيادة عملية إدخال المخدرات إلى المدينة بشكل ممنهج ومنظم،  وأفاد مراسل جسر في الرقة، أن تعاطي المخدرات يتركز في فئة المراهقين والشبان، بين سن ١٥ و٢٥ سنة. ويتردد المتعاطون على حواجز الاطفائية والبريد وآخر في شارع النور، وتتبع جميعها لابي جاسم الرقاوي، لشراء الحبوب من عناصرها.

 وقد تداول سكان المدينة في الآونة الأخيرة قصة مقتل أحد هؤلاء العناصر، وهو (م.هـ) ٢٤ عاماً، على يد مراهق من أسرة معروفة، يبلغ من العمر ١٧ عاماً، عندما حاول المروج ابتزاز المراهق جنسياً مقابل منحه الحبوب المخدرة، فقام الأخير بإطلاق النار عليه والهرب، ليموت (م.ه) في المشفى بعد أربعة أيام.

ووفق مصادر جسر، يتحصل القصر والمراهقون على أثمان تلك المواد المخدرة من خلال جمع الخردة من الحاويات وركام المنازل، أو عن طريق العمل في ورشات البناء، وغالبيتهم متسربون من المدراس.   

ويتم استجرار المخدرات بأنواعها إلى الرقة من مصدرين هما، مناطق سيطرة النظام وحزب الله في جنوب المدينة، عن طريق تجار يتبعون في عملهم للآلية ذاتها المتبعة في دير الزور، وقد حصلتجسرعلى شريط فيديو حصري  لأحد هؤلاء التجار وهو يعرض بضاعته لتاجر فرعي في الرقة عبرواتس آب”.

https://www.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=Bt7M5fCSrb8&fbclid=IwAR28AlS3BxzV83Wo9eiUP_xVK0yvHq5YP6WQluTa_7FPy3MC5BjmWQN5Vyc&app=desktop

 أما منطقة الاستجرار الثانية فهي منطقة القامشلي، ويخضع هذا المنبع لسيطرة عناصر منقسد“.   

القامشلي.. حال التجمعات الكردية ليس أفضل

جسرتتبعت خيوط شبكات الاتجار وشيوع الظاهرة في القامشلي أيضاً، وأفادت مصادر محلية بأن كميات من المواد المخدرة تأتي من إقليم كردستان العراق، ويقوم قياديوقسدبإدخالها عن طريق المعابر الحدودية مثل معبر الوليد، وعبر سيارات شحن الأطعمة والملابس، ويتم إدخال كميات أخرى تهريباً من تركيا، خاصة من مدينةقزلتبة، وهناك طريقة ثالثة للحصول على هذه المواد، وهي عناصر في ميلشيات النظام من عرب مدينة القامشلي، خاصة عناصر ميليشيا الدفاع الوطني بحي طي الذي مازال يسيطر عليه نظام الأسد ويديره حتى الآن.

مصادرنا أكدت أيضا، أن مساحات من الأراضي في القامشلي تزرع بالحشيش المخدر، بإشراف كوادر من حزب p.y.d، قادمة من جبل قنديل، وحددوا مناطق الزراعة بـمقر البحوث العلمية بمنطقة هيمو، ورأس العين، وكوباني“.  أما غالبية زبائن شبكات الترويج فهم من عناصر قسد ذاتهم، وسكان الأحياء ذات الغالبية الكردية مثل قدور بك والعنترية.

 ويباع ٢٥ غرام حشيش في القامشلي  ب ٢٥ الف ليرة سورية، وهو رائج جداً بين طلاب المدارس، الذين يجمعون ثمن هذه الكمية، ويتعاطونها في جلسات جماعية غالباً، أما الحبوب فتباع في الصيدليات بشكل شبه علني، إضافة إلى شبكات محلية تبيع بأسعار أرخص، وقد تتبعتجسرشبكة صغيرة يديرها بائعي خبز هما (احمد وجوان) يعملان بالقرب من الفرن الآلي بالقامشلي، وبجوار مركز مدينة الشباب التابع للاساييش (الأمن الداخلي)، وهما يتسلمان حصتهما منالبضاعةكل يوم من المدعوخوشنافوهو سائق قيادي من أكراد جبل قنديل يدعى هارون، ويعتبر المهيمن على هذه التجارة في مدينة القامشلي. 

وزبائن هذه الشبكة هم تجمع من ثلاث مدارس ثانوية واعدادية في محيط عملهم، إضافة إلى عناصر قسد، ويقول أحد مصادرنا، إن أحد الأسباب الرئيسية لبقاء الكثير من هؤلاء العناصر في تلك القوات هو تأمين المبالغ اللازمة لتعاطي المخدرات من ناحية، والاتجار بها وجني عوائد كبيرة من ناحية أخرى، بالاستفادة من الحصانة التي يتمتعون بها، وعدم مساءلتهم أو تعرضهم للتفتيش.  

والنازحون في الحسكة 

أما في الحسكة فإن التجارة والتعاطي تتمركز في الاحياء التي استقبلت اعداد كبيرة من النازحين من المحافظات الأخرى، وبسبب انعدام فرص العمل، والضغوط النفسية والاجتماعية التي تعاني منها هذه الشريحة، فقد انتشر تعاطي الحبوب المخدرة، وترويجها بشكل كبير في هذه الفئة. ويعد حي السكن الشبابي في المدينة أحد مراكز هذه التجارة وفق مصادرجسر، وهو حي يقطنه نازحون من مختلف المحافظات. 

سجن أم اكاديمية للتدريب على الترويج؟

تقوم قوات الإدارة الذاتية من حين لآخر بحملة اعتقالات للمتعاطين والمروجين عن طريق قسم مكافحة الجريمة المنظمة، وتودعهم في سجن خاص بمدينة عامودا يدعى سجن المخدرات، لكن نتائج هذه العمليات عكسية في الغالبية الساحقة من الحالات، إذ يؤدي اختلاط المتعاطين العاديين، وخاصة المراهقين، بالمروجين المحترفين، إلى تحولهم إلى مروجين بدورهم، يخرجون من السجون بعد فترة وجيزة، ويبدؤون بالبحث عن زبائن ومتعاطين جدد، يتم توريطهم ودفعهم إلى الإدمان، ليصبحوا زبائن دائمين، وتتسع الظاهرة باستمرار، بشكل عنقودي،  لتدر مزيداً من الأرباح، وتسقط المزيد من الضحايا.

هل خرجت الظاهرة عن السيطرة؟

في ظل مشاكل منطقة شمال شرق سوريا المعقدة، من الضغوطات الاقتصادية إلى المخاطر الأمنية، إلى سوء الواقع المعيشي والصحي والتعليمي، إلى الاضطرابات السياسية، يبدو تفشي المخدرات تتويجاً طبيعياً للكارثة، وقد لا يجدى نفعاً أن يطالب المرء سلطات الأمر الواقع بوضع حد لهذه الظاهرة، ولا بافتتاح مصحات للعلاج من الإدمان أو غير ذلك. كما لا يبدو أن المجتمع الأهلي الغارق في مشاكله العيشية، قادر اليوم على مواجهة الظاهرة، وهو عجز وشلل عبر عنه أحد متعاطي هذه الحبوب، عندما سألناه مالحل؟ فأجاب بعد تفكير: “لا حل سوى (يامسهرني)” في إشارة منه للاسم الشعبي لأشهر أصناف تلك الحبوب المخدرة، وهو يعطي نشوة خادعة ومخدرة لبعض الوقت، ويقلل عدد الساعات التي يحتاجها للنوم. 

     

قد يعجبك ايضا