“حماس” في دمشق: التخبط الإخواني!

حازم الأمين

لن يعثر الباحث عن سياق سياسي للقرار الذي أعلنته حركة “حماس” عن إعادتها العلاقة مع النظام في سوريا، على أثر أو وظيفة لهذا القرار سوى أن “حماس” جزءاً من مشهد سياسي غير فلسطيني! فلا المواجهة مع إسرائيل تملي هذه الخطوة، ولا الانحياز لظلامة السوريين مع هذا النظام الرهيب ينسجم مع الرغبة التي أبدتها “حماس”. لكن المذهل أكثر هو أن النظام السوري نفسه لم يبدِ حماسة لهذه الرغبة، ولم يقدم على خطوة لتبريد خطاب “التخوين” الذي اعتمده حيالها منذ مغادرتها دمشق في أعقاب انطلاق الاحتجاجات في العام 2011.

إذاً، ما دافع حركة “حماس” للاقتراب من النظام السوري؟

أجوبة كثيرة يمكن أن يسوقها التحليل، جلها يفضي إلى أن “حماس” ليست أكثر من “ذيل” لأحلاف إقليمية. الخطوة يمكن وضعها في مشهد وقوع الحركة الإخوانية الفلسطينية في قلب هلال النفوذ الإيراني، وأن طهران مارست ضغوطاً لإعادة “حماس” إلى موقعها. هذا الاستنتاج هو الأقرب إلى الواقع، وله من الوقائع التي سبقت القرار أساس. وهنا طبعاً يمكن للمرء أن يستعرض زيارات قيادات الحركة إلى بيروت، ودور حزب الله في ضغوط طهران لدفع الحركة الفلسطينية للعودة إلى “موقعها الطبيعي” في دمشق.

لكن ثمة جانب آخر يجب الانتباه إليه في قرار “حماس”، وهو التقارب البطيء بين النظام في سوريا وبين أنقرة. فـ”حماس” خادم لسيدين، والبعد الإخواني لخطوة الحركة لا يقل أهمية عن حقيقة ارتهانها لطهران. لأنقرة دور في الخطوة، ذاك أن حماس التقطت إشارة منها وباشرت على إثرها الاستجابة لرغبة طهرن.

البحث عن الشرط الفلسطيني للعودة إلى دمشق لن يفضي إلا إلى متاهة، لا بل أن الثمن متوسط الأجل الذي ستدفعه القضية لن يقل عن الثمن الذي سبق أن دفعته عندما قرر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن ينحاز إلى صدام حسين خلال غزوه الكويت. سوء التفاهم بين القضية الفلسطينية والقضيتين العراقية والكويتية ما زال مستمراً إلى اليوم.

لقد قررت “حماس” العودة إلى أحضان سفاح دمشق. جرى ذلك بموازاة مواصلة النظام السوري ارتكاباته، وتكَشف المزيد منها. وجرى أيضاً بموازاة انعقاد مشهد سوري مخترق بقصف إسرائيلي يومي وصامت على المطارات والمدن السورية، وبملامح تجاذب بين روسيا وإيران بدأ يتكشف على نحو واضح.

“حماس” ليست جاهزة للابتعاد بـ”فلسطينها” عن هلالي الانقسام الإقليمي، والإخوان المسلمون، الذين تعتبر الجماعة الفلسطينية أحد أجنحتهم، يعيشون أسوأ أيامهم في كل الدول التي ينشطون فيها. خطوة “حماس”، إذا ما وضعت في المشهد الإخواني العام، ستكون جزءاً من ظاهرة التخبط هذه، لا بل ستكون أسوأ مظاهرها. فالصدع الذي ستخلفه سيكون عميقاً وجوهرياً ولن تقتصر ارتداداته على البيئة الاخوانية، ولنا بالصدع العراقي والكويتي نموذجاً.

لا بأس، فالجماعات التي تشكل “حماس” نموذجاً منها لا تقيم وزناً لهذا النوع من التطلب، ولطالما تقدم ارتهانها لأنظمة الاستبداد على أي شرط سياسي أو أخلاقي آخر، لكن صعوبة أخرى يبدو أنها ستواجه الحركة خلال مسيرة العودة إلى دمشق، ذاك أن النظام السوري نفسه ليس جاهزاً على ما يبدو لابتلاع الخطوة. فالنظام من طبيعة انتقامية، ولا يتمتع بالمرونة التي تطلبها منه طهران، وهو أصاب، خلال قمعه الدموي احتجاجات السوريين، مواقع يصعب معها رأب الصدع الذي تتطلبه عودة “حماس” إلى أحضانه. فالمخيمات الفلسطينية في سوريا كانت بؤراً أساسية لأنشطة الانتفاضة السورية، والنظام وبيئته وأجهزته يفصلهم توتر مع كل ما يمت لفلسطين بصلة، ناهيك عن “الجرح النرجسي” الذي خلفه انسحاب “حماس” من “عاصمة الصمود” وعودتها إلى الحضن الإخواني في العام 2011.

ستواصل إسرائيل قصفها في سوريا أثناء إقامة “حماس” الصامتة فيها، تماماً مثلما تواصل قصفها أثناء إقامة حزب الله في ربوع النظام. وظيفة الإقامتين حماية النظام السوري وضمان قدرته على مواصلة ارتكاباته. لحزب الله روايته عن الإقامة في دمشق. البعد المذهبي ليس سراً، بدءاً من “حماية الأضرحة” ومروراً بتحصين النظام العلوي ووصولاً إلى ضمان موقع نظام ولاية الفقيه.

لن يكون لـ”حماس” روايتها عن هذه الإقامة، باستثناء تلبيتها دعوة طهران. الثمن الذي ستدفعه كبير فعلاً، وهو سيضاعف من مشهد التخبط الإخواني في المشرق والمغرب، وسيصيب إخوان مصر والأردن على نحو ما سيصيب إخوان تونس، وسيكشف عن أن الإخوان بالنسبة لرجب طيب إردوغان ليسوا أكثر من ورقة سيدفعها لقاء أثمان زهيدة في حربه على الأكراد.

المصدر: الحرّة

قد يعجبك ايضا