تعرّف على إمبراطورية رامي مخلوف الاقتصادية

مناف قومان*

جسر: متابعات:

خرج آلاف السوريين إلى الشوارع في المحافظات عام 2011 يهتفون “بدنا نحكي على المكشوف سرقنا رامي مخلوف” و”نهبوا البلد على المكشوف آل الأسد مع مخلوف”.

خلال العقد الماضي ومع ترخيص شركة سيريتل في العام 2000 عرف السوريون رامي مخلوف من خلال أعماله المتشعّبة في البلد، ولم يخفِ أحد امتعاضه من رسم الاشتراك الشهري الثابت لخط الهاتف المحمول لاحق الدفع والمقدرة بـ 600 ليرة ما يقارب 120 دولارا آنذاك، علماً أن هذا المبلغ يعد أعلى من الدخل الشهري لما يعادل 75.6% من الأجراء الذين يكسبون أقل من 100 دولار في الشهر، وهو دخل لا يكفي الاحتياجات المطلوبة للغذاء لأسرة مكونة من 5 أفراد، وبلغ أجر العامل بحسب تقديرات في العام 2001 نحو 150 دولارا في الشهر.

جمعت الشركة أموالا سهلة من هذا الرسم تقدر بـ 144 مليون دولار سنوياً، بدون أي تدخل من حكومة الأسد، التي سمحت ومنحت ترخيصا لدخول شركتين لسوق الاتصالات السورية بدون جدوى اقتصادية.

فقد أكدت دراسات الجدوى الاقتصادية في العام 2001 لعقود شركات الاتصالات سيريتل و”إم أي إن” بعد مقارنتها بالخيار الأمثل لاستثمار قطاع الاتصالات في سورية، أن ما يضيع على الدولة خلال الـ15 عامًا المقبلة يقدر بـ400 مليار ليرة، وتحقق الشركتان المتعاقدتان أرباحاً احتكارية وغير عادلة تتراوح بين 200 و300 مليار ليرة.

وللإشارة فمبلغ 200 مليار ليرة يعادل مجموع كتلة الرواتب والأجور والتعويضات لجميع العاملين في وزارات العدل والتعليم العالي والتربية والصحة والشؤون الاجتماعية والعدل، في ذلك الوقت، والذين يعيلون ما يقارب مليون مواطن سوري على مدى 15 سنة كاملة وفقاً لدراسة أعدها المعارض السوري رياض سيف في ذلك الوقت.

أينما تولّي وجهك فثمّة اسم رامي

ارتبط اسم رامي مخلوف بالنفوذ والقوة من خلال بسط سيطرته على كثير من النشاطات الاقتصادية بينها النفط والاتصالات والبنوك والإعلام والسياحة والعقارات والتجارة والاستيراد والوكالات الحصرية وغيرها.

ولا يوجد مبالغة عندما يربط السوريون الاقتصاد السوري باسمه، وأنه أحد أحجار الأساس في اقتصاد البلد التي يستدعي تخلخل أحدها؛ هزة كبيرة تصيب الاقتصاد برمته، إذ تشير تقديرات سيطرته على 7% من الناتج المحلي الإجمالي الذي قدر بنحو 62 مليار دولار في العام 2010، دلالة هذا تأتي من احتكاره أو استحواذه على الحصة الكبرى من العمل في العديد من القطاعات الاقتصادية، وعدم قدرة أي مستثمر أياً كان الدخول للأسواق السورية بدون علمه.

وإذا رفض أي مستثمر الرضوخ لشروطه سيتلقى مضايقات وتأخيرا وعراقيل قد تصل في بعض الأحيان للاستحواذ على الاستثمار، وهو ما أشارت إليه وزارة الخزانة الأميركية بعدما فرضت عقوبات على رامي مخلوف في 2008 إنّ “مخلوف استخدم الترهيب وروابطه الوثيقة بنظام الأسد للحصول على مزايا في مجال الأعمال”، ولُقِّب بـ”السيد 5%” إشارة إلى النسبة المئوية من العمولات التي كان يفرضها على كل مشروع في سورية.

في قطاع الاتصالات يملك رامي مخلوف حوالي 70% من سوق الاتصالات عبر شركة سيريتل التي قُدر صافي أرباحها السنوية في العام 2019 بنحو 59 مليار ليرة (136 مليون دولار على دولار المركزي البالغ 434 ليرة).

وفي قطاع البنوك والصيرفة يملك أسهما في 12 مصرفاً ومؤسسة مالية بينها بنوك عودة وبيبلوس والعربي وفرنس بنك والشام، وتبلغ حصيلة أملاكه في البنوك المدرجة في البورصة السورية حوالي 7 مليارات و370 مليون ليرة موزعة على 15 مليونا و219 ألفا و532 سهما.

وفي قطاع الطيران يملك شركة أجنحة الشام التي تم ترخيصها في العام 2008 والتي تحتكر العمل في سوق النقل الجوي، وتمكنت من التأثير على عمل الشركة السورية للطيران بسبب العقوبات المفروضة على الأخيرة.

في قطاع الطاقة لديه استثمارات عبر شركة “غلف ساندر” البريطانية للنفط تقدر بنسبة 5.7% من أسهمها، وبحسب الشركة نفسها فقد استأجرت مكاتب في دمشق من شركة مملوكة لمخلوف ودفعت رسوما بنحو مليون دولار لشركة أخرى مملوكة له لتقديمها مشورة بشأن تحديد ومتابعة فرص التنقيب في سورية.

وفي قطاع العقارات والإنشاءات يساهم رامي في شركة الفجر بنسبة 10% من أسهمها ولديه شركة باترا والحدائق، واستحوذ فبل الثورة على معظم المشاريع البارزة في وسط دمشق وأبرزها أبراج سورية.

وفي قطاع الإعلام إذا أردت أن تقرأ صحيفة فستجد صحيفة الوطن، وإذا أردت أن تسمع على الراديو سيكون أمامك إذاعة نينار، وفي التلفزيون لديه قناة الدنيا الفضائية، وإن رأيت إعلانات في الطرقات وفي التلفاز من نافلة القول إنها تتبع لشركة “بروميديا” للدعاية والإعلان لصاحبها رامي مخلوف.

وفي قطاع التعليم يملك شركة الشويفات الدولية المعروفة؛ وفي قطاع الصناعة يمتلك شركة “ايلتيل ميدل ايست” و”تبي بي راماك”.

وفي قطاع التجارة لدى رامي مخلوف شركة راماك للأسواق التي تحتكر 7 أسواق في مطاري دمشق وحلب وميناءي اللاذقية وطرطوس وحدود باب الهوى ونصيب ومناطق التجارة الحرة على طول الحدود مع لبنان، وتمتلك تلك الأسواق بضاعة أجنبية لا تدخل لسورية إلا عبرها، ولهذه الأسواق قصة طويلة مع تهريب الدخان، كما استأثر بوكالات حصرية للسيارات وأبرزها مرسيدس وبي إم دبليو.

وفي قطاع السياحة يمتلك شركة المدائن وهو صاحب الغالبية العظمى من شركة شام القابضة التي تملك استثمارات في هذا القطاع من فنادق ومطاعم وعقارات.

ولم ينسَ مخلوف أن يكون له بصمة في مجال الإتاوات عبر شركة شام القابضة في العام 2006 برأسمال 350 مليون دولار وبمساهمة 71 رجل أعمال يملك رامي فيها 50%، إلا أن الشركة لم تعلن عن أي مشاريع واستثمارات في البلد حتى بعد اندلاع الثورة في 2011. ولاحقاً باتت الشركة نافذة إجبارية لرجال الأعمال الراغبين في التعاقد لإنشاء عقارات في دمشق ومحيطها ويتيح للشركة إدارة أملاك الدولة.

رأس الفساد

الخوض في تفسير خطاب رامي مخلوف بأن أعماله وأمواله من الله ويحمده على هذه النعمة، أمر غير مجدٍ، فالقاصي والداني والدول أيضاً تعرف أن ما جمعه تم عبر الفساد، وأن نشاطاته تتصل بموافقة النظام، والمهم هنا أن رامي هو رأس جبل الجليد الظاهر من حجم فساد رجال الأعمال والنظام في سورية.

ويتضح مما أُقر من أملاك مخلوف وخلافه مع نظام الأسد أن سلوك النظام طوال العقود الماضية كان واضحاً في محاباة رجال أعمال يعملون تحت لافتات التنمية والانفتاح والاستثمار والتطوير ولكنهم في الواقع لم يفيدوا سوى حساباتهم المصرفية الشخصية، فتمكنوا من بناء أعمال وجمع ثروة طائلة من الاحتكار والاستغلال والفساد بمعيّة النظام، وقد أطلق على خدمة الدولة لهؤلاء الأشخاص بـ “رأسمالية المحسوبيات”. 

سيتفاجأ السوريون من حجم حسابات هؤلاء المصرفية إذا عُرف أن ثروة رامي مخلوف وحدها تعادل أكثر من 6 مليارات دولار، وقد تم رصدهم من الحكومة الأميركية والحكومات الأوروبية وضمهم إلى قائمة العقوبات جراء مساعدة النظام في أعمال العنف، إذ شملت العقوبات الأوروبية 270 شخصاً لهم صلة بالنظام وخرق العقوبات عليه. ومنهم من يقفون في الصفوف الخلفية يدعمون نظام الأسد لمصالحهم الشخصية والتجارية، وغداً قد يقلِبون مع الثورة بعد رجحان الكفة لها.

أخيراً، لا شك أن ظهور رامي مخلوف بهذه الطريقة سيفتح أو يجب أن يفتح العيون على رجال أعمال آخرين كان لهم اليد الطولى قبل الثورة وخلالها في جمع المليارات على حساب السوريين وتعبهم بعلم النظام وبمساعدته، وهؤلاء تجب محاسبتهم وإعادة الأموال المودعة في الخارج إلى موطنها، وربما تكون هذه الأموال كفيلة بانطلاقة أعمال إعادة الإعمار في سوريا المستقبل.

_____________________________________________________________________________________

*نشر في العربي الجديد اﻻثنين 8 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا