حينما يُبجّل السوريون “اللصوصَ” في مصياف

جسر – صحافة

من بين 417 تعليقاً على صفحة “الوطن” الموالية للنظام السوري، تناول ملابسات “السطو” على مركز “تكامل” في مصياف، لا يجد المتابع أي تعليقٍ يُدين من قام بهذا الفعل. بل على العكس، تفاعل المعلقون مع الخبر عبر مديح “اللصوص”، وتأييد فعلتهم، وصولاً إلى تشبيههم بـ “روبن هود”، وتوصيف ما قاموا به بأنه “حق مشروع”.

وكان لحادثة “السطو” تلك، خصوصية استفزت سلطات النظام بصورة واضحة، وذلك لثلاثة أسباب. الأول، ما  أُشيع عن أنها وقعت بعد ساعات فقط من بدء تطبيق رفع الدعم عن نحو 600 ألف أسرة سورية، وهو ما دفع إلى الربط بين الحادثة وبين الاستياء الشعبي الجلّي جراء خطوة الحكومة التي اتسمت بالكثير من الفوضى والعشوائية، بدليل عدد الاعتراضات المقدّمة في يومين فقط، عبر نظام الشكاوى الذي وضعته وزارة الاتصالات لهذه الغاية. إذ وصل عدد الاعتراضات إلى 200 ألف. أي حوالي ثلث من تم إخراجهم من الدعم. منهم، بإقرار وزير داخلية النظام، 67 ألف اعتراضٍ مصنف تحت خانة “مستبعد (من الدعم) بسبب السفر”، فيما المواطن المقصود بذلك، متواجد في سوريا.

أما السبب الثاني، لخصوصية حادثة “السطو” المشار إليها، فيرجع إلى التركيبة الديمغرافية لمنطقة مصياف –غربي محافظة حماة-، وحساسية العلاقة بين سكانها. فالمدينة ذات غالبية من أبناء الطائفة الاسماعيلية، يشاركهم سكان علويون وسُنة ومسيحيون. ومحاطة بريفٍ من غالبية علويّة، يشاركهم سكان اسماعيليون وسُنة ومسيحيون. وقد انخرط بعض أبنائها بالحراك الثوري، في بداياته عام 2011، واعتُقل العشرات منهم، فارق بعضهم الحياة تحت التعذيب. في الوقت نفسه، كان لأبناء المنطقة –خاصة من العلويين- نصيب وافر من القتلى في صفوف المدافعين عن النظام.

أما السبب الثالث لخصوصية الحادثة، أنها استهدفت مركزاً لشركة “تكامل”، المسؤولة عن تنفيذ نظام “البطاقة الذكية”، المكروه بشدة من السوريين جراء ما يسببه لهم من إرباكات وإذلال ومعاناة، للحصول على المواد المدعومة. ناهيك عن أن هذه الشركة، موسومة في أوساط السوريين، بارتباطها بـ أسماء الأخرس، زوجة رأس النظام. إذ أن ابن خالتها، مهند الدباغ، شريك رئيسي فيها.

ومن هنا، يمكن فهم سرّ تكرار مَثَل “السارق من السارق كالوارث من أبيه”، الذي ظهر في عشرات التعليقات على خبر حادثة “السطو”. فشركة “تكامل”، أصدرت حتى الآن 4 ملايين بطاقة “ذكية”، تعاقدت مع حكومة النظام، منذ عام 2016، على إصدارها وتنفيذ عملياتها، بكلفة 400 ليرة سورية للبطاقة الواحدة –حسب أرقام قديمة-. ناهيك عن الرسوم التي تحصّلها في كل عملية تسليم لمواد مدعومة.

تفاعلُ الجمهور الموالي مع الحادثة عبر وسائل التواصل، دفع محافظ حماة لإطلاق تصريحات ينفي فيها أية صلة بين “السطو” على مركز “تكامل”، وبين قرار رفع الدعم عن مئات آلاف الأُسر. واستند نفي المحافظ، إلى أن عملية “السطو” وقعت قبل صدور القرار المذكور.

فالترحيب الكثيف من قبل الموالين بحادثة “السطو” -عبر التعليقات في وسائل التواصل- يحمل دلالات عميقة. وهو ما انسحب إلى مستوى أعلى، إذ حذّر إعلاميون موالون من عواقب اقتصادية واجتماعية، وحتى سياسية، جراء طريقة تعامل حكومة النظام مع ملف الدعم. في إشارة واضحة إلى احتمال انفجار الشارع.

وسرعان ما دُعمت تلك التحذيرات بأفعال ميدانية، ما تزال –حتى الساعة- محدودة. إذ شهدت محافظة السويداء، جنوب البلاد، احتجاجات متفرقة أمام أفران الخبز، حيث رفض المحتجون شراءه بالسعر الجديد غير المدعوم (1300 للكيلو، بدلاً من 250 ليرة سورية)، وسط دعوات إلى قطع الطرق، والعصيان المدني.

حكومة النظام حققت ما تريد من هذه الخطوة. فهي حصّلت 1 تريليون ليرة سورية كوفرة مالية جراء ذلك. مما يعني أنها ستتمكن من تغطية ما يقترب من ربع عجز الموازنة العامة للعام 2022. أما التبرير، فهو تجنب مخاطر التمويل بالعجز عن طريق طباعة أوراق نقدية جديدة، تؤدي إلى انهيار اقتصادي كبير وعلى كافة المستويات، وفق وصف وزير الاقتصاد. لكن، إن كان التمويل بالعجز سيؤدي لانخفاض سعر صرف الليرة السورية وبالتالي زيادة الأسعار.. فماذا عن الأثر الاقتصادي المباشر لخطوة رفع الدعم الأخيرة؟

يأتي الجواب وعبر صحيفة موالية، من أحد ممثلي التجار بدمشق –محمد الحلاق-، الذي أكد بأن خطوة رفع الدعم الأخيرة، ستؤدي إلى رفع التكلفة على التجار، الذين سيحمّلونها بدورهم على المستهلك عبر رفع الأسعار. أي أن محاذير التمويل بالعجز، ستقع بالمحصلة، جراء رفع الدعم الأخير. هذا هو الأثر المباشر. أما الأثر بعيد المدى، فهو زيادة صعوبة ممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية في البلاد، بسبب ارتفاع التكاليف، بالتوازي مع انخفاض القدرة الشرائية للسكان، مما سيؤدي للمزيد من هجرة رؤوس الأموال والعمالة الماهرة.

أما النتائج الاجتماعية، فستتمثّل -في حدودها الدنيا- باستمرار ارتفاع معدلات سرقة الممتلكات العامة والخاصة. وهي معدلات تزداد باضطراد، إذ وصلت إلى حدّ إغراق مدينة اللاذقية بالظلام، 22 ساعة يومياً، في الآونة الأخيرة، جراء السرقات المتكررة لكابلات الكهرباء النحاسية.

أما النتائج في حدودها القصوى، اجتماعياً وسياسياً، فقد تصل إلى حد اضطراب العلاقة بين مكونات المجتمعات المختلطة طائفياً، مجدداً، كما حدث في بدايات الثورة. وفي مصياف، التي أُحرق تمثال الأسد الأب فيها، قبل عشر سنوات، وفي شقيقاتها، قد يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى. لكن بدافع “الجوع”، هذه المرة، وليس بدافع “الكرامة”.

المصدر: موقع المدن

قد يعجبك ايضا