بوتين و الأسد.. شركاء في القول والعمل

جسر – صحافة

قالت عضو المجلس السياسي لحزب “بارناس” (حزب الحرية الشعبية) الروسي المعارض، نجمة إنتفاضة الروس ضد الكرملين 2011 ـــــــ 2012 والكاتبة المسرحية ناتاليا بيليفينا، ل”المدن” إن الروس قليلاً ما يهمهم موضوع سوريا. أما في روسيا تجري الآن حملة “تنظيف شاملة للمعارضة” (وزارة العدل سحبت الربيع الماضي من أحزاب معارضة عديدة تراخيص العمل، وأدرجت آخرين في قائمة “عميل اجنبي”). الطغاة يتمسكون دائماً ببعضهم البعض، ومواجهتهم ستبقى دائماً قضية الشرفاء مهما كان الثمن، كما تقول.

كلام ناتاليا هذا جاء في معرض ردها على الأسئلة التي طرحتها “المدن” على عدد من الكتاب والناشطين السياسيين الروس بمناسبة مصادفة مرور 30 عاماً على سقوط الإتحاد السوفياتي في مثل هذا الشهر من العام 1991.

لم ترد ناتاليا غى الأسئلة المتعلقة بالشراكة الروسية الإيرانية في سوريا والعلاقات الروسية الإسرائيلية، واكتفت بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بسقوط الإتحاد السوفياتي وسوريا. في ردها على السؤال بشأن قول بوتين بأن سقوط الإتحاد السوفياتي كان “أعظم كارثة في القرن العشرين”، قالت بأن بينها وبين بوتين أراء مختلفة بشأن العديد من القضايا، بما فيها هذه القضية. حتى العام 1991 كان الإتحاد السوفياتي قد أصبح ميتاً كتشكيل موحد أكثر مما كان حياً. فلم يعد هناك أساس أيديولوجي مشترك، ولا إمكانيات إقتصادية، وأصبح من غير المجدي مواصلة جر هذه الجثة الهائلة إلى أبعد من ذلك.

“المخابراتي والإمبراطوري بوتين إعتبر هذا الأمر سقوطا، على ما في هذا الإعتبار من سخافة. أما بالنسبة لي فقد كانت تلك النهاية المنطقية الممكنة”.

أما بشأن علاقة روسيا بوتين بالجمهوريات السوفياتية السابقة، فهي محكومة بتلك الطموحات الإمبراطورية عينها، وفي أفضل الأحوال أقامها بوتين من موقع الشقيق الأكبر الشرير. وليس من علاقات طبيعية لبوتين اليوم سوى مع ديكنتنوربات الإتحاد السوفياتي السابق في كازخستان، بيلوروسيا، طاجكستان وأذربيجان. أما أوكرانيا ودول البلطيق فقد فقدتها روسيا لعشرات سنين كثيرة.

وترى ناتاليا أن الإتحاد السوفياتي بقي موجوداً طالما بقي الناس يؤمنون بفكرة الشيوعية. وتقول بأن والدتها كانت ما زالت في الثمانينات تؤمن بأن التجربة الأكبر في التاريخ (بناء الشيوعية البلشفية) سوف تتكلل بالنجاح. وحين بدأ الإيمان يُفقد أصبحت أيام الإتحاد السوفياتي معدودة. كما تعتبر أن التساؤل عن أوالية العوامل الخارجية أو الداخلية في إنهيار الإتحاد السوفياتي هو من باب الثرثرة، لأن من الواضح أو هذه وتلك تسببت في هذا الإنهيار. في الداخل إنهارت الأيديولوجية السوفياتية، وفي الخارج كانت الحرب الأفغانية العبثية، وبعد العام 1985 وإزاحة الستار الحديدي أصبح عدد متزايد من المواطنين السوفيات يعرفون كيف هو الغرب في الواقع. “وكل هذا تجمع في محصلة واحدة”.

الشهر الجاري، هو شهر الشعائر الجنائزية الأخيرة لموت الإتحاد السوفياتي منذ 30 عاماً. وقد شهد نشاطاً إعلاميا وسياسياً كثيفاً في روسيا في هذه المناسبة. فقد أجرت قناة التلفزة الروسية الأولى منتصف الشهر مقابلة مع بوتين تحدث فيها عن هذه السنوية. أصر بوتين على اعتبار هذا السقوط كارثة، لكنها لم تعد “أعظم كارثة في القرن العشرين”، ولم تعد كارثة جيوسياسية، بل أصبحت “كارثة إنسانية” فقط،  تعني “سقوط روسيا التاريخية تحت إسم الإتحاد السوفياتي”. لكنهم في الدوما الروسية (مجلس النواب) مصرون على رأي بوتين السابق، حيث تقدم أحد أحزاب السلطة الأسبوع المنصرم بإقتراح إصدار بيان للمجلس يعتبر سقوط الإتحاد السوفياتي “الكارثة الجيوسياسية الرئيسية في القرن العشرين”. وتذكرت نوفوستي ميخائيل غورباتشوف الذي يحمله الكرملين مسؤولية أساسية في سقوط الإتحاد السوفياتي، وأجرت معه منذ ايام مقابلة ركزت على العلاقات الروسية الأميركية قبل إنطلاق المفاوضات مطالع العام المقبل، وليس على المناسبة. قال غورباتشوف بأن إنهيار الإتحاد السوفياتي خلف الفوضى وإقتصاداً مدمراً، وتساءل كيف يمكن في ظل مثل هذا الوضع أن تبنى علاقات متساوية مع الولايات المتحدة والغرب. كما أن السلوك الإنتصاري للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، دفعهم للتغطرس والثقة المفرطة بالنفس، و”من هنا ظهرت فكرة توسيع الناتو”.

في نص بمناسبة ذكرى مغادرة غورباتشوف الكرملين وإنزال العلم السوفياتي عن الكرملين في 25 من مثل هذا الشهر العام1991، يقول كاتب النص في نوفوستي بأن الحدث لم يثر إهتمام أحد، والصور كانت بمبادرة من المصور لم يطلبها أحد منه، ولم يحتشد جمهور لحضور الحدث التاريخي. وبعد أن تم تسليم  يلتسين الحقيبة النووية ومغادرة غورباتشوف الكرملين، دخل يلتسين مكتبه برفقة إثنين من أنصاره مع زجاجة كونياك ليحتفلوا بالنصر. “وبدأت روسيا الجديدة”.

عضو اللجنة السياسية الإتحادية للحزب الديموقراطي الروسي الموحد ( يابلوكا) المؤرخ والخبير السياسي ليف شلوسبرغ، وفي الإطلالة الأولى لأحد ممثلي هذا الحزب  المعارض في “المدن”، قال في رده على السؤال بشأن رأي بوتين بسقوط الإتحاد السوفياتي بأن الرجل نشأ وتكونت قناعاته في الحقبة السوفياتية، حيث كانت تنشئة “الإنسان السوفياتي” المهمة الرئيسية للتعليم بكافة مستوياته، خاصة في إعداد كادرات جهاز KGB، ولذلك نظرته للحدث “منطقية نماماً”.

ويعتبر المؤرخ أن أولى رئاستي بوتين حتى العام 2008 أفلحتا في إنهاء حرب الشيشان، تجاوز التدهور الإقتصادي العميق، بناء نموذج دولة فدرالية يمكن إدارته، مواصلة النهج الودي حيال الغرب في السياسة الخارجية وإستعادة هيبة السلطة وثقة المواطنين بها. لكن ضم القرم العام 2014 شكل نقطة تحول في تطور البلاد، تبعته سلسلة من العقوبات الإقتصادية الجدية أدت: إلى عزلة دولية فعلية لروسيا، سياسة داخلية لإنتاج بديل المستورد، إنخفاض عام في وتائر التطور الإقتصدي،  إنخفاض سعر الروبل، إرتفاع الأسعار، إنخفاض قدرة المواطين الشرائية. وأفضى كل ذلك مجتمعاً إلى أعمق كساد إقتصادي تعانيه روسيا راهناً يترافق مع صعود الإستبداد السياسي، مما يثير أشد القلق لدى الروس وعدم رغبة جيل الشباب العيش في روسيا.

وعن العلاقات مع الجمهوريات السوفياتية السابقة، وبعد أن يوصّف المؤرخ الوضع الراهن لهذه العلاقات، يقول بأن القيادة الروسية لا تزال ترفض الإقتناع بقدرة معظم هذه الجمهوريات على تحديد سياستها الداخلية والخارجية على نحو مستقل. ويعتبر أنه طالما لم تتغير القيادة في روسيا، لن يطرأ أي تغيير في هذه المسألة.

وحول بقاء الإتحاد السوفياتي طيلة هذه المدة، يسهب المؤرخ في تحليل إستغلال البلاشفة العوامل التاريخية الإجتماعية الإقتصادية في تطور روسيا لترسيخ سلطتهم بالعنف والعزلة. ويكاد يتفق مع كلام ناتاليا أعلاه بشأن أوالية العوامل الداخلية أو الخارجية في السقوط، حيث يمر بالسؤال سريعاً.

وعن تأثير سقوط نظام البلاشفة على الشرق الأوسط، يقول بأن عدداً من دول المنطقة فقد مساعدة مادية وازنة كان يقدمها الإتحاد السوفياتي دون مقابل، خدمة لمصالحه الجيوسياسية الخاصة. وعلى الرغم من تصاعد التوتر الذي تركه هذا السقوط، إلا أن الشرق الأوسط إكتسب حرية أكبر في السياسة الخارجية، حيث لم يعد مضطراً للإلتقات إلى ما يقوله السوفيات.

التورط الروسي في سوريا، يصفه المؤرخ بأنه مغامرة جيوسياسية جدية تكلف موارد كبيرة. لكن السلطات الروسية لا تتوخى سوى مصالحها السياسية الخارجية، تحدوها الرغبة في استعادة النفوذ الروسي في  الشرق الأوسط. ولذلك فإن دور روسيا كوسيط في حل الأزمة السورية لا يستدعي سوى الأسف. ومن المهم للشعب السوري أن يدرك أن لا أحد سواه بوسعه حل الأزمة التي تستغلها روسيا والغرب على قدم المساواة كأداة نفوذ في الشرق الأوسط.

وعن الشراكة الروسية الإيرانية في سوريا، يدعو المؤرخ الشعب السوري لتوخي الحذر الشديد، لأن هذه الشراكة “لن تكون لصالحه على الأرجح”.

يختتم الرجل بالرد على السؤال عن العلاقات الودية مع إسرائيل، فيصفها بأنها علاقات شراكة متينة  راسخة، لكنها تحتوي على جانب داخلي معقد. ويرى أن إسرائيل لن تفسد في يوم من الأيام علاقاتها مع حليفها الرئيسي الولايات المتحدة.

المصدر: موقع المدن


قد يعجبك ايضا