20 عاما في الحكم.. كيف غيّر بوتين روسيا إلى الأبد؟

فورين بوليسي* - ترجمة: بيان قايم أوغلو

لقد غيّر فلاديمير بوتين بلاده وعلاقاتها مع العالم، طلبت “فورين بوليسي” من 11 خبيرا بارزا أن يراجع عهده الذي دام 20 عاما ويتنبأ بما قد يجلبه المستقبل.

أ ف ب/جيتي

جسر: ترجمة:

أ ف ب/جيتي

في 7 أيار/مايو 2000 أدى فلاديمير بوتين اليمين الدستورية كرئيس لروسيا، لقد كانت أول أربع مراسم افتتاحية، وما زال العداد في ازدياد. قبلها بأربعة أشهر، تنحى بوريس يلتسين بشكل غير متوقع، ورفع رئيس الوزراء ورئيس الأجهزة الأمنية السابق إلى منصب الرئيس بالنيابة، عندما أجريت الانتخابات في أواخر آذار/مارس، فاز خليفة يلتسين بأكثر من نصف الأصوات بقليل، وهي أغلبية ضئيلة حالت دون جولة الإعادة، وغيرت مسار روسيا بشكل لا يقاس.

خلال العقدين منذ صعوده إلى قمة الكرملين، عزز بوتين قوته وعزز دور روسيا على المسرح العالمي، العديد من هذه التغييرات، التي لم تأت بتكلفة بسيطة، لم يكن من الممكن فهمها في مطلع القرن، كان انتخاب بوتين أول تغيير ديمقراطي للسلطة في البلاد، وقيما تمهد موسكو الآن الطريق أمام بوتين للحكم حتى عام 2036، قد يصبح أحد أقوى قادة العالم، أحد أطول رؤساء العالم حكما.

لفهم كيف غير بوتين روسيا ومكانتها في العالم على مدى العشرين عاما الماضية، وما قد يحمله المستقبل؛ تواصلت فورين بوليسي مع كبار العلماء والصحفيين والخبراء.

القليل للاحتفال في روسيا بوتين

بقلم سوزان ب. جلاسر

قبل عشرين عاما، لو سألتني، أو أي شخص آخر، عما إذا كان فلاديمير بوتين سيصبح الزعيم الروسي الأطول حكما منذ جوزيف ستالين، فلربما كان الرد إما صمتا لا يصدق أو ضحكا صاخبا. عندما صعد إلى الرئاسة الروسية، وهو لا يزال في الأربعينيات من عمره، كانت مؤهلات بوتين الرئيسية لهذا المنصب على الأقل، بناء على العديد من الروس الذين تحدثت معهم خلال سنواته الأولى في منصبه عندما كنت رئيس مكتب واشنطن بوست في موسكو، أنه كان شابا واضحا واقعيا ورصينا، أنه، بعبارة أخرى لم يكن بوريس يلتسين، سلفه المريض المسن الذي قضى سنواته الأخيرة في الكرملين في تعرجات غارقة بالفودكا مع سيطرة رأسمالية العصابات على البلاد وحكومته، وتحدث بوتين عن الإصلاح الضريبي وإعجابه بأوروبا، ونمو اقتصاد روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي ذات يوم للتفوق على البرتغال، بالنسبة إلى المعجبين به في روسيا، وكذلك العديد من الذين أخطأوا في قراءته في الغرب، بدا أنه يمثل مسارا مختلفا لروسيا في أن تصبح دولة طبيعية أكثر حداثة، وإن كانت أكثر تواضعا.

بالطبع تطلب ذلك إغفال الكثير حتى في ذلك الوقت: مثل الحرب الوحشية في الشيشان التي أطلقت بوتين كشخصية سياسية، وحقيقة أن اختياره تم من قبل الدائرة الداخلية الملتوية ليلتسين مقابل ضمان العفو عنه، وخاصة أن خلفية بوتين الخاصة في العصر السوفييتي مرتبطة بالـ”KGB”، والولاء المستمر لفكرة الدولة الأمنية.

بعد عقدين من الزمان، أصبحت روسيا مرة أخرى دولة نفط تكافح مع زعيم هرم، وتقاليد استبدادية تعوق مسار تنميتها السياسية، واقتصاد متعثر بالفساد يعتمد بشكل كبير على عائدات الموارد الطبيعية، ولم يستطع بوتين استعادة الاتحاد السوفييتي أو إنشاء غولاغ (المعتقلات السوفيتية) جديد في البلاد، ومع ذلك تبين أن طبيعته الجديدة تشبه الطبيعية القديمة أكثر مما يعترف به، الآن يجب على بوتين أن يحسب حساب أسعار النفط المتدنية، والاستجابة السيئة لوباء الكورونا، والتجاوز السياسي المجدول زمنيا، ثم تأجيل الاستفتاء الدستوري الذي يمكن أن يبقيه في السلطة لأكثر من عقد قادم، وكان من المفترض أن تتم في أيار/مايو 2020 حفلة الذكرى العشرين للبوتينية، ولكن تم إلغاء الحفلة.

أصبحت روسيا معتمدة بشكل كبير على بوتين

بقلم اولجا اليكر

يبدو لي في بعض الأحيان أن الروس ينظرون إلى فلاديمير بوتين، إلى حد ما، كما يرى الكثير من العالم الولايات المتحدة، أي أنهم ممتنون لما فعله لهم في الماضي البعيد بشكل متزايد ومتناقض، إلى درجة مزعجة في بعض الحالات، مع موقفهم من الواقع الحالي؛ فهم يشعرون بالخوف من المستقبل، ومن ناحية أخرى لا يرون بديلا.

لقد عايش بوتين روسيا خلال النهضة الاقتصادية والركود، وقد ترأس عودة ملحوظة لبلاده إلى الساحة العالمية، ولكن إذا تغيرت الأساليب والأدوات المتاحة على مدار العقود والقرون، فإن أهداف السياسة الخارجية التي سعت إليها روسيا بوتين لا تختلف عن أهداف السياسة الخارجية لروسيا السوفيتية والإمبراطورية الروسية، ولم يكن العقدان الماضيان فريدين من نوعهما في التقلبات الاقتصادية ودورات التحرر والتقييد في الداخل، أود أن أقول إن التغيير الحقيقي الذي أحدثه بوتين هو إنشاء نظام يبدو أنه يعتمد بشكل غير عادي عليه شخصيا، سواء من أجل استمراره أو لاتخاذ القرارات والإجراءات، وهذا بحكم تعريفه يستمر فقط طالما ظل بوتين في السلطة.

يُظهر بوتين بدقة مدى أهمية القادة

بقلم مايكل مكفول

يجادل الواقعيون بأن الدول وتوازن القوى بينها هو ما يدفع العلاقات الدولية، أي أن “القادة لا يهمون”. خرجت روسيا من تحت أنقاض الانهيار السوفيتي كدولة ضعيفة، وبالتالي اضطرت إلى القيام بما تمليه أقوى قوة في العالم، الولايات المتحدة. لقد تعافت روسيا اليوم وعادت إلى الظهور كقوة عظمى، حيث تتصادم مثل هذه القوى دائما مع القوى الكبرى الأخرى في العالم. هذه الديناميكيات الصدامية كانت ستحدث مع أو بدون فلاديمير بوتين.

هذه النظرية أنيقة ولكنها خاطئة، يجب أن تبدأ جميع تفسيرات سلوك الدولة بتقييمات للسلطة، ولكن توازن القوة ليس القصة بأكملها، يمكن للقادة وأفكارهم أن تؤثر أيضا على سلوك الدولة، فقد أثر بوتين والبوتينية على روسيا ومكانتها في العالم.

اختاره بوريس يلتسين ثم صادق عليه الشعب الروسي، ليصبح رئيسا في عام 2000، وكان بوتين قائدا عرضيا، آراؤه حول الحكم والسياسة الخارجية لم تكن معروفة جيدا، ومع ذلك في وقت مبكر من فترة ولايته أوضح ازدرائه للرقابة على السلطة التنفيذية، واليوم استبدل بوتين ديمقراطية روسيا الهشة منذ التسعينيات بحكم أوتوقراطي موحد، بمرور الوقت رفض بوتين صراحة الليبرالية والتعددية وبدلا من ذلك تبنى وروج للأفكار المحافظة والأرثوذكسية والقومية، لا يحدث الصدام بين البوتينية والليبرالية بين الدول فقط ولكن داخلها أيضا.

لا شيء من هذا كان حتميا، في السنوات الثلاثين الماضية بعد كل شيء، تبنى ميخائيل جورباتشوف، بوريس يلتسين، وحتى ديمتري ميدفيديف بدرجة أقل أفكارا أكثر ليبرالية، وسعى إلى تعاون أكبر مع الغرب، لو اختار يلتسين بوريس نيمتسوف لخلافته لكانت الديمقراطية الروسية قد استمرت، ولربما استمر تعاون روسيا مع الغرب.

لأن القادة مهمون فإن روسيا والغرب ليسا متجهين إلى المواجهة إلى الأبد بسبب توازن القوى في النظام الدولي، قد يغير زعيم جديد في روسيا مسارها، حدث ذلك من قبل؛ ويمكن أن يحدث مرة أخرى.

لقد تم حرمان أصغر جيل في روسيا

بقلم إيرينا بوروغان

أهم تغيير قام به بوتين في روسيا هو أن الشباب الروس الذين نشأوا في عهد بوتين لا يعرفون ما هو النقاش الحر أو ما تعنيه الديمقراطية، مجتمع حيث يمكن للمرء أن يكسب المال فقط؛ من خلال عدم التدخل في السياسة، وعدم انتقاد سلطة تجبر الناس على التخلي عن جميع الخيارات بخلاف حياتهم الشخصية وعملهم، هناك قلق هائل في المجتمع الروسي، هذا القلق يزداد نموا مع تفاقم جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية.

يعمل بوتين باستمرار على المسرح العالمي، وقد أثبت أنه يمكن لروسيا أن تنتهك حقوق الإنسان ضد مواطنيها وغيرهم دون عواقب خطيرة من الاتحاد الأوروبي أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وعلى الرغم من استياء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أرسلت روسيا قوات إلى سوريا وأحيت نفوذها في الشرق الأوسط، دون إنفاق الكثير من الأموال والموارد كما فعل الاتحاد السوفييتي، كما فازت روسيا بعقود عسكرية مع تركيا وهي دولة عضو في الناتو، متجاوزة الولايات المتحدة؛ وهو أمر كان من المستحيل تخيله قبل 20 عاما.

الجشع فاز اليوم

بقلم يفجينيا ألباتس

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كانت روسيا دولة لديها أمل وإمكانية أن تصبح جزءا من العالم المتحضر، وهو ما ليس لديها من أي شيء الآن، وعد بوتين “بجعل روسيا عظيمة مرة أخرى” في مقابل ولاء رعاياه، قام بضم أراضي أجنبية، وصدّر حربا هجينة في الدولة المجاورة، ونتيجة لذلك لم تصبح روسيا عظمى أو حتى محترمة كقوة إقليمية، وبدلا من ذلك أصبح جيرانها المقربين يخشون منها، والعالم الأكبر أصبح لا يثق ويشمئز من روسيا بسبب سياساتها القائمة على الأكاذيب والاغتيالات وعدم القدرة على التنبؤ بها.

لولا ترسانة روسيا الضخمة من الأسلحة النووية، من المحتمل أن يحاول العالم نسيان وجودها في المستقبل المنظور، لن تكون روسيا أكثر من مجرد مثال آخر على الفساد المتفشي والنخب الجشعة وعدم قدرتها على رؤية مكاسب طويلة الأجل من المصلحة العامة، هل كان لدى روسيا فرصة؟ نعم كان لديها، إذن من “خسر” روسيا، وهو سؤال شائع في الولايات المتحدة؟ ليس الديمقراطيون الأمريكيون ولا الجمهوريون الأمريكيون ولا أي شخص آخر، نحن فقط الروس من الطبقة المتعلمة مسؤولون عن عدم قدرتنا على رؤية روسيا تنجح في طريق الديمقراطية.

القليل لتقديم ما بعد الجمود والركود

بقلم فلاديمير ميلوف

أخر فلاديمير بوتين تحركات روسيا نحو أن تصبح سوق اقتصاد متقدم لعقود، عندما وصل إلى السلطة لأول مرة أعلن بوتين عن تطلعاته للمشاركة مع العالم الغربي المتقدم وحذر من تدخل الحكومة في السياسة والحريات المدنية والاقتصاد، لو اتبعت روسيا أثر الإصلاحات الموعودة في أوائل عهد بوتين، لكان من الممكن أن تكون دولة مختلفة تماما في الوقت الحالي؛ لاعب مسؤول ومحترم على المسرح العالمي.

بعد عشرين عاما وصلت روسيا إلى طريق مسدود تماما محليا وسياسيا واقتصاديا، منذ عام 2008 لم ينمو الناتج المحلي الإجمالي، فنموذج بوتين الاقتصادي لا يعمل، حتى أنصاره يعترفون بأن روسيا بحاجة إلى تغييرات سياسية، لكن بوتين يقاوم بشراسة ويبدو أنه يرغب في أن يعمل كحاكم مدى الحياة، مما يطيل من الطريق المسدود إلى أجل غير مسمى، وعلى عكس خطاب بوتين بشأن “استعادة عظمة روسيا”؛ أصبحت روسيا معزولة بشكل متزايد وتواجه عقوبات دولية غير مسبوقة تستبعد تطورها الاقتصادي الإيجابي في المستقبل، إن الطريقة الوحيدة التي يمكن لروسيا أن تظهر بها في الشؤون الدولية هي من خلال السلوك التخريبي والوقوف مع الصين وغيرها من الأنظمة الديكتاتورية لمواجهة النظام الليبرالي الدولي، ليس لدينا شيء إيجابي نقدمه للعالم باستثناء التهديدات والتضليل والاضطراب، وللأسف هذا هو وجه البوتينية.

في بوتين، رأى الجميع ما أرادوا

بقلم كاثرين بيلتون

عندما ارتدى فلاديمير بوتين عباءة الرئيس الروسي قبل 20 عاما، تجاهل الكثيرون في الغرب منذ فترة طويلة أي فكرة عن أن أجهزة الأمن الروسية يمكن أن تكون قوة لا يستهان بها، كان الغرب لا يزال منتشيا بانتصاره الواضح في الحرب الباردة، كان الناتو والاتحاد الأوروبي يتوسعان باتجاه الشرق، بعد ما يقرب من عقد من الاضطرابات في عهد بوريس يلتسين بدت روسيا ضعيفة بشكل لا رجعة فيه، في بوتين رأى الجميع ما يريدون رؤيته.

بالنسبة للأوليغارشية الروسية وكثير من الغرب، كان بوتين الرئيس الذي سيساعد في تأمين المكاسب الهشة لانتقال السوق الروسية، بالنسبة لمعظم السكان الروس كان القائد الذي سيساعد على جلب النظام إلى بلد تمزقه الفوضى، ظهر بوتين كأي شخص روسي وهو ضابط سابق في المستوى المتوسط ​​من المخابرات السوفيتية، كان قد تعهد باستعادة الدولة الروسية، لكنه كان حربيا وهنا تكمن سلطته، وخلفه كانت هناك طبقة لا ترحم من رجال الأمن، وبدلا من تعزيز المؤسسات الديمقراطية، اغتصبها هؤلاء الرجال لدعم موقفهم الخاص، بعد ذلك بمجرد أن استولوا على اقتصاد البلاد ونظامها القانوني، سعى رجال بوتين إلى إعادة كتابة القواعد وتقويض الغرب.

التكتيكات هي نفسها التي استخدمتها المخابرات السوفيتية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، باستخدام أموال غير مشروعة لشراء وإفساد السياسيين والمؤسسات الغربية، والفرق الوحيد الآن هو أنهم يتمولون من بئر نقدية أعمق بكثير، مما يمكنهم من اختراق الأسواق الغربية بشكل أكبر، لقد نجحت روسيا في توسعة نقاط الضعف والانقسامات في المجتمع الغربي، مقارنة بما كان عليه الحال قبل 20 عاما، فإن الديمقراطية الليبرالية الغربية تحت الحصار، لكن بوتين ورجاله ليسوا أكثر من بقايا مشوهة لحقبة سابقة، ولم يتعلموا بعد أنه بدون بناء اقتصاد تنافسي قوي في بلادهم، فإن نتائج ألعاب القوة قصيرة المدى هذه يمكن أن تؤدي إلى الانهيار نفسه لا أكثر.

استراتيجية واضحة للطاقة العالمية قد تكون قد تجاوزت حدودها

بقلم أنجيلا ستنت

تحت حكم بوتين أصبحت روسيا دولة مركزية واستبدادية وعادت كلاعب عالمي؛ تتنافس مع الولايات المتحدة على النفوذ، وتنحاز إلى الصين في محاولة لإنشاء نظام عالمي بعد الغرب. في عام 2000 كانت روسيا دولة تعددية ولكنها تكافح اقتصاديا، وتراجعت إلى حد كبير عن طموحاتها العالمية، كان بوتين مصمما على إعادة روسيا إلى دورها الصحيح، كما رآها كقوة عظمى، لقد كان قادرا على تحقيق ذلك، لأنه على عكس الولايات المتحدة، كان لديه ما أسميه استراتيجية “الجودو”؛ فقد كان قادرا على اغتنام الفرص التي يقدمها الغرب المنقسم والمشتت.

بينما تدهورت علاقات روسيا مع الغرب بشكل حاد منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 وإطلاق حرب في جنوب شرق أوكرانيا، فإن معظم دول العالم الأخرى تعتبر روسيا دولة استبدادية كبيرة يمكنهم القيام بأعمال تجارية معها، ومع ذلك قد تكون قدرة روسيا على مواصلة توسيع مدى انتشارها العالمي مقيدة في عصر الكورونا. وبعد أن مكن ارتفاع أسعار النفط من عام 2000 إلى عام 2008 وانتعاشها بعد الأزمة المالية، بوتين من تعزيز قوته وتوسيع النفوذ الروسي، قد يحد انهيار أسعار النفط والانخفاض الحاد في النمو الاقتصادي من قدرة روسيا على إظهار القوة في المستقبل.

روسيا مشبوهة وعدوانية

بقلم أندريه سولداتوف

جعل بوتين روسيا مشبوهة وعدوانية، في غضون سنوات قليلة من تولي بوتين السلطة، أصبحت روسيا غير واثقة من الغرباء، لقد طورت عدم ثقة عميقة الجذور من الأجانب والدول الأجنبية بشكل عام، في الداخل تبنت الدولة وجهة نظر مماثلة تجاه كل من تصادف أنه ليس داخل الدولة، بما في ذلك الخبراء والصحفيين والمنظمات غير الحكومية وأحزاب المعارضة.

اكتشف الكرملين أيضا العدوان كوسيلة للرد على أي أزمة دولية أو وطنية، عندما نزلت الطبقة الوسطى المستاءة إلى شوارع موسكو، قال رجال بوتين إن “المحتجين الذين يؤذون شرطة مكافحة الشغب يجب أن يسحل كبدهم على الأسفلت”، عندما نزل الأوكرانيون إلى الشوارع في كييف هاجم الكرملين شبه جزيرة القرم.

في العالم الأكبر قام بوتين بتحول أكثر أهمية، قبل بوتين كانت البلاد من الناحية السياسية جزءا من تاريخ التحول الديمقراطي الصعب لأوروبا الشرقية، تم الحكم على ميخائيل جورباتشوف ضد سياق سقوط جدار برلين، شوهدت حروب بوريس يلتسين في الشيشان من خلال منظور الحروب في يوغوسلافيا.

غير بوتين ذلك، حول البلاد إلى الشرق إلى مكان تقليدي تحتله روسيا لقرون، لم تعد أوروبا الشرقية إنها روسيا الوحيدة، روسيا القوية والعدوانية والشمولية التي كانت عليها دائما، لقد كرست تدخلات روسيا المتعددة مرجعيتها التاريخية، وأصبح من الشائع استدعاء القياصرة كطريقة لشرح سياسة بوتين الخارجية، انتقدتنا بعض المراجعات لكتابنا الأخير حول الهجرة السياسية الروسية لفشلنا في ذكر سياسة إيفان الرهيب تجاه المنفيين، وهذا بالضبط ما يجعل مساهمة بوتين ضارة للغاية: إنه يقوض الأمل في أن تصبح روسيا دولة عقلانية وطبيعية.

علامة تجارية قوية يمكن للآخرين محاكاتها

بقلم أندريا كيندال تايلور

على مدى السنوات العشرين الماضية، كان بوتين مدفوعا بشكل أساسي برغبته في الحفاظ على السلطة، تحقيقا لهذه الغاية أضعف الدولة وقام بالقضاء على المنافسة وشخصية النظام السياسي في روسيا، في حين أن جيلا أقدم من الروس يثقون ببوتين لمساعدته روسيا في التغلب على الاضطرابات التي شهدتها في التسعينيات، بعد أن حول البلاد في الواقع إلى دولة متعالية لا تعمل مع الروس العاديين، في الوقت الذي أصبح فيه أكثر جنونا بشأن التهديدات لسلطته؛ الداخلية والخارجية والحقيقية والمتخيلة، قام بوتين بقمع حريات الروس، بشكل متزايد من خلال ترسانة من التكتيكات الرقمية.

على الرغم من نقاط الضعف الداخلية في روسيا، إلا أن بوتين عزز مكانة البلاد العالمية، إن عدم وجود قيود على سلطته واستثماره في تحديث جيشه، وقدرته على استغلال عدم التناظر في المصالح بين روسيا والغرب، سمح لبوتين باغتنام الفرص، حتى تلك التي تنتهك القوانين الدولية، اليوم روسيا لديها دور في معظم القضايا العالمية ذات العواقب، لكن بوتين يفهم أيضا حدود النفوذ الروسي، لذلك سعى إلى تقويض الديمقراطيات الغربية لتحسين الوضع النسبي لروسيا، لقد خلقت تكتيكاته وعلامته التجارية القوية نموذجا يحاكيه القادة المناهضون للديمقراطية، ونظرا لأن بوتين قد عزل روسيا عن الغرب، فإن مكانة روسيا في العالم تتزايد جنبا إلى جنب مع أنظمة بشار الأسد وحسن روحاني ونيكولاس مادورو وشي جين بينغ، ويمكن قول الكثير عمن نصادقهم.

بعد 20 عاما من الضياع، يمكن استعادة المسار الديمقراطي

بقلم فلاديمير كارا مورزا

في غضون 20 عاما تمكن فلاديمير بوتين من نقل روسيا من الديمقراطية غير الكاملة إلى الاستبداد التام في الداخل، ومن شريك محترم إلى شبه منبوذ في الشؤون الدولية، بحلول عام 2000 أجرت روسيا انتخابات تنافسية، وكان لديها صحافة حرة نابضة بالحياة وبرلمان تعددي ومجتمع مدني متنامي، على الصعيد العالمي كانت عضوا في G-8، النادي المرموق للديمقراطيات الصناعية، وصادقت لتوها على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مما جعل مواطنيها تحت مظلة أقوى آلية رقابية في أوروبا، من المؤكد أنه كان هناك العديد من المشاكل، والعديد من الأخطاء، في المجالين السياسي والاقتصادي ولكن المسار كان صحيحا.

بعد عقدين من حكم بوتين أصبحت روسيا دولة تسيطر عليها جميع وسائل الإعلام الرئيسية، والانتخابات طقوس لا معنى لها مع نتائج محددة سلفا، والبرلمان، على حد تعبير رئيسه، ليس “مكانًا للمناقشة”، ويتعرض المتظاهرون السلميون للضرب من قبل الشرطة، ويتم سجن المعارضين السياسيين، أو ما هو أسوأ. في الخارج، تم طردها من مجموعة الثماني وتواجه عقوبات اقتصادية ساحقة، وللمرة الأولى منذ عقود لديها حدود دولية غير معترف بها، سيستغرق الأمر وقتا وجهدا لإزالة هذا الضرر عندما تمتلك روسيا حكومة ديمقراطية تحترم حقوق شعبها وتتصرف بمسؤولية على المسرح الدولي، وعاجلا أم آجلا سيأتي ذلك اليوم.

_________________________________________________________________________________

*نشر في 7 أيار/مايو بمناسبة مرور 20 عاما على وصول بوتين إلى السلطة في روسيا، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا