حول حماية الصحافيين/ات وحقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية بالشرق الأوسط

نجم الدين النجم

قضية حماية الصحفيين/ات ما زالت من القضايا التي تبرز بين الحين والآخر بسبب ازدياد أعداد الضحايا من الصحفيين حول العالم، حيث تتجدد حالات الاعتداء عليهم بالإيقاف التعسفي أو القتل والتنكيل أو الاختطاف، ولعل قضية إيقاف الصحفي البيلاروسي المعارض رومان بروتاسيفيتش تعسفياً قبل سنوات قليلة من قبل حكومة بيلاروسيا، بينما كان في رحلة جوية مدنية، وبعدها مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في أيار 2022 أثناء تغطيتها للأحداث في فلسطين، كانت الأشهر عالمياً من بين الحلقات الأخيرة من السلسلة المتجددة والمفتوحة، فيما يخص هذه الأزمة الحقيقية التي يعيشها العامل بالقطاع الإعلامي على المستوى العالمي والعربي تحديداً، في أوقات السلم عموماً وأوقات الحرب على وجه الخصوص.

ثمّة إشكالية حقيقية لا تنال الاهتمام المطلوب، فيما يتعلق بغياب نصوص دولية واضحة ومحددة لحماية العاملين بالصحافة. نقول ذلك رغم إنه على مدار أكثر من 60 عاماً صدرت قوانين دولية عديدة لحماية الصحفيين وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم في زمن السلم وحالات الحرب والنزاعات العسكرية.

ولا بد أن نستعرض القليل من هذه القوانين، قبل محاولة اجتراح ومناقشة حلول قد تساهم في تعزيز حقيقي وجاد لحياة الصحفيين وحرية عملهم في سوريا والمنطقة وبجميع أرجاء هذا الكوكب.

في أوقات السلم، تنص المادة الــ 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافيا”.

أيضاً لدينا إعلان “اليونسكو”، حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978، حيث نصت المادة الثانية منه على أن ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين.

وكذلك، فإن إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات، أيد الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.

التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير 1993، يفيد بأن “حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات”.

أما الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004، فيضمن -نظرياً- الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية.

الدساتير العربية بدورها، تنص أغلبها على حرية الرأي وحرية الصحافة، وورد هذا النص في دساتير الأردن في المادة 15، ومصر المادة 47-48، ولبنان 13، والكويت 36-37، والبحرين 23، واليمن 26، والجزائر 39، والإمارات 30، والسودان 48، وتونس 8، وقطر 13، وسوريا 38، والسعودية 39، وفي الدستور العراقي المادة 36.

وهكذا، نقرأ الكثير عن حرية الصحافة والإعلام وحق الوصول إلى المعلومات، غير أن هذه المواد -غالباً- ألحقت بعبارات مقيدة من قبيل “في حدود القانون”، و”بما يتفق مع القانون”، أو “بالشروط التي يحددها القانون”. وفي دول الشرق الأوسط، يختلف معنى وتطبيق “القانون” عن معناه وتطبيقه في أغلب بلاد العالم.

أما بزمن الحرب، ففي القانون الدولي الإنساني نصت المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين.

دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني 2005، نصت المادة 34 من الفصل العاشر فيه على أنه “يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية”.

القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي، نص بدوره على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، وعلى مساواة سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين هناك، وأكد أيضاً على اعتبار الصحفيين والمراسلين المستقلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة، وعلى اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعياناُ مدنية لا يجوز أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال انتقامية.

اقتراحات في الإطار

تبقى هذه القوانين ومضامينها والكلام عمّا يجب، مقروناً بضرورة اجتراح حلول عملية قدر الإمكان في هذا الشأن، وبدورنا نقترح في هذا المقال، في إطار محاولة تأمين المزيد من الحماية الناجعة للصحافيين وتعزيز حريتهم ما يلي:

1- إنشاء مجلس مستقل يتبع لمنظمة الأمم المتحدة يختص بمتابعة قضايا الصحفيين حول العالم ودعم حقوقهم ودعم حريتهم في ممارسة عملهم، على غرار مجلس حقوق الإنسان، الذي وإن لم يكن يتمتع بسلطة إصدار القرارات الملزمة للدول الأعضاء، إلا أن بياناته ذات سلطة أخلاقية دولية تشكل عامل ضغط فعّال ومفيد، لا يمكن تجاهله.

2- إنشاء لجنة مستقلة في جسم جامعة الدول العربية، تأخذ على عاتقها أيضاً دعم حماية الصحفيين وحريتهم بممارسة عملهم في الدول العربية، وبالأخص في دول النزاع والدول التي تشهد تضييقاً كبيرة على الصحفيين، مثل سوريا والعراق واليمن ومصر، وغيرها.

3- العمل على الوصول إلى اتفاقيات جامعة بين الاتحادات والنقابات والجمعيات ومواثيق الشرف الصحفية والإعلامية في الدول العربية -على الأقل- لمشاركة البيانات المتعلقة بالتعدي على حياة وحريات الصحفيين في دول المنطقة، وإصدار تقارير دورية في هذا الشأن، وإصدار بيانات موحدة صريحة عند وقوع حادثة اعتداء على الصحفيين أو تقييد حرياتهم، لتشكيل قوة ضغط إقليمية تساهم في الحد من هذه الاعتداءات.

حرية الصحافة وحرية الإنسان بالشرق الأوسط

لئن كانت الاقتراحات آنفة الذكر محصورة في دائرة ما هو بالإمكان وليس في دائرة ما نتمنى، إلا أنه يجدر بنا الحديث عن أن مفاهيم الديمقراطية والمدنية والحرية هي ثقافة وعقلية قبل كل شيء، ولا يكفي أن نطالب بها لنحصل عليها، بل يجب أن نقتنع بها ونفهمها ونهضمها بداية الأمر، وعقب ذلك نبدأ ممارستها والتدرب عليها، فالرؤية الدينية أو القومية الأحادية والاستبدادية للدول ومستقبلها لا تحتكرها التنظيمات الراديكالية المسلحة والأنظمة المستبدة وحدها، بل هي موجودة ومتجذرة للأسف، في المجتمعات وعقليات أفرادها.

وللإضاءة أكثر، أكد تقرير أصدرته مؤخراً مجموعة “Article 19” المعنية بالحريات، أن نصف سكان العالم لا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية، واحتلت سوريا وبقية دول الشرق الأوسط مراتب متأخرة ومُحبطة للغاية.

واعتمد تقرير المجموعة التي لديها مكاتب حول العالم، على قياس الحق في حرية التعبير والتواصل والمشاركة لجميع الأشخاص وليس فقط الصحفيين أو الناشطين، وقالت المنظمة إن التقرير “فريد من نوعه” لأنه يوفر مقياساً ملموساً ومنظوراً قابلاً للقياس بشأن التعبير: بدءاً من النشر على الإنترنت، وحرية الاحتجاج، والتحقيق والوصول إلى المعلومات لمحاسبة القادة المسؤولين، وهذا يعني ببساطة على ضوء هذه المعايير، أن بلداننا وشعوبها تعاني بشدة.

نتائج هذا التقرير تؤكد فكرتنا، بأن حرية الصحافة والعاملين بها، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدعم فكرة الحرية في الدولة ومؤسساتها ومجتمعاتها، ولذلك لا بد من التأكيد في هذا السياق، أن مسؤولية الإقناع والفهم والهضم والتدريب الديمقراطي، الجزء الأكبر منها يقع على عاتق الإعلام نفسه، ومن ثم المؤسسات التعليمية والحقوقية، أما المؤسسات الدينية فهي للأسف ما زالت متأخرة وتعمل خارج الزمان، والحديث عنها يطول كثيراً.

حرية الصحافة غير المنقوصة، وقبول الآخر المختلف، والتعايش مع مختلف الأفكار والمعتقدات، هي جزء أصيل من الحرية المنشودة في بلادنا، فلا توجد ديمقراطية سياسية بمعزل عن ديمقراطية التعبير وحرية الاعتقاد والميول الفكرية والجنسية والسلوكية، هذا ما يجب أن نشرحه في كل مناسبة ونكرره في كل وقت وحين، وإن لم تصبح الثقافة الديمقراطية هي السائدة في مجتمعاتنا، فـ”كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، كما يقول المثل الشعبي، ولن تنفع أي اقتراحات في المساهمة بحل المشكلة، لأن الحلول دائماً ما ترتبط بالإرادة الشعبية والرأي العام ومستوى الوعي، وبالتأكيد بالإرادة السياسية للدول والحكومات.. حرية الصحافيين/ات وسلامتهم/ن، هي وجه معياري من وجوه حرية الإنسان والمجتمعات ورفاهها.

 

 

 

 

مصادر مستخدمة:
1- الأمم المتحدة
2- الجزيرة
3- صحيفة جسر

قد يعجبك ايضا